يتصدر قانون الإجراءات الجنائية المشهد السياسي في الوقت الراهن، وذلك بعد كتاب رئيس الجمهورية المتعلق بالاعتراض على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والذي عُرض على الجلسة العامة لمجلس النواب، حيث أن الاعتراضات انصبت على 8 مواد أساسية رأت مؤسسة الرئاسة ضرورة إعادة النظر فيها، تحقيقاً للتوازن الدقيق بين مقتضيات العدالة الجنائية وضمانات الحقوق الدستورية المكفولة للأفراد.
وقد جاءت هذه الاعتراضات لتؤكد بجلاء التزام الدولة المصرية بإحترام أحكام الدستور وحماية الحقوق والحريات العامة، وبصفة خاصة حرمة المساكن والحبس الإحتياطى والحرية الشخصية التي تُعد من أقدس الحقوق التي لا يجوز المساس بها إلا في أضيق الحدود ووفقاً لضوابط صارمة، حيث جاءت المطالبات بتعديل التشريع لذي لم يتم تغييره منذ قرابة 74 عامًا، والذى تصل مواده لـ 245 مادة من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، ليعكس التزام الدولة بتطوير التشريعات بما يتماشى مع المستجدات المجتمعية والتحديات القانونية والواقعية، التى يواجهها النظام القضائى.
الحبس الاحتياطي… ضرورة قضائية أم عبء على الدولة والمجتمع؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية الحبس الإحتياطى، وذلك بعد أن جاء في كتاب الاعتراضات أن المواد محل الاعتراض تتعلق بتنفيذ القانون وضمانات الاستجواب المتعلقة بالمادتين 63 و104 من مشروع قانون الإجراءات، وكذا وضمانات حرمة المساكن وتنظيم الحبس الاحتياطي والإعلانات القضائية، وغيرها من المسائل المرتبطة بسير العدالة الجنائية، وتبرز أهمية قانون الإجراءات الجنائية من كونه المعني بتنظيم الإجراءات التي يجب اتباعها في التحقيق والمحاكمة والفصل في القضايا الجنائية، لذا يعتبر بمثابة حماية لحقوق وحريات المواطنين، فقد صدر القانون الحالي في أكتوبر من عام 1950، وخضع لتعديلات عدة خلال السنوات الماضية – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض وحيد الكيلانى.
ما ورد بمشروع القانون
ملحوظة: المادة 112: لأنها أجازت إيداع المتهم في جرائم معينة دون تحديد مدة قصوى ودون اشتراط أمر قضائي مسبب، وهو ما قد يمس ضمانات الحرية الفردية، والمادة 114: لاقتصارها على ثلاث بدائل فقط للحبس الاحتياطي، بينما اقترحت الرئاسة استحداث بدائل إضافية تتيح مرونة أكبر لجهات التحقيق.
في البداية - الحبس الاحتياطي، كما يعرفه القانون، إجراء قضائي استثنائي يهدف إلى حماية التحقيق وضمان سير العدالة، لكنه في الواقع غالباً ما يتحول إلى أداة ضغط على المتهمين وتكلفة باهظة على الدولة، خصوصاً عندما يمتد لسنوات طويلة دون صدور حكم نهائي، فلقد أثبتت التجارب العملية أن الإفراط في استخدام الحبس الاحتياطي يؤدي إلى تكدس السجون واستنزاف الموارد الاقتصادية، بينما لا يخدم المصلحة الوطنية الحقيقية، فالسجون المكتظة ليست مجرد قضية أمنية، بل قضية اقتصادية واجتماعية، إذ تتحمل الدولة تكلفة الطعام والإقامة والرعاية الصحية، بينما المتهم لا يزال بريئاً حتى تثبت إدانته بحكم نهائي – وفقا لـ"الكيلانى".
رد مشروع قانون الإجراءات الجنائية لمجلس النواب للنظر في بدائل الحبس الاحتياطي
وفي هذا الإطار، كان لموقف القيادة السياسية أهمية بالغة، عندما قرر رد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب للنظر في بدائل الحبس الاحتياطي، وهذه الخطوة تعكس وعياً حقيقياً بأهمية توازن العدالة، وتشجع المشرع على توسيع نطاق البدائل المالية والاجتماعية والتدابير الاحترازية، بما يخفف العبء عن السجون ويحمي الحرية الشخصية للمتهمين - فعلى سبيل المثال - الدولة لا تستفيد اقتصادياً أو إجتماعياً من حبس تاجر مخدرات سنتين على سبيل الاحتياط، بينما يمكن تحقيق الهدف الجنائي نفسه من خلال كفالة مالية كبيرة مليون جنيه مع تدابير عدم مغادرة المنزل، أو الإقامة الجبرية داخل دائرة القسم مع متابعة يومية – الكلام لـ"الكيلانى".
وفى الحقيقة هذه التدابير تحفظ المجتمع وتحقق العدالة، وتخفف العبء على الموارد العامة، وتتيح استثمارها في مجالات أخرى تخدم الاقتصاد الوطني والمصلحة العامة - ومن هنا - على المشرع الجنائي أن يتجه بجدية نحو توسيع البدائل القانونية للحبس الاحتياطي، مع وضع ضوابط صارمة لضمان تنفيذها بفعالية، حتى لا تتحول إلى وسيلة تهرب من العدالة، فالعدالة المعاصرة لا تقوم على الحرمان المطلق للحرية، بل على توازن دقيق بين حماية المجتمع وضمان الحقوق الفردية، بما يخدم الوطن، ويعزز ثقة المواطنين في القضاء والقانون – طبقا لأستاذ القانون الجنائى.
استخدام الحبس الاحتياطى بإعتدال ووفق ضوابط واضحة يظل أداة ضرورية
الحبس الاحتياطي، إذا استُخدم باعتدال ووفق ضوابط واضحة يظل أداة ضرورية، لكنه يجب أن يكون استثناء وليس قاعدة، مع الاعتماد على البدائل الذكية التي تحقق الهدف نفسه دون تحميل الدولة والمجتمع أعباء غير ضرورية، وهنا يظهر دور الدولة القيادة السياسية في توجيه مسار العدالة الجنائية نحو حماية المجتمع، واحترام الحقوق، وتعزيز الاقتصاد الوطني في الوقت نفسه – هكذا يقول "الكيلانى".
وفى الأخير ردد "الكيلانى" قائلاً: "ياسادة.. حبس تاجر مخدرات أو متهرب ضريبي أو مرتشي أو مختلس أولي ولا دعم البلاد بمليون جنية أو عشرة ملايين جنيه حسب تحريات قطاع غسل الأموال؟ نعم وأجزم وأؤكد أولي بهم الدولة المصرية لدعم الاقتصاد وحبسه داخل منزلة الي أن يحال للمحاكمة، وبذلك تحقق الهدفين التقييد والغرامه كبدائل عن الحبس الاحتياطي وهذا مثال لا أكثر".