أصدرت دائرة الإيجارات "أ" – بمحكمة النقض – حكماً فريداً من نوعه، يخص مناطق منطقة أرض اللواء، وأجزاء من مناطق إمبابة وبولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، بعدم تطبيق أحكام قانون إيجار الأماكن على عقود الإيجار الخاصة بمنطقة أرض اللواء، وتطبيق أحكام القانون المدني، وذلك بعد قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 588 لسنة 2016 في 5/3/2016 والمنشور في الجريدة الرسمية في العدد 12 بتاريخ 24 مارس 2016.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 16996 لسنة 89 قضائية، برئاسة المستشار ربيع محمد عمر، وعضوية المستشارين محمد شفيع الجرف، وخالد فاروق عبد الهادي، وجمال سلام، ومحمد عبد المنعم وجيه، بحضور كل من رئيس النيابة محمد عنان، وأمانة سر عاطف أحمد خليل.
الوقائع.. نزاع بين مالك ومستأجر بمنطقة أرض اللواء
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضده الدعوى رقم 388 لسنة 2018 إيجارات أمام محكمة الجيزة الابتدائية بطلب الحكم بانتهاء عقد الإيجار المؤرخ 1 مارس 1986 وإخلاء العين المبينة بالصحيفة والتسليم، وقال بيانا لذلك إنه بموجب هذا العقد استأجر المطعون ضده من المالك السابق العين محل النزاع الكائنة بمنطقة أرض اللواء والتي لا تخضع لأحكام قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية وينطبق عليها أحكام القانون المدني، ولما كانت مدة هذا العقد مشاهرة فقد أنذره بعدم رغبته في تجديد العقد دون جدوى، ومن ثم فقد أقام الدعوى.
المالك يطالب بطرد المستأجر ويقيم دعوى قضائية
وفى تلك الأثناء - حكمت المحكمة بالطلبات، ثم استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 10739 لسنة 135 ق القاهرة، وبتاريخ 12 يونيو 2019 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى المبتدأة، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - فرأت أنه جدير بالنظر فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
محكمة أول درجة تقضى بالطرد.. و"الاستئناف" تلغى الحكم
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت: إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن العين محل النزاع تقع بمنطقة أرض اللواء ولم يصدر لها قرار من وزير الإسكان بإخضاعها لتشريعات إيجار الأماكن قبل سريان العمل بأحكام القانون رقم 4 لسنة 1996، فإن أحكام القانون المدني تكون هي الواجبة التطبيق على عقد الإيجار سند الدعوى، إلا أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض الدعوى على سند من خضوع العلاقة الإيجارية بينه وبين المطعون ضده لأحكام قانون إيجار الأماكن رقم 49 لسنة 1977 لصدور قرارات وزير الإسكان أرقام 176 لسنة 1979، 141 لسنة 1981 ، 474 لسنة 1983 على قريتي كرادسة والمعتمدية والتي كانت تتبعها منطقة أرض اللواء والتي تم ضمها بعد ذلك بقرار محافظ الجيزة رقم 425 لسنة 2009 لحي العجوزة بمحافظة الجيزة، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
المالك يطعن على الحكم أمام محكمة النقض
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: وحيث إن هذا النعي سديد؛ ذلك أنه لما كان من المقرر - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة -أن التقنين المدني هو الشريعة العامة، فإن أحكامه تسود سائر المعاملات بين الناس بحيث تعتبر النصوص المنظمة لعقد الإيجار هي الواجبة التطبيق أصلاً ما لم تطرأ ظروف معينة يرى المشرع فيها ضرورة تعطيل بعض أحكامه أو إحلال تشريعات خاصة بديلا عنها، وكانت التشريعات الخاصة بإيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين أملتها اعتبارات تتعلق بالنظام العام وتعد من القوانين الاستثنائية التي تسري في نطاق الأغراض التي وضعت لها، فيجب تفسيرها في أضيق الحدود دونما توسع في التفسير أو القياس، ومن ثم فهي تقيد نصوص القانون المدني التي تتعارض معها، فلا يرجع إلى أحكام القانون العام إلا فيما فات القانون الخاص من الأحكام.
المالك يؤكد: منطقة أرض اللواء تخضع لأحكام القانون المدني
وبحسب "المحكمة": كما أن المقرر أنه من الأصول الدستورية المقررة أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساسا على إعمال القوانين وإحكام تنفيذها، غير أنه استثناء من هذا الأصل عهد الدستور إليها في حالات محددة أعمالاً تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، ومن ذلك إصدار اللوائحاللازمة لتنفيذ القوانين، فنصت المادة 144 من دستور عام 1971 - المقابلة للمادة رقم 170 من الدستور الحالي - على أن: " يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها، ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه".
ووفقا لـ"المحكمة": ومؤدى هذا النص أن الدستور حدد على سبيل الحصر الجهات التي تختص بإصدار اللوائح التنفيذية فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه في ذلك أو من يعينه القانون لإصدارها بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستوري، وإلا وقع عمله مخالفا لنص المادة 144 المشار إليها، كما أنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه استقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها، وإذ كان القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر قد حدد في بعض نصوصه الأحكام التي يتوقف تنفيذها على صدور قرار وزير الإسكان والتعمير ومن بينها ما نصت عليه الفقرة الثانية من مادته الأولى من أنه: " ويجوز بقرار من وزير الإسكان والتعمير مد نطاق سريان أحكامه كلها أو بعضها على القرى بناءً على اقتراح المجلس المحلي للمحافظة ...".
قرارات ولوائح وقوانين
وتضيف "المحكمة": وطبقا لهذا النص وإعمالاً لحكم المادة 144 من دستور 1971، وعلى ما تقدم يكون وزير الإسكان والتعمير هو المختص دون غيره بإصدار القرارات المنفذة للفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون 49 لسنة 1977، وكان نص المادة الأولى من القانون رقم 43 لسنة 1979 بشأن إصدار قانون نظام الحكم المحلي والمعدل بالقانون 145 لسنة 1988 على أن: " وحدات الإدارة المحلية هي المحافظات والمراكز والمدن والأحياء والقرى، ويكون لكل منها الشخصية الاعتبارية، ويتم إنشاء هذه الوحدات وتحديد نطاقها وتغيير أسمائها وإلغائها على النحو التالي:
أ - ...
ب - ...
ج - القرى: بقرار من المحافظ بناءً على اقتراح المجلس الشعبي المحلي للمركز المختص وموافقة المجلس الشعبي المحلي للمحافظة، ويجوز أن يشمل نطاق الوحدة المحلية للقرية مجموعة من القرى المتجاورة ... ويباشر المركز أو الحي بحسب الأحوال اختصاصات الوحدة المحلية للقرية بالنسبة للقرى التي لا تدخل في نطاق وحدات محلية قروية " .
وأوضحت: كما أن النص في المادة الثالثة من اللائحة التنفيذية للقانون سالف الذكر والصادر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 707 لسنة 1979 على أن: " تتولى وحدات الحكم المحلي في نطاق السياسة العامة للدولة والخطة العامة - وعلى النحو المبين في هذه اللائحة - إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها وذلك عدا ما يعتبر بقرار من رئيس مجلس الوزراء مرفقا قوميا .....".
النقض: النص التشريعي لا يسري إلا على ما يلي نفاذه من وقائع
وكان من المقرر - أيضا - أنه من الأصول الدستورية المقررة أن النص التشريعي لا يسري إلا على ما يلي نفاذه من وقائع ما لم ينص القانون خروجا على هذا الأصل وفي الحدود التي يجيزها الدستور برجعية أثره، ولا يغير من هذا الأصل تعلق أحكام القانون بالنظام العام؛ إذ لا يجاوز أثر ذلك أن تسري أحكامه على ما يستجد من أوضاع ناتجة عن علاقات تعاقدية أبرمت قبل نفاذه ما دامت آثارها سارية في ظله؛ إذ تخضع هذه الآثار لأحكام النظام الجديد تغليبا لاعتبارات النظام العام التي دعت إلى إصداره على حق المتعاقدين في تحديد التزاماتهما وحقوقهما التعاقدية الحال منها والمستقبل على السواء، وإذ كان التفويض التشريعي المقرر لوزير الإسكان في المادة الأولى من القانون 49 لسنة 1977 بسريان أحكام هذا القانون على القرى التي يصدر بتحديدها قرار منه قد جاء خلوا مما يشير إلى رجعية ذلك السريان، وهو ما لا يتأتى إلا بنص قانوني صريح، ومن ثم فإن ذلك القانون لا ينطبق على الأماكن المؤجرة في القرى التي امتد إليها سريانه إلا ابتداء من تاريخ العمل بالقرار الصادر بذلك، باعتبار أن المكان وقت صدور ذلك القرار يخرج عن نطاق تطبيق تلك التشريعات، فلا يخضع لأحكامها.
وتؤكد "المحكمة": كما أن المقرر أن الأصل في عقود الإيجار الخاضعة للقانون المدني أنها تنقضي بانتهاء المدة المحددة فيها، وأن التنبيه بالإخلاء الصادر من أحد طرفي عقد الإيجار للطرف الآخر في المواعيد المبينة بالمادة 563 من القانون المدني يؤدي إلى انحلال الرابطة العقدية التي كانت قائمة بينهما.
النقض تفند القرارات واللوائح والقوانين
لما كان ذلك، وكان البين من الواقع المطروح في الدعوى أن العين محل النزاع تقع داخل قرية أرض اللواء، وكان قانون نظام الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 بالمادة الأولى منه المعدل بالقانون رقم 145 لسنة 1988- قد حدد كيفية إنشاء القرى وتحديد نطاقها وإلغائها، كما أن العدول عن قرار إنشائها وضمها مكانيا القرية أخرى أو مدينة بحيث تصبح جزءًا منها يكون باتباع الشكليات التي اتبعت عند إصدار قرار إنشائها إعمالاً لنص المادة سالفة الذكر، وإذ خلت الأوراق مما يفيد إلغاء قرار إنشاء تلك القرية بضمها إلى كل من قريتي كرادسة والمعتمدية، إنما كانت ضمن ما شملها نطاق الوحدة المحلية لكل من القريتين سالفتي الذكر واللتين توليتا إدارة مرافقها على نحو ما خوله القانون دون ضمها فعليا لأي منهما لتصبح جزءا منهما، وظلت تلك القرية قائمة كوحدة إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية بما يكسبها حقوقا ذاتية بموجب أحكام الدستور إلى أن صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 588 لسنة 2016 في 5 مارس 2016 والمنشور في الجريدة الرسمية في العدد 12 بتاريخ 24 مارس 2016 بإلغاء الوحدة المحلية لقرية أرض اللواء وضمها كشياخة في نطاق حي العجوزة بمحافظة الجيزة.
وتضيف: ومن ثم فإنه من تاريخ ضمها ألغيت قرية أرض اللواء وأصبحت جزءا من النطاق المكاني لحي العجوزة بمحافظة الجيزة، وإذ لم يصدر قرار من وزير الإسكان والتعمير بإخضاعها لقانون إيجار الأماكن حتى صدور القانون 4 لسنة 1996 ونفاذه في 31 يناير 1996، وأن ما ورد بقرارات وزير الإسكان أرقام 176 لسنة 1979، 141 لسنة 1980، 474 لسنة 1983 بمد سريان قانون إيجار الأماكن اقتصر على قريتي كرداسة والمعتمدية، وكان التفويض التشريعي لوزير الإسكان بمد نطاق سريان أحكام قانون إيجار الأماكن يتضمن في حقيقته تحديدًا عينيا للنفاذ المكاني للقانون الاستثنائي وإعماله في أضيق الحدود دونما توسع في التفسير أو القياس، ومن ثم فإن تطبيق القرارات سالفة الذكر يقتصر على مسمى القريتين الواردتين بهما دون أن يشمل ما تضمنه نطاق الوحدة المحلية لكل منهما من القرى المجاورة والتي تتولى إدارة مرافقهاوفقا لما نصت عليه المادة الأولى من قانون نظام الحكم المحلي المعدل سالفة الذكر ومنهم قرية أرض اللواء والتي لم تضم إلى أي منها - على نحو ما سلف - ولم يرد اسمها في أي من القرارات سالفة الذكر.
قرار محافظ الجيزة رقم 425 لسنة 2009
كما أن قرار محافظ الجيزة رقم 425 لسنة 2009 وكذا قرار رئيس مجلس الوزراء سالف البيان بإلغاء قرية أرض اللواء وضمها إلى محافظة الجيزة، قد صدرا لاحقين لصدور القانون 4 لسنة 1996 والساري اعتبارا من 31 يناير 1996، ومن ثم فلا يترتب على هذا الضم تطبيق أحكام قانون إيجار الأماكن على عقد الإيجار سند الدعوى بأثر رجعي، لمخالفته أحد الأصول الدستورية وهو مبدأ عدم رجعية القوانين، وتنطبق أحكام القانون المدني الذي أبرم العقد في ظله واستمر سريانها عليه بموجب نص المادة 2 من القانون 4 لسنة 1996، الأمر الذي يكون معه عقد الإيجار خاضعًا لأحكام القانون المدني، ويخرج عن نطاق تطبيق التشريعات الاستثنائية وكان الثابت من الأوراق أن عقد الإيجار سند الدعوى المؤرخ 1 مارس 1986 غير محدد المدة، وخلت الأوراق مما يفيد تحديد مدة له، فإنه يكون منعقدا للمدة المحددة لدفع الأجرة، ويكون لأي من المتعاقدين – المؤجر والمستأجر - الحق في إنهائه إذا هو نبه على الآخر بعدم رغبته في التجديد، وإذ نبه الطاعن على المطعون ضده بتسليم العين، فإن العلاقة الإيجارية تكون قد انفصمت عراها بهذا التنبيه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدعوى تأسيسا على خضوع منطقة أرض اللواء الكائنة بها عين النزاع لأحكام قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه مما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، فإنه يتعين القضاء بتأييد الحكم المستأنف.
لذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وألزمت المطعون ضده المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وحكمت في موضوع الاستئناف رقم 10739 لسنة 135 ق القاهرة بتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف - المطعون ضده المصاريف ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
النقض تُقرر: لا تُطبق علي منطقة أرض اللواء أحكام قانون إيجار الأماكن على عقود الإيجار1