أصدرت المحكمة الدستورية العليا، حكما فريداً من نوعه، أرست خلاله لعدة مبادئ قضائية بشأن إشكاليات إمتلاك الشئ بعقد غير مسجل ويتصدى للعقارات الغير مسجلة، قالت فيه: "1-مشتري العقار بعقد غير مسجل لا يعد خلفًا خاصًا للبائع أو المؤجر إلا إذا انتقلت إليه الملكية فعلًا بالتسجيل، وقبل ذلك يعد دائنًا شخصيًا للبائع
2-المدين يعتبر ممثلاً لدائنه العادي في الخصومات التي يكون هذا المدين طرفًا فيها، فيفيد الدائن من الحكم الصادر فيها لمصلحة مدينه".
ملحوظة:
حكم دستورية عن المالك بعقد غير مسجل، يتصدى لإشكاليات ـ90% من العقارات غير مسجلة، ويرسى مبدأين قضائيين يتعارضان مع أحكام محكمة النقض، حيث يؤكد أن مشتري العقار بعقد غير مسجل لا يعد خلفًا خاصًا للبائع أو المؤجر إلا إذا انتقلت إليه الملكية فعلًا بالتسجيل، وقبل ذلك يعد دائنًا شخصيًا للبائع، والمدين يعتبر ممثلاً لدائنه العادي في الخصومات التي يكون هذا المدين طرفًا فيها، فيفيد الدائن من الحكم الصادر فيها لمصلحة مدينه، حيث يسجل عقده وفي حالة قيامه برفع دعوي فرز وتجنيب لابد وأن يتم الدفع بعدم قبول الدعوي لعدم تسجيل العقد، ولكن صدرت بعض أحكام نقض عكس هذا، إلا إذا نقل البائع الحق في عقد الايجار الى المشتري الجديد، وقام المشتري الجديد بإعلان المستاجر بحوالة الحق اليه .
صدر الحكم في الدعوى رقم 100 لسنة 23 قضائية دستورية عليا "دستورية"، برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر، وعضوية المستشارين رجب عبد الحكيم سليم، ومحمود محمد غنيم، والدكتور عبد العزيز محمد سالمان، وطارق عبد العليم أبو العطا، وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني، وبحضور كل من المستشار الدكتور عماد طارق البشري، رئيس هيئة المفوضين، وأمانة سر عبد الرحمن حمدي محمود.
الوقائع.. مشترى العقار الجديد يقيم دعوى طرد ضد المستأجر
الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن مورث المدعين أقام أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية الدعوى رقم 542 لسنة 2000 مساكن كلي، ضد المدعى عليها ثانيا، ومورث المدعى عليهم ثالثا، طالبا الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 12 فبراير 1987 سند من أنه اشترى العقار الكائنة به العين محل النزاع بعقد البيع الابتدائي المؤرخ 13 مايو 1996، فأصبح دائنا بالأجرة لشاغلي العقار، وأن المدعى عليها ثانيا استأجرت من مورث المدعى عليهم ثالثا العين المؤجرة بالعقد المؤرخ 12 فبراير 1987، وقد امتنعت عن سداد الأجرة القانونية ومقدارها 41 جنيها شهريا، اعتبارا من 1 يونيو 1996 حتى 30 أكتوبر 1999، رغم إعلانها بحوالة الحق في 21 فبراير 1998، وتكليفها بالوفاء بالأجرة القانونية، فأقام دعواه.
وفى تلك الأثناء - حكمت المحكمة بالطلبات، ثم طعنت المدعى عليها ثانيا في الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 4474 لسنة 56 قضائية، ودفعت بعدم قبول الدعوى محتجة أنها دائنة للمالك السابق بقيمة استكمال الأعمال الناقصة بالشقة محل النزاع، على نحو ما ورد بالحكم الصادر في الدعويين رقمي 207 لسنة 1989 و 2411 لسنة 1990 مستعجل الإسكندرية، خصمًا من الأجرة، وقدم مورث المدعين مذكرة دفع فيها بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (13) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت المورث المدعين بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام هذه الدعوى.
محكمة أول درجة تقضى بالطرد والإخلاء.. والمستأجر يستأنف الحكم لإلغاءه
وحيث إن الفقرة الأخيرة من المادة (13) من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، تنص على أنه: " ويلتزم المالك بتسليم العين المؤجرة صالحة للاستعمال في المواعيد المتفق عليها وإلا جاز للمستأجر بعد إعذار المالك استكمال الأعمال الناقصة بترخيص من قاضي الأمور المستعجلة مع خصم التكاليف من الأجرة، وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أنه لا يجوز قبول الدعوى الدستورية إلا بتوافر الشروط اللازمة لاتصالها بها، وفقا للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، ويندرج تحتها شرط المصلحة التي حددتها المحكمة الدستورية العليا بأنها المصلحة الشخصية المباشرة التي لا يكفي لتحققها أن يكون النص التشريعي المطعون فيه مخالفا للدستور.
المستأجر يؤكد أن امتنع عن دفع الأجرة للمالك الجديد لأنه يُداين المالك القديم بأعمال صيانة
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: بل يجب أن يكون هذا النص - بتطبيقه على المدعي - قد الحق به ضررا مباشرًا، وأن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - إنما يتحدد على ضوء عنصرين أولين، يحددان - معا - مضمونها، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلالهما عن بعضهما البعض لا ينفي تكاملهما، ومن دونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية القوانين واللوائح:
أولهما: أن يقيم المدعي، وفي حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون فيه الدليل على أن ضررًا واقعيا - اقتصاديا أو غيره - قد لحق به، ويجب أن يكون هذا الضرر مباشرًا مستقلاً بعناصره، ممكنا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررا متوهما أو نظريا أو مجهلاً، بما مؤداه أن الرقابة على الدستورية يجب أن تكون موطنا لمواجهة أضرار واقعية؛ بغية ردها وتصفية آثارها القانونية، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها .
ثانيا: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر للنص التشريعي المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعي أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية؛ ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني، بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه عند رفعها.
"الدستورية العليا": مشتري العقار بعقد غير مسجل لا يُعد خلفًا خاصًا للبائع أو المؤجر
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مفاد نص المادة (49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1998، وما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون، أنه ما لم تحدد المحكمة تاريخا آخر لنفاذ أحكامها، فإن الأصل أن قضاءها بعدم الدستورية المتعلق بنص غير جنائي عدا النصوص الضريبية - يكون له أثر رجعي ينسحب إلى الأوضاع والعلائق التي اتصل بها ويؤثر فيها، حتى ما كان منها سابقا على نشره في الجريدة الرسمية، ما لم تكن الحقوق والمراكز القانونية التي ترتبط به قد استقر أمرها، بناء على حكم قضائي بات، أو بانقضاء مدة تقادم تقررت بموجب حكم قضائي بات قبل صدور قضاء المحكمة الدستورية العليا.
وتضيف "المحكمة": وحيث إن من المقرر أن الأحكام المستعجلة وإن كانت مؤقتة بطبيعتها، إذ إنها تتحسس النزاع من ظاهر الأوراق دون المساس بالحق، ومن ثم فهي لا تقيد محكمة الموضوع وهي تفصل في أصل الحق، إلا أن هذا لا يعني جواز إثارة النزاع المؤقت الذي فصل فيه الحكم المستعجل من جديد متى كان مركز الخصوم والظروف التي انتهت بالحكم هي بعينها لم يطرأ عليها أي تغيير، فيحوز هذا الحكم حجية بين الخصوم أنفسهم وخلفهم العام والخاص، كما يحوز هذه الحجية في مواجهة الدائنين لهم؛ لما هو مقرر من أن المدين يعتبر ممثلاً لدائنه العادي في الخصومات التي يكون هذا المدين طرفا فيها، فيفيد الدائن من الحكم الصادر فيها لمصلحة مدينه.
والتسجيل شريطة نقل الملكية
وبحسب "المحكمة": وكان من المقرر - أيضا - أن مشتري العقار بعقد غير مسجل لا يعد خلفًا خاصا للبائع أو المؤجر إلا إذا انتقلت إليه الملكية فعلا بالتسجيل، وقبل ذلك يعد دائنا شخصيًا للبائع متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن المدعى عليها ثانيا قد استصدرت بجلسة 28 أبريل 1991، من محكمة الأمور المستعجلة بالإسكندرية، حكما في الدعوى رقم 2411 لسنة 1990 مستعجل، ضد مورث المدعى عليهم ثالثا، باستكمال الأعمال الناقصة بالعين المؤجرة المبينة بتقرير الخبير المودع في الدعوى رقم 207 لسنة 1989 مستعجل الإسكندرية، خصمًا من الأجرة المستحقة، وذلك قبل انتقال الحق الشخصي إلى مورث المدعين بموجب عقد البيع الابتدائي المؤرخ 13 مايو 1996.
والحيثيات تؤكد: "وقبل ذلك يعد دائنًا شخصيًا للبائع"
وعلى هدي مما تقدم، فإن حجية ذلك الحكم تلزم أطرافه، ومنهم مورث المدعين، بصفته دائنا بحق شخصي لمورث المدعى عليهم ثالثا، المقضي ضده في الحكم المشار إليه، ومن ثم فإن الفصل في دستورية النص المطعون فيه، لا يكون له أثر أو انعكاس على الطلبات في الدعوى الموضوعية والقضاء فيها، بما تنتفي معه المصلحة الشخصية المباشرة للمدعين في الدعوى المعروضة، ولزامه القضاء بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات.