أصدرت الدائرة الجنائية "ه" – بمحكمة النقض – حكماً قضائياً فريداً من نوعه، يُرسى مبدأً قضائياً يضع ضوابط ومعايير نشر الأحكام القضائية على مواقع التواصل الاجتماعى، قالت فيه: " نشر الحكم الجنائي ووضعه على موقع الفيس بوك صادر باسم الشعب ومتاح للكافة مطالعته ليس من شأنه أن يمس الحياة الخاصة للمجني عليه - المحكوم عليه بالعقوبة - أو ينتهك خصوصيته دون رضاه".
الخلاصة:
المقرر أنه وإن كان المرجع في تعرف حقيقة المعلومات والأخبار ومدى تعلقها بالحياة الخاصة للمجني عليه وانتهاكها لخصوصيته دون رضاه، وهو بما يطمئن إليه قاضي الموضوع في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، إلا أن حد ذلك ألا يخطئ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم أو يمنح دلالة المعلومات والأخبار بما يحيلها عن معناها ، كما أن تحري حقيقة تلك الأخبار ومدى تعلقها بالحياة الخاصة للمجني عليه هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض باعتبارها الجهة التي تهيمن على الاستخلاص المنطقي الذي يتأدى إليه الحكم من مقدماته المسلمة .
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 764 لسنة 93 القضائية، برئاسة المستشار عبد الرسول طنطاوي، وعضوية المستشارين محمد زغلول، وهاشم النوبي، ومحمد فراج، ومحمد جبر، وبحضور كل من رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض مينا منسي، وأمين السر وليد رسلان.
الوقائع.. شخص ينشر حكم جنائى خاص بأخر على جروب "فيس بوك"
اتهمت النيابة العامة الطاعن في القضية رقم 1819 لسنة 2021 جنح القاهرة الاقتصادية المقيدة برقم 1087 لسنة 2021 جنح مستأنف القاهرة الاقتصادية، بأنه في يوم 22 من فبراير سنة 2021 بدائرة قسم الهرم - محافظة الجيزة، ونشر منشورات عن طريق حسابه الشخصي المسمى"..." على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك معلومات وأخبار خاصة بالمجني عليه "..." دون رضاه والتي من شأنها انتهاك خصوصيته، وذلك على النحو المبين تفصيلا بالأوراق.
النيابة العامة أحالته إلى محكمة جنح القاهرة الاقتصادية، وطلبت عقابه بالمادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن تقنية المعلومات، والمحكمة المذكورة - محكمة جنح القاهرة الاقتصادية - قضت غيابيا بجلسة 30 من أكتوبر سنة 2021، ببراءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه، فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم وقيد استئنافها برقم 1087 لسنة 2021 جنح مستأنف القاهرة الاقتصادية .
النيابة العامة تحيل المتهم للمحاكمة.. و"الاقتصادية" تُبرأه
ومحكمة القاهرة الاقتصادية - بهيئة استئنافية - قضت غيابيا بجلسة 14 من مارس سنة 2022، بقبول الاستئناف المقام من النيابة العامة شكلا وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا بتغريم المتهم خمسين ألف جنيه عما أسند إليه وألزمته بالمصاريف الجنائية، فعارض المحكوم عليه استئنافيا في هذا الحكم .
النيابة تستأنف الحكم لإلغاءه.. و"الاستئناف" تقضى مجدداً بتغريم المتهم 50 ألف جنيه
والمحكمة المذكورة محكمة القاهرة الاقتصادية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بجلسة 11 من أكتوبر سنة 2022، بقبول المعارضة الاستئنافية شكلا وفي الموضوع وبإجماع آراء هيئة المحكمة برفضه وتأييد الحكم المعارض فيه وألزمت المعارض بالمصاريف، فقرر المحامي - بصفته وكيلا عن المحكوم عليه - بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض في 5 من ديسمبر سنة 2022.
المتهم يستأنف الحكم أمام محكمة النقض لإلغاءه
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة نشر أخبار ومعلومات تنتهك خصوصية المجني عليه دون رضاه عن طريق الشبكة المعلوماتية، قد اعتوره الخطأ في تطبيق القانون وتأويله، ذلك أنه اعتبر الأفعال المنسوبة للطاعن مؤثمة بالمادة رقم 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر بالقانون رقم 175 لسنة 2018 رغم انتفائها في حقه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
والمحكمة قبل تفنيد حيثيات الحكم، فندت الواقعة وسردتها كالتالى: وحيث إن الحكم الاستئنافي المعارض فيه المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله إن النيابة العامة قدمت المتهم "..." للمحاكمة الجنائية بوصف أنه في 22/2/2021 بدائرة قسم الهرم محافظة الجيزة نشر منشورات عن طريق حسابه الشخصي المسمى: "...على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك معلومات وأخبار خاصة بالمجني عليه / .. دون رضاه والتي من شأنها انتهاك خصوصيته، وذلك على النحو المبين بالأوراق".
جروب "نادي المزاريطة الرياضي" يتسبب في الأزمة
وذلك على سند مما أبلغ به المجني عليه المذكور بمحضر جمع الاستدلالات المحرر بمعرفة العقيد "..." الضابط بإدارة تكنولوجيا المعلومات - بتاريخ 30/10/2021 من قيام المتهم مستخدم الحساب المسمى (..على موقع فيس بوك بنشر مشاركات على المجموعة المسماة (نادي المزاريطة الرياضي) تتضمن عبارات سب وقذف وإساءة لسمعته مما تسبب له في أضرار مادية ومعنوية، وبفحص الواقعة بمعرفة قسم المساعدات الفنية بالإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات تبين أنه بتتبع الحساب مرتكب الواقعة تبين أنه مرتبط بالهاتف رقم "........" المستخدم بمعرفة المتهم المقيم "..." حدائق الأهرام البوابة الرابعة الهرم الجيزة، وأرفق صور ضوئية من المنشور محل الشكوى من على حساب المتهم على تطبيق فيس بوك والذي تضمن نشره صورة ضوئية من حكم صادر ضد المجني عليه بالحبس لمدة ستة أشهر وكفالة 500 جنيه أتبعها تعليقه بعبارة صورة من حكم أول درجة بحبس "..." نائب رئيس مجلس إدارة نادي الإعلاميين 6 أشهر وكفالة 500 جنيه - أنا رأي الشخصي مش حلو الكلام ده خالص في حق نادينا والشوشرة على النادي .
المادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 تحسم النزاع
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: لما كان ذلك - وكانت المادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات والتي دين الطاعن بمقتضاها قد نصت على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو أنتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصيته إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع والخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارا أو صورا وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة .
النقض تضع مبدأ قضائى لنشر الأحكام على السوشيال ميديا
وبحسب "المحكمة": وكان من المقرر أنه وإن كان المرجع في تعرف حقيقة المعلومات والأخبار ومدى تعلقها بالحياة الخاصة للمجني عليه وانتهاكها لخصوصيته دون رضاه، وهو بما يطمئن إليه قاضي الموضوع في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، إلا أن حد ذلك ألا يخطئ في تطبيق القانون على الواقعة، كما صار إثباتها في الحكم أو يمنح دلالة المعلومات والأخبار بما يحيلها عن معناها، كما أن تحري حقيقة تلك الأخبار ومدى تعلقها بالحياة الخاصة للمجني عليه هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض باعتبارها الجهة التي تهيمن على الاستخلاص المنطقي الذي يتأدى إليه الحكم من مقدماته المسلمة .
وتضيف "المحكمة": لما كان ذلك، وكان ما تضمنه المنشور المنسوب إلى الطاعن كتابته ووضعه على موقع الفيس بوك فضلا عن إنه قد صادف واقعة صدر بشأنها حكم قضائي صادر باسم الشعب ومتاح للكافة مطالعته، ليس من شأنه أن يمس الحياة الخاصة للمجني عليه أو ينتهك خصوصيته دون رضاه، ومن ثم فهو لا يقع تحت نص المادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، فإن الحكم المطعون فيه، وقد خالف هذا النظر وقضى بمعاقبة الطاعن عن تلك الجريمة ودانه بمقتضاها يكون قد بني على خطأ في تأويل القانون، مما يتعين معه على المحكمة نقض الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءة الطاعن منها عملا بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية .
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما أسند إليه .