المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة، اليوم، برئاسة المستشار بولس فهمي، بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة "110" من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 فيما تضمنته من إلزام المحكمة المُحال إليها الدعوى بنظرها، مؤكدة أن إلزام محكمة بنظر دعوى محالة إليها من جهة قضاء أخرى، إذا كان النزاع يخرج عن اختصاصها الولائي، يُعد أمرًا "غير دستوري".
المحكمة قضت في جلستها المنعقدة اليوم الأحد، بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (110) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، في مجال إعمالها على القضاء بعدم الاختصاص المتعلق بالولاية، وذكرت المحكمة – في حيثيات حكمها – أن الدستور حدد الجهات القضائية وقرر اختصاصاتها من خلال توزيع الولاية بين الجهات التي عيّنها، بما يحول دون تنازعها فيما بينها أو إقحام إحداها فيما تتولاه غيرها، وبما يكفل دومًا عدم عزلها جميعًا عن نظر خصومة بعينها.
وعلى ذلك، فإن جهات القضاء مستقلة عن بعضها البعض، ومؤدى هذا الاستقلال أن تختص كل جهة – وظيفيًا – بغير ما تختص به الأخرى.
المحكمة: تدخلًا في شؤون الوظيفة القضائية
وبحسب "المحكمة": ولما كان النص المحال قد ألزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها والفصل فيها، ولو تبين لها أنها غير مختصة ولائيًا بنظرها طبقًا للاختصاص الذي أوكله الدستور إليها، فإنه يكون قد أهدر النصوص الدستورية التي أفردت لكل جهة قضائية اختصاصاتها، وعصف بحق التقاضي بفرض قاضٍ لا يُعد – طبقًا للاختصاص الذي حدده الدستور – القاضي الطبيعي المختص بالمنازعة.
وأوضحت المحكمة، أن ذلك يُعد تدخلًا في شؤون الوظيفة القضائية، ولا يحقق متطلبات المحاكمة المنصفة، كما يُعد تسليطًا لجهة قضاء على أخرى بإلزامها بالفصل في نزاع يخرج عن ولايتها، وتطبيق تشريعات لا تختص وظيفيًا بتطبيقها، مما يجعل من محكمة الإحالة جهة تنازع، ويُضفي على حكمها وصفًا يعادل قضاء محكمة التنازع، وهو الاختصاص الذي أسنده الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، وهو ما يصم النص بمخالفة أحكام الدستور، وقد تضمّن الحكم تقديرًا للآثار المترتبة عليه، وصونًا لاستقرار المراكز القانونية للخصوم في الدعاوى المحالة، حيث أعملت المحكمة الرخصة المخولة لها بموجب نص المادة (49) من قانونها، وحددت اليوم التالي لنشر الحكم في الجريدة الرسمية تاريخًا لإعمال آثاره.
الحيثيات: عدم دستورية سريان الفقرة الأخيرة من هذه المادة بشأن الاختصاص الولائي
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض الدكتور وائل أنور بندق - أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما هاما جدا بشأن المادة 110 مرافعات؛ وهي من أشهر مواد هذا القانون، والمادة "110" ببساطة شديدة تقضي بأنه إذا حكمت المحكمة بعدم الاختصاص، فإن عليها أن تقرن حكمها بالإحالة للمحكمة المختصة، وأهم ما في هذه المادة أنها قررت أن المحكمة المحال إليها الدعوى تلتزم بنظرها ولا يمكن أن تحكم بعدم الاختصاص.
ويُضيف "بندق" في تصريح لـ"برلماني": وهذه المادة قررت صراحة أنها تسري بشأن الاختصاص الولائي (الوظيفي)، ومن ثم فإذا حكمت إحدى محاكم جهة القضاء الإداري بعدم الاختصاص وأحالت إلى محاكم القضاء العادي، فإن هذه الأخيرة تلتزم بنظر النزاع، واليوم صدر الحكم الهام للمحكمة الدستورية بعدم دستورية سريان الفقرة الأخيرة من هذه المادة بشأن الاختصاص الولائي على سند من أن الدستور حدد اختصاص الجهات القضائية وأن محكمة الإحالة تتعدى على دور المحكمة الدستورية العليا باعتبارها محكمة التنازع التي تفصل في التنازع في الولاية بين جهات القضاء، كما أنه لن يُطبق مثل هذا الحكم بأثر رجعى.
حكم أخر عام 2015 بمضمون مختلف
وأوضح "بندق": وجدير بالتنويه أن المحكمة الدستورية العليا سبق وأن قضت في عام 2015 بعدم قبول دعوى عدم دستورية المادة "110" مرافعات في فقرتها الأخيرة المتعلقة بالزام المحكمة المحال إليها بنظر النزاع، وجاء في هذا الحكم الأخير أن حكم الإحالة وإن كان ملزماً للمحكمة المحال إليها بالنسبة لمحاكم الجهة القضائية الواحدة، إلا أن هذا الإلزام يكون فى حدود الأسباب التى بنى عليها الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة، فإذا رأت المحكمة المحال إليها أنها غير مختصة لسبب آخر، قضت بعد الاختصاص وإحالة الدعوى مرة أخرى للمحكمة المختصة.
وأشار الخبير القانوني إلى أن حكم المحكمة الدستورية اليوم يسري من اليوم التالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية، ويجب لفت الإنتباه إلى أن هناك حكم هام جدا للمحكمة الإدارية العليا عام 2002 تناول بالتفصيل التعليق على المادة "110" مرافعات في ضوء تطورها التشريعي، وهذا الحكم قضى بإلتزام محاكم مجلس الدولة بالفصل فى الدعاوى المحالة إليها من جهة قضائية أخرى طبقا للمادة 110 من قانون المرافعات ولو كانت تخرج عن الاختصاص الولائى المحدد قانونا لمحاكم مجلس الدولة.
ملحوظة:
مسألة تنازع الإختصاص السلبي الولائى إشكلية كبيرة جدًا، ونعتقد إن مهما أصدرت دائرة توحيد المبادئ من أحكام تمُل حلًا لفض التنازع السلبي الولائي، أنه لا بُد من إدراج تشريع جديد يكون بمثابة هيئة قضائية جديدة تكون مهمتها هي نظر التنازع السلبي القضائى مع إعطاء أحكام هذهِ الجهة حجية الأمر المقضي به، وذلك لسببين الأول: تسهيل العمل لكل من الجهتين القضائيتين، والسبب الثاني: أن تكون بمثابة مرجع للفصل في النزاعات السلبية بين المحاكم بمختلف ولاياتها، وإن كان ما نقوله حُلمًا لإفتقار الشارع المصري للأسف الشديد للمرونة التشريعة والرؤية الحكيمة من سن القوانين، إلا أننا مازلنا نرى الأمل في الحداثة والتغير.