ما بين لاعب يُخرج لسانه للخصم والجماهير وأخر يتنمر على منافسه ثار جماهير السوشيال ميديا لهذه الأفعال التي تُنذر بالخطر داخل المستطيل الأخضر، فبدلاَ من أن يسعى اللاعبين لعودة الجماهير للمدرجات، يقومون بإثارة الفتنة بين الجماهير وبعضهم البعض، ما يعطل معه مسيرة الرياضة، إلا أن القانون المصرى لم يقف مكتوف الأيدى أمام هذه الأفعال والحركات والإشارات المشينة، كما أنه يجب على الأندية والاتحادات الرياضية التصدي للتنمر بكل حزم، وضمان احترام جميع اللاعبين لبعضهم البعض.
لاعب يُخرج لسانه للاعبى وجماهير النادى المنافس، بينما أخر يشير إلى أن المنافس بأنه قصير القامة، كل هذه الأمور تُثير الغضب والاستياء بين جماهير كرة القدم المصرية، ويمكن أن تُفهم على أنها تنمر، فيجب على اللاعبين أن يكونوا قدوة حسنة للشباب، وأن يتصرفوا باحترافية واحترام تجاه زملائهم ومنافسيهم، وعدم اللجوء إلى الإشارات أو التصرفات التي يمكن أن تُعتبر تنمرًا، وهى الأمور التي واجهها المشرع المصرى بكل حسم وقوة.
"التنمر" جريمة أخلاقية قبل أن تكون جريمة جنائية
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على "جريمة التنمر" التي تُعد جريمة اخلاقية قبل ما تكون جريمة جنائية، فقد يتم التحقيق في هذه الوقائع من قبل الاتحاد المصري لكرة القدم، لتحديد ما إذا كانت هناك مخالفة تستوجب العقوبة أم لا، وربما تكون هناك عقوبة محتملة إذا ثبت مثلاً أن اللاعب قام بفعل غير لائق، قد يتم فرض عقوبة عليهما، سواء كانت مالية أو إيقاف عن اللعب، فالرياضة يجب أن تكون خالية من التنمر والتصرفات غير اللائقة، ويجب على الجميع العمل على تعزيز قيم الاحترام والروح الرياضية.
في البداية – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض هانى صبرى – أن ظاهرة التنمر تشكل خطراً يهدد المجتمع، ويجب أن تتكاتف كافة الجهود لمواجهته ، ولابد من وجود اتجاه اجتماعي للتوقف عن التنمر، ولا سيما أن الغالبية العظمى من المواطنين لا تعرف معنى التنمر، إذ أننا نتعامل مع هذا الفعل باعتباره سخرية وفكاهة، لكن في الحقيقة يتعلق الأمر بجريمة مكتملة الأركان، تؤثر بشكل كبير وضخم على ضحية التنمر، يعد التنمر شكل من أشكال الإيذاء والإساءة الموجه ومرفوض شكلاً وموضوعًا ويشكل جريمة فى حق الإنسانية قبل أن تكون جريمة جنائية، ويجب التوعية بمخاطرة والقضاء عليه.
الخبير القانوني والمحامى بالنقض هانى صبرى
"التنمر" جريمة تصل عقوبتها للحبس والغرامة
وبحسب "صبرى" في تصريح لـ"برلماني": ويعرف "التنمر" وفقاً للقانون بأنه كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسىء للمجني عليه، بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنه أو إقصائه عن محيطه الاجتماعي، ويجب التعامل بكل حزم وفقاً للقانون لمواجهة ظاهرة التنمر، وذلك لتحقيق الردع العام والخاص ولمنع كل من تسول له نفسه أرتكاب مثل هذه الجريمة اللإنسانية، ويجب التوعية بمخاطرة والقضاء عليه وأن تتكاتف كافة الجهود لمواجهته.
ويضيف "صبرى": حيث واجه المشرع المصري في القانون رقم 185 لسنة 2023، الخاص بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، لمواجهة جريمة التنمّر، وذلك بتشديد عقوبة التنمّر "التعرض للغير"، وحددت المادة "309 مكرراً "ب"- فقرة ثالثة": عقاب التنمّر، يعاقب الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا ارتُكبت الجريمة في مكان العمل أو في إحدى وسائل النقل أو من شخصين أو أكثر أو إذا كان الجاني من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان مُسلمًا إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادمًا لدى الجاني، أما إذا اجتمع ظرفان أو أكثر من الظروف المشددة السابقة يُضاعف الحد الأدنى للعقوبة.
التنمر الرياضي بين مقتضيات المنافسة وحدود القانون
فيما أكد - الدكتور يوسف الديب، الخبير القانوني، وعضو الجمعية المصرية للقانون الجنائي – أن القول المجرم، في معناه الضيق يقتصر على اللفظ المنطوق الصريح، أما المعنى الواسع فيتجاوز الكلمة المسموعة ليشمل الإشارة أو الهمس أو أي تعبير رمزي يحمل دلالة الإهانة أو التحقير أو السخرية، وهكذا فإن القول لا ينحصر في حروف منطوقة، بل قد يتحقق بومضة عين، أو حركة يد، أو إشارة لسان، إذا ما انطوت على معنى الإساءة، وفي الميادين الرياضية، يفترض أن يكون التنافس مرآة للإنضباط، لا ساحة للتجريح والاهانة، ولكن عندما يغدو اللاعب الى استهداف زميله أو جماهير المنافس بإشارة تحمل معنى الإهانة أو السخرية، فان ذلك لا يعد مجرد مزاح أو تجاوز أخلاقي، بل هو جريمة مكتملة الأركان بموجب القانون الجنائي.
وأشار "الديب" في تصريحات خاصة: ولقد استقر في قضاء القانون الجنائي أن القول المجرم لا يكتفي باللفظ المنطوق، بل يمتد ليشمل الإشارة أو الفعل الرمزي، إذا كانت تحمل دلالة الإهانة أو التحقير أو السخرية، وما يباح للاعب في إطار المنافسة – من تماس بدني مشروع أو احتكاك رياضي ضمن القواعد – لا يبرر أبداً التجريح في الصفات الجسدية أو الإشارة الى القصر أو غيره من الصفات التي تسيء الى كرامة الإنسان، فتلك الإشارات، حين تُستخدم بقصد الحط من الشأن أو السخرية، وتخرج عن نطاق ما يطلق عليه روح اللعب الرياضي وتدخل في نطاق الجريمة المنصوص عليها في المادة 309 مكرر "ب".
الدكتور يوسف الديب، الخبير القانوني، وعضو الجمعية المصرية للقانون الجنائي
التنمر بالقول والفعل والإشارة والصياح
ويضيف عضو الجمعية المصرية للقانون الجنائي: وقد أوضحنا في رسالتنا للدكتوراه أن أسباب الإباحة التي تعرف في إطار ممارسة الألعاب الرياضية لا تمتد الى مثل هذه الأفعال، إذ تظل خارقة لحدود المباح، ومقترفة لجوهر التجريم، فإذا اعتبرنا أن ما قام به هذا اللاعب – بتوجيه الإشارة المهينة الى زميله المنافس – لم يكن نزوة عابرة، بل فعلاً مقصوداً يستهدف التحقير، فإن ثمة ما يدعو الى القول: أنه جريمة تنمر تتحقق فيها الأركان المعنوية والمادية والشرعية، ويستوجب القانون معاقبة مرتكبها.
واستطرد "الديب": ومما يجدر التنويه إليه في هذا المقام، أن ما بدر من اللاعب ليس الواقعة الأولى في سجله السلوكي، فقد سبق له أن اعتدى على أحد زملائه في فريق منافس، وهو مغربي الجنسية بصفعة على وجه أما هذه المرة فقد وجه سلوكه الي برتغالي الجنسية، في مشهد يجافي الأخلاق الرياضية ويهدر القيم الإنسانية، وهذا الفعل، كما هو بين، يخرج بطبيعته عن دائرة ما يمكن تبريره بأسباب الإباحة في ممارسة الألعاب الرياضية، إذ لا علاقة له بروح التنافس الشريف ولا بالاحتكاك المشروع الملازم للعبة، وإنما هو صورة من صور الاعتداء الصريح المجرم قانوناً، وأما عن عقوبة التنمر التي يرى البعض أن عقوبتها الحبس والغرامة فالمشرع المصري في نص المادة لم يجعل الجمع بين عقوبتي الحبس والغرامة أمراً لازماً وجوبياً، وإنما ترك للقاضي حرية المفاضلة بين أيهما، الأمر الذي قد يذهب بوقع العقوبة ويضعف أثرها الرادع، ويؤكد ذلك ما ورد في ختام الفقرة الثانية بالنص، إذ نصت على عبارة "أو بإحدى هاتين العقوبتين"، وهو ما يعني صراحة أن الحبس والغرامة ليسا وجوبيين معا، وإنما للقاضي أن يختار بين أيهما.
معنى القول المجرم في القانون
وتابع: ولما كان القول في ميزان القانون الجنائي لا يقاس بطول عباراته ولا بثراء مفرداته، بل ينظر فيه إلى ما يختزنه من دلالة خفية أو جلية، فإن الإيموجي – بما هو رمز تعبيري يخرج من الإنسان كما يخرج الصوت من فمه – يدخل في عداد هذا القول المجرم متى ما انطوى على معنى خادش أو إيحاء مسيء أو تلميح مخل بالشرف والاعتبار، فإن ابتسامة صفراء تنبعث من وجه ساخر، أو قردًا يغطي عينيه في مقام التهكم، أو نارًا مشتعلة في تعليق يعقب إساءة، كل ذلك ليس من البراءة في شيء، بل هو قول مرسوم بالصورة، مشفوع بالقصد، نافذ إلى النفس كالسهم لا يرى أثره إلا في وجدان المتلقي.
وفى الأخير يؤكد "الديب": وهكذا، فإن القول في حقيقته لا يختزل في الحروف المنطوقة ولا في الألفاظ المسطورة، بل يشمل كل ما يفضي إلى التعبير عن معنى يحمل في طياته المساس بالغير، سواء أكان صوتًا، أو كتابة، أو رسمًا، أو إشارة، أو حتى ومضة تعبير رقمي ترسلها ابهام الجاني عبر شاشة باردة، لكنه يلتهب في صدر المجني عليه لهيبًا، فكما يدخل التلميح، والقدح المبطّن، والتورية الساخرة في حيز القذف والسب والتنمر، فإن الرموز التعبيرية – متى اقترنت بالقصد المعيب والسياق المهين – تعد قولًا بمعناه الأعم، وفعلاً مؤثمًا في ظل نصوص القانون ومعايير العدالة، فهي من جنس جرائم التعبير التي يتأسس عليها الركن المادي لجرائم السب، والقذف، والتنمر، إذ إن جميعها تتخذ من القول قوامًا ماديًا لقيام الجريمة.
عقوبة التنمر الحبس والغرامة 2