أصدرت الدائرة المدنية والتجارية – بمحكمة النقض – حكماً فريداً من نوعه، يهم ملايين الملاك والمستأجرين، يتصدى لإشكالية تقع أثناء التنازل عن العقد وإبرام عقد جديد، قالت فيه: "إذا اقتصر العقد الجديد على عبارة (التنازل عن العقد المؤرخ كذا....) دون الإشارة للامتداد، فهنا تنشأ علاقة إيجارية جديدة منبتة الصلة بالعقد القديم، وتخضع لأحكام القانون المدني".
الخلاصة:
"التنازل يعد إنهاءً للعقد القديم وبداية لعلاقة جديدة محكومة بالقانون المدني، وأنه تم تحرير تنازل مذيل بتوقيع المطعون ضده تضمن تنازله - باعتباره من ورثة المستأجرة الأصلية عن عقد الإيجار السابق المؤرخ 19 مارس 1977، وهو ما يعد تقابلاً برضاء الطرفين عن عقد الإيجار السابق، ونشأة علاقة إيجارية جديدة بينهما منبتة الصلة عن العلاقة الإيجارية السابقة الخاصة بمورثته، ويحكمها العقد الجديد والخاضع لأحكام القانون المدني، سيما أن العقد الثاني لم ينص فيه على أنه امتداد للعقد الأول، كما خلت الأوراق مما يفيد وجود غش من جانب المؤجر أو قيام عيب قد شاب إرادة المطعون ضده عند إبرام العقد الأخير".
صدر الحكم في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 34149 لسنة 93 القضائية، برئاسة المستشار أحمد فتحي المزين، وعضوية المستشارين جمال مدحت شكري، ومنصور الفخراني، وهاني فؤاد ومصطفى يوسف فهمي، وبحضور كل من رئيس النيابة حسام الحداد، وأمانة سر مصطفى محمود عبد الحميد.
الوقائع.. نزاع قضائى بين المالك والمستأجر للطرد من الشقة
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضده الدعوى رقم 4683 لسنة 2020 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بطرده من الشقة المبينة بالصحيفة والتسليم والتعويض بمبلغ 100 ألف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية وفقاً لطلباته الختامية، على سند من أنه بموجب عقد الإيجار المؤرخ 1 أبريل 2004 يستأجر المطعون ضده من مورثه تلك الشقة ولم يحدد بالعقد مدة الإيجار، وقد أنذره بعدم رغبته في التجديد وانتهاء العلاقة الإيجارية، فأقام الدعوى.
محكمة أول درجة تقضى بالطرد.. والمستأجر يستأنف لإلغائه
وفى تلك الأثناء - ندبت المحكمة خبيراً فيها وبعد أن أودع تقريره، ثم حكمت بالطرد والتسليم ورفضت ما عدا ذلك من طلبات، ثم استأنف كل من المطعون ضده والطاعن هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 6434، 6499 لسنة 27 قضائية القاهرة، وبتاريخ 26 سبتمبر 2023، قضت المحكمة في الاستئناف الأول بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً برفض الدعوى، وفي الاستئناف الثاني برفضه، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت: وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، وفي بيانه يقول: إذ قضى الحكم المطعون فيه باعتبار العقد المؤرخ 1 يوليو 2001 امتداداً للعقد المؤرخ 19 مارس 1977، على الرغم من تنازل المطعون ضده عن العلاقة الإيجارية السابقة واتجاه إرادتهما لإبرام عقد جديد منبت الصلة عن العقد الأول يخضع لأحكام القانون المدني، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه من المقرر أن المراكز القانونية التي نشأت واكتملت وأصبحت حقاً مكتسباً في ظل قانون معين تخضع - كأصل عام - من حيث آثارها وانقضائها لأحكام هذا القانون، وأن ما يرد من قواعد في قانون لاحق إنما يطبق بأثر فوري مباشر في هذا الشأن على ما لم يكن قد اكتمل من هذه المراكز، وأن العبرة في هذا الصدد هو بوقت حصول الواقعة المنشئة أو التي اكتمل بها المركز القانوني وليس بوقت المطالبة به، وإذ نظم المشرع في القانون المدني الأحكام العامة لعقد الإيجار ووضع القواعد المقررة للمسئولية المدنية، فإن هذه القواعد وتلك الأحكام تكون هي الواجبة التطبيق على الوقائع أو العقود التي تتم في ظلها ما لم يرد في تشريعات إيجار الأماكن الاستثنائية نص آخر يتعارض مع أحكامها، فإذا خلا التشريع الاستثنائي من تنظيم حالة معينة تعين الرجوع إلى أحكام القانون المدني.
الأصل في العقود أن تكون لازمة
وبحسب "المحكمة": وأنه ولئن كان الأصل في العقود أن تكون لازمة بمعنى عدم إمكان انفراد أحد العاقدين بفسخ العقد دون رضاء المتعاقد الآخر إلا أنه ليس ثمة ما يمنع من الاتفاق بينهما على التقايل منه وإبرام عقد جديد، لأنه ولئن كان المؤجر لا يستطيع إنهاء عقد الإيجار الخاضع لقوانين إيجار الأماكن إلا لأحد الأسباب الواردة بها، إلا أنه لما كان الامتداد القانوني الذي قررته هذه القوانين قد قصد به حماية المستأجرين فإنه يجوز للمستأجر - بعد أن يتم له هذه الحماية بالتعاقد على الإيجار - أن ينزل عنها لمصلحة خاصة به أو باتفاق بينه وبين المؤجر لمصلحة هذا الأخير، ولا مجال معه للانحراف عنها بحجة تفسيرها للتعرف على النية المشتركة للمتعاقدين.
النقض تحذر من الوقوع في فخ "امتداد عقد الإيجار" بسبب كلمة
لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده يستأجر الشقة المبينة بالصحيفة بموجب العقد المؤرخ 1 يوليو 2001، وأنه تم تحرير تنازل مذيل بتوقيع المطعون ضده تضمن تنازله - باعتباره من ورثة المستأجرة الأصلية - عن عقد الإيجار السابق المؤرخ 19 مارس 1977، وهو ما يعد تقابلاً برضاء الطرفين عن عقد الإيجار السابق، ونشأة علاقة إيجارية جديدة بينهما منبتة الصلة عن العلاقة الإيجارية السابقة الخاصة بمورثته، ويحكمها العقد الجديد والخاضع لأحكام القانون المدني، سيما أن العقد الثاني لم ينص فيه على أنه امتداد للعقد الأول كما خلت الأوراق مما يفيد وجود غش من جانب المؤجر أو قيام عيب قد شاب إرادة المطعون ضده عند إبرام العقد الأخير، ولا يغير من ذلك أن العقد الأول لم ينته بأحد أسباب الإخلاء الواردة حصراً بالمادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981.
وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وأخضع العلاقة الإيجارية بين الطرفين لأحكام قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية على سند من استمرار العلاقة الإيجارية السابقة إلى المطعون ضده باعتباره أحد ورثة المستأجر الأصلي، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه.
لذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة مأمورية شمال القاهرة وألزمت المطعون ضده المصاريف ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وفى هذا الشأن – تقول الخبير القانوني والمحامية رحاب سالم – أنه لو تم التنازل عن عقد الإيجار القديم، وذُكر صراحة في العقد ما يفيد هذا التنازل، ثم أُبرم عقد إيجار جديد بعد عام 1996 فأي قانون سيكون الواجب التطبيق؟ وهنا يجب التفريق حالتين:
الحالة الأولى:
لو ذكر في عقد الإيجار الجديد عبارة "التنازل عن العقد المؤرخ وامتداد للعقد الأول"، فالعلاقة تظل خاضعة لأحكام قوانين الإيجار الاستثنائية "الإيجار القديم"، بسبب كلمة واحدة هي "امتداد"، وهذا أيدته محكمة النقض – الطعن 10938 لسنة 84 ق جلسة 28 / 2 / 2016، والذى جاء في حيثياته:
"إذ كان الثابت بالأوراق أن عقد الإيجار سند الدعوى المؤرخ 1/ 12/ 2007 المحرر بين الطاعن الأول كمستأجر والمطعون ضدها الثانية- المالكة السابقة للعقار- كمؤجرة قد نصت في البند 23 منه على أنه امتداد لعقد الإيجار المؤرخ 1/ 1/ 1962 والذي تنازلت عنه الطاعنة الثانية الممتد لها هذا العقد الأخير عن والدها المستأجر الأصلي - إلى نجلها الطاعن الأول بموافقة المطعون ضدها سالفة الذكر ومن ثم تنتقل جميع حقوق والتزامات الطاعنة الثانية - التي أصبحت مستأجرة أصلية بعد أن امتد لها عقد الإيجار سند الدعوى بوفاة مورثها عام 1970- إلى نجلها الطاعن الأول المتنازل عن العقد ويسرى هذا التنازل في حق المطعون ضده الأول المالك الجديد للعقار باعتباره خلفا خاصا للمطعون ضدها الثانية وتخضع العلاقة الإيجارية لأحكام قوانين إيجار الأماكن وليس أحكام القانون المدني، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بطرد الطاعن الأول من شقة التداعي تأسيسا على نشوء علاقة إيجارية جديدة بين الطاعن الأول والمطعون ضده الأول يحكمها عقد الإيجار المؤرخ 1/ 12/ 2007 والذي يخضع لقواعد القانون 4 لسنة 1996 وأن مدته مشاهرة ورتب على ذلك انتهاءه بانقضاء مدته بعد التنبيه عليه بالإخلاء رغم أن هذا العقد الأخير حسبما اتجهت إليه إرادة طرفيه هو امتداد لعقد الإيجار المؤرخ 1/ 1/ 1964 الممتد للطاعنة الثانية والمتنازلة عنه لابنها الطاعن الأول بموافقة المالكة السابقة للعقار وفقا لما سلف بيانه، وأن هذا العقد يخضع لأحكام قوانين الإيجار الاستثنائية وأن أسباب الإخلاء المبينة بتلك القوانين واردة على سبيل الحصر وليس من بينها انتهاء العقد لانتهاء مدته مما يعيب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون ويوجب نقضه نقضا جزئيا فيما قضى به في الدعوى رقم ..... لسنة 2011 إيجارات الإسكندرية الابتدائية من إلغاء الحكم المستأنف وطرد الطاعن الأول من شقة التداعي".
الحالة الثانية:
أما إذا اقتصر العقد الجديد على عبارة "التنازل عن العقد المؤرخ كذا...." دون الإشارة للامتداد، فهنا تنشأ علاقة إيجارية جديدة منبتة الصلة بالعقد القديم، وتخضع لأحكام القانون المدني، وهذا أيدته محكمة النقض – الطعن رقم 34149 لسنة 93 ق – والذى جاء في حيثياته: أن هذا التنازل يعد إنهاءً للعقد القديم وبداية لعلاقة جديدة محكومة بالقانون المدني، وأنه تم تحرير تنازل مذيل بتوقيع المطعون ضده تضمن تنازله - باعتباره من ورثة المستأجرة الأصلية عن عقد الإيجار السابق المؤرخ 19 مارس 1977، وهو ما يعد تقابلاً برضاء الطرفين عن عقد الإيجار السابق، ونشأة علاقة إيجارية جديدة بينهما منبتة الصلة عن العلاقة الإيجارية السابقة الخاصة بمورثته، ويحكمها العقد الجديد والخاضع لأحكام القانون المدني، سيما أن العقد الثاني لم ينص فيه على أنه امتداد للعقد الأول كما خلت الأوراق مما يفيد وجود غش من جانب المؤجر أو قيام عيب قد شاب إرادة المطعون ضده عند إبرام العقد الأخير.
الخلاصة:
ذكر الامتداد = خضوع العقد لقوانين الإيجار القديمة.
عدم ذكر الامتداد = خضوع العقد للقانون المدني.
ملحوظة: قبل التوقيع على أي عقد، عليك قراءة عباراته جيداً وبدقة، فمجرد كلمة قد تغيّر مصير العلاقة الإيجارية بالكامل.
وفى هذا الشأن – يقول الدكتور وائل نور بندق، أستاذ القانون والمحامى بالنقض، لعل أهم الاشكاليات التي ستثار أمام المحاكم في الفترة المقبلة؛ هي مدى خضوع عقد الايجار للقانون المدني ام لقانون إيجار الأماكن "يعني بالبلدي كده هل إيجار جديد ولا إيجار قديم"، فقد يقول قائل أن الاجابة بسيطة؛ إذا كان العقد مبرما قبل 31 يناير 1996 فهو ايجار قديم "ايجار الأماكن"، وإذا كان مبرما منذ ذلك التاريخ فهو إيجار جديد "قانون مدني" - وهذا قول صحيح - لكن تثور في الواقع العملي إشكاليات دقيقة وقد رصدنا الى الآن أكثر من 37 إشكالية في هذه الصدد، لكن سنتحدث عن الإشكالية المعروضة أمامنا.
ويضيف "بندق" في تصريح صحفى: قد يكون المستأجر لديه عقد ايجار قديم أي قبل 31 يناير 1996؛ ولكنه اتفق المستأجر "أو ورثته" على تحرير عقد جديد مع المؤجر وكان تاريخ تحريره بعد 31 يناير 1996 فهل يعتبر هذا العقد إيجار جديد خاضع للقانون المدني أم هو إيجار قديم خاضع لقانون إيجار الأماكن؟ السؤال بصيغة أخرى: هل يعتبر العقد الذي تم تحريره بعد 31 يناير 1996 امتدادا لعقد الايجار السابق القديم؟ أم يعد عقدا جديدا؟
ويُجيب "بندق": الإجابة هنا تتوقف على النية المشتركة للطرفين وفقا لما يبين من بنود العقد والظروف المحيطة به؛ فإذا تبين أن إرادة المتعاقدين قد انصرفت إلى أن العقد يعد امتداد للعقد القديم كما لو تم النص صراحة على ذلك في بنود العقد فان العلاقة يحكمها قانون إيجار الأماكن "ايجار قديم"، أما اذا لم يتبين من بنود التعاقد ولا ظروفه تلك النية اعتبر عقدا جديدا خاضعا للقانون المدني، ففي الحكم المرفق اعتبرت محكمة النقض في حكم حديث لها أن العقد الجدبد مستقلا وليس امتدادا للعقد السابق، وقد قالت محكمة النقض في حكمها ما يلي:
"إذ كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده يستأجر الشقة المبينة بالصحيفة بموجب العقد المؤرخ 1/4/2001، وأنه تم تحرير تنازل مذيل بتوقيع المطعون ضده تضمن تنازله - باعتباره من ورثة المستأجرة الأصلية - عن عقد الإيجار السابق المؤرخ 19/3/1977، وهو ما يعد تقايلاً برضاء الطرفين عن عقد الإيجار السابق، ونشأة علاقة إيجارية جديدة بينهما منبتة الصلة عن العلاقة الإيجارية السابقة الخاصة بمورثته، ويحكمها العقد الجديد والخاضع لأحكام القانون المدني ، سيما أن العقد الثاني لم ينص فيه على أنه امتداد للعقد الأول كما خلت الأوراق مما يفيد وجود غش من جانب المؤجر أو قيام عيب قد شاب إرادة المطعون ضده عند إبرام العقد الأخير، ولا يغير من ذلك أن العقد الأول لم ينته بأحد أسباب الإخلاء الواردة حصراً بالمادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وأخضع العلاقة الإيجارية بين الطرفين لأحكام قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية على سند من استمرار العلاقة الإيجارية السابقة إلى المطعون ضده باعتباره أحد ورثة المستأجر الأصلي ، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون".
النقض تحذر من الوقوع في فخ "امتداد عقد الإيجار" بسبب "إشارة" 2
النقض تحذر من الوقوع في فخ "امتداد عقد الإيجار" بسبب "إشارة" 4