أصدرت الدائرة المدنية "ه" – بمحكمة النقض – حكما قضائياً فريداً من نوعه، يهم ملايين المتعاملين بالتوكيلات، بشأن تنظيم العمل بالتوكيل في سوق البيع والشراء والتعاملات التجارية وغيرها، رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية، قالت فيه: "جواز إلغاء التوكيل حتى ولو ورد فيه نص (البيع للنفس أو للغير) أو (عبارة لا يجوز الغاؤه إلا بحضور الطرفين)"، طالما أن الوكالة لم تكن لصالح الوكيل.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 7910 لسنة 96 قضائية، لصالح المحامى بالنقض يحيى سعد، برئاسة المستشار محمد بدر، وعضوية المستشارين عز الدين عبد الخالق، وهانی محمد صميده، وهشام عز الدين، وجمال أبو كريشة، وبحضور كل من رئيس النيابة محمد محمد مسعود، وأمين السر مجدى حسن على.
الوقائع.. نزاع قضائى بين الموكل ووكيله بالمطالبة بإلغاء عقد الوكالة
الوقائع تتحصل في أن الطاعن أقام دعواه على المطعون ضدهما بطلب الحكم بإلغاء عقد الوكالة رقم "...."، وقال بياناً لذلك أنه وبصفته وكيلا عن "....." وكل بموجب التوكيل المشار إليه المطعون ضده الأول في بيع الشقة المبينة بالصحيفة، وإذ مضى على تلك الوكالة عامان ولم يقم ببيعها، فقد أقام الدعوى، ثم حكمت المحكمة برفض الدعوى، ثم استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة، وقضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أيدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة، فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
محكمتى أول وثانى درجة ترفضان إلغاء التوكيل.. والوكيل يطعن أمام النقض
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت: إن الطعن أقيم على سببين ينعي بهما الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن عقد الوكالة المطلوب إلغائه ولم يصدر لمصلحة الوكيل، وإذ واجه الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه هذا الدفاع بأن عبارات التوكيل تضمنت صراحة النص على حق الوكيل – المطعون ضده الأول – في البيع للنفس والغير وهو ما لا يصلح رداً على دفاعه هذا، إذ أن تلك العبارة وحدها لا تقطع بتوافر مصلحة المطعون ضده الأول، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم ردت على ذلك الدفع بقولها: أن النعى صحيح ، ذلك أن النص في المادة 715 من القانون المدني يدل وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الوكالة – كأصل عام – عقد غير لازم، فيجوز للموكل بإرادته المنفردة عزل الوكيل أو إنهاء وكالته أو تقييدها، ولو وجد اتفاق يخطر عليه ذلك، لأن جواز عزل الموكل للوكيل قاعدة متعلقة بالنظام العام، ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها إلا أنه – استثناء من هذا الأصل – إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو الأجنبي، فلا يجوز للموكل عزل الوكيل أو تقييد وكالته بإرادته المنفردة، بل لابد أن يوافقه على ذلك من صدرت الوكالة لصالحه.
النقض تقرر: جواز إلغاء التوكيل حتى ولو ورد فيه نص "البيع للنفس أو للغير"
وبحسب "المحكمة": فإذا استقل الموكل بعزل الوكيل أو تقييد وكالته دون رضا من صدرت لصالحه، فإن تصرفه يكون باطلاً، وتبقى الوكالة سارية وتنصرف أثارها إلى الموكل، ويقصد بالمصلحة الواردة بهذا النص هي كل منفعة تعود على الوكيل أو الغير من استمرار الوكالة أو كل ضرر يقع بسبب إلغائها، ويجب أن تكشف عنها نصوص عقد الوكالة بشكل قاطع وصريح أو تكشف عنها أمور واقعية – تقف عليها المصلحة وفقاً لكل حالة على حده – تدل على أن إلغاء الوكالة أو تقييدها يفوت على من صدرت الوكالة لصالحه المنفعة من إبرامها، ولا يكفي استخلاصها من النص في عقد الوكالة على حق الوكيل في البيع للنفس أو للغير.
وتضيف "المحكمة": إذ أن هذه العبارة بذاتها لا تقطع بتوافر المصلحة ما لم تساندها أدلة أو قرائن تستنبطها المحكمة من الواقع في الدعوى، ويقع على عاتق الوكيل أو الغير عبء إثبات توافر هذه المصلحة، وتقديم الدليل عليها، وتستخلصها المحكمة من الأدلة المطروحة عليها باعتبارها من مسائل الواقع بشرط أن يكون استخلاصها سائغاً، كما أنه من المقرر أن إغفال الحكم بحث دفاع جوهري أبداه الخصم أو مجابهة هذا الدفاع بما لا يصلح رداً سائغاً مترتب عليه بطلان الحكم للقصور في الأسباب الواقعية.
النقض: جواز إلغاء التوكيل حتى ولو ورد فيه عبارة "لا يجوز إلغاؤه إلا بحضور الطرفين"
لما كان ذلك، وكان الثابت بصحيفتي الدعوى والاستئناف – المرفقين بصحيفة الطعن – أن الطاعن تمسك بدفاعه سالف البيان بسببي الطعن، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد واجه هذا الدفاع بأن التوكيل المطلوب إلغائه تضمن النص على حق المطعون ضده الأول في البيع لنفسه وللغير، وخلص من ذلك إلى أن التوكيل قد صدر لصالحه ورتب على ذلك قضاءه برفض الدعوى، رغم أن عبارات الوكيل لا تنهض بذاتها دليلاً على أن تلك الوكالة صادرة لصالح المطعون ضده الأول وبما لا يواجه دفاع الطاعن سالف البيان ولا يصلح رداً عليه، وقد حجبه ذلك عن بحث الإرادة المشتركة لطرفي الوكالة وبحث دفاع الطاعن بانتفاء تلك المصلحة، بما يعيبه بالقصور ويوجب نقضه.
المحامى بالنقض يحيى سعد - مقيم الطعن