شهدت الجلسة العامة لمجلس النواب، اليوم الخميس، مشهدًا مؤثرًا، حيث ألقى المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، كلمة وداع، وسط تصفيق حار من النواب، قبل أن يعلن رفع الجلسة دون تحديد موعد العودة للانعقاد.
جاءت الكلمة بعد غياب اسم رئيس المجلس عن القائمة الوطنية لانتخابات مجلس النواب المقبلة، ليختم بها جبالي مسيرةً امتدت لأربع سنوات على رأس السلطة التشريعية، في أجواء امتزج فيها التقدير بالامتنان والرمزية بالهدوء.
قال المستشار الدكتور حنفي جبالي في مستهل كلمته: "الإخوة والأخوات نواب شعب مصر؛ ونحن نطوي اليوم صفحةً من صفحات العمل البرلماني الزاخر بالجهد والإخلاص، لا يسعني إلا أن أقف بينكم موقفَ من يُحاسب نفسه قبل أن يُحاسبه الناس، ومن يتأمل طريقه بعد أن قارب على بلوغ آخره".
وأضاف، أنه عاش ما يناهز نصف قرن بين جنبات القانون، تنقل خلالها بين مناصب عدة من قاضٍ في المحكمة الدستورية العليا إلى رئيسٍ لها، ثم إلى رئاسة مجلس النواب، مؤكدًا أنه لم يسعَ يومًا إلى وجاهةٍ أو منصب، بل إلى رسالةٍ يؤديها وأمانةٍ يحملها، إيمانًا منه بأن "المناصب ظلٌّ زائل، والبقاء لما يُكتب في سجلّ العمل الصادق".
وأكد رئيس المجلس، أن خدمة الوطن شرف لا يدركه إلا من خدمه بقلب نقي ونية خالصة، قائلًا: "الطريق إلى الله يبدأ من إتقان العمل وإخلاص النية، وما كان لخطاي أن تثبت على هذا الطريق لولا أن أحاطني الله ببطانةٍ صالحةٍ؛ كانوا لي عونًا في الشدائد وشركاء في المسؤولية، يستظلون بالمصلحة العامة لا بالمصالح الشخصية، ويوازنون بين الواجب والضمير بميزانٍ لا يميل ولا يجور".
وتابع جبالي: "لقد كان هذا المجلس بالنسبة لي بيتًا للضمير الوطني، ومحرابًا للعقل، وميدانًا تتلاقى فيه الإرادات على اختلافها لكنها تتوحد عند عتبة الوطن. وجدت في أعضائه ـ معارضةً وأغلبيةً ومستقلين ـ خلية عملٍ لا تهدأ، اجتهد فيها الجميع بصدقٍ وإخلاص، فكانت المناقشات ثرية، والحوارات بناءة، والنتائج ثمرة وعيٍ وتجردٍ وإيمانٍ بالوطن".
ووجّه جبالي الشكر إلى وكيلي المجلس لما قدماه من جهد في إدارة أعمال البرلمان، مؤكدًا أنهما كانا خير عونٍ وسندٍ في إدارة الجلسات وضبط المداولات، كما وجّه التقدير إلى الأمين العام للمجلس والعاملين بالأمانة العامة، واصفًا إياهم بالعصب النابض للمؤسسة التشريعية.
وقال رئيس مجلس النواب في كلمته: "واليوم وأنا أتهيأ لأن أضع القلم الذي خدمت به الدستور والقانون، وأشارف على مغادرة هذا المقام الذي تشرفت به، لا أحمل في قلبي إلا الامتنان والسكينة؛ امتنانًا لله أولًا أن بلّغني هذه المرحلة من العمر في خدمة الحق والعدل، وسكينةً لأنني أترك مكاني وقد بذلت ما استطعت، موقنًا أن الله وحده يعلم السرائر، ويزن الأعمال بميزانٍ لا يضلّ ولا يظلم".
وأضاف موصيًا النواب: "اجعلوا الوطن دائمًا نصب أعينكم؛ واعلموا أن المسؤولية العامة ليست ترفًا يُتزيَّن به، بل عبءٌ يُحمَل، وأن الكلمة في موضع التشريع قد تُقيم وطنًا أو تُسقطه، وأن العدالة التي لا تنبع من الضمير لا تُثمر ولو أُلبست أثوابًا من القانون."
واختتم جبالي كلمته بالدعاء: "أسأل الله أن يحفظ مصر من كل سوء، وأن يوفق من يتولى من بعدنا إلى ما فيه الخير والصواب، وأن يجعل على الدوام راية العدل مرفوعة فوق هذه القاعة، وسراج الضمير منيرًا في كل قلبٍ يخدم هذا الوطن. وأرجو من الله أن تكون كلمتي هذه خاتمةَ رحلةٍ، وبدايةَ عهدٍ جديد، وأن يجعل لي فيكم ذكرًا طيبًا، وأن يكتب لنا جميعًا أن نكون من الذين قال فيهم سبحانه: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)".
وعقب انتهاء الكلمة، دوّى تصفيق حار من أعضاء المجلس في مشهد إنساني مؤثر، عبّر عن تقدير النواب لرئيسهم، الذي أنهى كلمته بوداعٍ واثقٍ هادئٍ بعد 5 سنوات من العمل تحت قبة البرلمان.