تحويل أموال بالخطأ - أرشيفية
تصريحات تصدر من هنا وأخرى من هناك حول التكييف القانوني لواقعة استلام تحويل مالي بطريق الخطأ والامتناع عن رده، وذلك بعد الواقعة التي نشرتها صفحة وزارة الداخلية، بالقبض على أحد الأشخاص، بعد قيام أخر بإجراء عمليتين تحويل مبالغ مالية عن طريق الخطأ من حسابه البنكى إلى حساب آخر بذات البنك بإستخدام تطبيق "الإنترنت البنكى" وبمحاولة التواصل مع صاحب هذا الحساب رفض رد المبالغ المالية.
بالفحص وبإجراء التحريات أمكن تحديد وضبط مرتكب الواقعة، وبحوزته "هاتف محمول"، وبفحصه تبين إحتوائه على أدلة تؤكد إرتكابه للواقعة، وبمواجهته إعترف بإرتكابها على النحو المشار إليه، تم إتخاذ الإجراءات القانونية، فقد أثارت بعض الأخبار المتداولة مؤخرًا حول القبض على أحد الأشخاص بدعوى استلامه تحويلًا ماليًا بطريق الخطأ وامتناعه عن رده إلى صاحبه، جدلًا قانونيًا واسعًا حول التكييف الصحيح لمثل هذه الواقعة، ومدى كونها تمثل جريمة مؤثمة قانونا طبقا لأحكام قانون العقوبات أو لأي تشريع آخر.
التكييف القانوني للامتناع عن رد الأموال المحوّلة إلكترونيًا خطأً
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على التكييف القانوني للإمتناع عن رد الأموال المحوّلة إلكترونيًا خطأً دراسة مقارنة بين القانون المصري والفرنسي، فمع توسع المعاملات المالية الإلكترونية، برزت ظاهرة تحويل الأموال عن طريق الخطأ، ما أوجد حالة قانونية جديدة تتعلق بالامتناع عن رد الأموال المحوَّلة. هذه الظاهرة تستدعي دراسة التكييف القانوني للفعل في النظامين المصري والفرنسي، مع التركيز على أركان الجريمة، والفرق بين النصوص التي تجرم الفعل صراحة في مصر وبين النصوص الفرنسية التي تركز على الركن المعنوي للجريمة – بحسب أستاذ القانوني الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
أولاً: التأصيل القانوني في القانون المصري – وفقا لـ"فاروق":
1. انتفاء الركن المادي للسرقة والنصب وخيانة الأمانة
في حالة التحويل البنكي الخاطئ:
-السرقة (المادة 311 عقوبات): غير متحققة لغياب الفعل المادي للانتزاع أو الاختلاس.
-النصب (المادة 336 عقوبات): غير متحقق لعدم وجود وسائل احتيالية.
-خيانة الأمانة (المادة 341 عقوبات): غير متحقق لعدم وجود علاقة أمانة مسبقة بين الطرفين.
بناءً على ذلك، فان الامتناع عن رد الأموال المحوَّلة بطريق الخطأ لا يندرج تحت الجرائم التقليدية، بل يحتاج لتكييف خاص، وهو ما نحاه اامشرع بموجب نصوص المادة 321 مكرر الملحقة بالسرقة – الكلام لـ"فاروق".
2. تكييف الاحتباس بموجب المادة 321 مكرر عقوبات
المادة نصت على: "كل من عثر على شيء أو حيوان فاقد ولم يرده إلى صاحبه متى تيسر ذلك أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تجاوز سنتين إذا احتبسه بنية تملكه، أمّا إذا احتبسه بعد انقضاء تلك الفترة بغير نية التملك فتكون العقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائة جنيه" – هكذا يقول "فاروق".
أركان الجريمة:
1. الركن المادي: الاحتفاظ بالمال أو الشيء المحوَّل خطأ دون تسليمه أو إرجاعه، ويشمل الأموال التي تصل لحساب المتلقي عن طريق التحويل الخاطئ.
2. الركن المعنوي: الإرادة على التملك، أي علم المتلقي بأن المال ليس من حقه ولكنه يمتنع عن ردّه.
التحليل:
إذا احتفظ المتلقي بالمال بعد علمه بخطأ التحويل وقصد تملكه، تتحقق العقوبة القصوى "الحبس حتى سنتين"، إذا لم تكن هناك نية التملك "مثل نسيان الرد أو عذر موضوعي"، تكون العقوبة الغرامة.
ثانياً: التأصيل القانوني الفرنسي وأحكام النقض
1-المادة 311-1 Code pénal – عرفت السرقة بأنها "Le vol est la soustraction frauduleuse de la chose d’autrui"، فالنص الفرنسي يركز على الاستيلاء المعنوي مع نية التملك عند العلم بعدم الاستحقاق، حتى دون تدخل مادي مباشر، فالمال المحوّل عن طريق الخطأ يُعتبر "chose d’autrui" بمجرد إدراك المستفيد أنه ليس له الحق فيه (Jean Pradel, Droit pénal général, 8ème édition, 2019, p. 257).
كما يوضح Philippe Conte أن نية التملك وحدها كافية لإثبات السرقة عند العلم بعدم استحقاق المال، حتى دون تدخل مادي في استلامه (Philippe Conte, La responsabilité pénale pour appropriation des fonds, Dalloz, 2020, p. 113).
ويركز François Terré على أن الاحتفاظ بالمال المحوّل خطأ بعد مطالبة صاحب المال يُعد قرينة على نية التملك، وتكفي لإتمام الركن المعنوي للجريمة (François Terré, Code pénal commenté, 2021, p. 199).
2. أحكام محكمة النقض الفرنسية (Cass. crim)
قضت المحكمة بأن الاستيلاء المعنوي على المال المحوّل بطريق الخطأ يكفي لإثبات السرقة طالما عبّر الجاني عن إرادة الاحتفاظ بالمال لنفسه مع علمه أنه مال للغير (Cass. crim., 4 décembre 2001, n° 00-88.601).
وقضت بأن الاحتفاظ بمبلغ أودع بطريق الخطأ في الحساب البنكي مع العلم بعدم الاستحقاق ورفض رده يُعد سرقة، حتى دون أي تدخل مادي
Cass. crim., 3 mars 2004, n° 03-84.061:
وقضت بان الامتناع العمدي بعد مطالبة صاحب المال يُعد قرينة على نية التملك، ويكفي لإتمام الركن المعنوي للجريمة.