يُعد تنظيم التعويض عن الحبس الاحتياطي نقلة نوعية فى قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الصادر بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسى رقم 172 لسنة 2025، من شأنها حماية حقوق المواطنين، إذ يمثل إحدى أهم الآليات التى تعزز ضمانات رد الاعتبار، فقد أحاط المُشرع الحبس الاحتياطى بضوابط دقيقة تحول دون تحوله إلى عقوبة مستترة تُفرض قبل ثبوت الإدانة، وأرسى فى الوقت ذاته إطارا قانونيا شاملا يكفل جبر الضرر الناجم عن أى حبس غير مبرر، سواء وقع خلال مراحل التحقيق أو نجم عن أحكام قضائية أُلغيت لاحقا، بما يضمن للمتضرر استعادة حقه واعتباره الكاملين.
ويكتسب هذا التنظيم أهميته من كونه ليس مجرد إطار قانونى للتعويض، بل رسالة واضحة بأن العدالة الحقيقية لا تكتمل إلا بجبر الضرر وإعادة الاعتبار لكل من طالته إجراءات جنائية اتضح لاحقا أنها لم تكن قائمة على أساس صحيح.
وفى هذا الصددد، تنطلق المادة (528) من مبدأ عام وهو أن الحرية لا تُمس إلا بقدر الضرورة، وأن أى انتهاك لهذه الحرية يجب أن يقابله حق قانونى فى التعويض.
وبناء على هذا المبدأ، حددت المادة مجموعة من الحالات التى يستحق فيها الشخص تعويضا عن الحبس الاحتياطي، بما يضمن التوازن بين ضرورة التحقيق الجنائى وحماية حقوق المتهم.
وتبدأ المادة بالتأكيد على عدم جواز الحبس الاحتياطى فى القضايا البسيطة التى لا تتناسب عقوباتها مع خطورة الإجراء، مثل الجرائم التى عقوبتها غرامة أو حبس أقل من سنة.
ويُعد هذا التنظيم خطوة مهمة للحد من التوسع فى استخدام الحبس الاحتياطى فى القضايا غير الجسيمة، خاصة إذا كان للمتهم محل إقامة معلوم يحد من احتمالات هروبه.
ثم تنتقل المادة إلى الحالات التى تنتفى فيها أساسا صحة الاتهام، مثل صدور أمر نهائى بألا وجه لإقامة الدعوى لعدم صحة الواقعة، أو صدور حكم بات بالبراءة لأسباب موضوعية تؤكد عدم تجريم الفعل أو عدم وقوعه أصلًا. ويبرز هنا الهدف من النص، وهو رد الاعتبار الكامل لمن ثبتت براءتهم وعدم تحميلهم تبعات اتهامات لم تكن صحيحة من البداية.
ولا يقف النص عند حدود الحبس الاحتياطى فقط، بل يمد نطاق التعويض ليشمل من نفذوا عقوبة سالبة للحرية بموجب حكم أُلغى لاحقا.
وتقضى المادة (528)، بأن يستحق كل من حبس احتياطيا تعويضا فى الحالات الآتية: 1- إذا كانت الواقعة محل الاتهام معاقبا عليها بالغرامة، أو جنحة معاقبا عليها بالحبس مدة تقل عن سنة، وكان للمتهم محل إقامة ثابت ومعلوم فى جمهورية مصر العربية.
2- إذا صدر أمر نه أمر نهائى بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم صحة الواقعة.
3 - إذا صدر حكم بات ببراءته من جميع الاتهامات المنسوبة إليه مبنيا على أن الواقعة غير معاقب عليها، أو غير صحيحة، أو أى أسباب أخرى بخلاف حالات البطلان أو التشكك فى صحة الاتهام أو أسباب الإباحة أو الإعفاء من العقاب أو العفو، أو امتناع المسئولية.
ووفقا للمادة "ويسرى حكم البند (3) من الفقرة الأولى من هذه المادة فى شأن استحقاق تعويض لمن نفذ عقوبة سالبة للحرية صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه.
وفى جميع الأحوال تتحمل الخزانة العامة للدولة التعويضات المشار إليها فى هذه المادة، بشرط ألا يكون طالب التعويض تم حبسه احتياطيا، أو نفذ عقوبة مقيدة للحرية على ذمة قضية أو قضايا أخرى عن فترة مماثلة أو تزيد على مدة الحبس الاحتياطى أو تنفيذ العقوبة محل طلب التعويض".
ولكى يصبح الحق فى التعويض فعليا وليس مجرد نص نظرى، تحدد المادة (529) آلية واضحة لرفع طلب التعويض وفق قواعد قانون المرافعات المدنية والتجارية، بما ويضمن أن تتم معالجة التعويض أمام القضاء وفق إجراءات مستقرة وشفافة، تكفل للمتضرر حقه فى التقاضى والطعن وضمانات الدفاع، بما يعزز جدية النظام الجديد.
وتقضى المادة (529) بأن يرفع طلب التعويض المشار إليه بالمادة 528 من هذا القانون بالطرق المعتادة الرفع الدعاوى، ويتبع فى شأن إجراءاته والحكم فيه والطعن عليه القواعد المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية
ويتضح من الربط بين المادتين أن المشرع لم يقصد منح تعويض مالى فقط، بل أراد إعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات العدالة، من خلال وضع قواعد تحمل الدولة مسؤولية الأخطاء التى تقع أثناء التحقيق أو المحاكمة. ويُعد هذا التصور جزءا من توجه أوسع نحو تعزيز حقوق الإنسان وتأكيد أن الحرية الشخصية ليست محل تهاون.
كما تُسهم هذه الأحكام فى ترشيد استخدام الحبس الاحتياطى، حيث يدرك القائمون على التحقيق أن أى حبس غير مبرر قد يؤدى إلى التزام الدولة بالتعويض، مما يدفعهم إلى دراسة الموقف القانونى للمتهم بحرص أكبر قبل اتخاذ قرار يقيّد حريته.