جريمة هتك العرض - أرشيفية
مسألة إثبات جريمة "هتك العرض" تمثل صعوبة كبيرة خاصة وأن الشريعة الإسلامية تتطلب أربعه شهود لإثبات جريمة هتك العرض مثلها مثل جريمة الزنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر لو أن أحد اتهم أخر بهتك عرض فى السعودية دون شهود أربع لأقيم عليه حد القذف، وتأتي جريمة هتك العرض في مقدمة هذه الجرائم التي شغلت الفقه والقضاء والتشريع، نظرًا لدقة تعريفها، وتشعب صورها، وتعقيد وسائل إثباتها، خاصة في ظل تطور أنماط الاعتداء ووسائل ارتكابه في العصر الحديث.
ومما لا شك فيه أن الجرائم الواقعة على العرض والحياء العام تمثل واحدة من أخطر صور الاعتداء على الإنسان، ليس فقط لما تنطوي عليه من مساس بالجسد، وإنما لما تحمله من انتهاك مباشر للكرامة الإنسانية وطمس للحدود الفاصلة بين الحق في السلامة الجسدية والحرية الشخصية من جهة، وسلوك إجرامي يستبيح الخصوصية من جهة أخرى.
جريمة هتك العرض وإثباتها في التشريعات العربية
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على جريمة هتك العرض وإثباتها في التشريعات العربية، ومفهوم جريمة هتك العرض وتمييزها عن الجرائم المجاورة، وإثبات جريمة هتك العرض بين إشكالية الواقع والنص، خاصة وأن جريمة هتك العرض هي واحدة من أخطر الجرائم التي تهدد المجتمع وتؤثر على حقوق الإنسان وحريته، وهي جريمة يعاقب عليها القانون في معظم الدول العربية، تختلف عقوبة جريمة هتك العرض في التشريعات العربية دولة إلى أخرى – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض رجب السيد قاسم.
مفهوم جريمة هتك العرض وتمييزها عن الجرائم المجاورة
في البداية - اتجهت غالبية التشريعات العربية إلى تعريف جريمة هتك العرض بوصفها كل فعل مخل بالحياء يقع على جسد المجني عليه، ويستهدف المساس بعورته أو مواضع عفته، دون أن يصل إلى حد المواقعة الكاملة، وبذلك فهي تقع في منزلة وسطى بين جريمة الفعل الفاضح من جهة، وجريمة الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي الكامل من جهة أخرى، ولا ريب أن الفارق الجوهري بين هتك العرض والاغتصاب يتمثل في غياب الإيلاج الجنسي، بينما يشترك الجُرمان في عنصر جوهري، هو انتهاك الإرادة الحرة للمجني عليه، سواء بالقوة أو التهديد أو الحيلة أو استغلال حالة ضعف – وفقا لـ"قاسم".
أركان جريمة هتك العرض
وقد استقر الفقه الجنائي العربي على أن هتك العرض لا يشترط فيه نزع كامل للملابس، ولا تحقق لذة جنسية بالمعنى التقليدي، وإنما يكفي المساس الجسدي المخِلّ بالحياء متى انصرف قصد الجاني إلى ذلك، وتقوم جريمة هتك العرض – في عموم التشريعات العربية – على ثلاثة أركان رئيسية – هكذا يقول "قاسم":
الركن المادي فى جريمة هتك العرض
ويتحقق بفعل إيجابي يمس جسد المجني عليه مساسًا يخدش الحياء، سواء كان ذلك باللمس أو الجس أو التقبيل القسري أو أي سلوك مادي آخر يخرج عن نطاق المقبول اجتماعيًا وأخلاقيًا، وقد توسعت المحاكم العربية في تفسير هذا الركن، معتبرة أن العبرة بطبيعة الفعل ذاته لا بمدته أو مكان وقوعه، سواء وقع في مكان عام أو خاص – الكلام لـ"قاسم".
الركن المعنوي فى جريمة هتك العرض
ويتطلب توافر القصد الجنائي العام، أي علم الجاني بطبيعة فعله المخِلّ بالحياء، واتجاه إرادته إلى ارتكابه، ولا يُشترط ثبوت قصد الإشباع الجنسي، بل يكفي علم الجاني بأن فعله يمثل اعتداءً على عرض المجني عليه.
صفة المجني عليه فى جريمة هتك العرض
وتشدد التشريعات العقوبة إذا كان المجني عليه قاصرًا أو فاقد الإرادة أو في حالة ضعف، أو إذا كان الجاني ممن لهم سلطة أو ولاية أو إشراف، وهو اتجاه محمود يعكس فلسفة حماية الفئات الأضعف في المجتمع.
إثبات جريمة هتك العرض – إشكالية الواقع والنص
إذ ننتقل إلى مسألة الإثبات، فإننا نكون أمام أكثر القضايا تعقيدًا وحساسية في هذا النوع من الجرائم، فجريمة هتك العرض غالبًا ما تُرتكب في غياب شهود، ويكون فيها المجني عليه الطرف الوحيد الذي عايش الواقعة، وهو ما فرض على القضاء الجنائي تبني قواعد إثبات مرنة، دون الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة.
الشهادة فى جريمة هتك العرض
تُعد شهادة المجني عليه في جرائم هتك العرض ذات قيمة خاصة، وقد استقر القضاء في مصر ومعظم الدول العربية على أن أقوال المجني عليه تكفي وحدها للإدانة متى اطمأنت إليها المحكمة، وكانت متسقة وخالية من التناقض، ومؤيدة بقرائن.
التقارير الطبية فى جريمة هتك العرض
تلعب التقارير الطبية دورًا داعمًا في الإثبات، خاصة إذا أثبتت وجود آثار مقاومة أو خدوش أو كدمات تتفق مع رواية المجني عليه، غير أن غياب الدليل الطبي لا ينفي الجريمة، وهو ما أكدته محاكم النقض العربية مرارًا.
القرائن والدلائل الفنية فى جريمة هتك العرض
تشمل تسجيلات الكاميرات، والمراسلات الإلكترونية، وسجلات الهواتف، وتقارير الخبرة الفنية، وهي وسائل بات لها وزن متزايد في ظل الجرائم الحديثة، خصوصًا تلك المرتكبة في أماكن العمل أو المؤسسات التعليمية.
موقف التشريعات العربية – قراءة مقارنة
التشريع المصري وجريمة هتك العرض
جرّم قانون العقوبات المصري هتك العرض بنصوص صريحة، وشدد العقوبة إذا ارتكب الجرم بالقوة أو التهديد أو ضد قاصر، وقد لعب القضاء دورًا محوريًا في توسيع مفهوم الفعل المخل بالحياء، بما يحقق الحماية الفعلية للمجني عليهم.
التشريع العماني وجريمة هتك العرض
نص قانون الجزاء العماني على تجريم هتك العرض بعقوبات صارمة، مع تشديد خاص إذا وقع الجرم على قاصر أو أنثى أو من ذوي الإعاقة، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع وقيمه، دون إخلال بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
التشريع السعودي وجريمة هتك العرض
اعتمد النظام الجزائي السعودي مقاربة تقوم على تجريم كل مساس جسدي بالعرض، مع ترك سلطة تقدير واسعة للقاضي، مستندة إلى قواعد الشريعة الإسلامية، مع تشديد ملحوظ في حالات استغلال السلطة أو تكرار الجريمة.
التشريع المغربي والتونسي وجريمة هتك العرض
اتجه المشرعان المغربي والتونسي إلى تحديث النصوص الجنائية، وتوسيع تعريف الاعتداءات الجنسية، وإدخال مفاهيم حديثة للإثبات، مع مراعاة التوازن بين حماية الضحية وضمانات المتهم.
الإشكاليات العملية في التطبيق القضائي:
رغم وضوح النصوص، لا تزال هناك تحديات عملية أبرزها:
-التخوف الاجتماعي من الإبلاغ عن الجريمة.
-صعوبة الإثبات في غياب الأدلة المادية.
-الخلط أحيانًا بين هتك العرض والفعل الفاضح.
-إساءة استخدام الادعاء في بعض النزاعات الأسرية.
ملحوظة:
هي تحديات تستوجب تطوير آليات التحقيق، وتدريب جهات الضبط القضائي، ورفع الوعي القانوني المجتمعي.
وماذا عن عقوبة جريمة هتك العرض في التشريعات العربية؟
1. المملكة العربية السعودية: المادة 149 من نظام العقوبات السعودي: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد عن 15 سنة كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد".
2. الإمارات: المادة 354 من قانون العقوبات الإماراتي: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد عن 15 سنة كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد".
3. الكويت: المادة 193 من قانون العقوبات الكويتي: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 10 سنوات كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد".
4. لبنان: المادة 505 من قانون العقوبات اللبناني: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 10 سنوات كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد".
5. المغرب: المادة 486 من قانون العقوبات المغربي: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد عن 10 سنوات كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد".
6. تونس: المادة 227 من قانون العقوبات التونسي: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد عن 12 سنة كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد".
7. السودان: المادة 151 من قانون العقوبات السوداني: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 10 سنوات كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد".
8. الأردن: المادة 298 من قانون العقوبات الأردني: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 4 سنوات ولا تزيد عن 10 سنوات كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد".
9. قطر: المادة 296 من قانون العقوبات القطري: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد عن 15 سنة كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد".
10. ليبيا: المادة 407 من قانون العقوبات الليبي: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 10 سنوات كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد".
التوسع القضائي في تفسير مفهوم الفعل المخل بالحياء
وفى الأخير يؤكد "قاسم": وإذ نختتم هذا الطرح، فإننا نرى أن جريمة هتك العرض ليست مجرد نص عقابي، بل مؤشر حقيقي على مدى احترام التشريع لكرامة الإنسان، ولا ريب أن التوسع القضائي في تفسير مفهوم الفعل المخل بالحياء كان ضرورة فرضتها طبيعة الجريمة، إلا أن ذلك يجب أن يقابله تحقيق دقيق ومتوازن يقي من التعسف ويمنع إساءة الاتهام، ومن ثم، فإن تطوير قواعد الإثبات، وإقرار آليات حماية الضحايا، مع الحفاظ على قرينة البراءة، يظل هو التحدي الأكبر أمام التشريعات العربية، حتى لا يتحول النص الجنائي من أداة حماية إلى سلاح تهديد، أو من درع للكرامة إلى عبء على العدالة.
