الانتخابات البرلمانية - أرشيفية
بالأمس قضت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بعدم قبول 3 طعون مقدمة ضد نتائج الجولة الأولى من المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025، بينما قررت حجز 257 طعنًا للحكم في جلسة 10 ديسمبر، بعد مراجعة ملفاتها والاستماع لمرافعات الخصوم على مدار 10 ساعات، كما شهدت أيضًا إحالة 40 طعنًا إلى محكمة النقض للاختصاص النوعي، وتشمل دوائر من القاهرة والشرقية ودمياط، وهي دوائر أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات فوز مرشحين بها من الجولة الأولى، ليعتبر ذلك طعن على صحة عضوية نائب اعلن فوزه رسميا.
وخلال الجلسة تسلّمت الدائرة الأولى بالمحكمة ملفات الطعون كاملة، بما يتضمن محاضر لجان الفرز، المستندات الرسمية، التقارير الفنية، ومذكرات الدفاع، إلى جانب ما قدمته هيئة قضايا الدولة نيابة عن الهيئة الوطنية للانتخابات بشأن أعمال الفرز في الدوائر المطعون عليها، واستمعت المحكمة إلى مرافعات موسعة من الطاعنين تضمنت: "التشكيك في صحة إجراءات الفرز، والاعتراض على الأرقام الرسمية المعلنة، والادعاء بوجود أخطاء مؤثرة في محاضر اللجان، وومزاعم بوقوع تجاوزات خلال عملية الاقتراع".
لفهم الوضع القانوني.. سلطة محكمة النقض في الفصل بصحة العضوية وبطلانها
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الوضع القانوني لسلطة محكمة النقض في الفصل صحة العضوية وبطلانها حيث أنه ليس من طبائع دولة القانون أن تُترك المنازعات الانتخابية، بما تمثّله من صميم الشرعية الدستورية، للمجاملة أو المواءمة أو حسابات المؤسسات، فصحة عضوية نائب في مجلس النواب ليست امتيازًا سياسيًا، بل هي حقيقة قانونية لا تستقر إلا إذا مرّت على ميزان القضاء، ذلك لأن المشرّع الدستوري أراد أن يحصّن الإرادة الشعبية من العبث، فأوكل رقابتها إلى جهة واحدة لا تُجامل ولا تُساوم محكمة النقض – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض الدكتور حسن عبدالكريم البطران.
في البداية - منذ اللحظة التي نصّ فيها الدستور في المادة 107 على أن محكمة النقض: "تختص بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، وتكون قراراتها نهائية وغير قابلة للطعن"، أصبح باب الاجتهاد في هذه النقطة مغلقًا، وأضحى القول بأن "المجلس سيد قراره" — في شأن صحة العضوية — قولًا لا يستقيم مع صحيح الدستور ولا مع فلسفته، فسيادة القرار البرلماني تقتصر على شؤونه الداخلية ولائحته وتنظيمه، أما صحة العضوية فهي منازعة انتخابية ذات صفة دستورية وقضائية خالصة، لا يملك المجلس أن يفصل فيها أو يعطل حكمًا صادرًا بشأنها – وفقا لـ"البطران".
محكمة النقض وحراسة الشرعية الانتخابية
والقضاء المصري، على رسوخ تقاليده، قد رسّخ هذا المبدأ فيما بين يديه من طعون؛ فقضى — في أحكام متعاقبة — ببطلان عضوية عدد من النواب، وأوجب على المجلس تنفيذ الحكم باعتباره حكمًا قضائيًا واجب النفاذ بذاته، لا يمر عبر بوابة التصويت أو الملاءمة، وقد شهدت الدوائر الانتخابية وقائع صارخة، ثبت فيها أن الأخطاء في الفرز أو العد أو الإجراءات أثّرت في النتيجة النهائية، فكان لزامًا على النقض أن تعيد الحق إلى موضعه، وأن تعيد ترتيب الكفة، لا بوصفها سلطة فوق سلطة، بل باعتبارها حارسة الشرعية الانتخابية – هكذا يقول "البطران".
ومن الأسئلة الجوهرية التي تُطرح في هذا السياق:
ماذا لو حكمت محكمة النقض ببطلان عضوية نائب أُعلن فوزه، بينما كانت الهيئة الوطنية للانتخابات قد استعجلت إجراء الإعادة في الدائرة؟
يُجيب "البطران": هنا ليست محل اجتهاد، فالبطلان الصادر عن محكمة النقض يسري بأثر مباشر على المركز القانوني للنائب، بغضّ النظر عن الإجراءات التي اتخذتها الهيئة الوطنية، فحتى لو استعجلت الهيئة إجراء الإعادة، أو أصدرت إعلانًا رسميًا بالنتيجة، فإن حكم النقض — باعتباره حكمًا دستوريّ الاختصاص — ينهار أمامه كل ما بُني على الخطأ، فالعبرة ليست بسرعة الإجراءات، بل بسلامتها، وإذا كان أساس صحة العضوية غير قائم، فإن كل ما ترتب على الإعلان الأول يُعدّ معدومًا، وتلتزم الهيئة بإعادة تصحيح المسار وفق ما تقضي به النقض، سواء بإعادة الانتخابات من جديد، أو بإعلان فوز مرشح آخر ثبتت أحقيته – طبقا للخبير القانونى.

وهنا يتأكد أن الإرادة الشعبية لا تُختطف تحت ضغط الوقت، ولا تُبنى على فعل متعجل، وأن القاضي الطبيعي هو الذي يعيد الأمور إلى نصابها، ولو جاءت سلطات أخرى على خلاف ذلك، فالنزاع الانتخابي لا يُحسم بالسرعة، بل بالحقيقة، كما إن جوهر المسألة ليس مقعدًا يُمنح أو يُنتزع، بل هو حماية الإرادة العامة من أي انحراف، وضمان ألا يدخل المجلس نائبٌ عن نتيجة شابها خطأ أو تزوير أو مخالفة للقانون، فالنائب لا يكتسب مركزه القانوني بمجرّد إعلان فوزه، بل يكتسبه بعد سلامة انتخابه، وهذه السلامة لا تُفترض، بل تُثبت – كما يرى "البطران".
المجلس هو سيد قراره فيما يخصه فقط
ولئن حاول البعض في مراحل سابقة أن يستعيد المقولة القديمة بأن "المجلس هو سيد قراره"، فإن تلك العبارة — على ما كان لها من حضور في الدساتير الماضية — لم تعد قائمة في ظل الدستور القائم، الذي تعمّد أن ينزع عن المجلس هذا الاختصاص، وأن يسنده إلى جهة قضائية مستقلة، حتى يظل باب المجلس مُحصّنًا من أي شبهة مجاملة أو ضغط سياسي، ويظل حق الناخب مصونًا لا يُمسّ، حيث إن احترام أحكام محكمة النقض ليس فضلًا تُسديه السلطة التشريعية للقضاء، بل هو التزام دستوري مباشر، فالحكم الصادر بإبطال عضوية نائب يسقط مقعده فور إبلاغ المجلس بالحكم، وتُعد أعماله السابقة صحيحة مراعاةً لمبدأ استقرار الأوضاع، لكن مركزه القانوني يزول، وتصبح الدائرة أمام إعادة أو انتخابات تكميلية حسب ما يحدده الحكم – الكلام لـ"البطران".
الخبير القانوني والمحامى بالنقض الدكتور حسن عبدالكريم البطران
وهكذا تتكامل الصورة:
1-قضاء متخصص يحرس الشرعية.
2-وبرلمان يمارس اختصاصاته في حدود ما رسمه الدستور.
3-ودولة تُبنى على الفصل بين السلطات، لا على تنازعها.
وفى الأخير يؤكد: فالعدل في هذا الموضع ليس رفاهية، بل هو حصن الإرادة الشعبية، وركن أصيل من أركان الشرعية الدستورية التي لا تستقيم بغير احترام حكم القضاء، ولا تستقر بغير محكمة النقض، التي تبقى — بنص الدستور — كلمة الفصل في صحة العضوية وبطلانها.

سيناريو ما بعد الطعون… كيف يمكن أن يعيد المسار الدستوري تشكيل المشهد السياسي؟
فيما أكد اللواء عبد العزيز قطاطو، رئيس مركز ومدينة كوم حمادة، أن الطعون المتصاعدة ضد نظام القائمة المطلقة تضع العملية الانتخابية أمام مسار دستوري واضح تحكمه نصوص صريحة في الدستور والقانون، فالخطوة الأولى تتمثل في لجوء الطاعنين إلى محكمة النقض باعتبارها الجهة المختصة بالفصل في صحة العضوية، تطبيقا"لنص المادة 107 من الدستور .
وبحسب "قطاطو" في تصريحات صحفية: وخلال نظر الطعون، إذا تبين للمحكمة وجود شبهة بعدم دستورية النصوص المنظمة للإنتخابات، تصبح مُلزمة بإحالة المسألة مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا، وفقًا لنص المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية رقم 48 لسنة 1979، التي تتيح لأي محكمة أن تُحيل النص المطعون عليه إذا تراءى لها تعارضه مع الدستور.
المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية
وبضيف "قطاطو": وإذا قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات—وهو احتمال وارد في ظل ما شاب النظام من عيوب جوهرية—فإن أثر هذا الحكم يصبح ملزم لجميع سلطات الدولة وللكافة فور نشره، استنادًا إلى المادة 195 من الدستور، كما تؤكد المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية أن الحكم بعدم الدستورية يترتب عليه عدم تطبيق النص من اليوم التالي لنشر الحكم، وهو أثر يمتد إلى البرلمان ذاته إذا كان تكوينه قد تم بناءً على نص ثبت بطلانه.
وتابع: وبناءً على ذلك، فإن الحكم بعدم دستورية الأساس القانوني الذي أُجريت على أساسه الانتخابات يؤدي منطقيًا إلى حل مجلس النواب بالكامل، لانتفاء المشروعية الدستورية للطريق الذي جاء من خلاله، وبحل المجلس، تنتقل سلطة التشريع مؤقتًا إلى رئيس الجمهورية وفقًا لنص المادة 156 من الدستور، التي تمنح الرئيس سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون عند غياب البرلمان، على أن تُعرض لاحقًا على المجلس فور انتخابه.
اللواء عبد العزيز قطاطو، رئيس مركز ومدينة كوم حمادة
متى يكون تعديل قانون الانتخابات ضرورة لا مفر منها؟
وفي هذه المرحلة، يصبح تعديل قانون الانتخابات ضرورة لا مفر منها، سواء بإعادة ضبط تقسيم الدوائر، أو إعادة النظر في نظام القائمة المغلقة، أو تبني آليات تضمن تمثيلًا أكثر عدالة وتعبيرًا عن الإرادة الشعبية - وفي النهاية - يظل الإصلاح السياسي الحقيقي مرتبطًا بنصوص سليمة وإجراءات دستورية راسخة، وببرلمان يأتي بإرادة نزيهة لا يشوبها خلل دستوري، فالدستور واضح: أحكام الدستورية نهائية، وملزمة، ولا يمكن الالتفاف عليه.
