ألقى المستشار الدكتور حنفى جبالى رئيس مجلس النواب، كلمة فى ختام الجلسة العامة اليوم بمثابة كلمة وداع لرئاسته لمجلس النواب، حيث أوشك دورالانعقاد الأخير من الفصل التشريع الثانى على الانتهاء.
وتضمنت كلمة جبالى عدة رسائل جاءت كالتالى:
١- نحن نطوى اليوم صفحةً من صفحات العمل البرلمانى الزاخر بالجهد والإخلاص، لا يسعنى إلا أن أقف بينكم موقفَ من يُحاسب نفسه قبل أن يُحاسبه الناس، ومن يتأمل طريقه بعد أن قارب على بلوغ آخره.
٢- لقد شاء الله أن أعيش ما يناهز نصف قرنٍ بين جنبات القانون؛ أتنفس من نصوصه روح العدل، وأستضيء بأحكامه طريق الحكمة، حتى غدا العدل عندى عبادةً تُؤدَّى، وضميرًا يُراقب الله قبل أن يُراقب الناس.
٣- لقد قُدِّر لى أن أتنقّل فى مناصب عدّة، من قاضٍ فى محراب المحكمة الدستورية العليا إلى رئيسٍ لها، ثم إلى هذا المقام الكريم على رأس مجلس النواب.
٤- لم أكن يومًا أسعى إلى وجاهةٍ أو منصب، بل إلى رسالةٍ أؤديها وأمانةٍ أحمِلها، مؤمنًا أن المناصب ظلٌّ زائل، مضيفا وأن البقاء هو لما يُكتب فى سجلّ العمل الصادق.
٥- خدمة الوطن شرفٌ لا يدركه إلا من خدمه بقلبٍ نقى ونيةٍ خالصةٍ وبصيرةٍ تعرف أن الطريق إلى الله يبدأ من إتقان العمل وإخلاص النية، وما كان لخطاى أن تثبت على هذا الطريق لولا أن أحاطنى الله ببطانةٍ صالحةٍ؛ كانوا لى عونًا فى الشدائد، وشركاء فى المسؤولية، يَسْتَظِلّون بالمصلحة العامة، لا بالمصالح الشخصية، ويُوازنون بين الواجب والضمير بميزانٍ لا يميل ولا يجور.
٦- لقد كان هذا المجلس بالنسبة لى بيتًا للضمير الوطني، ومحرابًا للعقل، وميدانًا تتلاقى فيه الإرادات على اختلافها، لكنّها تتوحّد عند عتبة الوطن. لقد وجدت فى أعضائه معارضةً وأغلبيةً ومستقلين ـ خلية عملٍ لا تهدأ، اجتهد فيها الجميع بصدقٍ وإخلاص، فكانت المناقشات ثرية، والحوارات بنّاءة، والنتائج ثمرةَ وعى وتجردٍ وإيمانٍ بالوطن.
٧- اليوم.. وأنا أتهيأ لأن أضع القلم الذى خدمت به الدستور والقانون، وأشارف على مغادرة هذا المقام الذى تشرفت به، لا أحمل فى قلبى إلا الامتنان والسكينة؛ امتنانًا لله أولًا أن بلّغنى هذه المرحلة من العمر فى خدمة الحق والعدل، وسكينةً لأننى أترك مكانى وقد بذلت ما استطعت، موقنًا أن الله وحده يعلم السرائر، ويزن الأعمال بميزانٍ لا يضلّ ولا يظلم.
٨- أوصيكم زملائى الكرام أن تجعلوا الوطن دائمًا نصب أعينكم؛ واعلموا أن المسؤولية العامة ليست ترفًا يُتزيَّن به، بل عبءٌ يُحمَل، وأن الكلمة فى موضع التشريع قد تُقيم وطنًا أو تُسقطه، وأن العدالة التى لا تنبع من الضمير لا تُثمر، ولو أُلبست أثوابًا من القانون.
٩-أسأل الله أن يحفظ مصر من كل سوء، وأن يوفق من يتولى من بعدنا إلى ما فيه الخير والصواب، وأن يجعل على الدوام راية العدل مرفوعة فوق هذه القاعة، وسراج الضمير منيرا فى كل قلبٍ يخدم هذا الوطن.
١٠-أرجو من الله أن تكون كلمتى هذه خاتمةَ رحلةٍ، وبدايةَ عهدٍ جديد، وأن يجعل لى فيكم ذكرًا طيبًا، وأن يكتب لنا جميعًا أن نكون من الذين قال جلَّ وعلا فيهم:
(الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِى الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). صدق الله العظيم