في مُداخلة تلفزيونية تتضمن العديد من الأخطاء القانونية خرج علينا أحد أعضاء مجلس النواب، لُيدلى ببعض التصريحات بشأن جريمة الابتزاز الإلكترونى، مُردداً أنه بعد تشديد عقوبات الابتزاز الالكتروني "وصلت للسجن المؤبد" بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات انخفضت حالات الإبتزاز الإلكتروني بنسبة 70%، على الرغم من أن جرائم الابتزاز الإلكتروني غير معاقب عليها بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رغم حداثة هذا التشريع، وهذا عوار تشريعي لابد من التصدي له وسن تشريع لمواجهته.
فضلاً عن أن جرائم الابتزاز الالكتروني ليس لها نص خاص بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بينما يُطبق عليها نصوص جرائم التهديد العادية بقانون العقوبات المواد "306 مكرر أ – 327" الأولي عقوبتها السجن مدة لا تزيد عن 5 سنوات، والثانية حالتها الأولي عقوبتها السجن؛ وعقوبة السجن وفق القواعد العامة من 3 سنوات حتي 15 عاما، وباقي حالاتها عقوبتها الحبس من 6 شهور حتي 3 سنوات.
المخاطر الإلكترونية على التماسك المجتمعي المشاكل وسبل حلولها
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على جريمة الابتزاز الالكترونى، والمخاطر الإلكترونية على التماسك المجتمعي المشاكل وسبل حلولها، وذلك في الوقت الذى نحتاج فيه تعديل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لتنظيم جرائم الابتزاز الإلكتروني، وهتك العرض الإلكتروني والتحرش الإلكتروني والنصب الإلكتروني وغيرها من الجرائم الإلكترونية الأخرى غير المنظمة بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والتي لا ينطبق علي بعض حالاتها نصوص قانون العقوبات – بحسب الدكتورعصام أحمد الحموري، المحامي المتخصص في الجرائم الإلكترونية، وقضايا الإبتزاز الإلكتروني.
في البداية - بعد دخول الثورة الصناعية في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ باتت تلك الثورة تطول كافة مناح الحياة، وامتدت إلى مجال الحاسب الآلي، الذي أدى بظهوره إلى إحداث ثورة علمية هائلة وأصبح تقدم الدول وتطورها مرتبطاً تماماً بتقدم تلك الثورة في هذا المجال، وبعد الحاسب الآلي من أبرز التطورات في العصر الحديث، وقد ساعدت تلك الثورة في تطور تكنولوجي وصل في زماننا هذا إلى قمته؛ ليصبح داعما مهما في التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي؛ وقد كان داعما للباحثين في شتي مجالات البحث العلمي، فحقق الكثير من الاستفادات واهمها سهولة ويسر البحث العلمي والوصول إلى الدراسات والمعلومات في شتي المجالات بمجهود بسيط وبتكلفة زهيدة – وفقا لـ"الحمورى".
ساعد هذا التطور التكنولوجي في الانحراف السلوكي لدي البعض
لكن الأمر لم يقتصر على هذا النفع فقط، وإنما ساعد هذا التطور التكنولوجي في الانحراف السلوكي لدي البعض، فأصبح يساء استعمال واستخدام هذا التطور حتى أصبح منهجا في الجرائم لتصبح الجرائم أكثر تطورا؛ وتزيد صعوبة مكافحة تلك الجرائم المتطورة عن الجرائم العادية التقليدية نظرا لما يتمتع به مرتكب الجريمة بقدر كبير من التخفي والمراوغة سواء باستخدام حسابات وهمية أو باستخدام خدمة إنترنت من هواتف وأرقام وهمية، ومع انتشار الجرائم الإلكترونية بدأ المشرع في تنظيم قانوني لتلك الجرائم؛ فكانت الخطوات الأولى بالقانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات حينما جرم في المادة " 76 " فعل تعمد ازعاج ومضايقة الناس عن طريق إساءة استخدام وسائل الاتصالات – الكلام لـ"الحمورى" .
واقتصرت المكافحة التشريعية لهذا النوع من الجرائم على ذلك القانون بالإضافة إلى قانون العقوبات والذي يفتقد التقنين الصحيح لهذا النوع من الجرائم الإلكترونية وخاصة جريمة الابتزاز الإلكتروني والتي تفتقد إلى تنظيم عقابي خاص وصريح فيطبق عليها قانون العقوبات "جريمة التهديد العادي" في 3 مواضع في المواد "309 مكرر أ: 326: 327 من قانون العقوبات"، ولا تنظم تلك المواد جميع صور التهديد؛ بالتالي لا ينطبق على أغلب صور الابتزاز الإلكتروني النموذج القانوني للجريمة كما نظمتها تلك المواد وهو ما يترتب عليه عدم معاقبة الكثير من مرتكبي جرائم الابتزاز بالعقوبة الرادعة الواردة في تلك النصوص – هكذا يقول "الحمورى".
كيفية تصدى المشرع المصرى لهذه الجرائم
وفي عام 2018 جاء المشرع المصري بالقانون 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات لينظم تجريما خاصا للكثير من الجرائم الإلكترونية كالتعدي على القيم الأسرية المصرية وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، واختراق وسرقة الحسابات، وكذلك إنشاء وإدارة واستخدام حساب خاص بهدف ارتكاب جريمة والبعض منها عقوباتها ليست رادعة؛ ولكن للأسف الشديد جاءت مواد هذا القانون خالية من تنظيم عقابي خاص لجريمة الابتزاز الإلكتروني رغم أنها أخطر صور الجرائم الإلكترونية وأكثرها انتشارا وأكثرها تأثيرا وتهديدا للمجتمع في ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل، وكذا جاءت مواد القانون سالف البيان من تنظيم عقابي خاص لجرائم أخر شديدة الخطورة "هتك العرض الإلكتروني - التحرش الجنسي الإلكتروني - الدعارة الإلكترونية - النصب الإلكتروني" – طبقا لـ"الحمورى".
فلم يتغير الأمر بالنسبة لجرائم الابتزاز الإلكتروني وهتك العرض الإلكتروني والتحرش الجنسي الإلكتروني منذ ظهور تلك الجريمة رغم بزوغ الكثير من التشريعات الخاصة، ورغم تعديل الكثير من مواد قانون العقوبات بشأن بعض صور الجرائم الإلكترونية، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، ولكن الأمر الآن بات خطيرا يستلزم تدخلا تشريعيا لانتشال المجتمع من السقوط في حافة الهاوية، وفي أيامنا هذه أصبحت الجرائم الإلكترونية خاصة - جريمتي الابتزاز الإلكتروني وهتك العرض الإلكتروني - ترتكب جهاراً نهاراً وتضاعفت أعداد ضحايا تلك الجرائم بشتي صورها؛ في ظل ضعف وقصور النصوص العقابية في هذا الشأن؛ ولم يقف الأمر على تعرض الضحايا لتلك الجرائم فقط بل أصبحت نتائجه تهدم بيوتاً وتدمر حياة ومستقبلاً – بحسب "الحمورى".
خطورة جريمتى "الابتزاز الإلكترونى" و"هتك العرض الإلكترونى"
بل وصل الأمر إلي أن الابتزاز الإلكتروني أصبح ينهي حياة بعض ضحاياه وأغلبيتهم من النساء والأطفال وما أكثر الحالات التي لم تجد مفرًا من الخلاص من الابتزاز الإلكتروني إلا الانتحار؛ وهناك الكثير من الحالات والأمثلة على ذلك أشهرها قضية ابتزاز الطفلة بسنت "طفلة الغربية" التي انتحرت هروبا مما تتعرض له من المبتزين إلكترونيا خاصة أنهم قاموا بتنفيذ تهديداتهم ونشروا صور تسئ إليها وتدمر سمعتها وشرفها، ونري ضرورة الربط ما بين انتشار حالات الانتحار "بحبوب الغلة"، وما بين جرائم الابتزاز الإلكتروني، فيفاجأ الأهالي ما بين اليوم والآخر بانتحار الفتيات دون معرفة السبب.
ويضيف الخبير القانوني: ولم يعد الأمر ما بين الغرباء فقط بل انتشرت الجرائم الإلكترونية بشكل عام وجرائم الابتزاز الإلكتروني بشكل خاص في الخلافات الأسرية ما بين الأزواج بعضهم البعض وما بين المنفصلين منهم، فأصبحنا نري زوجا يقوم بتصوير زوجته أثناء العلاقة الحميمة ويقوم بتهديدها بفضحها ونشر ما تحت يده من صور وفيديوهات مقابل التنازل عن حقوقها الزوجية، بل انتشر ما بين المخطوبين في خلافاتهم فأصحبنا نرى تبادل للصور غير اللائقة بحجة الخطوبة ومع أول خلاف نجد الخطيب يساوم خطيبته ويهددها ويبتزها.
و8 آثار مترتبة نتيجة "الفراغ التشريعى"
ونرى – الكلام لـ"الحمورى" - أنه لابد من أن يتدخل المشرع بتعديلات تشريعية على قانون العقوبات وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ليفرد بنصوصه تنظيماً خاصاً ومستقلاً لجريمة الابتزاز الإلكتروني ليعالج الضعف والقصور في النص الذي يطبق علي هذا النوع من الجرائم علي أن يراعي تشديد العقوبة بقدر جسامة الفعل الإجرامي وجسامة نتائجه التي تقع علي الضحية "المجني عليه"؛ بأن يكون التأثيم لفعل التهديد والإبتزاز علي إطلاقه وبكافة صوره دون أن يقتصر فقط علي التهديد بالكتابة أو شفاهة بواسطة شخص آخر، كما هو الوضع في جريمة التهديد بالمادة 327 عقوبات؛ علي أن يتم تشديد العقوبة حسب جسامة التهديد والابتزاز لتصل العقوبة للسجن المؤبد إذا نفذ الجاني تهديده، وقام بفضح ضحيته وأفشي أمور خادشة تهدر كرامتها وتؤثر علي سمعتها؛ وكذلك التشديد العقابي إذا ترتب علي التهديد والابتزاز الإلكتروني انتحار الضحية، علي أن يتم تشديد العقوبة أيضا إذا كانت جريمة التهديد والابتزاز الالكتروني ما بين أطراف العلاقات الأسرية "زواج - انفصال – خطوبة".
ونقدم إليكم نتائج ومقترحات ورقتنا البحثية لهذا الملف الخطير وأهمها التعديل التشريعي الواجب للتصدي لتلك الجريمة – الكلام لـ"الحمورى":-
النتائج:
1- الابتزاز الإلكتروني وهتك العرض الإلكتروني من سلبيات التقدم التكنولوجي.
2- الابتزاز الإلكتروني وهتك العرض الإلكتروني يهدد أمن وسلامة آلاف المواطنين.
3-الابتزاز الإلكتروني وهتك العرض الإلكتروني أغلب ضحاياه من النساء والأطفال والأكثرية منهم يتعرضون لما قد يدفعهم للانتحار .
4-إفلات الكثير من مرتكبي جرائم الابتزاز الإلكتروني من العقاب الذي يستحقونه وإفلات البعض الآخر من العقاب عن تلك الجرائم.
5- قصور وضعف وعجز النصوص العقابية التي تناولت جريمة التهديد والابتزاز الإلكتروني إما لعدم النص صراحة علي تجريم التهديد والابتزاز علي إطلاقه وبكافة صوره، وإما لعدم ملاءمة العقوبة مع ما ينتج عنه خاصة إذا أودي بحياة ضحاياه، وبالتالي ضرورة التدخل التشريعي في قانون العقوبات وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لمعالجة ذلك القصور متخصصول والضعف والعجز .
6- صعوبة وضعف الملاحقة والمكافحة الشرطية لتلك الجرائم الخطيرة وذلك لإنشغال الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية بمئات البلاغات يوميا عن جرائم تقل أهمية.
7-وخطورة عن جرائم الابتزاز الإلكتروني وهتك العرض الالكتروني.
8-ضعف الوعي المجتعي والإعلامي لهذا النوع المستحدث من الجرائم.
التوصيات: 7 توصيات للحد من الظاهرة والتصدى لها
1- إصدار تعديلات تشريعية لمعالجة القصور والضعف والعجز في النصوص العقابية التي تنظم تلك الجرائم:-
- بإضافة مواد جديدة لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018
لتضع تعريف واضح وصريح شامل لكافة صور الابتزاز والتهديد الالكتروني، وتعديل النصوص القديمة بقانون العقوبات المتعلقة بجرائم الابتزاز والتهديد العادية خاصة المادة 327 ليكون التأثيم لفعل التهديد والابتزاز على إطلاقه وبكافة صوره دون أن يقتصر فقط على التهديد بالكتابة أو شفاهة بواسطة شخص آخر حتى لا يفلت مبتز بجريمته لعدم وجود نص عقابي يعاقبه على جريمته كما يحدث حاليا؛ على أن يتم وضع ظروف مشددة للجريمة بشقيها العادي والإلكتروني حسب جسامتها وفق الحالات التالية:-
- تنفيذ الجاني تهديداته بفضح ضحيته وافشاء أمور خادشة تهدر كرامتها وتهدر سمعتها.
- إذا ترتب علي التهديد والابتزاز الإلكتروني انتحار الضحية.
- إذا وقعت الجريمة ما بين أطراف العلاقات الأسرية "زواج - انفصال – خطوبة" .
- وكذا إضافة مواد جديدة تنظم جرائم "هتك العرض الالكتروني - التحرش الجنسي الالكتروني -الدعارة الالكترونية - النصب الالكتروني".
2- إنشاء إدارة مستقلة لمكافحة جرائم الابتزاز الالكتروني تتبع الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية.
3- إنشاء دوائر جنائية تختص بقضايا الابتزاز الالكتروني أسوة بقضايا الإرهاب فهي لا تقل خطورة وتأثيرا على المجتمع.
4- تشجيع ضحايا الابتزاز الالكتروني علي الإبلاغ عن الجريمة للحصول علي حقهم وفق القانون، وذلك بأن تكون تحقيقات وجلسات قضايا الابتزاز الالكتروني جلسات سرية لا علنية؛ حفاظا علي سمعة الضحايا دون خوف من ملاحقتهم بعار أو فضيحة.
5- تنظيم حملات وفاعليات توعية قانونية واجتماعية وتقنية بصور الابتزاز الإلكتروني وأسبابه ومخاطره وطرق الحد من ذلك، وتكثيف دور الإعلام والمؤسسات الدينية والتعليمية والجامعية في حملات التوعية.
6- توفير آلية للدعم النفسي لضحايا تلك الجرائم قبل توفير الدعم القانوني.
7- توفير آلية للحماية التقنية للضحايا تحميهم من الرضوخ لطلبات المبتزين.