لازال الحديث مستمراً حول ما أثاره كتاب الإعتراضات على بعض مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية من حراكًا واسعاً في الأوساط القانونية والسياسية، ويأتي هذا الاعتراض في إطار الحرص على حماية الحقوق والحريات العامة وترسيخ مبدأ سيادة القانون، ويهدف هذا العرض إلى استعراض اعتراض الرئيس على المادتين "112 ، 114" من مشروع القانون، مع تحليل الأسانيد الدستورية والقضائية، وطرح صياغة مقترحة متوازنة تضمن حماية الحقوق الفردية مع تمكين السلطات من أداء دورها في مكافحة الجريمة.
فقد كشف كتاب رئيس الجمهورية المتعلق بالاعتراض على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والذي تم عرضه أمام الجلسة العامة لمجلس النواب، منذ عدة أيام، والتي تضمنت 8 مواد رئيسية، رأت الرئاسة ضرورة إعادة النظر فيها لتحقيق التوازن بين مقتضيات العدالة وضمان الحقوق الدستورية، وجاء في كتاب رئيس الجمهورية، أن المواد محل الاعتراض تتعلق بتنفيذ القانون وضمانات حرمة المساكن وتنظيم الحبس الاحتياطي والإعلانات القضائية وغيرها من المسائل المرتبطة بسير العدالة الجنائية.
الضمانات الدستورية والقضائية لحماية الحرية الشخصية في مشروع قانون الإجراءات
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على أبرز ما جاء فى الاعتراضات المتعلقة بالمادتين 112 و114 كالآتي: المادة 112: لأنها أجازت إيداع المتهم في جرائم معينة دون تحديد مدة قصوى ودون اشتراط أمر قضائي مسبب، وهو ما قد يمس ضمانات الحرية الفردية، وكذا المادة 114: لاقتصارها على ثلاث بدائل فقط للحبس الاحتياطي، بينما اقترحت الرئاسة استحداث بدائل إضافية تتيح مرونة أكبر لجهات التحقيق – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض هانى صبرى.
أولاً: الاعتراض على المادة 112
النص الحالي للمادة 112: تتيح المادة إيداع المتهم في جرائم معينة دون تحديد مدة قصوى ودون اشتراط أمر قضائي مسبب، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى احترام الحرية الشخصية وضماناتها القانونية – وفقا لـ"صبرى".
أسباب الاعتراض:
* عدم تحديد مدة الإيداع يفتح الباب للتعسف في استعمال السلطة.
* غياب شرط أمر قضائي مسبب يتعارض مع أحكام الدستور ويقلل من ضمانات المحاكمة العادلة.
الأسانيد الدستورية والقانونية:
1. المادة 54 من الدستور المصري:
"الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر مسبب من القاضي المختص".
2. أحكام محكمة النقض:
طعن رقم 1427 لسنة 50 قضائية: "إيداع المتهم دون تحديد مدة محددة ودون أمر قضائي مسبب يمثل انتهاكاً للحرية الشخصية ويخالف الضمانات الدستورية".
3. المحكمة الدستورية العليا:
أكدت أن أي إجراء يحد من حرية الشخص يجب أن يكون محدداً بالقانون ومرتباً بضمانات قضائية واضحة.
الصياغة المقترحة للمادة 112:
"لا يجوز إيداع المتهم احتياطياً إلا بأمر قضائي مسبب، وبمدة محددة قابلة للتجديد وفقاً لضوابط القانون، بحيث تكون التدابير الاحترازية متناسبة مع جسامة الجريمة وخطر التهرب أو التأثير على التحقيق".
ثانياً: الاعتراض على المادة 114
النص الحالي للمادة 114: تقتصر المادة على ثلاثة بدائل للحبس الاحتياطي، دون تقديم خيارات مرنة للنيابة أو المحكمة.
أسباب الاعتراض:
* اقتصار البدائل على ثلاثة فقط يحد من مرونة التحقيق ويقيد استخدام تدابير أقل حدية، ما قد يؤدي إلى إساءة استعمال السلطة.
• تعارض مع مبدأ التدرج في الإجراءات الاحترازية الذي يفرض استخدام الحد الأدنى من القيود على حرية المتهم كلما أمكن.
الأسانيد الدستورية والقانونية:
1. المادة 92 من الدستور المصري:
"العدالة أساس الحكم".
2. محكمة النقض – طعن رقم 896 لسنة 44 قضائية:
"الحبس الاحتياطي وسيلة استثنائية، ويجب على جهات التحقيق استخدام البدائل القانونية كلما توفرت لضمان حقوق المتهم وصون حريته".
الصياغة المقترحة للمادة 114:
"يجب أن يكون الحبس الاحتياطي وسيلة استثنائية، على أن تستخدم النيابة والمحكمة جميع البدائل القانونية الأخرى قبل اللجوء إلى الحبس، ويجوز القانون وضع بدائل مرنة تشمل الرقابة القضائية، الكفالات المالية، أو الإجراءات التقييدية المحدودة، بما يتناسب مع جسامة الجريمة وخطر التهرب أو التأثير على التحقيق".
خاتما ًتمثل الاعتراضات الرئاسية خطوة أساسية نحو تشريع جنائي متوازن، يضمن:
• احترام سيادة القانون.
* حماية الحريات الفردية.
•تمكين سلطات التحقيق من أداء دورها في مكافحة الجريمة بفاعلية، دون إفراط أو تفريط.
إن اعتماد صياغة واضحة للمادتين 112 و114، مع التأكيد على وجود أمر قضائي مسبب وتطبيق البدائل القانونية قبل الحبس، يمثل الضمانة الحقيقية لتحقيق التوازن بين حماية الحقوق وحماية المجتمع.