قانون العمل ومحكمة النقض - أرشيفية
أصدرت الدائرة العمالية "أ" – بمحكمة النقض – حكماً قضائياً، يهم الموظفين والعمال، يتصدى لإشكالية الفصل من العمل نتيجة الإهمال، رسخت خلاله لمبدأ قضائياً قالت فيه: "1- أن قصور المشرف عن العمل في الإشراف - إن وجد – لابد أن يرقى لمرتبة الخطأ الجسيم الموجب للفصل، أما إذا كان خطأه ليس جسيماً فلا يوجب الفصل.
2- أن خطأ العامل أو سلوكه مسلكاً يفقد ثقة صاحب العمل فيه يُعد سبباً كافياً لإنهاء عقد عمله، إلا أن انعدام الثقة يجب أن يُبنى على أسباب مشروعة وواقعية.
صدر الحكم في الطعن المقيد بجدول المحكمة برقم 11980 لسنة 92 قضائية عمال، لصالح المحامى بالنقض مصطفى زكى، برئاسة المستشار منصور العشري، وعضوية المستشارين بهاء صالح، وأحمد لطفي، وبحضور كل من رئيس النيابة محمود جودة، وأمانة سر محمد عوني النقراشي.

الوقائع.. فصل "مشرف" عن العمل بسبب الإهمال
الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضدها "..." أقامت على الطاعن الدعوى التي آل قيدها برقم 420 لسنة 2021 عمال الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بفصله من العمل لديها، وقالت بياناً لها: إنه من العاملين لديها، وإذ خرج على مقتضيات الواجب الوظيفي وأهمل في أداء عمله بتستر على حارس ثلاجة كرموز المملوكة لها والتي استغلها في تربية الحيوانات والدواجن والأعلاف والأدوية البيطرية، وهو ما يعد خطر جسيماً الحق بها أضراراً جسيمة، فأقامت الدعوى.
وفى تلك الأثناء - قضت المحكمة برفض الطلب مع استمرار الطاعن في عمله، وصرف ما لم يصرف له من مستحقات، ثم استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم لدى محكمة استئناف الاسكندرية بالاستئناف رقم 3050 لسنة 77 قضائية، وبتاريخ 8 مارس 2022 حكمت بإلغاء الحكم المستأنف وأجابت المطعون ضدها لطلبها، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفضه، وإذ عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.

محكمة أول درجة ترفض قرار فصل "الموظف"
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت: وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه قضى بفصله من العمل على سند من إخلاله بالتزاماته الجوهرية الناشئة عن عقد العمل رغم خلو الأوراق من دليل على هذا الإخلال، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن خطأ العامل أو سلوكه مسلكاً يفقد ثقة صاحب العمل فيه يُعد سبباً كافياً لإنهاء عقد عمله، إلا أن انعدام الثقة يجب أن يُبنى على أسباب مشروعة وواقعية، وأنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة استخلاص توافر الخطأ الموجب للمسئولية والضرر وعلاقة السببية بينهما، إلا أنه يجب أن يكون استخلاصها سائغاً، وأن التحقيق الذي يصلح اتخاذه سنداً أساسياً للحكم هو الذي يجري وفقاً للأحكام التي رسمها القانون الشهادة الشهود في المادة "68" وما بعدها من قانون الإثبات، تلك الأحكام التي تقضي بأن التحقيق يحصل أمام المحكمة ذاتها وبمعرفة قاضي يندب لذلك، وتوجب أن يحلف الشاهد اليمين إلى غير ذلك من الضمانات المختلفة التي تكفل حسن سير التحقيق توصلاً إلى الحقيقة، أما ما يُجرى سماعه من أقوال الخصوم أنفسهم أو من شهادة الشهود أمام الخبير أو بمحضر الشرطة أو التحقيقات الإدارية، فلا يُعد تحقيقاً بالمعنى المقصود، إذ هو مجرد إجراء ليس الغرض منه إلا أن يستهدى به كقرينة تعزز أدلة أو قرائن أخرى.
الشركة تستأنف الحكم لإلغائه.. ومحكمة ثانى درجة تستجيب لطلب فصل الموظف
وبحسب "المحكمة": وإذ اكتفى الحكم المطعون فيه في إثبات خطأ الطاعن وإجابة المطعون ضدها لطلبها بفصله إلى ما ورد بالتحقيق الإداري الذي أجرته المطعون ضدها بمعرفة الإدارة القانونية دون أن يعزز هذا التحقيق بثمة أدلة أو قرائن أخرى، يُضاف إلى ذلك أنه لم يثبت من هذا التحقيق وعلى نحو ما ورد بمدونات الحكم الابتدائي تاریخ ارتكاب حارس الثلاجة المخالفات التي تم ضبطها وتوافر العلم بها لدى الطاعن لأنه من الجائز ارتكاب الحارس لتلك المخالفات بعد آخر زيارة كانت محددة للمرور عليه سواء من الطاعن أو غيره من المشرفين، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون فضلاً عن خطئه في تطبيق القانون قد عابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه، دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
الموظف يطعن أمام النقض.. والمحكمة تنصفه
لذلك: نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وحكمت في الاستئناف رقم 3050 لسنة 77 ق الإسكندرية بتأييد الحكم المستأنف، وألزمت المطعون ضدها بمصروفات الطعن ودرجتي التقاضي ومبلغ ثلاثمائة وخمسة وسبعين جنيها مقابل أتعاب المحاماة.
بين طرافة "مزرعة العجول" وتعسف "مقص الرقيب"
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني، مقيم الطعن، المحامى بالنقض مصطفى زكى – في ساحات القضاء، قد تبدأ القضايا بملهاة لكنها تنتهي بمأساة، وواقعتنا اليوم بدأت "بواقعة طريفة" كادت أن تعصف بمستقبل موكلنا المهني، حيث تتلخص القصة في "خفير" قرر أن يتعامل مع أرض الشركة التي يحرسها وكأنها ملكية خاصة، فحولها في غفلة من الزمن إلى "مزرعة عجول" استعداداً لعيد الأضحى، وحين اكتُشف الأمر، لم تفرق مقصلة الفصل بين الفاعل الأصلي وبين "المشرفين" – موكلنا - بدعوى الإهمال الجسيم.
التحدي: استلام الراية في الوقت الضائع
ويضيف "زكى" في تصريح لـ"برلماني": شرفنا بتولي أمانة الدفاع في هذه القضية في مرحلة الطعن بالنقض، وكان الموقف القانوني عند استلام الملف أشبه بمن يسير في حقل ألغام لسببين كفيلين بانهيار أي قضية:
1-رأي نيابة النقض: وجدنا أن النيابة قد أودعت مذكرتها وانتهت فيها إلى الرأي (برفض الطعن)، وهو رأي له وزنه الثقيل أمام المحكمة.
2-الفراغ المستندي: الكارثة الأكبر أن صحيفة الطعن قُدمت سابقاً خالية تماماً من المستندات المؤيدة لها، وهو خطأ إجرائي قاتل غالباً ما يؤدي لخسارة الطعن.
استراتيجية الدفاع: قوة الكلمة والحضور
ويوضح "زكى": أمام هذا الوضع شبه الميؤوس منه ورقياً، تيقناً أن الاعتماد على الأوراق المودعة سلفاً يعني الخسارة المحتمة، وهنا تجلت أهمية الحضور والمرافعة أمام محكمة النقض، وقفنا أمام عدالة المحكمة، وبمجهود وتنسيق قانوني رفيع المستوى مع المحامين الأجلاء شركاء النجاح أحمد يسرى، وأحمد الزينى، قدمنا مذكرة مرافعة "مكتوبة وشفوية" أثناء الجلسة، كانت هي "الوثيقة المنقذة"، تداركنا فيها قصور المستندات، وفندنا رأي النيابة، وأوضحنا للمحكمة ما عجز الملف الصامت عن قوله:
1- أن إقرار الخفير بملكيته للعجول ينفي الشراكة أو التواطؤ.
2- أن قصور الإشراف -إن وجد- لا يرقى لمرتبة "الخطأ الجسيم" الموجب للفصل.

الحكم والدرس المستفاد:
وتابع: استمعت عدالة المحكمة لصوت الدفاع، وتجاوزت عن رأي النيابة وعن خلو الملف الأولي، لتقضي بنقض الحكم المطعون فيه وتأييد حكم أول درجة بعودة العامل لعمله، وهذا درس عملي لكل زميل: لا تستهن أبداً بالحضور والمرافعة أمام محكمة النقض؛ فهي ليست محكمة أوراق فقط، بل هي منبر قد يقلب الموازين ويصحح المسار في اللحظات الأخيرة.
أهم ما ورد بمذكـرة الدفـاع
السبب الأول هو الفساد في الاستدلال:
فقد انتهت محكمة الاستئناف بإلغاء حكم أول درجة على سند أن الطاعن اهمل في وجبات وظيفته، مما أدى الي ضرر جسيم للشركة تمثل في "التعدي على أملاكها والأضرار بالأرض والانتفاع بها دون وجه حق"، وخلا الحكم الطعين وخلت الأوراق من "ركن الضرر الجسيم"، كما خلت من التالى:
1- ما يفيد التعدي على الأملاك وخاصة أن حكم أول درجة والأوراق اثبتت أن لجنة التفتيش دخلت دون ممناعة.
2- الأضرار بالأرض وخلت الأوراق من ذلك.
3- الواجبات الوظيفية للطاعن وخاصة أن التحقيقات وحكم أول درجة اثبت لحقيقة قاطعة أنه مشرف على جميع ثلاجات الشركة بالإسكندرية بالإضافة لمهامه الأخرى وأن مسؤليته اشرافية وأن الكثير يشرفوا على الخفير.. فلماذا يسأل دون الآخرين؟
4- خلا تماماً من قيمة الضرر ومقداره.
5- خلا تماماً من أسباب ترد على الغاءه أسباب حكم أول درجة والتي استندت لأقوال الشهود ودور الطاعن الاشرافي وشيوع المسئولية.

فقد سبق وانتهت محكمة أول درجة: "وكان الثابت للمحكمة بمطالعة المستندات المقدمة من الشركة المدعية المرفقة بالأوراق ومنها صورة رسمية من التحقيق الداخلي للشركة المدعية والثابت به سؤال الخفير الذي أفاد بأنه الحارس على أرض ثلاجة كرموز، كما أقر واعترف بإستغلال الأرض المملوكة للشركة في تربية العجول والدواجن والمتاجرة بالأدوية البيطرية والعقاقير والأعلاف.
وبسؤال المدعى عليه قرر: بأنه المكلف بمتابعة أحوال الأمن بمنطقة الإسكندرية، وأفاد بورود اتصال هاتفي له بوجود لجنة من الإدارة المركزية بالعباسية بمرورها وعثورها على عدد ثلاثة عجول بقرى ودواجن داخل أرض الثلاجة، وأن أخر مرور له على أرض الثلاجة كان في شهر مارس لسنة 2020، وأضاف بعدم رؤيته أثناء تلك الفقرة لأى عجول داخل أرض الثلاجة، بسؤال أحد العاملين بالشركة المدعية قرر بأن المسئول عن المرور على أرض ثلاجة كرموز المدعو "هادى. أ"، لأنه المسئول عن جميع ثلاجات الشركة بالإسكندرية.

وبسؤال أحد العاملين بالشركة قرر: بأنه حال توجه رفقة رئيس قطاع الشئون الإدارية بالشركة الى أرض ثلاجة كرموز عثر على عدد ثلاثة عجول بقرى ودواجن وعقاقير طبية واعلاف، ووجد شخص يريد اعطاء مبلغ مالي قدره 600 جنيه للخفير باقي قيمة أعلاف وعقاقير تخص العجول والدواجن الموجودة داخل أرض الثلاجة، وأضاف بإقرار الخفير بإمتلاكه لتلك العجول والدواجن والعقاقير والأعلاف.
وهو الأمر البين معه للمحكمة من مطالعة تلك التحقيقات وما خلصت اليه منها خلو أوراق الدعوى من ما يفيد تواطؤ أو تستر من المدعى عليه أو اشتراك مع الخفير في واقعة قيام الأخير بتربية العجول والدجاج داخل أرض ثلاجة كرموز الخاصة بالشركة المدعية، فضلاً وأن الثابت بأن مسؤلية المدعى عليه في الأشراف والرقابة على أرض ثلاجة كرموز ملك الشركة محل الواقعة هي ليست مسؤليته المباشرة وحده لإشتراك آخرين معه في المسؤلية، وأن الثابت بأن مسؤلية المدعى عليه عن اعمال الأمن هي خاصة بمحافظة الاسكندرية على العموم، وليست قاصرة على الأرض محل تلك الواقعة، وهو ما تستخلص معه المحكمة بأن ما نسب للمدعى عليه من الاهمال في تلك الواقعة لم يبلغ حدا من الجسامة بما يشكل خطأ جسيما من المدعى عليه يستوجب فصله من عمله، وحيث لم يترتب على تلك الواقعة ثمة تعطيل أو تكدير لسير العمل بالشركة، لاسيما وأن ذلك الخطا انف البيان المنسوب للمدعى عليه لم يفقده عنصرى الثقة والأمانة الواجب توافرهما في الموظف والعامل، ومن ثم فلا يجوز فصل العامل المدعي عليه لتلك الأسباب، الأمر الذي يكون معه المدعي بصفته قد أقام دعواه بغير سند صحيح.

السبب الثاني: خلو الحكم الطعين من أسباب حكم تثبت الخطأ الجسيم للعامل
حيث الثابت بالأوراق إقرار الخفير أن العجول الثلاثة ملكه "وحده"، وخلت الأوراق من اشتراك الطاعن له في نشاطه أو تستره عليه، فالثابت من حكم أول درجة والتحقيقات، هو إقرار الغفير بمسؤليته المنفردة وعدم اشتراك آخرين معه، إلا أن الحكم الطعين اعرض عن ذلك واستند لأسباب واهية لا تؤدي للغرض منها، وأن حكم أول درجة نفى وجود أسباب.
السبب الثالث: مخالفة الحكم الطعين:
مخالفة الحكم الطعين لحكم أخر حاز للحجية قبله عن ذات النزاع، حيث أن قرار الفصل شمل زميل للطاعن ويسمى "خضر. ه"، وصدر له حكم من محكمة الاستئناف بتاريخ 27/9/2021، وذلك قبل الحكم الطعين بإلغاء قرار فصله، لأن الخطأ الوحيد الجسيم في الأوراق هو خطأ الغفير وليس الطاعن.
السبب الرابع: الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون
انتهى إلى مجرد عدم مرور الطاعن على المخزن يبيح للشركة إنهاء العقد دون أن يقيم الدليل على فقدان الثقة، ودون أن يبحث الحكم الطعين ويراقب توافر فقدان الثقة من عدمه، ودون أن يبحث ما هى وظيفة الطاعن بالشركة ومدى تأثير اتهامه، ودون أن يبحث أن الشركة عجزت عن إثبات فقدان الثقة ولم تدلل عليه.
السبب الخامس: الفساد في الاستدلال وانعدام التسبيب
عدم استظهار لائحة العمل واجبة التطبيق، وما تضمنته من جزاءات على عدم المرور على المخزن، ومواعيد المرور، وكيفية المرور والجزاء عن كل حالة.









