التعدى على الأطفال - أرشيفية
التعدى على الأطفال جنسياً من ظاهرة بشعة باتت تهدد المجتمعات بسبب زياداتها، وأصبح مسرح تلك الجرائم الحرم المدرسي، ومما أثار الغضب لدينا جميعاً هو أن الجاني في تلك الجرائم في الغالب ما يكون أحد العاملين بالمدرسة، والسؤال المطروح هنا، هل تغير الواقع وأخلاقيات وقيم المجتمع المصري وأصبحنا في حاجة مُلحة لتدخل تشريعي لتنظيم ذلك النوع من الجرائم، وهل قانون العقوبات الحالي غير مُجدى نفعاً في الوقت الراهن لمواجهة ذلك التحدي وتلك الظاهرة.
والحقيقة أنه رغم تلك التعديلات التي أدخلت مؤخراً على قانون العقوبات المصري ولا ننكر أن سبب تلك التعديلات كان تزايد الجرائم الجنسية في الآونة الأخيرة، إلا أنها لم تكن كافية لمواجهة ذلك النوع من الجرائم، وقد يرجع ذلك للعديد من الأسباب، فمن ناحية أدي التطور التكنولوجي والانفتاح العالمي للإنترنت دون التحكم في المواقع المتاحة للأطفال والتي قد لا تناسب قيم مُجتمعنا، إلى ولوج الأطفال إلى تلك المواقع مما انعكس سلباً على أخلاقياتهم.
انقذوا أطفالنا.. تغليظ العقوبة هو الحل
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على أهمية تغليظ العقوبة لمثل تلك الجرائم، وأهمية الأخصائى الإجتماعى في المدارس بين الجطلبة والمدرسين والعمال، خاصة وأن الإساءة الجنسية هي فرض أفعال جنسية "أو ذات طابع جنسي" على طفل (ة) أو مراهق (ة)، وهي إساءة يمكن أن تحدث من قبل شخص بالغ أو طفل آخر، هناك نوعان من الإساءة الجنسية: النوع الأول: يتضمن تلامسًا جسديًا مع الطفل، سواءً بالتقبيل، أو الاحتضان، أو ملامسة أجزاء معينة من الجسم، أو إقامة علاقة جنسية، والنوع الثاني: لا يتضمن تلامسًا جسديًا، وإنما من خلال إجبار أو تشجيع الطفل على مشاهدة محتوى جنسي (مثل الصور، الفيديوهات، والمحادثات، وغيرها)، أو مشاهد جنسية واقعية ، أو سماع أو قول كلمات ذات محتوى جنسي.
وفى هذا الشأن – يقول الدكتور محمد جاب الله استشاري طب شرعي: على الرغم من عملي كطبيب شرعي لمدة 20 سنة تقريبا، ولكني حتى اليوم لا أستطيع منع دموعي أو إخفاء تأثري عند معاينتي لأي طفل أو طفلة من ضحايا الإعتداء أو التحرش الجنسي، والأمر يشكل لي صدمة نفسية في كل مرة، ويمكن أن يكون هذا سبب كوني أحد أكثر المتشددين في التعامل مع المجرمين بهذا الجرم وعدم اظهار أي تفهم لمرض نفسي أو مبرر لهم، فالمريض النفسي له احترامه وله حق العلاج والرعاية، إنما طالما تحول مرضه النفسي إلى شذوذ وجريمة في حق الأطفال، فلا عقاب له سوى القصاص العاجل، واختفاءه من المجتمع أصبح ضرورة ومطلب عادل.

5 ملاحظات تكشف حقيقة الجرم وبشاعته
وبحسب "جاب الله" في تصريح لـ"برلماني": الإضطراب النفسي طبقا للطب النفسى الشرعي لا ينفي العقوبة إلا إذا كان غير مدرك لفعله وكان فعله تحت تأثير مرضه الشديد الذي أفقده القدرة على الحكم على الأمور، وهذا يكون في الاضطرابات النفسية الشديدة كالفصام، وهذا لا ينطبق على حالة التعدي الجنسي على الأطفال لذلك يوقع عليه العقوبة دون الرجوع للطب النفسى الشرعي، ولكى نتعرف على خطورة الأمر وكارثيته، فلابد أن يضع الشخص نفسه مكان الطفل الضحية وليس الجانى، وهو احساس لو تعلمون شديد البشاعة والايذاء، وستدرك التالى:
أولا: الطفل أو الطفلة يكون غير مدرك لما حدث، ولا يعرف حتى سبب ذهابه وانتقاله من قسم شرطة لنيابة عامة لطب شرعى لماذا.
ثانيا: الطفل ممكن يفهم إن هناك من يعاقبه جسدياً حال خطئه، ويفهم ذلك من خلال تعبيرات وجه الأب والأم، إنما هو فعلا لا يعرف الإيذاء الجسدى الناتج من الاعتداء الجنسي كان لماذا؟ وتعبيرات الجاني ماذا تعنى؟ لأن الأمر كله في الاساس فوق مستوى إدراكه.
ثالثا: إجراءات فحص الطفل لإثبات الاعتداء الجنسي وأخذ العينات هي عملية في حد ذاتها غير مريحة وتسبب للطفل في استرجاع ذكريات الاعتداء، وردد قائلاً: "واتذكر طفلة قعدت تعيط لما جيت أكشف عليها وحاولت أهديها كتير، وبعد ما خلصت لقيتها بتقولي (إنت عمو طيب ....مش زي عمو التاني) ....تقصد الجاني".
رابعا: الترويع النفسي والجسدي الذى تعرض له الطفل ساعة الجريمة يكون بشع، تخيل طفل لا يستطيع ولا يعرف أن يصرخ ولا يتنفس وتحت تهديد وجسمه يؤلمه، فالأطفال فعلاً تكون محتاجة معاملة خاصة وتأهيل نفسي بعد الجريمة لفترة طويلة وبعضهم ينسحب تماما من المجتمع وتطارده كوابيس لفترة طويلة.
خامسا: أسرة الطفل تكون في كرب شديد، وفى حالة خوف على الصحة النفسية والجسمانية لطفلهم، وردد قائلاً: "دايما تسمع أسئلة زي ( هو مش هيجيله ايدز يا دكتور...هو مش هيبقى كده (متحرش أو شاذ) لما يكبر؟) وأسئلة تانية كتير...غير أن بعض الأسر بتضطر تغير محل إقامتها علشان يهربوا من نظرات المعارف والجيران وأي تلميحات بخصوص الموضوع".

الدكتور محمد جاب الله استشاري طب شرعي
ضرورة تغليظ عقوبة الجانى للإعدام
وردد "جاب الله" قائلاً: "مش عاوز اقول إن على سبيل المثال، المعتدي اللي استدرج الطفلة وهتك عرضها، لو كان تمكن من الطفلة وأتيحت له الفرصة لاستكمال فعلته بدون كشف أمره كان حرفيا دمّر الطفلة جسديا ويمكن تسبب لها في عاهة جسدية لا علاج لها، نوجه نداء واستغاثة لكل اللي في إيده سلطة التشريع والعقاب، تغليظ العقوبة في هذه الجرائم هو الحل الوحيد، فالسجن ليس عقوبة عادلة، لأن الجاني هيخرج يكرر فعلته تاني ويعيش حياته، بينما في طفل اتدمرت نفسيته و نفسية آسرته، فالإعدام هو الحل لردع المجرمين وحماية المجتمع، يا من بيده سلطة التشريع والعقاب احمي أطفالك وأطفالنا كلهم ضحايا محتملين طالما كانت العقوبات غير رادعة".
الأخصائي النفسي في المدارس
فيما قال أستاذ القانون الجنائى، والمحاضر المعتمد بدائرة القضاء بأبوظبي الدكتور أشرف نجيب الدريني، أنه في ظل التحولات الاجتماعية والتكنولوجية السريعة، أصبحت المدارس أكثر تعقيدًا، فهي ليست مجرد فضاءات تعليمية، بل بيئات اجتماعية يعيش فيها الطلاب جزءًا كبيرًا من حياتهم اليومية، وتتشكل فيها شخصياتهم وتتضح فيها بوادر المشكلات النفسية والسلوكية والاجتماعية، ومع ظهور ظواهر مشتدّة مثل التنمّر الإلكتروني، الإدمان على وسائل التواصل، اضطرابات الهوية، والعنف بين الطلاب أو من العاملين في المدرسة، والتعدى على الأطفال جسدياً برزت الحاجة إلى إعادة النظر في دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي كعنصر أساسي في حماية البيئة التعليمية ورصد المخاطر قبل تفاقمها.

ويؤكد "الدرينى" في تصريحات صحفية: ولم يعد مقبولًا أن يُختزل دور الأخصائي في مجرد الاستماع لمشكلة الطالب أو تسجيل شكوى عابرة، فالأخصائي يجب أن يكون شخصًا مؤهلًا يمتلك أدوات علمية ومهارات عملية تمكنه من قراءة ما وراء السلوك، وفهم ما قد يخفيه الطالب من ألم أو خوف أو ارتباك، خصوصًا أن كثيرًا من الأطفال والمراهقين لا يبوحون بسهولة بما يتعرضون له. كما يمتد دوره ليشمل العاملين في المدرسة من معلمين وإداريين وعاملين، لأن البيئة التعليمية شبكة علاقات متداخلة، وفهم الضغوط التي يعيشها المعلمون والإداريون يساعد على تحسين المناخ المدرسي وتقليل الاحتكاكات التي قد تؤثر على الطلاب.
الكشف المبكر عن الضغوط النفسية قبل أن تتحول إلى أزمات
ويضيف: وجود أخصائي نفسي إلى جانب الأخصائي الاجتماعي يمثل عنصرًا جوهريًا، حيث يكون لدى الطلاب شخص متخصص يمكنهم اللجوء إليه بشكل دوري، يفتح معهم حوارًا إنسانيًا آمنًا، ويتيح الكشف المبكر عن الضغوط النفسية قبل أن تتحول إلى أزمات، فالعلاقة المبنية على الثقة تجعل الطالب قادرًا على الحديث عن أي تجربة مؤذية تعرض لها، سواء من زملائه أو من المدرسين أو من العاملين في المدرسة، دون خوف من اللوم أو العقاب.
وأوضح "الدرينى": دور الأخصائي يمتد أيضًا إلى مواجهة الاعتداءات الجنسية، سواء من العاملين أو المدرسين على الطلاب، أو بين الطلاب أنفسهم. هنا يصبح الأخصائي حلقة التدخل الأولى، حيث يلاحظ العلامات السلوكية والنفسية التي تدل على وجود اعتداء، ويستمع للطالب بطريقة تحمي كرامته وتضمن سرية المعلومات، ويجب أن يمتلك الأخصائي القدرة على التعامل مع الأسرة بما يحمي الطفل من صدمة إضافية، والتأكد من إحالة الحالة إلى الجهات المختصة فورًا إذا لاحظ تقاعس الإدارة، مع حماية قانونية تضمن عدم تعرضه لأي ضغط أو عقاب.
ضرورة خضوع الإخصائى لتدريب على أعلى مستوى لتأهيله
وتابع "الدرينى": لكي يؤدي الأخصائي دوره الوقائي بفعالية، يجب أن يخضع لتدريب وتأهيل على أعلى مستوى في علم النفس والتربية، يشمل مهارات التعامل الإنساني مع الطلاب، تقنيات التعاطف وفهم المراهقين، القدرة على التحسس للبوادر المبكرة للجرائم والاعتداءات، وإعداد تقارير دقيقة وواضحة، كما يجب أن يكون مؤهلًا للتعامل مع العاملين في المدرسة والمشكلات المؤسسية، مع وعي كامل بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية في الحفاظ على سلامة الأطفال وحماية بيئة المدرسة.

أستاذ القانون الجنائى، والمحاضر المعتمد بدائرة القضاء بأبوظبي الدكتور أشرف نجيب الدريني
واستطرد: التأهيل المهني يجب أن يشمل أيضًا تدريب الأخصائي على كيفية التعامل مع الأسر، إدارة الأزمات النفسية، التوعية بالمخاطر الرقمية، تطوير برامج وقائية للطلاب، والعمل ضمن فرق متعددة التخصصات لتوفير دعم شامل. ويجب أن يكون دوره متوازنًا بين السرية والشفافية، بحيث يكون أمينًا في أداء وظيفته الوقائية من الجرائم، دون خوف أو تردد، مع وجود آليات واضحة للإبلاغ عن أي تقاعس من الإدارة أو المشتغلين في المدرسة، وحماية قانونية له عند القيام بواجبه.
تحويل الإخصائى من وظيفة روتينية لدور مهنى متعدد الأبعاد
وفى النهاية يقول "الدرينى": إن تحويل دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي من وظيفة روتينية إلى دور مهني متعدد الأبعاد يمثل استثمارًا استراتيجيًا في أمن المجتمع ومستقبل الشباب، فمن خلال الاستماع والمتابعة الدورية، وقراءة السلوك، وبناء علاقة ثقة، والتدخل المبكر، يمكن خلق بيئة مدرسية آمنة، تحمي الطلاب من المخاطر، وتمنع تحول المشكلات الفردية إلى أزمات اجتماعية أو سلوكيات إجرامية، فوجود أخصائي مؤهل، محترف، ومحمِي قانونيًا هو الخط الأول في منظومة الوقاية الإجرامية، وهو الوسيلة الأكثر فعالية لحماية الأطفال والمراهقين، وصناعة أجيال صحية نفسيًا وسلوكيًا، قادرة على مواجهة تحديات المجتمع المعاصر.
