يشهد العام المالي 2025/2026 مرحلة جديدة في مسار التنمية الوطنية، إذ تركز خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة على تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وتعزيز كفاءة الإنفاق العام في قطاعات التعليم والصحة والنقل والتضامن الاجتماعي والاتصالات، إلى جانب تطوير منظومة الصادرات ودعم الاقتصاد القائم على المعرفة.
وفي هذا الإطار، ناقش مجلس النواب عبر لجانه النوعية المختصة عبر الأسابيع الماضية عددًا من التقارير التفصيلية التي كشفت عن رؤية موحدة نحو التنمية الشاملة والمستدامة، تقوم على محاور متكاملة تشمل التحول الرقمي، والاستثمار في البشر، ورفع كفاءة البنية التحتية، وتوسيع قاعدة المشاركة الاقتصادية.
قطاع الصادرات.. نحو منافسة عالمية واستدامة مالية
بدأت لجنة الشئون الاقتصادية بتأكيد أن دعم الصادرات يمثل قاطرة للنمو الاقتصادي في ظل التحديات العالمية وتباطؤ حركة التجارة الدولية، حيث أوصت اللجنة بوضع برنامج وطني لتوسيع قاعدة المصدرين، لاسيما من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتمكين المنتجين المحليين من الوصول المباشر للأسواق الخارجية دون الاعتماد على وسطاء.
كما شددت على ضرورة إنشاء منصة رقمية موحدة تربط الهيئة العامة لتنمية الصادرات بالمصدرين والجهات الشريكة، بما يسهم في تسريع الإجراءات وتحسين التنافسية.
وتأتي هذه التوصيات متسقة مع مستهدفات الخطة في رفع قيمة الصادرات السلعية والخدمية وتنويع أسواقها، كخطوة لتحقيق الاستقرار النقدي وتعزيز الاحتياطي الأجنبي.
فيما أكدت لجنة التعليم والبحث العلمي أن إصلاح منظومة التعليم الجامعي يمثل الركيزة الأولى لبناء الإنسان المصري وتحقيق التنمية القائمة على المعرفة.
وطالبت بزيادة الإنفاق الموجه للبحث العلمي، مع تخصيص نسب أكبر للابتكار وريادة الأعمال، وتشجيع إنشاء حاضنات تكنولوجية في الجامعات لتحويل الأفكار البحثية إلى منتجات وخدمات ذات قيمة اقتصادية.
كما شددت اللجنة على الربط بين التعليم وسوق العمل من خلال التدريب العملي في مؤسسات الإنتاج والخدمات، وتوسيع نطاق التحول الرقمي داخل الجامعات عبر منصات تعليمية تفاعلية تضمن العدالة في الوصول إلى المعرفة.
وتسعى هذه السياسات إلى رفع ترتيب الجامعات المصرية عالميًا وتحقيق التكامل بين التعليم والاقتصاد الوطني.
من جانبها، وضعت لجنة الشئون الصحية أولوية قصوى لاستكمال تنفيذ مشروع التأمين الصحي الشامل، باعتباره أحد أهم إنجازات الدولة في ملف العدالة الاجتماعية.
وأكدت على ضرورة دعم المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية الريفية بالأجهزة الحديثة والكوادر المدربة، مع تطوير نظم التحول الرقمي من خلال قاعدة بيانات مركزية للمرضى تضمن تحسين كفاءة إدارة الموارد الصحية.
كما أوصت بزيادة الإنفاق على برامج الوقاية والتوعية، وخاصة في مكافحة الأمراض المزمنة وتنظيم الأسرة، بما يخفف من عبء العلاج ويعزز مفهوم الطب الوقائي.
ويأتي ذلك اتساقًا مع هدف الخطة في رفع متوسط العمر الصحي وتحسين مؤشرات التنمية البشرية.
بينما، أوصت لجنة الخطة والموازنة في تقريرها بشأن موازنة وزارة التضامن الاجتماعي بضرورة توسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل شرائح جديدة من الفقراء وكبار السن وذوي الإعاقة.
وطالبت اللجنة بمراجعة قيم الدعم النقدي في برنامج "تكافل وكرامة" لتتناسب مع معدلات التضخم وتكاليف المعيشة، إلى جانب تمويل مشروعات التمكين الاقتصادي للمرأة والشباب، خاصة في المناطق الريفية.
كما أكدت أهمية تمكين الجمعيات الأهلية كشريك تنموي، وتعزيز التحول الرقمي في خدمات الوزارة لضمان دقة الاستهداف ومنع ازدواجية الصرف.
وتسعى هذه الإجراءات إلى تحقيق تنمية إنسانية شاملة قائمة على العدالة والتكافؤ في الفرص.
وفي قطاع النقل، أكدت لجنة النقل والمواصلات أن تطوير شبكات الطرق والموانئ والسكك الحديدية يمثل أحد الأعمدة الرئيسة للتنمية الاقتصادية.
وأوصت اللجنة بتسريع تنفيذ المشروعات القومية للطرق والكباري مع التركيز على الصيانة ورفع الكفاءة لتقليل الحوادث وتحسين الخدمات.
كما دعت إلى تشجيع الاستثمار في النقل النهري بوصفه وسيلة منخفضة التكلفة وصديقة للبيئة، واستكمال تطوير الموانئ وربطها بالمناطق اللوجستية لتعزيز موقع مصر كمركز تجاري إقليمي.
وأكد التقرير ضرورة تأهيل العنصر البشري وتبني الإدارة الحديثة لضمان أعلى مستويات الكفاءة التشغيلية.
وتأتي هذه الجهود ضمن خطة الدولة لتحسين البنية الأساسية ودعم حركة التجارة والسياحة والاستثمار.
قدّمت لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات توصياتها بتسريع التحول الرقمي على مستوى الدولة وتوسيع نطاق خدمات الإنترنت فائق السرعة في جميع المحافظات.
وأكدت اللجنة أن قطاع الاتصالات أصبح قاطرة للنمو الاقتصادي، داعية إلى مضاعفة الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية وتعزيز برامج تدريب الشباب في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.
كما أوصت بدعم ريادة الأعمال التكنولوجية، وتوفير حاضنات للابتكار بالشراكة مع الجامعات والقطاع الخاص، لتصبح مصر مركزًا إقليميًا لصناعة تكنولوجيا المعلومات.
وتمثل هذه الخطوات جزءًا من خطة أوسع لتحقيق حكومة رقمية شاملة تقلل الوقت والتكلفة وتحسن كفاءة الخدمات العامة.
وبقراءة هذه التوصيات الصادرة من مختلف لجان مجلس النواب في كافة القطاعات الحيوية، يتبين أن خطة التنمية 2025/2026 تسير على نهج تكامل السياسات القطاعية لتحقيق النمو المستدام، فهي لا تقتصر على المشروعات الكبرى والبنية التحتية، بل تمتد إلى الاستثمار في الإنسان المصري من خلال التعليم والصحة، وتوفير مظلة حماية اجتماعية فعالة، وتحسين مناخ الأعمال والتصدير، وبناء اقتصاد رقمي حديث، علاوة على، تزاوج البعدين الاجتماعي والاقتصادي، إذ تسعى الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية دون الإخلال بانضباط المالية العامة أو استدامة النمو.