الجمعة، 24 أكتوبر 2025 02:58 م

ألغاز الإجراءات الجنائية.."الإيداع المؤقت" لحين "الاستجواب" طبقاً للمادة 112 حماية للشخص أم انتهاك لحقه.. المعارضون: يفتح الباب أمام "الحبس المفتوح ".. والمشرع يراه حماية للحرية الشخصية من أي قيد

ألغاز الإجراءات الجنائية.."الإيداع المؤقت" لحين "الاستجواب" طبقاً للمادة 112 حماية للشخص أم انتهاك لحقه.. المعارضون: يفتح الباب أمام "الحبس المفتوح ".. والمشرع يراه حماية للحرية الشخصية من أي قيد الاستجواب والمادة 112 من مشروع قانون الإجراءات - أرشيفية
الجمعة، 24 أكتوبر 2025 12:00 م
كتب علاء رضوان

أثار اعتراض مؤسسة الرئاسة على المادة "112" من مشروع قانون الإجراءات الجنائية جدلاً واسعًا في الأوساط القانونية والسياسية، بعدما رأت أن النص يفتح الباب أمام "الحبس مفتوح المدة"، بما يمسّ الحرية الفردية التي يصونها الدستور في مادته "54"، إذ بدا لمؤسسة الرئاسة أن الاعتراض يستند إلى خشية مشروعة من إطلاق يد جهات الضبط في تقييد حرية الأفراد دون رقابة قضائية كافية.

 

وهو في حقيقة الأمر اعتراض محمود الدوافع نابعً من حساسية سياسية مشروعة تجاه قضايا الحرية الشخصية، خاصة في ظل ما يثار من نقاش عام حول التوسع في الحبس الاحتياطي، غير أن معالجة هذه القضية لا تكون بإلغاء نص يضع ضوابط واضحة، بل بتطبيق تلك الضوابط بدقة ومحاسبة من يتجاوزها، إذ بمراجعة هادئة للنص، وقراءته في ضوء المنظومة القانونية الكاملة، تكشف أن هذا التخوف مبالغ فيه، بل إن النص ذاته جاء ليؤكد الضمانات الدستورية، لا لينتقص منها.   

 

33

 

رأى المشرع في الإيداع المؤقت لحين الاستجواب طبقا للمادة 112 من المشروع

 

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الإيداع المؤقت لحين الاستجواب الذى يعتبره المشرع ليس حبساً مفتوحاً، وذلك من خلال قراءة هادئة في الاعتراضات علي المادة 112 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، خاصة وأن الاستجواب المحظور قانونًا على غير سلطة التحقيق هو مواجهة المتهم بأدلة ومناقشته تفصيلاً كيما يفندها أو يعترف بها إن شاء وإن تسجيل مأمور الضبط ما يبديه المتهم أمامه من أقوال واعتراف في حق نفسه وغيره من المتهمين لا يعد استجوابًا ولا يخرج عن اختصاصه – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض الدكتور ياسر الأمير فاروق.   

 

أولاً: النص محل الجدل

 

تنص المادة "112" من مشروع القانون على أنه: "يجب على النيابة العامة أن تستجوب المتهم المقبوض عليه فوراً، فإن تعذر ذلك، وجب عليها أن تأمر بإيداعه أحد أماكن التوقيف المخصصة لذلك إلى حين استجوابه، على ألا تجاوز مدة الإيداع أربعاً وعشرين ساعة من وقت القبض عليه"، وهذه المادة تقابل المادة 131 من قانون الإجراءات الجنائية الحالي التي تنص علي أن يجب على قاضي التحقيق أن يستجوب فوراً المتهم المقبوض عليه، وإذا تعذر ذلك يودع في السجن إلى حين استجوابه، ويجب ألا تزيد مدة إيداعه على أربع وعشرين ساعة – وفقا لـ"فاروق". 

 

5 استجواب

 

ويتضح أن نص المادة 112 من المشروع ليس بجديد وأنه لا يمنح مأمور السجن أو مدير مركز التأهيل أي سلطة تقديرية في الاحتجاز، ولا يجيز بأي حال استمرار الإيداع إلى ما لا نهاية، بل يُنظّم حالة استثنائية محددة للغاية، هي تعذر استجواب المتهم فور القبض عليه، لأي سبب مادي أو صحي أو لظرف طارئ حال دون مثوله أمام سلطة التحقيق – هكذا يقول أستاذ القانون الجنائى.

 

ثانيًا: ثلاث ضمانات جوهرية تحمي الحرية الشخصية

 

1-أن الإيداع لا يتم إلا بناءً على أمر من النيابة العامة، وهي سلطة قضائية يخضع أعضاؤها لرقابة قانونية دقيقة.

2-أن المدة محددة بحد أقصى 24 ساعة فقط من لحظة القبض، وهي مدة قصيرة لا تسمح بوقوع أي شكل من أشكال الاحتجاز التعسفي.   

3-أن استمرار الإيداع بعد انقضاء المدة يُعدّ حبسًا غير مشروع يعاقب عليه قانون العقوبات في المادة "280".

 

ملحوظة: تلك الضمانات الثلاث تشكّل جدارًا قانونيًا صلبًا ضد أي محاولة لاستغلال النص في الإضرار بحرية الفرد أو التحايل على مبدأ الشرعية. 

 

7 استجواب

 

ثالثًا: الفرق بين "الإيداع المؤقت" و"الحبس الاحتياطي"

 

من الأهمية بمكان التمييز بين الإيداع المؤقت المنصوص عليه في المادة "112"، وهو إجراء جنائي قصير المدى مناطه الضرورة ومرتبط بمرحلة ما قبل الاستجواب، وبين الحبس الاحتياطي الذي تصدر به أوامر قضائية من قاضي التحقيق أو النيابة المختصة بعد استجواب المتهم، والخلط بين الإجرائين هو ما ولّد الانطباع الخاطئ بأن المادة تتيح "حبسًا مفتوحًا"، بينما الحقيقة أن النص يسبق مرحلة الحبس الاحتياطي، ويهدف فقط إلى تنظيم الساعات الأولى التي تلي القبض، وهي لحظة حساسة تحتاج إلى تنظيم قانوني دقيق يمنع أي تجاوز من جهة الضبط – الكلام لـ"فاروق".

 

رابعًا: القراءة الدستورية للنص

 

إذا قُرئ النص في ضوء المادة "54" من الدستور التي تنص على أن: "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس"، فإننا نجد أن المشرّع التزم التزامًا صارمًا بهذا المبدأ، فالنيابة العامة وحدها صاحبة الحق في إصدار أمر الإيداع، والمدة محددة، والرقابة القضائية متوافرة، والجزاء الجنائي قائم على كل من يخالف هذه الحدود، بل يمكن القول إن المادة "112" تترجم عمليًا الفقرة التي تشترط عرض المقبوض عليه على جهة تحقيق خلال 24 ساعة من القبض عليه، مما يجعل النص أكثر انسجامًا مع الدستور من أي فراغ تشريعي قد يترك تلك المرحلة بلا تنظيم – طبقا لـ"فاروق". 

 

8 استجواب

 

خامسًا: البعد الفقهي والتطبيقي

 

أكدت دراسات الفقه الجنائي المصري هذا المعنى  بصدد المادة "131" من قانون الإجراءات الجنائية المنقول منها المادة "112" من المشروع، حيث قرر أنه يتعين علي النيابة العامة أن تبدأ في استجواب المتهم المودع قبل أنتهاء مدة 24 ساعة، فإن انقضت تلك المدة دون استجواب المتهم كان حبسه بمجرد أنتهاء المدة "باطل"، وهو بطلان لا يصححه استجواب النيابة من بعد لأن الاستجواب في هذه الحالة يكون مبنياً علي إجراء باطل، ويجب إخلاء سبيله فورًا، وإلا عُدّ حبسه غير مشروع، وهو تأكيد فقهي على أن المادة لا تُستخدم إلا كآلية تنظيمية محددة زمنًا، وليست بابًا خلفيًا للحبس – هكذا يرى "فاروق".

 

سادسا: نحو فهم أكثر اتزانًا

 

المشكلة في تقديري – الكلام للخبير القانوني - ليست في النص ذاته، بل في سوء الفهم أو القراءة المجتزأة له، فاللغة القانونية الدقيقة تحتاج إلى تفسير متأنٍّ يستوعب فلسفة التشريع لا مجرد عباراته، والمادة "112" تعبّر عن اتجاه حديث في التشريع الجنائي يسعى إلى تحقيق توازن حقيقي بين سرعة الإجراءات وكفالة الحرية الفردية. 

 

3 استجواب

 

الخلاصة:

 

وفى الأخير يؤكد "فاروق": ليس صحيحًا أن المادة "112" تُجيز "حبسًا مفتوح المدة"، بل الصحيح أنها تمنع حدوثه، فهي تُقيّد الإيداع بزمن محدد وبإذن قضائي، وتُلزم بإخلاء سبيل المتهم فور انتهاء المدة، وتُجرّم أي تجاوز، ومن ثم فإن الدفاع عن الحرية الشخصية لا يكون بإسقاط النصوص الضامنة لها، بل بفهمها وتطبيقها تطبيقًا سليمًا، حيث إن العدالة الجنائية لا تقوم على التخوف من النصوص، بل على حسن قراءتها، ومن يقرأ المادة "112" بهدوء وموضوعية سيدرك أنها لم تُكتب لتقيد الحرية، بل لتحميها من أي قيد بلا وجه حق.   

 

9 استجواب

 

موقف محكمة النقض من الاستجواب المحظور

 

وفى هذا الشأن سبق لمحكمة النقض التصدي لإشكالية الاستجواب المحظور في الطعن المقيد برقم 51732 لسنة 73 القضائية، والذى جاء في حيثياته: بطلان الاستجواب فالمقرر بأن الاستجواب المحظور قانونًا على غير سلطة التحقيق هو مواجهة المتهم بأدلة ومناقشته تفصيلاً كيما يفندها أو يعترف بها إن شاء وإن تسجيل مأمور الضبط ما يبديه المتهم أمامه من أقوال واعتراف في حق نفسه وغيره من المتهمين لا يعد استجوابًا ولا يخرج عن اختصاصه، وإذ كان ذلك وكان الثابت أن مأمور الضبط القضائي قد سجل ما أبداه كل متهم من أقوال واعتراف في حق نفسه وغيره من المتهمين فلا يعد استجوابًا ويتعين رفض الدفع .

 

لما كان ذلك، وكان من المقرر طبقًا لنص المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن لمأمور الضبط القضائي أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه تفصيلاً وأن يثبت في محضره ما يجيب به المتهم بما في ذلك اعترافه بالتهمة ويكون هذا المحضر عنصرًا من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منه وكان الاستجواب المحظور قانونًا على غير سلطة التحقيق هو مواجهة المتهم بالأدلة المختلفة قبله ومناقشته مناقشة تفصيلية كيما يفندها إن كان منكرًا للتهمة أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف، ومن المقرر أن المواجهة كالاستجواب تعد من إجراءات التحقيق المحظور على مأمور الضبط القضائي اتخاذها. 

 

1111

 
11 الاستجواب
 
أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق 

 

 

print