المدن الذكية - أرشيفية
المدن الحديثة أصبحت تواجه تحديات كبيرة ومتزايدة في ظل الكثافة السكانية العالية، والنمو العمراني السريع، والتهديدات الأمنية والبيئية، وللتعامل مع هذه التحديات، ظهرَ مفهوم ما يُطلق عليه بسلامة المدن الذكية بوصفه جزءاً أساسياً من التحول الرقمي، فمن خلال المستشعرات الموزعة في الشوارع والمباني، والأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، باتت المدن قادرة على التنبؤ بالمخاطر، والاستجابة للحوادث بسرعة، وتوفير بيئة أكثر أماناً لملايين السكان.
والمدن الذكية في حقيقة الأمر هي مدن مجهزة بتقنيات المعلومات والاتصالات "تكنولوجيا المعلومات" والابتكارات الحديثة، بهدف تحسين جودة حياة سكانها وتعزيز فعالية الخدمات الحكومية والبنية التحتية، تتسم المدن الذكية بالاستخدام الفعّال للبيانات والتحليلات والتكنولوجيا لتحسين تجربة السكان وتعزيز الاستدامة والكفاءة، وتشير سلامة المدن الذكية إلى مجموعة من الاستراتيجيات والأنظمة الرقمية التي توظِّف التكنولوجيا لحماية السكان وتعزيز الأمن العام في البيئات الحضرية، فالفكرة لا تقوم على المراقبة التقليدية فقط؛ بل على دمج المستشعرات الذكية، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء في شبكة مترابطة قادرة على جمع وتحليل البيانات تحليلاً لحظياً، ثم اتخاذ قرارات استباقية تمنع وقوع المخاطر أو تحد من آثارها.
المدن الذكية: حين تصبح الشوارع وكاميرات المراقبة هدفًا للهجمات السيبرانية
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على المدن الذكية، وإشكالية أن تصبح الشوارع وكاميرات المراقبة هدفًا للهجمات السيبرانية، حيث تبدو المدن الذكية وكأنها معادلة مثالية بين التكنولوجيا والرفاهية، فهي تَعِدُ سكانها بنقل أسرع، وخدمات أكثر كفاءة، وأمن أشد صرامة بفضل الكاميرات وأنظمة الاستشعار والمتحسسات المنتشرة في كل زاوية؛ لكن خلف هذا المشهد المشرق، يختبئ تهديد لا يقل خطورة عن أي تهديد تقليدي، وهو الهجمات السيبرانية التي قد تحول هذه البنية التحتية المتطورة إلى أداة بيد القراصنة، فالشوارع التي صُممت لتكون أكثر أمانًا، والكاميرات التي نُصبت لحماية الناس، قد تصبح نفسها هدفًا للهجوم إذا غابت الحماية الرقمية – بحسب أستاذ القانون الجنائى العام والمتخصص في الأمن السيبراني الدكتور أثير هلال الدليمي.
في البداية - لقد شهد العالم بالفعل أمثلة صادمة على هذه المخاطر، ففي الولايات المتحدة عام 2016، تمكن قراصنة من تشغيل صفارات الإنذار في مدينة "دالاس" بشكل جماعي في منتصف الليل، مما أدخل السكان في حالة من الذعر؛ وفي أوكرانيا، أدى هجوم إلكتروني إلى تعطيل شبكة الكهرباء وقطع التيار عن مئات الآلاف من المنازل، مما برهن أن الهجمات السيبرانية يمكن أن تشل حياة مدينة كاملة حتى أن كاميرات المراقبة لم تنجُ، ففي حادثة أخرى جرى اختراق آلاف الكاميرات حول العالم وبث مشاهدها على الإنترنت، وهو ما شكل انتهاكًا مباشرًا لخصوصية الناس وأمنهم – وفقا لـ"الدليمى".
من الناحية العلمية: تعتمد هذه الهجمات على ثغرات تقنية في أجهزة الاستشعار أو في الشبكات التي تربطها، وبمجرد الدخول إلى النظام، يمكن للقراصنة التلاعب بإشارات المرور أو مراقبة تحركات الناس أو حتى تعطيل خدمات أساسية مثل المياه والكهرباء، حيث إن قوة المدن الذكية تكمن في اتصال أنظمتها ببعضها البعض، لكن هذه الميزة نفسها قد تتحول إلى نقطة ضعف، إذ إن اختراق جزء واحد قد يفتح الباب للسيطرة على أنظمة أخرى مترابطة – هكذا يقول "الدليمى".
المدن الذكية من الناحية القانونية
أما من الجانب القانوني: فإن حماية المدن الذكية تدخل في صميم مسؤولية الدولة، لأنها جزء من البنية التحتية الوطنية التي تمس الأمن القومي والسيادة؛ ولهذا باتت التشريعات الخاصة بالأمن السيبراني تلزم الحكومات باتخاذ إجراءات لحماية شبكاتها وأنظمتها الحيوية، حيث إن المسؤولية لا تقع على عاتق الدولة وحدها، بل تشمل أيضًا الشركات المصنّعة ومزوّدي الخدمات الرقمية، فإذا اخفقت هذه الجهات في تأمين منتجاتها، فإنها قد تتحمل المسؤولية القانونية عن الأضرار الناجمة، وهنا يبرز تحدي صياغة تشريعات متوازنة تحدد بدقة واجبات كل طرف، وتفرض عقوبات على أي إهمال يؤدي إلى تعريض المجتمع للخطر – طبقا للخبير المتخصص في الأمن السيبراني .
التوصيات العملية التي يمكن أن تجعل المدن الذكية أكثر أمانًا
ولمواجهة هذه التهديدات، تبرز مجموعة من التوصيات العملية التي يمكن أن تجعل المدن الذكية أكثر أمانًا:
1- اعتماد أنظمة تشفير متطورة لحماية البيانات.
2- إدماج الذكاء الاصطناعي لرصد الهجمات مبكرًا.
3- وضع خطط طوارئ واضحة للتعامل مع الاختراقات.
4- تعزيز التعاون الدولي في تبادل المعلومات، وأخيرًا نشر الوعي بين المواطنين والعاملين على حد سواء، لأن الإهمال الفردي قد يكون المدخل الأول لأي اختراق.
وتبدو حماية المدن الذكية – الكلام لـ"الدليمى" - مسؤولية الحكومات والمؤسسات الكبرى، لكن دورنا كمستخدمين ومستفيدين لا يقل أهمية، كلمة مرور قوية، ووعي بخطورة مشاركة البيانات، والتزام بسيط بإجراءات الحماية الرقمية يمكن أن يسد ثغرة قد يستغلها مهاجم؛ فكما أن المدينة الذكية صممت لخدمتنا وتوفير الأمن لنا، فإن جزءًا من هذا الأمن يبدأ من وعينا نحن، لأن الامن الرقمي يبنى بجهد جماعي، وليس فقط بجدران تقنية أو قوانين صارمة.
تعريف الاتحاد الدولي للاتصالات "ITU"
وفى الحقيقة المدن الذكية تُعد أكثر فعالية وكفاءة وحيوية من مراكز المدن التقليدية في القرن العشرين؛ فوفقاً لتعريف الاتحاد الدولي للاتصالات "ITU" فإن المدينة الذكية هي مدينة مبتكرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسن من جودة ونوعية الحياة وتزيد كفاءة العمليات والخدمات وتلبي في الوقت ذاته احتياجات الأجيال الحالية والقادمة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية بهدف تحقيق أهداف التنمية المستدامة للوصول لعملية الإشباع لهذه الأجيال في المستقبل.
وهذا الكم الرهيب من التطور في هذا العصر أدى لإنشاء المدن الذكية لولا القفزات الكبيرة في أنظمة تكنولوجيا المعلومات المتمثلة في إنترنت الأشياء "IoT"، والذكاء الاصطناعي "AI" والبنية التحتية الذكية من وسائل اتصال وشبكات متطورة والتي تُمثل العامود الفقري الذي يُبنى عليه مكونات تطوير المدن الذكية والمستدامة في جميع أنحاء العالم؛ حيث يربط جميع مكونات المدن الذكية في منظومات تكاملية تدعم بعضها البعض وتدعم آليات اتخاذ القرار.
تكنولوجيا إنترنت الأشياء "IoT"
وتكنولوجيا إنترنت الأشياء "IoT" – تعد أحد المكونات الرئيسية في البنية التحتية التي تقوم عليها المدن الذكية والتي تتكون من أجهزة الحوسبة القابلة للتحديث والتطوير بسهولة والتي تتواصل مع بعضها البعض بحيث تتمكن ملايين الأجهزة المجهزة بوسائل اتصال مثل أجهزة الاستشعار، والعدادات الذكية، وإشارات المرور، وكاميرات المراقبة، الخ.. من التواصل معا، وجمع البيانات بصورة لحظية وإرسال هذه البيانات باستخدام وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية إلى أنظمة التحكم المركزية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي الذي يقوم بتحليل مجموعات كبيرة للغاية من البيانات، والتي تقوم بدورها بتوفير المعلومات اللازمة لادارة المنظومة بل واتخاذ قرارت سليمة في وقت قصير وبفاعلية.
على سبيل المثال لا الحصر - نجد الأنظمة التي تنظم حركة المرور لتحد من الاختناقات المرورية، والأنظمة التي تساعد في خفض وتوفير استخدام الطاقة، وغيرها من الأنظمة التي تحسن من كفاءة العمليات والخدمات الأخرى؛ وتتم بعض هذه العمليات في بعض المدن الذكية بصورة أتوماتيكية بناء على معطيات الأجهزة المرتبطة بها لتقوم بإتمام بعض الخدمات والعمليات؛ فمثلا يتم إدارة وتنظيم وتشغيل عمليات جمع النفايات ابتداءً من الحاويات وصولا إلى الشاحنات ومكبات النفايات؛ بل ويطور البعض الآخر شبكات لأساطيل من السيارات ذاتية القيادة لتوفر النقل الشخصي عند الطلب، فالحلول الرقمية الجديدة تُقدم لنا الأدوات التي نحتاجها لنحدث التغيير الإيجابي الذي نطمح إليه؛ بحيث ستصبح هذه المدن البيئة الأفضل لاستيعاب الوافدين إليها بالمقارنة بالمدن التقليدية التي تعاني من الازدحام والتلوث والبيروقراطية نتيجه لغياب المبادرات الذكية التي تُنظم حياة المقيمين فيها.
خبراء تكنولوجيا المعلومات حددوا 4 شروط أساسية لتطبيق مفهوم المدن الذكية
وخبراء تكنولوجيا المعلومات حددوا 4 شروط أساسية لتطبيق مفهوم المدن الذكية بشكل كامل وهي:
1- وجود شبكة اتصالات توفر بيانات محدثة بشكل لحظي.
2- ميكنة الخدمات الحكومية وربطها بشكل كامل لتسهيل إصدار أي تراخيص أو أوراق رسمية داخل أجهزة وهيئات الدولة المختلفة.
3- تطبيق الأنظمة الإلكترونية في مجال النقل والمرور والأمن وغيرها من المجالات المتعددة لخدمة المجتمع.
4- إعادة تدوير المخلفات الصلبة والسائلة واستحدامها مع وسائل الطاقة المستدامة مع مراعاة مبدأ حماية البيئة.
أستاذ القانون الجنائى العام والمتخصص في الأمن السيبراني الدكتور اثير هلال الدليمي
