السبت، 11 أكتوبر 2025 11:42 م

حرمة دخول المنازل بين الإباحة والتأثيم.. قانون الإجراءات الجنائية الحالي تضمن لفظة "ما شابه ذلك".. وفتحت الباب للدخول بأسباب وحجج مختلفة.. ومشروع القانون وضع كلمة "خطر" دون تعريف له.. والنقض تتصدى للأزمة

حرمة دخول المنازل بين الإباحة والتأثيم.. قانون الإجراءات الجنائية الحالي تضمن لفظة "ما شابه ذلك".. وفتحت الباب للدخول بأسباب وحجج مختلفة.. ومشروع القانون وضع كلمة "خطر" دون تعريف له.. والنقض تتصدى للأزمة حرمة دخول المنازل - أرشيفية
الخميس، 09 أكتوبر 2025 09:00 ص
كتب علاء رضوان

لازال الحديث مستمراً حول كتاب رئيس الجمهورية المتعلق بالاعتراض على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والذي تم عرضه أمام الجلسة العامة لمجلس النواب اليوم، حيث أن الاعتراضات جاءت في 8 مواد رئيسية، رأت الرئاسة ضرورة إعادة النظر فيها لتحقيق التوازن بين مقتضيات العدالة وضمان الحقوق الدستورية.

 

وجاء في كتاب رئيس الجمهورية أن المواد محل الاعتراض تتعلق بتنفيذ القانون وضمانات حرمة المساكن وتنظيم الحبس الاحتياطي والإعلانات القضائية، وغيرها من المسائل المرتبطة بسير العدالة الجنائية، وجاءت أبرز الاعتراضات كالتالي: المادة "48" الاعتراض على غياب تعريف محدد للخطر الذي يجيز دخول المساكن، بما قد يفتح الباب لتفسيرات واسعة تمس بالحماية الدستورية لحرمة المنازل.

 

حرمة 2

 

حرمة المنازل بين مجلس النواب والاعتراضات  

 

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية حرمة المنازل بين مجلس النواب واعتراضات الرئاسة من حيث الوضع في ظل قانون الإجراءات الحالي، وتناول محكمة النقض لهذا الأمر، وكذا الوضع في ظل مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وأسباب اعتراض الرئاسة، وتقدير الاعتراضات والمذكرة التفسيرية، وأخيراً التوصية الختامية – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض الدكتور ياسر الأمير فاروق.

 

الوضع في ظل قانون الإجراءات الحالي

 

في البداية - نصت المادة "45" من قانون الإجراءات الجنائية الحالي على أنه: "لا يجوز لرجال السلطة الدخول في أي محل مسكون إلا في الأحوال المبينة في القانون، أو في حالة طلب المساعدة من الداخل، أو في حالة الحريق أو الغرق أو ما شابه ذلك"، وهو الأمر الذى تعرضت له محكمة النقض في العديد من الأحكام والطعون – وفقا لـ"فاروق". 

 

حرمة 3

 

رأى محكمة النقض في تلك الإشكالية 

 

هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل تلك الإشكالية في العديد من الطعون أبرزها الطعن المقيد برقم 19696 لسنة 58 قضائية، الصادر بجلسة 5 مارس 1988، والذى جاء في حيثيات: وقد استقر قضاء محكمة النقض، تطبيقًا لهذا النص، على إجازة دخول المنازل للقبض على المتهمين الصادر بشأنهم أمر ضبط وإحضار من سلطة التحقيق، ولو لم يتضمن الأمر تصريحًا صريحًا بدخول المنزل، تأسيسًا على أن المادة "45" سالفة الذكر سمحت لرجال السلطة العامة بدخول المنازل في حالات المساعدة أو الحريق أو الغرق أو ما شابه ذلك، وأن هذه الحالات مردها الضرورة ولم ترد على سبيل الحصر، ومن ثم صح القياس عليها لتشمل الدخول عند تعقب المتهم للقبض عليه، لتوافر حالة الضرورة، وقد وصفت محكمة النقض هذا الدخول بأنه عمل مادي اقتضته الضرورة وليس تفتيشًا محظورًا.  

 

ولهذا قضت محكمة النقض في الطعن المقيد برقم 1616 لسنة 85 قضائية، الصادر بجلسة 8 نوفمبر 2017، والذى جاء في حيثياته: بأنه متى شاهد الضابط في مسكن المتهم – عقب دخوله تنفيذًا لأمر ضبط وإحضار صادر من سلطة التحقيق – كمية من الأسلحة البيضاء أو الألعاب النارية، صحت إجراءات الضبط لحصولها بناءً على دخول مشروع. 

 

حرمة 88

 

رأى محكمة النقض في الدفع ببطلان التفتيش 

 

ورأت المحكمة تبعًا لذلك أن دفع المتهم ببطلان تفتيش المسكن لتجاوز حدود أمر الضبط والإحضار ظاهر الفساد، وذلك في الطعن المقيد برقم 26571 لسنة 85 قضائية، والصادر بجلسة 27 سبتمبر 2017، وكذلك الدفع ببطلان التفتيش لأن الدخول إلى المسكن كان مجرد عمل مادي تقتضيه الضرورة وليس تفتيشًا معتبرًا من أعمال التحقيق، طبقا للطعن رقم 30698 لسنة 86 قضائية، الصادر بجلسة 20 مايو 2017، ولهذا جرى العمل العملي على اقتحام الشرطة للمنازل للبحث عن المطلوبين للقبض عليهم، سواء كان المنزل خاصًا بالمتهم أو بغيره، وغالبًا ما تختار الشرطة جنح الليل لتنفيذ تلك الأوامر، اعتقادًا منها أن ذلك يأتي بنتائج مثمرة.

 

وقد وُجّه إلى هذا التوجه انتقاد فقهي جاد، مؤداه أن القياس الذي أجرته محكمة النقض غير صحيح، لأن علة إجازة دخول المنازل في المادة "45" ليست مطلق الضرورة، بل الضرورة التي تدفع خطرًا حالًا على صاحب المنزل نفسه، وفقًا للأمثلة الواردة بالنص "الحريق، الغرق، طلب المساعدة"، أما دخول منزل المتهم للقبض عليه، فلا يدفع خطرًا عنه بل يجلب خطرًا عليه بإنتهاك حرمته وما قد ينكشف من جرائم عرضية، ومن ثم ينعدم القياس لعدم اتحاد العلة – وعليه - فإنه لا يكفي صدور أمر ضبط وإحضار فحسب، بل يلزم إذن صريح من سلطة التحقيق بدخول المنزل لضبط المتهم، حفاظًا على حرمة المساكن وضمانًا لشرعية الإجراءات – هكذا يقول "فاروق". 

 

حرمة 1

 

الوضع في ظل مشروع قانون الإجراءات الجنائية

 

هذا وقد نصت المادة "46" من مشروع قانون الإجراءات الجنائية على أن: "للمنازل حرمة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها، إلا بأمر قضائي مسبب يحدد المكان والتوقيت والغرض منه، ويجب تنبيه من في المنزل عند دخوله أو تفتيشه واطلاعه على الأمر الصادر في هذا الشأن، وذلك كله على النحو المبين في القانون"، كما نصت المادة "47" من ذات المشروع على أنه: "استثناءً من حكم المادة "46" من هذا القانون، لرجال السلطة العامة دخول المنازل وغيرها من المحال المسكونة في حالات الخطر أو الاستغاثة".

 

ويُلاحظ أن نص المادة "47" قد جاء محكمًا ودقيقًا، إذ حصر الدخول دون أمر قضائي في حالتين محددتين هما الخطر والاستغاثة، دون أن يردفهما بعبارة "أو ما شابه ذلك"، كما في نص المادة "45" من القانون الحالي، الأمر الذي سد الباب أمام التوسع في التفسير أو القياس الذي أباحته محكمة النقض سابقًا، حمايةً لحرمة المساكن من أي مساس غير مشروع – طبقا لـ"فاروق". 

 

حرمة 77

 

أسباب اعتراض الرئاسة

 

وجاء اعتراض الرئاسة على مشروع القانون من زاوية أن النص، رغم تأكيده على ضرورة الأمر القضائي المسبب، قد أغفل تعريف الخطر الذي يجيز الدخول الاستثنائي، وهو ما قد يفتح الباب لتفسيرات واسعة تهدد الحرمة الدستورية للمساكن المنصوص عليها في المادة "58" من الدستور، معتبرة أن هذا يمثل قصورًا تشريعيًا قد يؤدي إلى تجاوزات عملية تحت ستار تقدير رجال السلطة العامة لوجود "خطر" غير محدد – الكلام لـ"فاروق".

 

تقدير الاعتراضات والمذكرة التفسيرية

 

جاء الاعتراض الرئاسي مفهومًا في حرصه على ضمان الضوابط الكافية التي تحمي حرمة المساكن، إلا أن المراجعة القانونية للنص تكشف أن حصر حالات الخطر أو تعريفها أمر متعذر تشريعيًا، لأن الخطر حالة واقعية تتنوع صورها بتنوع المواقف والظروف، ويُترك تقديرها للقضاء في ضوء كل حالة، كما أن وضع "التعريفات" ليس من صميم عمل المشرّع الجنائي، بل من اختصاص الفقه والقضاء من خلال التطبيق العملي. 

 

حرمة 5

 

ويضيف أستاذ القانون الجنائى: بل أن الغرض من المادة "47" من المشروع هو تضييق نطاق الاستثناء وغلق باب التوسع الذي فُتح سابقًا عبر عبارة "أو ما شابه ذلك" في المادة "45" من القانون القائم، إذ أدّى هذا النص الفضفاض إلى تجاوزات واقعية تمثلت في اقتحام المساكن للقبض على المطلوبين دون إذن قضائي، تحت مظلة الضرورة - ومن ثم - فإن إعادة تعداد حالات الدخول للمنازل او إدراج عبارة “أو ما شابه ذلك” – رغم ما قد يُظن من أهميتها – من شأنها أن تُفرغ النص من مقصده الإصلاحي، وتعيد فتح باب القياس الذي انتقده الفقه ورفضته الضمانات الدستورية.

 

بل أن المادة "47" بصيغتها الحالية جاءت مطابقة تمامًا للمادة "58" من دستور 2014 وليس متعارضه معها كما اعتقد الاعتراض، إذ نصت المادة 58 من الدستور على أن: "للمنازل حرمة، فلا يجوز دخولها أو تفتيشها أو مراقبتها أو التنصت عليها، فيما عدا حالات الخطر أو الاستغاثة، إلا بأمر قضائي مسبب..."، ومن ثم، فإن أي تعداد لحالات الخطر او إضافة لعبارة مطلقة مثل "أو ما شابه ذلك" تمثل عودة إلى الغموض الذي أراد المشروع إنهاءه، بل قد تشكل مخالفة دستورية لتجاوز حدود النص الدستوري ذاته، الذي حصر الاستثناء في حالتي الخطر والاستغاثة فقط. 

 

المنازل 1

 

التوصية الختامية

 

يُوصى بالإبقاء على الصياغة الحالية للمادة "47" من مشروع قانون الإجراءات الجنائية دون تعديل أو إضافة لعبارة "أو ما شابه ذلك"، تحقيقًا للتوافق مع نص المادة "58" من الدستور، وضمانًا لحرمة المساكن باعتبارها من الحقوق الدستورية الأصيلة التي لا يجوز الانتقاص منها إلا بقدر الضرورة القصوى التي يحددها القانون وبموجب أمر قضائي مسبب.   

 

المنالز 2
 
 
ياسر
 
أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض الدكتور ياسر الأمير فاروق

 

 

موضوعات متعلقة :

جرائم المستطيل الأخضر.. التنمر الرياضي بين مقتضيات المنافسة وحدود القانون.. التنمر جريمة أخلاقية قبل أن تكون جريمة جنائية.. والمشرع تصدى لها بالحبس والغرامة.. وضرورة مواجهة الاتحاد المصري للتنمر في الملاعب

للملاك والمستأجرين.. هل يلزم صدور لائحة تنفيذية للقانون رقم 164 لسنة 2025؟.. المشرع اعتبر اللائحة التنفيذية للقانون لا تصدر إلا إذا نص القانون على ذلك.. وحال لم ينص فلا مجال لإصدارها.. والسبب هو وضوح القانون

للملاك والمستأجرين.. هل يحق للحائز التمسك بالامتداد لعقد الإيجار بعد العمل بالقانون الجديد؟.. المشرع أجاز ذلك حال توافرت شروط الامتداد.. والقانون 49 لسنة 77 والقانون 136 لسنة 1981 ساريان حتى الـ7 سنوات

المواجهة الآن بين المالك والمستأجر.. كيفية التعامل مع الأمر الوقتى الصادر بالطرد؟ وما هو الإجراء الذي يوقف تنفيذه؟.. 3 عناصر وضعها المشرع تفك طلاسم النزاع بخصوص الاستشكال في الأمر الوقتي.. والنقض تتصدى للأزمة


الأكثر قراءة



print