لازالت ردود الأفعال مستمرة حول واقعة الإعلامية مها الصغير التي اعتذرت مؤخراً عن واقعة سرقة لوحة الفنانة التشكيلية الدنماركية "ليزا لاش نيلسون"، وادعت رسمها، الأمر الذى يدعونا إلى فتح ملف سرقة وتزوير وتقليد لوحات مشاهير الفنانين وتحولها إلى مشكلة عالمية خاصة بعد التقدم التكنولوجي وتطوير المزورين أدواتهم بشكل احترافي يصعب اكتشافه على الخبراء، فقد عُرف التزوير وسرقة الأعمال الفنية ونسبتها لغير أصحابها منذ بداية النهضة الأوروبية.
لكن عملية تزوير وتقليد وسرقة الأعمال الفنية كان يعتبر مهارة يتحلى بها الفنان القادر على التقليد بدقة بالغة، ومع الوقت تحول إلى جريمة أخلاقية وقانونية؛ بسبب إساءته للتراث الفني وهضم حقوق الفنان صاحب اللوحة الأصلية، ويعتمد المزورون اليوم تقنية الاستنساخ الكهروميكانيكي لطباعة الأعمال المزورة التي تحاكي الأصلية بشكل يصعب التفريق بينهما، كما يضيفون بعض المواد التي توحي بأن اللوحة قديمة.
الملكية الفكرية.. صون الإبداع وتشجيع الابتكار في ظل أحكام القانون المصري
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الملكية الفكرية، ضرورة صون الإبداع وتشجيع الابتكار في ظل أحكام القانون المصري، هذا وتشير بعض التقارير إلى أن ظاهرة سرقة وتقليد وتزوير وإقتباس اللوحات الفنية أصبحت أكبر رابع تجارة رواجاً حول العالم بعد المخدرات وغسل الأموال والسلاح، وقد زاد أعداد المافيا المتخصصة فى سرقة وتزوير تلك الأعمال والتى قد تصل أسعارها فى بعض الأحيان إلى أرقام خيالية لا يستطيع العقل أن يتخيلها – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض هانى صبرى.
في البداية - يتساءل الكثيرين عن موضوع غابة في الأهمية ألا هو حماية الملكية الفكرية، حيث يقاس مدي تقدم الشعوب بمدي احترامها لحقوق الملكية الفكرية التي هي نتاج فكر الإنسان من إبداعات العقل، والملكية الفكرية محمية قانونا بحقوق منها مثلا البراءات وحق المؤلف والعلامات التجارية، وحقوق المؤلف. ويحق للمالك منع الآخرين من التعامل في ملكه دون الحصول على إذن مسبق منه، كما يحق له مقاضاتهم في حالة التعدي على حقوقه والمطالبة بوقف التعدي أو وقف استمراره والتعويض عما أصابه من ضرر – وفقا لـ"صبرى".
القانون رقم 82 لسنة 2002 بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية
وففي إطار التقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع، ومع تنامي دور المعرفة كمحرك رئيسي للاقتصاد والتنمية، أصبحت حماية حقوق الملكية الفكرية من الموضوعات القانونية التي تحظى بأهمية متزايدة على الصعيدين الوطني والدولي، فهذه الحقوق تُعد وسيلة قانونية أساسية لصون جهود المؤلفين والمخترعين والمبدعين، وضمان استفادتهم المشروعة من نتاجهم الفكري، وتُولي التشريعات المصرية، وعلى رأسها القانون رقم 82 لسنة 2002 بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية، اهتمامًا بالغًا بتنظيم هذه الحقوق، بما يكفل تحقيق التوازن بين مصلحة الفرد في حماية ابتكاره، ومصلحة المجتمع في إتاحة بيئة محفزة للإبداع والابتكار – الكلام لـ"صبرى".
أولًا: وماذا عن مفهوم الملكية الفكرية ومجالاتها؟
الملكية الفكرية هي مجموع الحقوق القانونية التي تحمي نتاج العقل البشري من ابتكارات واختراعات ومصنفات أدبية وفنية، وتصاميم صناعية، وعلامات تجارية، وشعارات، وأسماء، ورسوم، وصور مستخدمة في المجال التجاري. وتهدف هذه الحماية إلى منح أصحاب الحقوق القدرة على استغلال نتاجهم الذهني ماديًا، ومنع الآخرين من الاعتداء عليه أو استخدامه دون إذن مسبق – طبقا للخبير القانونى.
وقد أكدت محكمة النقض المصرية أن حقوق الملكية الفكرية لا تقل أهمية عن حقوق الملكية المادية، بل هي "حق عيني أصلي منقول يقع على شيء غير مادي، ويستقل عن الملكية المادية، لأنه ثمرة الابتكار ونتاج الإبداع في شتى مناحي النشاط الإنساني".
ثانيًا: ما هو الإطار الدولي والدستوري لحماية الملكية الفكرية؟
جاءت المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتؤكد على أن لكل شخص حقًا في حماية المصالح المعنوية والمادية الناتجة عن أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني يُنسب إليه، وهو ما عززته الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية "تريبس – TRIPS" التي أكدت أن الحماية لا تنصرف إلى الأفكار المجردة أو المبادئ أو أساليب التشغيل، بل إلى النتاج الفكري المبتكر والمجسد في شكل مادي.
ثالثًا: الملكية الفكرية في القانون المصري
تبنى المشرع المصري هذا الاتجاه العالمي من خلال القانون رقم 82 لسنة 2002 بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية، الذي يمثل حجر الزاوية في التنظيم التشريعي لهذه الحقوق، حيث تناول فصولًا متعددة تشمل براءات الاختراع، والنماذج الصناعية، والعلامات التجارية، وحقوق المؤلف.
وقد اشترط القانون لتمتع أي مصنف بالحماية أن يتوافر فيه عنصر الابتكار، بحيث يُظهر المصنف طابعًا شخصيًا يعكس شخصية المؤلف أو المخترع، وأن يكون مصاغًا في قالب مادي ملموس، وليس فكرة مجردة.
وأكدت محكمة النقض المصرية على ذلك بقولها: "إن مجرد تسجيل الفكرة أو إيداعها لا يكفي بذاته لترتيب الحماية القانونية، ما لم تكن منطبقة على عمل مبتكر يستحق الحماية".
رابعًا: براءات الاختراع وضوابطها القانونية
حددت المواد 1 و2 و3 من القانون رقم 82 لسنة 2002 الشروط الواجب توافرها في الاختراع للحصول على براءة اختراع، وهي:
• أن ينطوي على ابتكار جديد لم يُسبق نشره.
• أن يكون قابلاً للتطبيق الصناعي.
• ألا يمس النظام العام أو الآداب العامة أو الأمن القومي.
ويتولى مكتب براءات الاختراع فحص الطلبات للتحقق من استيفاء الشروط، ولا يتم الإعلان عن قبول الطلب إلا بعد مرور سنة على تقديمه، وفقًا للمادة 19 من ذات القانون، مع إتاحة حق الاعتراض لكل ذي شأن.
خامسًا: ماهي الحقوق المالية والمعنوية للمؤلف والمخترع
جاءت المادة 147 لتقرر أن للمؤلف وحده الحق في استغلال مصنفه ماليًا، ولا يجوز لغيره ممارسة هذا الحق إلا بناءً على إذن كتابي سابق، ويملك المؤلف أيضًا الحق في التصرف في هذا الحق أو التنازل عنه، شريطة عدم فقدانه له من خلال استغلاله العلني أو الترخيص للغير.
سادسًا: وماذا عن العقوبات الرادعة لحماية الحقوق
لم يكتفِ القانون بالحماية المدنية، بل قرر عقوبات جنائية رادعة على من تسول له نفسه الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، حيث نصت المادة 113 على معاقبة من:
• زوّر علامة تجارية مسجلة أو قلدها.
• استخدم بسوء نية علامة مزورة أو مقلدة.
• عرض للبيع منتجات عليها علامات مقلدة مع علمه بذلك.
وتتراوح العقوبات بين الحبس والغرامة، مع مصادرة المنتجات والأدوات المستخدمة، وقد يصل الأمر إلى إغلاق المنشأة المخالفة وجوبيًا في حالة العود، كما جاءت المادة 114 لتجرم استخدام بيانات تجارية مضللة أو مؤشرات جغرافية كاذبة تُوهم الجمهور بمصدر غير حقيقي للمنتج، لما في ذلك من خداع وتضليل للمستهلكين.
سابعًا: ماهي المحاكم المختصة لنظر هذا النزاع ؟
أن الاختصاص منعقد للمحاكم الاقتصادية وتعويض المتضررين بموجب قانون المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنة 2008، أسند المشرع إلى تلك المحاكم الاختصاص بالفصل في دعاوى التعويض الناشئة عن الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، مع منحها السلطة الكاملة في فحص عنصر الابتكار، بشرط تسبيب أحكامها وتسلسلها القانوني حتى تخضع لرقابة محكمة النقض.
وفى الأخير يؤكد "صبرى": إن حماية الملكية الفكرية ليست ترفًا قانونيًا أو حقًا شخصيًا فحسب، بل هي ضرورة وطنية واقتصادية وثقافية تُسهم في بناء مجتمع يحترم الإبداع ويشجع الابتكار ويضمن لصاحبه عوائد مادية ومعنوية مستحقة – ولذلك - فإن احترام هذه الحقوق ليس فقط التزامًا قانونيًا، بل واجب وطني يجب أن تترسخ مفاهيمه في وجدان المجتمع بكافة شرائحه، لا سيما في ظل سعي الدولة المصرية إلى دعم الاقتصاد المعرفي.