فتحت جهات تحقيق عديدة تحقيقات موسعة في ملف بارز يمس المال العام والبيئة معًا، بعد أن تلقت عدة بلاغات مدعمة بمستندات وصور وفيديوهات رسمية تكشف عن مخالفات جسيمة يُشتبه في وقوعها داخل منظومة المزادات التي نظمتها وزارة البيئة عبر جهاز تنظيم إدارة المخلفات خلال السنوات الأخيرة.
الملفات المقدمة للجهات المعنية تضمنت وثائق تكشف عن تنظيم نحو 35 مزادًا خلال فترة لا تتجاوز 10 أشهر، بلغت قيمتها السوقية الحقيقية مئات الملايين من الجنيهات، في حين لم تُرس إلا بعشرات الملايين فقط، وهو ما يعادل نحو ربع قيمتها الفعلية، الأمر الذي أثار شبهات واسعة حول إهدار جسيم للمال العام وتربح غير مشروع.
عدم طرح المخلفات في مزادات عادلة وشفافة
وبحسب ما ورد في البلاغات، فإن المزادات لو كانت قد طُرحت في منافسة عادلة وشفافة، لبلغت قيمتها أضعاف المبالغ التي تم البيع بها، غير أن شبكة محدودة من المصانع – لا يزيد عددها عن أربعين مصنعًا – سيطرت على السوق واحتكرت ملف المخلفات، محولة المزادات إلى ما يشبه "بيزنس مغلق" بالمخالفة الصريحة لقانون منع الممارسات الاحتكارية.
الملفات المقدمة تضمنت أيضًا فيديوهات موثقة تكشف ممارسات غير قانونية في إدارة بعض المزادات، من بينها المزاد الذي انعقد بجامعة النيل بتاريخ 17 أغسطس 2025، حيث أظهرت المشاهد المصورة سيارات نقل تغادر محملة ببضائع المزاد لتُخزن في مخازن خاصة بمنطقة أبو رواش، بدلًا من نقلها إلى المصنع الفائز كما تنص اللوائح الرسمية بمدينة 6 أكتوبر، وبعد ذلك، جرى بيع البضائع مباشرة في الأسواق كسلع مستعملة دون أي عمليات تدوير أو فرز، في مخالفة واضحة لقوانين حماية البيئة والصحة العامة.
"تحالف ضيق" لإحتكار المزادات
هذه الواقعة لم تكن استثناءً، إذ تشير الشكاوى والبلاغات إلى تكرارها في مزادات لصالح بنوك كبرى وشركات بترول ومؤسسات مالية، حيث احتكر نفس التحالف الضيق من المصانع المنافسة، ليتم لاحقًا تسويق الأجهزة الكهربائية والأثاث والمعدات مباشرة في المولات والأسواق، بدلاً من إعادة تدويرها وفقًا للغرض الأساسي لهذه المزادات.
التحقيقات تجري عبر أكثر من جهة رقابية وقضائية في وقت متزامن ففي مكتب النائب العام قُيدت عريضة رسمية حملت الرقم (69604 عرائض النائب العام) تضمنت اتهامات لمسؤولين بوزارة البيئة بإصدار تعليمات غير مكتوبة أجبرت بعض البنوك والشركات على قصر تعاملاتها على المصانع المحتكرة، وقد أحيل الملف إلى المكتب الفني ثم إلى المحامي العام الأول لنيابة غرب القاهرة لفتح تحقيق شامل.
شكاوى لمجلس الوزراء
وفي مجلس الوزراء جرى تسجيل شكوى رسمية برقم (10550652)، وبعد الفحص تم تحويلها إلى وزارة البيئة وجهاز تنظيم إدارة المخلفات لفتح تحقيق داخلي، مع استدعاء مقدمي الشكوى الذين سلموا مستندات ووثائق تدعم ما ورد فيها، ومنها مقاطع مصورة تثبت عمليات بيع مباشرة للبضائع في الأسواق باعتبارها "سلع مستعملة من الدرجة الأولى"، رغم كونها مخلفات مزادات مخصصة للتدوير.
أما جهات التحقيق العُليا بدورها بدأت فحصًا شاملاً للمستندات والعقود المرتبطة بالمزادات، فضلًا عن مراجعة الفيديوهات المرفقة وإجراء تحريات موسعة حول شبهات الإسناد غير القانوني وعمليات التربح.