الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025 01:03 م

"حج السجناء".. السعودية أول من سمحت للمسجونين بأداء الحج والعمرة.. ولم يلحقها دولة أخرى.. 4 آثار مترتبة عليها أبرزها التحول الروحى والنفسى وتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية.. وأداة فعالة للإصلاح الذاتى

"حج السجناء".. السعودية أول من سمحت للمسجونين بأداء الحج والعمرة.. ولم يلحقها دولة أخرى.. 4 آثار مترتبة عليها أبرزها التحول الروحى والنفسى وتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية.. وأداة فعالة للإصلاح الذاتى أداء فريضة الحج والعمرة - أرشيفية
الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025 09:00 ص
كتب علاء رضوان

في عام 2019 وقع حدث غير مسبوق ولم يتكرر مرة أخرى على الأراضى السعودية حينما سمحت السلطات في أداء سجناء سعوديون فريضة الحج في إطار حملة إصلاحية نظمتها المديرية العامة للسجون، واستفاد منها 50 سجيناً رافقهم خلالها 32 فرداً من ذويهم، وكان  الهدف الرئيسي للبرنامج هو إعادة تأهيل السجناء ودمجهم في المجتمع وتحفيزهم، مما يوضح معه الحج وأثره في الارتقاء بالأخلاق.

فقد شرع الله عز وجل العبادات تهذيبا لسلوكنا وارتقاء بأخلاقنا، وقد وضع الله سبحانه من الأسرار والحكم والمقاصد في العبادات المتكررة ما يحفظ للإنسان أخلاقه حتى يأتي وقت أدائها مرة أخرى، فالصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وتعلمنا النظافة والنظام والانضباط في المواعيد والحركات والتصرفات والبعد عن الفوضى، وتعلمنا الاتحاد والشعور بالأخوة الإسلامية والتواضع والتراحم. 

 

530321884_1709899736325741_5791176569472591106_n

 

أثر الحج والعمرة على السجناء تطهير للنفس وبناء للسلوك

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على أثر الحج والعمرة على السجناء تطهير للنفس وبناء للسلوك، وأثر هذه التجربة العميقة على السجناء؟ وكيف تُسهم في إعادة تأهيلهم؟ فلطالما مثّل الحج والعمرة ركيزتين أساسيتين في حياة المسلم، ليس فقط كعبادتين بدنيتين وماليتين، بل كوسيلة للتوبة والتطهير من الذنوب، والرجوع الصادق إلى الله تعالى، وقد اتجهت بعض المؤسسات الإصلاحية في العالم الإسلامي إلى تمكين بعض المساجين من أداء الحج أو حتى العمرة، في مبادرة إنسانية تهدف إلى الإصلاح النفسي والروحي - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.

 

في حدث غير مسبوق.. السعودية تسمح للمساجين بأداء فريضة الحج

في البداية – يسرد الدكتور "العزاوى" وقائع زيارته إلى بيت الله الحرام مؤخراً، قائلاً: "بينما كنت أتنقّل بين أروقة الحرم المكي وأستشعر قدسية المكان وهيبة الزمان، خطرت في بالي فكرةٌ عميقة، وهي ماذا لو أُتيحت هذه الرحلة الروحية، ولو رمزياً، لأولئك الذين يقبعون خلف القضبان؟ فكرت في المساجين، أولئك الذين حالت ظروفهم دون الوصول إلى مكة المكرمة، لكنهم ليسوا بعيدين عن رحمة الله، وبينما كنت أطوف وأسعى وألهج بالدعاء، حاولت أن أكتب هذا الرأى عند استراحتي من قلب مكة المكرمة، لأعكس كيف يمكن أن يكون للحج والعمرة، أو على الأقل لقيمهما ومفاهيمهما، أثرٌ بالغ في تهذيب النفوس وإصلاح القلوب، حتى داخل السجون". 

 

طحعي

 

وفي ضوء ذلك فقد – وفقا لـ"العزاوى" - "دأبت السعودية على تقديم أفكار مبتكرة في خدمة فريضة الحج وكذلك مجال الإصلاح، وهذه المرة، سمحت لعشرات السجناء، بأداء فريضة الحج، رفقة العشرات من ذويهم، تحت إشراف الإدارة العامة للتوجيه الفكري والمعنوي بالمديرية العامة للسجون، وتعد هذه التجربة، الأولى من نوعها، التي تتبناها وزارة الداخلية في السعودية، حيث تهدف لإعادة تأهيل النزلاء، من خلال أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، والمساعدة على إعادة دمجهم بالمجتمع.  

وقال مدير إدارة العلاقات والإعلام بالمديرية العامة للسجون علي الخرمي حينها، إن الهدف الرئيسي للبرنامج إعادة تأهيل السجناء ودمجهم في المجتمع وتحفيزهم، وأضاف: "وجدنا البرنامج الأمثل هو من خلال أداء مناسك الحج وبرفقة ذويهم"، ومقر الحملة التي يوجد فيها السجناء لا يمكن تمييزه عن مقرات الحجيج التقليدية، فالسجناء لا يرتدون ملابس السجن ولا توجد أي قيود ظاهرة على حريتهم وتنقلاتهم، ولا يمكن تمييزهم عن ضباط مديرية السجون المصاحبين لهم". 

 

جس
 

فما هو أثر هذه التجربة العميقة على السجناء؟ وكيف تُسهم في إعادة تأهيلهم؟

وفي ذلت السياق - يقول أحد المستفيدين من البرنامج "25 عاما" بعد أن انتهى من شعيرة رمي الجمرات: "أنا مرتاح راحة نفسية تامة، وأشكر كل من ساهم في أدائنا فريضة الحج"، مُضيفاً: "دعوت الله أن يسهل أمورنا ودعوت لأبي وأمي"، فيما أكد مستفيد آخر "3 عاما" رفقة والدته أن: "البرنامج أعطانا فرصة أن الإنسان يغير من نفسه ويكون أفضل"، وتابع: "دعوت ربي أن ييسر أمري وييسر أمر المسلمين جميعا ويوفقنا لما يحبه ويرضاه".

ويضيف "العزاوى": وفي ضوء ذلك سنقسم هذا المقال إلى 4 مطالب، في المطلب الأول سنتناول فيه التحول الروحي والنفسي، بينما سنتحدث في المطلب الثاني عن تعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية، أما المطلب الثالث فسنوضح فيه الأثر الاجتماعي والعائلي، أما المطلب الرابع فسنتكلم فيه عن تعزيز برامج الإصلاح والتأهيل. 

 

جدس

 

المطلب الأول: التحول الروحي والنفسي

أداء مناسك الحج أو العمرة يتيح للسجين فرصة للعودة إلى ذاته، بعيدًا عن أجواء السجن القاسية، فتجربة الطواف، والسعي، والوقوف بين يدي الله في الحرم المكي، كفيلة بأن تُحرك مشاعر التوبة والندم، وتعزز من ارتباطه بالله، وتمنحه فرصة صادقة لفتح صفحة جديدة.

 

المطلب الثاني: تعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية

يتعلم السجين من خلال هذه الرحلة قيمًا مثل الصبر، والتواضع، والمساواة بين الناس، حيث يذوب الفارق بين الغني والفقير، المسؤول والمُدان، فالجميع يرتدي الإحرام ويقف أمام الله متجردًا من كل مظاهر الدنيا، هذه القيم تترسخ في قلب السجين وتُمهّد لتغيير سلوكه داخل السجن وبعد الخروج منه. 

 

ظظء

 

المطلب الثالث: الأثر الاجتماعي والعائلي

غالبًا ما يكون أداء العمرة أو الحج مكافأة للمسجونين الحسنِ السيرة، وهو ما ينعكس إيجابًا على علاقتهم بأسرهم، فزيارة الأماكن المقدسة، والدعاء للأهل، والسعي إلى كسب رضاهم، يعيد بناء روابط الثقة والمحبة، ويقوّي من رغبة السجين في العودة إلى المجتمع كعنصر صالح.

 

المطلب الرابع: تعزيز برامج الإصلاح والتأهيل

تُعد هذه المبادرات أحد أدوات المؤسسات العقابية لتشجيع السلوك الجيد والانضباط، فالسجين الذي يرى أن التوبة والفرج ممكنان، يصبح أكثر استعدادًا للمشاركة في برامج التعليم الديني، والتدريب المهني، وتطوير الذات. 

 

ززء

 

الخلاصة:

إن تمكين بعض السجناء من أداء الحج أو العمرة ليس مجرد ترفٍ ديني، بل هو أداة فعالة للإصلاح الذاتي، وإعادة بناء الإنسان من الداخل، فحين يُلامس القلبَ شعورُ الطهارة والرجوع إلى الله، يصبح التغيير الحقيقي ممكنًا، وبهذا، يمكن للمؤسسات العقابية أن تجمع بين العدالة والرحمة، وبين العقوبة والإصلاح، ومن ذلك تعميم تجربة الحج والعمرة للسجناء الحسنِ السيرة، وذلك من خلال توسيع نطاق البرامج في الدول الإسلامية، عبر دعم حكومي وخيري لتكلفة العمرة لبعض النزلاء المختارين وفق معايير إصلاحية واضحة.

 

دمج المناسك في البرامج الإصلاحية النفسية والدينية

 

إضافة إلى ذلك - دمج المناسك في البرامج الإصلاحية النفسية والدينية، وذلك بإدخال موضوعات الحج والعمرة كجزء من التوعية الروحية، حتى لمن لا يُتاح لهم الذهاب فعليًا، عبر محاضرات ودورات فقهية داخلية، وأيضاً إعداد برامج متابعة بعد العمرة أو الحج وذلك من خلال إنشاء برامج "ما بعد العودة" لمواكبة التغيير السلوكي لدى السجين، ومساعدته على الاستمرار في التوبة بعد انتهاء المناسك. 

 

ء

 

فضلاً عن تشجيع المؤسسات الخيرية لرعاية هذه المبادرات وذلك من خلال دعم الجهات الخيرية والإسلامية لهذه المبادرات بالتعاون مع إدارات السجون، سواء عبر التبرع أو الرعاية اللوجستية والإعلامية، وختاماً إجراء المزيد من الدراسات الأكاديمية، وذلك يبدأ تشجيع الباحثين والجامعات على دراسة الأثر طويل المدى لهذه التجارب على سلوك السجناء، لتطوير البرامج الإصلاحية القائمة على أسس علمية.

 

ططس
 
طدج
 
أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي

الأكثر قراءة



print