الشارع المصرى في حالة ترقب للتصديق على تعديلات مشروع قانون الإيجار القديم من عدمه، حيث أنه بعد موافقة مجلس النواب النهائية على قانون "إعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر"، المعروف بقانون الإيجار القديم، بدأت الأسئلة تدور في أذهان الملايين من المستأجرين والملاك حول موعد تطبيق القانون ومن هم المستهدفين؟ حيث إنَّ قانون الإيجار القديم يبدأ تطبيقه رسميًا اعتبارًا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وذلك بعد التصديق عليه من رئيس الجمهورية، وبعدها يكون العمل به ساريًا على مستوى الجمهورية.
والقانون الجديد سيُطبق بشكل خاص على المناطق القديمة التي تضم عقارات وإيجارات تجارية قائمة منذ عقود، مثل تلك المُبرمة في ستينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى جميع العقارات المُشيّدة قبل 30 يناير 1996، كما أنَّ القانون الجديد يلغي التشريعات السابقة، وهي قوانين عامي 1977 و1981، حيث أنَّ الهدف هو تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر بشكل أكثر عدالة، كما نصت المادة رقم 5 من القانون على أنَّه اعتبارًا من موعد استحقاق الأجرة الشهرية التالية لتاريخ العمل بهذا القانون تكون القيمة الإيجارية القانونية للأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعية لغير غرض السكنى 5 أمثال القيمة الإيجارية القانونية السارية، على أن تزاد القيمة الإيجارية المحددة وفقًا للمادتين 5 و4 من هذا القانون سنويًا بصفة دورية بنسبة 15%.
إشكاليات مشروع تعديل قانون الايجار القديم
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الإشكاليات القانونية والموضوعية في مشروع تعديل قانون الايجار القديم، حيث أثار مشروع تعديل قانون الإيجار القديم المقدم من الحكومة جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والمجتمعية، لما ينطوي عليه من مساس مباشر بحقوق ملايين المستأجرين، الذين يمثلون شريحة كبيرة من المواطنين المصريين، أغلبهم من الطبقات المتوسطة ومحدودي الدخل، وقد جاء المشروع ليقترح إنهاء عقود الإيجار القديمة خلال مدة زمنية محددة، مع زيادة القيمة الإيجارية بأضعاف مضاعفة، دون توفير ضمانات حقيقية أو بدائل واقعية للمستأجرين، بما يعكس اختلالًا واضحًا في فلسفة التشريع ويهدد الأمن الاجتماعي – بحسب الخبير القانوني السيد شوقى الأدغم، الباحث القانوني بوزارة العدل.
أهم العيوب القانونية والموضوعية التي شابت المشروع المقترح:
أولًا: إنهاء العلاقة الإيجارية بشكل مفاجئ ودون تدرج
في البداية - ينص المشروع على إنهاء العلاقة الإيجارية بعد 7 سنوات للوحدات السكنية، وخمس سنوات لغير السكنية، دون مراحل انتقالية فعلية، وهذا الإنهاء الحاد يمثل خطرًا اجتماعيًا يهدد ملايين الأسر بالتشريد، ويُخالف مبدأ التدرج في تعديل المراكز القانونية، الذي يعد أحد المبادئ الأساسية في التشريع الحديث – وفقا لـ"الأدغم".
ثانيًا: انعدام التوازن بين المالك والمستأجر
جاء المشروع في مجمله منحازًا لصالح الملاك، دون موازنة حقيقية مع مصالح المستأجرين، الذين ارتبطوا بهذه العلاقة التعاقدية على مدى عقود، فالعقود القديمة نشأت في ظروف مختلفة، ورافقها حصول المؤجرين على "خلوات" ومقدمات ضخمة، وتحمل المستأجرين كافة أعباء الصيانة والتشطيب دون مشاركة من الملاك.
ثالثًا: تعارض المشروع مع مبادئ المحكمة الدستورية العليا
أقرت المحكمة الدستورية العليا في أحكام عدة أن الامتداد القانوني لعقود الإيجار القديمة يخضع لضرورات اجتماعية يجب مراعاتها، وأن أي تعديل لا يجوز أن يهدر الحقوق المكتسبة أو يؤدي إلى الإخلاء القسري دون بدائل، بينما أتى مشروع القانون مخالفًا لهذه المبادئ الجوهرية – الكلام لـ"الأدغم".
رابعًا: تجاهل البعد الإنساني والاجتماعي للحق في السكن
السكن ليس مجرد علاقة مالية بل هو حق إنساني أصيل، نصت عليه المواثيق الدولية والدستور المصري، وإنهاء عقود السكن بعد فترة محددة دون تعويض أو بديل يتنافى مع هذا الحق، ويجعل من المستأجر الحلقة الأضعف في علاقة غير متكافئة.
خامسًا: تجاهل واقع العقود القديمة وظروف نشأتها
تكوّنت هذه العلاقة في ظل قوانين ملزمة للطرفين، وكان المالك وقتها يحصل على مقدمات وخلوات ضخمة، ويُشترط عليه التأجير وليس البيع، وقد تحمل المستأجر وحده عبء تحسين العقار والحفاظ عليه دون مساهمة المالك، ما يجعل العلاقة متوازنة اقتصاديًا في أصلها، ولا يجوز تقويضها فجأة – طبقا للخبير القانونى.
سادسًا: إغفال التفرقة بين أنواع المستأجرين
تعامل المشروع مع جميع المستأجرين على قدم المساواة، دون تمييز بين المستأجر السكني والتجاري والإداري، رغم اختلاف المركز القانوني والاحتياج الاجتماعي لكل منهم، وقد يؤدي ذلك إلى إغلاق أنشطة مهنية واقتصادية مهمة تمارس من وحدات قديمة منذ عشرات السنين.
سابعًا: حرمان المستأجر من وقف تنفيذ قرارات الإخلاء
نص المشروع على عدم جواز وقف تنفيذ قرارات الإخلاء أثناء نظر الطعون، وهو ما يتعارض مع مبدأ الحق في التقاضي ومبدأ الرقابة القضائية، ويعرض المستأجر للضرر دون فرصة لعرض دفوعه.
ثامنًا: الزيادة المبالغ فيها في القيمة الإيجارية
نص المشروع على زيادات تصل إلى عشرين ضعفًا للقيمة الحالية، مع زيادات سنوية بنسبة 15%، وهي زيادات لا تتناسب مع متوسط دخول المواطنين أو معدل التضخم الحقيقي، وتحمّل المستأجر أعباء لا طاقة له بها.
تاسعًا: تجاهل فكرة التعويض العادل للمستأجرين
لم ينص المشروع على أي آلية للتعويض العادل للمستأجرين الذين ستنتهي عقودهم رغم ارتباطهم بها لعقود، وهو ما يُخل بمبدأ الأمان التعاقدي، ويعد إخلالًا بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين.
عاشرًا: إلغاء القوانين السابقة دون بديل واقعي
ينص المشروع على إلغاء العمل بالقوانين السابقة بعد سبع سنوات، دون أن يطرح بديلًا حقيقيًا يضمن استمرار العلاقة الإيجارية بشكل عادل، وهذا الإلغاء العام دون بدائل عملية يُعد تقويضًا للبنية التشريعية المستقرة منذ عقود.
حادي عشر: غياب خطة تنفيذية واضحة ومتدرجة
لم يطرح المشروع آلية زمنية لتطبيق التعديلات تتيح للأسر الاستعداد أو البحث عن مساكن بديلة، كما لم يقدم تصورًا عن قدرة الدولة على توفير وحدات بديلة تكفي عدد المتضررين.
ثاني عشر: غياب المشاركة المجتمعية في إعداد المشروع
صدر المشروع دون استشارة أو إشراك النقابات المهنية أو الجمعيات الأهلية أو المستأجرين أنفسهم، ما يفقده المشروعية الاجتماعية ويمهد لرفضه الشعبي.
ثالث عشر: استخدام حالات فردية لتعميم تشريع عام
استندت الحكومة إلى حالات فردية لبعض العقارات المهجورة أو المستأجرين الممتنعين عن الدفع، لصياغة قانون يمس ملايين العقود السليمة، في مخالفة لمبدأ التناسب والعدالة.
رابع عشر: تكرار فشل تجربة الإيجار الجديد
نظام الإيجار الجديد فُرض سابقًا دون تنظيم أو رقابة، وأسفر عن طرد آلاف الأسر من مساكنها، وخلق فوضى سعرية وعدم استقرار، وهو ما يُخشى من تكراره في حالة تطبيق هذا المشروع دون ضوابط.
خامس عشر: فتح الباب أمام التحايل والتلاعب
منح القانون سلطة الإخلاء دون رقابة حقيقية قد يفتح الباب أمام تحايل بعض الملاك، أو استخدامه كأداة ضغط لطرد المستأجرين لأغراض استثمارية، بعيدًا عن العدالة الاجتماعية.
سادس عشر: استفادة الملاك من دعم الدولة في مواد البناء مقابل التأجير لا البيع
من الجدير بالذكر أن الدولة قد دعمت ملاك العقارات، خاصة في العقود التي أُنشئت خلال منتصف القرن العشرين، من خلال توفير مواد البناء الأساسية مثل الحديد والأسمنت بأسعار مدعمة، وذلك في إطار سياسة الدولة الرامية إلى تشجيع التشييد العمراني وتوسيع الرقعة السكنية.
وقد كان هذا الدعم موجّهًا بوجه خاص لمن يقومون ببناء وحدات سكنية بغرض التأجير، وليس بغرض البيع، تعزيزًا لفكرة السكن الميسر، فالدولة لم تكن تهدف من وراء هذا الدعم تحقيق أرباح للملاك، وإنما تحقيق التوازن الاجتماعي عبر توفير وحدات سكنية بأسعار مناسبة للمواطنين، وهو ما يترتب عليه التزام أدبي وقانوني بأن العلاقة الإيجارية نشأت في ظل امتياز مالي مُنح للمالك، مما ينبغي أن يؤخذ في الحسبان عند الحديث عن حقوقه في تعديل أو إنهاء العلاقة الإيجارية، وبالتالي، فإن أي حديث عن إهدار لحقوق الملاك أو إخلال بمبدأ المساواة يجب أن يُراعى فيه أن هؤلاء الملاك قد حصلوا منذ البداية على مزايا اقتصادية من الدولة مقابل الالتزام بعملية التأجير طويل الأمد، وليس البيع، الأمر الذي يحدّ من حُجية التذرّع بمرور الزمن أو تغير القيمة السوقية للوحدة المؤجرة.
خاتمة:
إن مشروع تعديل قانون الإيجار القديم، في صورته الحالية، يكشف عن خلل تشريعي خطير، وانحياز واضح لمصلحة الملاك على حساب فئات مجتمعية واسعة، ولذلك، فإن إنفاذ هذا القانون دون تعديلات جوهرية سيؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية لا تُحمد عقباها، ومن ثم، نوصي بضرورة إعادة النظر فيه من خلال حوار مجتمعي حقيقي، وإعادة صياغة مواده بما يحقق التوازن بين طرفي العلاقة، ويحمي الأمن السكني والاجتماعي لملايين المواطنين المصريين.