 محكمة - أرشيفية
                                محكمة - أرشيفية
                            
	أصدرت الدائرة السابعة الجزائية – بمحكمة جنايات دمنهور- حكماً فريداً من نوعه، ببراءة "سائق" من تهمة القتل الخطأ وتعاطى المخدرات، وتصف المتوفى إلى رحمة الله بأنه كان يقوم بواجبه على أكمل وجه وجدير به وصف شهيد الواجب، مستندة على أن ثبوت جريمة القتل الخطأ رهن بتوافر عنصر الخطأ كما رسمه القانون، وأما بشأن جريمة تعاطي المواد المخدرة عن طريق تحليل عينة دماء المتهم فلم يثبت ركن الحيازة في حقه.
	
	صدر الحكم في قضية النيابة العامة رقم 4861 لسنة 2025 نطرون والمقيدة برقم 834 كلي جنوب، لصالح المحامى خالد أبو الحسن، برئاسة المستشار سامح عبد الله محمد، وعضوية المستشارين أحمد محمد، وأحمد محمد خليل، وبحضور كل من وكيل النيابة مصطفي عبد الوهاب، وأمانة سر خالد سيد.  
	
الوقائع.. اتهام "سائق" بقتل مجند للمرور عن طريق الخطأ
حيث اتهمت النيابة العامة المتهم:- لأنه في يوم 29 مايو 2025 بدائرة مركز وادي النطرون -محافظة البحيرة -
1 - أحرز بقصد التعاطي مادة "الهيروين" المخدر على النحو المبين بالتحقيقات.
2- أحرز بقصد التعاطي مادة "الاندازول كاربوكساميد" على النحو المبين بالتحقيقات.
3- تسبب خطأ في وفاة المجني عليه حازم عبد الحميد شاكر مشعل، وكان ذلك ناشئاً عن رعونته وعدم احترازه بأن قام بالاصطدام بالمجني بالمركبة "ميكروباص" لوحات معدنية "فــ د 2473" قيادته حال عبور المجني عليه للطريق، فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبي والتي أودت بحياته، وذلك حائل كونه متعاطيا للمواد المخدرة محل الاتهامين السابقين وقت الحادث، وذلك على المبين بالتحقيقات.
4- قاد مركبة "ميكروباص" لوحات معدنية " ف و 2473" حال كونه واقعا تحت تأثير المخدرين محل الاتهامين الأول والثاني على النحو المبين بالتحقيقات.
النيابة تحيل السائق للمحاكمة بـ4 اتهامات
وفى تلك الأثناء – أحالة النيابة العامة المتهم للمحاكمة الجنائية العاجلة، وطالبت بعقابه طبقا للمواد الواردة بأمر الإحالة، وركنت في إسنادها إلى ما شهد به شهود الإثبات، وما ثبت من تقرير المعمل الكيماوي.
	
فقد شهد مجند محمود ماهر أحمد محمود بأنه كان متواجداً مع المجني عليه بخدمة كمين على الطريق الدولي السريع بحكم عمله كمجند، وأن المجني عليه كان يقوم بإيقاف السيارات النقل التي تستعمل الطريق السريع بدلاً من الطريق البطئ لتحرير مخالفات ضد قائديها وعند الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة أشار المجني عليه للسيارة التي كان يقودها المتهم لتهدئة السرعة من أجل إيقاف سيارة "ربع نقل" كانت قادمة خلفها لتحرير مخالفة مرورية ضد قائدها وتحويله إلى الطريق البطئ وعندما بلغت المسافة بين سيارة المجني عليه والمتهم عشرون متراً تقريباً حاول الأخير مفاداة المجني عليه لكنه تحرك، فإصطدمت به مقدمة السيارة قيادة المتهم من الناحية اليسرى، وعند ذلك أسرع نحو المجنى عليه الذي سقط أرضاً، بينما توقف المتهم بسيارته على يمين الطريق وتوجه هو بالمجني عليه بسيارة الأخير إلى مستشفى وادي النطرون في محاولة لإسعافه لكنه كان قد توفى إلى رحمة الله تعالى وأضاف بأن المتهم حاول مفاداة المجني عليه لكن الأخير رحمة الله عليه هو الذي تحرك.
شهادة الشهود
وشهد إيهاب عبد الحميد شاكر مشعل، شقيق المجني عليه، بأنه أخبر هاتفياً من قبل شاهد الإثبات الأول بتعرض شقيقه إلى حادث مروري أثناء قيامه بواجبات وظيفته، وعندما توجه إلى مستشفى وادي النطرون تبين وفاته إلى رحمة الله تعالى، كما شهد رائد محمود الشحات محمود يونس، بأن تحرياته السرية توصلت إلى أن المتهم صدم المجني عليه عن طريق الخطأ، مما أودى بحياته، وأنه كان متعاطياً جوهرى الهيروين واندازول كاريوكساميد المخدرين.
	
المتهم يُنكر.. ويروى حقيقة الواقعة
وباستجواب المتهم بتحقيقات النيابة العامة أنكر ما نسب إليه من اتهام، وقرر أنه كان في طريقه إلى مدينة مرسى مطروح وعند الكيلو 17 الدولي العلمين قام بتهدئة السرعة لدخوله على منطقة مراقبة بردار السرعة، وفجأة شاهد المجني عليه يعبر الطريق الصحراوي بسرعة كبيرة جداً من أجل إيقاف السيارة ربع نقل التي كانت تسير خلفه من أجل تحرير مخالفة لها لاستعمال قائدها الطريق السريع، وعندما رفض قائد السيارة المذكورة التهدئة، بل وزاد من سرعته حاول المجني عليه الرجوع إلى الخلف ناحية الرصيف اليمين فأصبح أمام سيارته تماماً، فحاول مفاداته بأن ينحرف إلى جهة اليمين إلا أن المجني عليه اصطدم بالناحية اليسرى لسيارته وسقط أرضاً، فتوقف هو ناحية يمين الطريق ثم اصطحبه أحد الضباط عقب ذلك إلى ديوان مركز شرطة وادي النطرون.
سحب عينة من دماء المتهم
وتم سحب عينة من دماء المتهم بمعرفة أحد الفنيين بمستشفى وادى النطرون من أجل تحليلها بياناً لما إذا كان يتعاطى أي مواد مخدرة من عدمه، وحيث إنه ورد تقرير المعمل الكيماوي يفيد أنه بتحليل عينة الدماء تبين أن تحتوي على آثار كل من المورفين أحد نواتج تعاطي الهيروين وأحد مشتقات عقار - Indzole Carnoxamide - المدرجين بالجدول الأول من قانون المخدرات.
وبمواجهة المتهم بنتيجة تقرير المعمل الكيماوي المذكور أنكر ما نسب إليه من اتهام وقرر أنه لا يتعاطى مطلقاً المواد المخدرة.
	
الدفاع يطالب ببراءة موكله لهذه الأسباب
وبجلسة المحاكمة حضر المتهم معتصماً بالإنكار، والدفاع الحاضر معه طلب براءته مما نسب إليه من اتهام تأسيساً على انتفاء ركن الخطأ في حقه وبطلان إجراءات أخذ عينة الدماء منه، وكذلك انتفاء حيازته للمواد المخدرة، والمحكمة طالعت مقطع فيديو تبين منه وجود سيارة "ربع نقل" تسير خلف سيارة المتهم ثم وقع بعد ذلك الحادث على النحو الذي جاءت عليه الأوراق.
المحكمة توضح مفهوم الخطأ في جريمة القتل
وأما عن جريمة القتل الخطأ قالت المحكمة في حيثيات حكمها: فلما كانت المحكمة بعد أن محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ترى أن الأدلة التي ركنت إليها النيابة العامة للتدليل على صحة الاتهام قبل المتهم قد جاءت قاصرة عن بلوغ حد الكفاية لإدراك هذا القصور وآية ذلك:
أنه لما كان من المقرر أن مفهوم الخطأ في جريمة القتل هو إخلال المتهم بواجبات الحيطة والحذر القانونية أو المهنية التي يفرضها القانون، مما يؤدي إلى حدوث نتيجة معينة وهي الوفاة، وذلك بدون قصد أو توافر نية القتل وهذا ما يميز تلك الجريمة التي هي في عداد الجنح عن القتل العمد وهو في عداد الجنايات بمعنى أن القصد المعنوي هنا يتمثل في الخطأ غير المقصود وهو عماد تلك الجريمة، ولقد وضع المشرع صور للخطأ الذي يمكن أن يشكل تلك الجريمة في المادة – 238 -من قانون العقوبات بقوله: "من تسبب خطأ فى موت شخص بأن كان ذلك ناشنا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين".
	
المحكمة تضع مفاهيم هامة
وبحسب "المحكمة": ثم نص المشرع بعد ذلك في صدر المادة على عدة ظروف مشددة لتلك الجريمة في فقرتها الثانية، واخذاً من هذه المادة فإن الخطأ تحددت له صور معينة في القانون هي كالتالي:
. الإهمال وهو عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الضرر.
. الرعونة وهي التهور في التصرف وعدم الحذر والحيطة اللازمين ومقياسهما هو سلوك الرجل العادي.
. ثم عدم الانتباه وهو غياب التركيز والوعي بالظروف المحيطة.
. عدم الاحتياط ويتمثل في الإحجام عن اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لمنع وقوع الجريمة.
. ثم أخير عدم مراعاة القوانين والأنظمة والأوامر والذي يتمثل في مخالفة التشريعات والتعليمات المنظمة لبعض الأنشطة، مثل قواعد المرور.
وأما عن شروط تحقق القتل الخطأ فتتمثل في:
. الركن مادي وهو وقوع فعل أدى إلى وفاة المجني عليه.
. وركن معنوي الخطأ غير العمدي بأن يرتكب الجاني فعلاً ناتجاً عن إهمال أو رعونة أو عدم انتباه.
. ثم رابطة السببية بأن تكون وفاة المجني عليه نتيجة مباشرة وسببية لهذا الخطأ الذي ارتكبه الجاني.
	
المحكمة تفند الوقائع
وتضيف "المحكمة": ويجب أن يوضح الحكم القضائي نوع هذا الخطأ الذي عددته المادة المذكورة آنفاً، وحيث إنه لما كان ذلك - وبناءً عليه - وكان الثابت من شهادة المجند محمود أحمد محمود والذي كان بمرافقة المتوفى إلى - رحمة الله - أثناء خدمته أن الأخير كان في حالة حركة من أجل إيقاف السيارة ربع النقل التي كان تسير خلف السيارة الأجرة التي كان يقودها المتهم لتحرير مخالفة لقائدها وتحويله إلى الطريق البطئ المخصص للسيارات النقل بأنواعها، وأن المتهم فوجئ بوجوده على بعد عشرون متراً، وأنه حاول مفاداة الاصطدام بالمتوفى إلى رحمة الله إلا أن الأخير تحرك فاصطدم بمقدمة السيارة من الناحية اليسرى منها، فسقط أرضاً وتوفى إلى رحمة الله رغم محاولة إسعافه ونقله إلى مستشفى وادي النطرون.
وأضاف أن المتهم حاول مفاداة المتوفى إلى رحمة الله مستعملاً مكابح السيارة إلا أنه لم يستطع كما أنه توقف يمين الطريق عقب الحادث مباشرة، كما أن الأوراق جاءت خالية، مما يشير إلى أن المتهم قد تجاوز السرعة المحددة عن طريق التقاط صورة رادارية أو ما شابه، أو أنه قد حررت له مخالفة تفيد تجاوز السرعة المقررة فإن المحكمة إزاء ذلك تطمئن إلى أن أركان جريمة القتل الخطأ على النحو الذي فصلته أنفاً من خطأ وضرر وعلاقة سببية لم تتحقق في حق المتهم وهو ما تقضي معه وعملاً بالمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءته من هذه التهمة ومن ثم تبرئ المتهم منها.
	
المحكمة تنصف المتهم.. وتقضى ببراءته
والمحكمة إذ تقضي ببراءة المتهم من تهمة القتل الخطأ للأسباب التي أوردتها لها كلمة، وهي أن المتوفى إلى رحمة الله تعالى، إبان الحادث، كان يقوم بواجبه على أكمل وجه من أجل ضبط قواعد المرور وتسجيل المخالفات الواجبة لقائدي سيارات النقل الذين دأبوا على الخروج على القانون ومنهم سائق السيارة "ربع نقل" التي حاول المتوفى إلى رحمة الله إيقاف قائدها وتحرير المخالفة الواجبة له وتحويل مساره إلى الطريق البطئ لكن الأخير لاذ بالفرار، بينما كان هو الجدير بأن يقدم إلى المحاكمة الجنائية، والمحكمة تسجل هنا أن الوصف الذي يليق بالمتوفى إلى رحمة الله المستحق أنه شهيد الواجب وكفى به وصفاً.
المحكمة تتشكك في صحة الدليل المستمد من هذا الإجراء
وأما عن تهمة حيازة المخدر بقصد التعاطي استناداً إلى نتيجة تحليل عينة الدماء المأخوذة من المتهم والتي جاء تقرير المعمل الكيماوي على أنها تحتوي على آثار المورفين أحد نواتج تعاطي الهيروين وكذلك تحتوي على أحد مشتقات عقار - Indazole Carboxmide - المدرجين بالجدول الأول من قانون المخدرات، فإن المحكمة تتشكك في صحة الدليل المستمد من هذا الإجراء للأسباب الآتية:
1- أنه من المستقر عليه أن المتهم لا يلزم بتقديم أي دليل على براءته، بل هي مسئولية جهة التحقيق في المقام الأول، كما أن المشرع لا يملك أن يسن قرائن قانونية لنقل عبء الإثبات على المتهم، ذلك أن القاعدة العامة في الإثبات تقضي بأنه لا يجوز إجبار الخصم بصفة عامة وفي مجال الإثبات على أن يقدم دليلاً ضد نفسه، فإنه ومن باب أولى لا يجوز إجبار المتهم، إيان التحقيق الجنائي على أن يقدم دليلاً ضد نفسه مستمداً من عينة الدم المأخوة منه والذي لا يمكن أن تتصور المحكمة أنه قدمهما حراً مختاراً راغباً في إقامة الحجة عليه وهو ما يخالف الأصول الإجرائية التي منحت المتهم حق الإنكار، بل والكذب أيضاً دفاعاً عن نفسه طالما لم يمس هذا الكذب غيره وذلك كله دون أن يوصم بأنه ارتكب تغييراً للحقيقة أو توغل عليها، وقد ساير قانون الإجراءات الجنائية نهج حمايته للمتهم حتى مرحلة المحاكمة الجنائية إذ يمتنع على المحكمة استجواب المتهم إلا إذا رضى هو بذلك ومحاميه وكان الاستجواب في صالحه.
	
2- أن الأوراق خلت من بيان الإجراءات التي أتبعت في شأن أخذ العينة محل الفحص اللهم إلا ما دونه المحقق بالتحقيقات من تكليف مأمور مركز شرطة وادي النطرون بالإرسال في طلب أحد المختصين في مستشفى وادي النطرون لسحب عينات من المتهم وقد تم بالفعل سحب تلك العينة وكذلك خلت من بيان الإجراءات التي أتبعت في فحصها وحتى ظهور نتيجتها لكي تقف المحكمة على شرعية وصحة ما أتخذ من إجراءات.
3- لكي يستقيم لنا مفهوم الحيازة يتحتم علينا العودة إلى القانون الذي أرسى مفهومها، وهو القانون المدني، وهذا الأخير يقول لنا أن الحيازة هي وضع اليد على شيء معين وضعاً مادياً مقروناً بنية التملك وهو ما يعني أن الحيازة في مفهومها القانوني يجب أن يتوافر لها ركنان: فأما أولهما: فهو الركن المادي الذي يتكون من مجموعة الأعمال التي يباشرها صاحب الحق على الشيء، وأما الثاني: فهو الركن المعنوي ومعناه أن تتوافر لدى الحائز نية استعمال هذا الشيء.
مفهوم الحيازة بشقيها
وتؤكد "المحكمة": وإذا كان هذا هو مفهوم الحيازة فكيف نتصور أنه ينطبق بركنيه المادي والمعنوي على ما تحتويه عينة دماء المتهم من أثار مخدر بينما يكون فاقد السيطرة تماماً على تلك الآثار بما لا يمكن أن تتصور معه أن مفهوم الحيازة بشقيها المذكورين قد توافرا في شأنه ولا يقدح في ذلك القول بأن المتهم قد حاز المخدر في وقت سابق على الضبط إذ أن ذلك أمراً مجهلاً زماناً ومكاناً، وتصوراً لا يمكن أن يقوم عليه اتهام جنائي له أصوله وحدوده الأمر الذي تخلص معه المحكمة ومن جماع ما تقدم وعملا بالمادة 1/304 من قانون الإجراءات ببراءة المتهم مما نسب إليه من اتهام.
فلهذه الأسباب:
بعد الإطلاع على المواد سالفة الذكر، حكمت المحكمة حضورياً / ببراءة "ع. و"، مما نسب اليه من اتهام .








 
                    
                    
                    