>>لا يكفي في دعاوى الطرد للغصب أن يستند المدعي إلى عقد بيع عرفي غير مسجل ما لم يثبت أن سنده يرتد إلى ملكية ثابتة قانوناً
>> إذ إن القيد في سجلات الجمعية الزراعية لا يعد دليلاً على الملكية
>> ويقع عبء إثبات الملكية على المدعي بدليل صحيح، وإلا وجب رفض دعواه
>> ويعد اعتماد المحكمة على قرائن غير كافية لإثبات الملكية فساداً في الاستدلال يستوجب نقض الحكم
أصدرت الدائرة المدنية "د" – بمحكمة النقض – حكماً قضائياً يهم ملايين المتقاضين، رسخ العديد من المبادئ المتعلقة بدعاوى الطرد للغصب، قالت فيه: "لا يكفي في دعاوى الطرد للغصب أن يستند المدعي إلى عقد بيع عرفي غير مسجل ما لم يثبت أن سنده يرتد إلى ملكية ثابتة قانوناً، إذ إن القيد في سجلات الجمعية الزراعية لا يعد دليلاً على الملكية، ويقع عبء إثبات الملكية على المدعي بدليل صحيح، وإلا وجب رفض دعواه، ويعد اعتماد المحكمة على قرائن غير كافية لإثبات الملكية فساداً في الاستدلال يستوجب نقض الحكم".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 23159 لسنة 94 قضائية، برئاسة المستشار محمد عبد الراضي عياد الشيمي، وعضوية المستشارين ناصر السعيد مشالي، وعمر الفاروق عبد المنعم منصور، والدكتور أحمد نبيل طبوشة، وعدلي إسماعيل فؤاد، وبحضور كل من رئيس النيابة، أحمد خلف، وأمانة سر إبراهيم محمد عبد المجيد.
الوقائع.. نزاع قضائى حول ملكية أرض زراعية
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 354 لسنة 2019 مدني كلي قطور ضد الطاعن والمطعون ضدهم من الثانية حتى الأخير بطلب الحكم بطردهم من الأطيان الزراعية المبينة بالصحيفة، وذلك على سند من أنه يمتلك تلك الأطيان بموجب العقد المؤرخ 2/9/2017 إلا أنهم وضعوا اليد عليها دون سند، فأقام الدعوى.
وجه الطاعن دعوى فرعية ضد المطعون ضده الأول بطلب كف منازعته له في ملكيته لتلك الأطيان، ثم ندبت المحكمة خبيرا في الدعوى، وبعد أن أودع تقريره حكمت في الدعوى الأصلية بالطلبات، ورفضت الدعوى الفرعية، ثم استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 696 و 742 لسنة 15 قضائية لدى محكمة استئناف طنطا مأمورية المحلة الكبرى، وبعد أن ضمتهما للإرتباط، حكمت بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 675 لسنة 92 قضائية، وبتاريخ 6/12/2022 حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة.
المالك يقيم دعوى طرد من الأرض ضد واضعى اليد عليها
وبعد أن عجل الطاعن دعواه أمام محكمة الاستئناف، ضمت المحكمة الاستئناف رقم 2231 لسنة 15 قضائية المقام من المطعون ضدها الثانية إلى الاستئنافين سالفي البيان للإرتباط، وبعد أن أدخل الطاعن المطعون ضدهم من الثانية حتى الرابع خصوما في الاستئناف، حكمت المحكمة بتاريخ 21 مايو 2024 في الاستئناف الأخير بسقوط الحق في الاستئناف، وفي الاستئنافين رقمي 696 و 742 لسنة 15 قضائية، بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت: وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول: أن الحكم المطعون فيه قضى بطرده من أطيان النزاع استنادا إلى إنه يضع يده على أرض التداعي غصبا دون سند من الواقع أو القانون، على الرغم من تقديمه المستندات الدالة على ملكيته لتلك الأرض ووضع يده بموجب عقد البيع المؤرخ 6/1/2005 وباقي العقود المسلسلة من البائعين له وصولا للملاك الأصليين لأرض النزاع الواردة أسمائهم بالسجل العيني، وأن المطعون ضده الأول لم يطعن على تلك العقود بأية مطاعن، وهو ما تأكد بصدور قراري تمكين لصالحه من النيابة العامة برقمي 5803 و9649 لسنة 2019 حيازات قطور، بالإضافة إلى أن المطعون ضده الأول قد سبق وأن أقام ضده دعوى جنائية - بشأن الأرض محل النزاع - متهما إياه فيها بالنصب وقد قضي فيها بالبراءة لصحة عقوده.
وتابعت "مذكرة الطعن": هذا فضلا عن أن العقود المقدمة من المطعون ضده الأول لا تنطبق على عين التداعي، كما أن تقرير الخبير المنتدب - الذي استند إليه الحكم المطعون فيه - لم يفحص أصول عقود البيع سند ملكيته من ورثة ملاك الوحدات العقارية الواردة اسمائهم بشهادة القيود الصادرة من السجل العيني، وأورد بتقريره بشأنها أنها لا تصل لباقي ملاك الوحدات العقارية الكائن بها عين التداعي، ولم تدرج بحيازة البائعين له بالجمعية الزراعية، رغم تقديمه تسلسل واقعات البيع وصولا إليه، وأن عدم القيد في الجمعية الزراعية لا ينال من ملكية الطاعن للمبيع.
كما أثبت التقرير أن عقود بيع المطعون ضده الأول تنتهي عند المدعو/ "…" دون بحث صلة الأخير بالملاك الأصليين رغم أن شهادات القيود المقدمة من الطاعن تثبت أنه ليس من الملاك الأصليين لأرض النزاع، بالإضافة إلى أن الحكم المطعون فيه اطمأن لتقرير الخبير من أن الطاعن لم يقدم ما يفيد صلته بباقي ملاك الأطيان، على الرغم من إقراره أن المساحة المقيدة باسم باقي الملاك لا تخص عين النزاع، ومن ثم فإنه لا يتعين عليه تقديم صلته بهم، كما أن ما قرره الخبير من قيد عين التداعي باسم المطعون ضده الأول بسجلات الجمعية الزراعية، وعدم قيد اسم الطاعن بها لا يعني ثبوت واقعة الغصب في حقه، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن تلك المستندات وذلك الدفاع مستندا لتقرير الخبير المنتدب رغم ما شابه من قصور، فإنه يضحى معيبا بما يستوجب نقضه.
النقض تضع ضوابط دعاوى الطرد للغصب
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: إن هذا النعي فى محله، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن حق الملكية، حق جامع مانع نافذ تجاه الناس كافة، فهو جامع يخول المالك الانتفاع بالشيء واستغلاله والتصرف فيه، وهو مانع مقصور على المالك دون غيره، فلا يجوز لأحد أن يشاركه في ملكه أو يتدخل في شؤون ملكيته، وهو في الوقت ذاته حق دائم، لا يسقط بعدم الاستعمال، مهما طال الزمن، ما لم يكتسبه آخر توافرت له شروط الحيازة المكسبة للملكية، وأنه من المقرر أن دعوى الطرد للغصب من دعاوى أصل الحق يستهدف بها رافعها أن يحمي حقه في استعمال الشيء، واستغلاله، فيسترده ممن يضع اليد عليه بغير حق، سواء أكان قد وضع اليد عليه ابتداء بغير سند، أو كان قد وضع اليد عليه بسبب قانوني ثم زال هذا السبب، واستمر واضعا اليد عليه.
وبحسب "المحكمة": وأن دعوى الملكية ترمي إلى حماية حق الملكية وما يتفرع عنه، ويتناول البحث فيها حتما أساس الحق المدعى به ومشروعيته، ويقع عبء إثبات ذلك على المدعي، وبحسب المحكمة لرفض هذه الدعوى أن تستند في ذلك إلى عجزه عن إثبات دعواه، دون أن تكون بحاجة إلى بيان أساس ملكية المدعى عليه. كما أنه من المقرر أيضا أن حق الملكية لا ينتقل فيما بين المتعاقدين ولا بالنسبة إلى الغير إلا بالتسجيل. كما أنه ولئن كان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن عقد البيع العرفي ينقل إلى المشتري جميع الحقوق المتعلقة بالمبيع، والدعاوى المرتبطة به، بما في ذلك طلب طرد الغاصب منه، إلا أنه يتعين لكي يطالب المدعي بهذا الحق أن يكون عقد شرائه العرفي يرتد إلى ملكية ثابتة بسند صحيح، كعقد بيع مشهر أو حكم قضائي مقرر لهذه الملكية.
لا يكفي في دعاوى الطرد للغصب استناد المدعي لعقد بيع عرفي غير مسجل إلا في حالة واحدة
وتضيف "المحكمة": مما مؤداه أن عقد البيع العرفي بمجرده لا يكفي للمطالبة بهذا الحق. لما كان ذلك، وكانت الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه هي دعوى طرد للغصب، ويتعين للفصل فيها حسم ملكية أطيان النزاع بداءة، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي في قضائه بطرد الطاعن والمطعون ضدهم من الثانية حتى الأخير من أطيان التداعي، على قالة أن أطيان التداعي مدرجة بسجلات الجمعية الزراعية منذ عام 1972 تحت رقم 1144 باسم "…"، ثم قام ورثته بعد وفاته بقسمتها بتاريخ 1 نوفمبر 1983 وحيزت باسم ورثته ثم قاموا ببيعها للمطعون ضده الأول بتاريخ 2 سبتمبر 2017، في حين أن الأخير لم يقدم ما يفيد ملكيته لأطيان التداعي سوى شرائه لها بذلك العقد العرفي الغير مسجل، فضلا عن أن المطعون ضده الأول لم يقدم ما يفيد صلة البائعين له بالملاك الأصليين لأطيان النزاع حسبما ثبت من النتيجة النهائية بتقرير الخبير المنتدب، لا سيما وأن القيد في سجلات الجمعية الزراعية لا يصلح سندا لإثبات الملكية، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أدلة غير صالحة لإثبات ملكية المطعون ضده الأول لأرض النزاع وهو ما كان يستتبع رفض دعواه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يضحى معيبا بالفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق الذى جره إلى مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، فإنه يتعين القضاء بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا برفض الدعوى.
لذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وألزمت المطعون ضده الأول المصاريف، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، حكمت في موضوع الاستئنافين رقمي 696 و742 لسنة 15 ق استئناف طنطا مأمورية المحلة الكبرى بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا برفض الدعوى بحالتها، وألزمت المستأنف ضده الأول - في الاستئنافين - بالمصاريف عن درجتى التقاضي، ومبلغ مائة وخمسة وسبعين جنيها مقابل أتعاب المحاماة.