أصدرت الدائرة المدنية "و" – بمحكمة النقض – حكماً فريداً من نوعه، يُنهى النزاع في إيصالات الأمانة والمديونيات، رسخت خلاله لمبدأ قضائى بشأن الحصول على حكم بالبراءة في جرائم عدم سداد قيمة إيصالات الأمانة وإقامة دعوى مدنية، قالت فيه:
1-لا تكون للحكم الجنائي الحجية أمام القضاء المدني إلا إذا كان قد فصل فصلًا لازمًا في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله.
2-إذا فصلت المحكمة الجنائية بحكمٍ بات في هذه المسائل امتنع على المحاكم المدنية مخالفة الحكم الجنائي فيما سبق له الفصل فيه، وتقتصر هذه الحجية على منطوق الحكم الصادر بالإدانة أو بالبراءة وعلى أسبابه المؤدية إليه بالنسبة لما كان موضوع المحاكمة، دون أن تلحق الحجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه البراءة أو الإدانة.
3-تشكك المحكمة في واقعة التسليم الثابتة بإيصال الأمانة وعدم تطرقها لبحث واقعة المديونية في ذاتها، فلا يحوز الحجية أمام القضاء المدني ولا يمنع المحكمة المدنية من بحث واقعة المديونية ومدى التزام المدين بالوفاء بالمبلغ، وذلك إذا ما قدم الدائن دليلاً على ثبوت هذه المديونية وعجز المدين عن نفيه.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 19401 لسنة 91 قضائية، برئاسة المستشار طلبه مهنى محمد، وعضوية المستشارين عادل عبد الحميد، ومحمد رفعت محفوظ، وعبد الرحمن فاروق السماحي، ومحمد عبد الرحمن فكري، وبحضور كل من رئيس النيابة محمد أحمد عطية، وأمانة سر أحمد عبد الرحيم.
الوقائع.. نزاع قضائى بشأن سداد قيمة إيصال أمانة بالفوائد والتعويض
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 862 لسنة 2020 مدني كلي زفتى مأمورية زفتي" على المطعون ضده بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي إليه مبلغ 350 ألف جنيه والفوائد القانونية والتعويض الذي تقدره المحكمة عما لحق به من أضرار مادية وأدبية، وقال بيانا لذلك إنه يداين المطعون ضده بهذا المبلغ بموجب إيصال الأمانة المحرر عنه الجنحة رقم 281 لسنة 2018 جنح زفتى والتي قضي فيها ببراءة المطعون ضده، وبإحالة الدعوى المدنية للمحكمة المدنية المختصة لتشكك المحكمة في واقعة استلام المطعون ضده لهذا المبلغ، وإذ امتنع الأخير عن الوفاء به رغم إنذاره مما ألحق به أضرارا مادية وأدبية، فأقام الدعوى.
محكمة أول درجة تقضى بالسداد للدائن.. والمدين يطعن للإلغاء
وفى تلك الأثناء - أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد أن استمعت لشاهدي الطرفين حكمت بإلزام المطعون ضده أن يؤدي للطاعن مبلغ 350 ألف جنيه قيمة إيصال الأمانة وفوائده القانونية 4% من تاريخ المطالبة حتى تمام السداد، ثم استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 1307 لسنة 15 ق طنطا "مأمورية المحلة الكبرى"، وبتاريخ 26 سبتمبر 2021 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددًا برفض الدعوى، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
محكمة الاستئناف تلغى الحكم.. والدائن يطعن أمام النقض
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت: إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، إذ قضى برفض دعواه تأسيسا على حجية الحكم الجنائي الصادر في القضية رقم 281 لسنة 2018 جنح زفتى ببراءة المطعون ضده من تهمة تبديد المبلغ الثابت بإيصال الأمانة سند الدعوى الراهنة لتشكك المحكمة في صحة الواقعة الثابتة بهذا الايصال، في حين أنه لا حجية لذلك الحكم في دعوى المطالبة بالدين موضوع التداعي لكونه لم ينف مديونية المطعون ضده بهذا المبلغ، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: إن هذا النعي في محله، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مؤدى نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية، 102 من قانون الإثبات أن الحكم الصادر في المواد الجنائية لا تكون له حجية ملزمة في الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية إلا إذا كان قد فصل فصلا لازما في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، فإذا فصلت المحكمة الجنائية بحكم بات في هذه المسائل امتنع على المحاكم المدنية مخالفة الحكم الجنائي فيما سبق له الفصل فيه، وتقتصر هذه الحجية على منطوق الحكم الصادر بالإدانة أو بالبراءة وعلى أسبابه المؤدية إليه بالنسبة لما كان موضوع المحاكمة، دون أن تلحق الحجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه البراءة أو الإدانة.
النقض تقرر: لا تكون للحكم الجنائي الحجية أمام القضاء المدني
وبحسب "المحكمة": لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الحكم الصادر في الجنحة رقم 281 لسنة 2018 جنح زفتى والمستأنفة برقم 4580 لسنة 2019 جنح مستأنف زفتی قضی ببراءة المطعون ضده من تهمة تبديد المبلغ الثابت بإيصال الأمانة - سند الدعوى الراهنة - على سند من تشكك المحكمة في واقعة التسليم الثابتة بهذا الايصال، ولم يتطرق لبحث واقعة المديونية في ذاتها، إذ الفصل في هذه الواقعة ليس ضرورياً ولا لازماً للفصل في الجريمة المسندة إليه، ومن ثم فإن حكم البراءة لا تكون له حجية في هذا الخصوص أمام المحاكم المدنية، ولا يمنع هذه الأخيرة من بحث مدى التزام المطعون ضده بالوفاء بذلك المبلغ إذا ما قدم الطاعن دليلاً على ثبوت هذه المديونية وعجز المطعون ضده عن نفيه.
وتضيف "المحكمة": وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأقام قضاءه بإلغاء الحكم الابتدائي وبرفض دعوى الطاعن تقيدًا بحجية الحكم الجنائي الصادر ببراءة المطعون ضده من تهمة تبديد هذا الدين، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، وهو ما يعيبه ويوجب نقضه، وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه - ولما تقدم، وكان الحكم المستأنف في محله للأسباب التي بني عليها مما يتعين تأييده.
لذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وألزمت المطعون ضده المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وحكمت في موضوع الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وألزمت المطعون ضده المصاريف ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.