أصدرت الدائرة العمالية - بمحكمة النقض – حكماً فريداً من نوعه، يهم ملايين العمال والموظفين، بشأن شروط رجوع العامل المضرور بالتعويض على صاحب العمل في حالة إصابة العمل، قالت فيه: "1-أن مفاد نص الفقرة الثانية من المادة 68 من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، أن مناط رجوع العامل المضرور بالتعويض على صاحب العمل أن يثبت أن إصابة العمل قد نشأت عن خطأ شخصي من جانب صاحب العمل يرتب مسئوليته الذاتية عن هذا التعويض.
2- وهو لا محل معه لتطبيق أحكام المسئولية المفترضة الواردة بنص المادة 178 من القانون المدني.
3- وأن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، ما دام استخلاصها سائغًا يؤدي إلى ما رتبه عليه في قضائها.
4- وأن لمحكمة الموضوع وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض سلطة تقدير أدلة الدعوى وأقوال الشهود فيها، وبحث مستنداتها، واستخلاص الصحيح الثابت بها وما تراه متفقًا مع الواقع فيها.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 1107 لسنة 94 القضائية، برئاسة المستشار عاطف الأعصــــــــر، وعضوية المستشارين حبشي راجي حبشي، وحازم رفقي، وخالد بيومي، وعماد عبد الرحمن، بحضور كل من رئيس النيابة أسامة الحسيني، وأمانة سر محمد غازي.
الوقائع.. نزاع قضائى بين عامل وصاحب العمل نتيجة إصابة العامل
الواقعات - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وأوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 152 لسنة 2022 أمام محكمة جنوب الزقازيق الابتدائية على المطعون ضدها الثانية بطلب الحكم بإلزامها أن تؤدي إليه مبلغ 250 جنيه تعويضا ماديًا وأدبيًا عن العجز الذي لحقه من إصابته بسبب وأثناء عمله، وقال بيانا لها: إنه كان من العاملين لدى الشركة المطعون ضدها الثانية - التي أدمجت في الشركة الطاعنة - وقد أصيب أثناء عمله بربو شعبي بسبب التعرض للغبار والأتربة أثناء العمل، وقررت اللجنة الطبية المختصة بأنه أصيب بعجز جزئي مستديم يعجزه عن أداء عمله الحالي، وبتاريخ 30 سبتمبر 2021 تم إنهاء خدمته، وإذ امتنع رب العمل عن تعويضه، ومن ثم كانت الدعوى.
قام المطعون ضده الأول بإدخال الطاعنة خصمًا في الدعوى بوصفها الشركة الدامجة للشركة المطعون ضدها الثانية، ثم أحيلت الدعوى إلى التحقيق، وبعدها ندبت المحكمة مصلحة الطب الشرعي لتوقيع الكشف الطبي على المطعون ضده الأول، ثم حكمت بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المطعون ضدها الثانية لرفعها على غير ذي صفة، والزام الطاعنة أن تؤدي إلى المطعون ضده الأول مبلغا مقداره جنيه تعويضا عن إصابته.
واستأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة مأمورية الزقازيق بالاستئناف رقم 745 لسنة 66 ق، وبتاريخ 21 نوفمبر 2023 قضت بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن لرفعه على غير ذي صفة بالنسبة إلى المطعون ضده الثاني بصفته، وأبدت الرأي في الموضوع برفضه، وإذ عُرض الطعن على المحكمة - في غرفة مشورة، حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من النيابة أن الحكم الابتدائي قضى بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المطعون ضده الثاني بصفته، ولم يطعن أحد على هذا الشق بالاستئناف، ومن ثم فلا يجوز اختصامه في الطعن.
المحكمة في حيثيات الحكم ردت على هذا الدفع بقولها: وحيث إن هذا الدفع في محله، ذلك أنه من المقرر وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، أن الحجية المانعة لا تثبت وفقًا لنص المادة 101 من قانون الإثبات إلا للأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي، فيما فصلت فيه من حقوق في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم من دون أن تتغير صفاتهم، وتتعلق بذات الحق محلاً وسببًا، وكان الثابت من الأوراق أن محكمة أول درجة قد قضت بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المطعون ضده الثاني بصفته لرفعها على غير ذي صفة، ولم يطعن أحد على هذا الشق من الحكم بالاستئناف، فأصبح حائزا قوة الأمر المقضي، ومن ثم فإنه لا يقبل اختصامه في الطعن بالنقض.
مذكرة الطعن تستند على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت: إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بالوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك تقول: إن الحكم المطعون فيه لم يعتد بتمسكها ببطلان تقرير الطب الشرعي لعدم إعلان الخصوم ومناقشتهم طبقا للمادة 146 من قانون الإثبات، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن ندب الطبيب الشرعي هو إجراء تقوم به المحكمة بهدف الحصول على المعلومات الضرورية عن طريق أهل الاختصاص في الأمور والمسائل الطبية، إذ إنه مؤهل لذلك للبت في مسائل طبية تكون محل نزاع بين الخصوم ولا تستطيع المحكمة الإلمام بها، فهي تعد استشارة طبية علمية تقوم بها المحكمة بقصد الوصول إلى حقيقة بعض الأوضاع التي يقتضي لمعرفتها الاستعانة بأرباب الاختصاص من الخبراء في المسائل الطبية للبت فيها، وبهذه المثابة لا يستلزم دعوة الخصوم أمام الطبيب الشرعي - المنتدب لتوقيع الكشف الطبي على المصاب لبيان طبيعة الإصابة وتاريخ وكيفية حدوثها - إذ إن ما سوف يبديه أي منهم أمامه من دفاع ودفوع يكون غير منتج، بحسبانه غير مؤثر على ما سوف ينتهي إليه الطبيب الشرعي من رأي طبي متخصص، وعليه فإن أحكام المادة 146 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 لا تنصرف إليه على هذا النحو، فإن النعي ببطلان عمله لعدم دعوة الخصوم قبل مباشرته المأمورية يكون على غير أساس، ولا تثريب علي الحكم المطعون فيه إذ التفت عن الرد على الدفاع الوارد بوجه النعي، بحسبانه لا يستند إلى أساس قانوني سليم، فيضحى ما تثيره الطاعنة في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجهين الثاني والثالث من السبب الأول والوجهين الأول والثاني من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول: إن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قضى بأكثر مما طلبه المطعون ضده الأول من تعويض، كما أنه لم يراع في تقديره التعويض المقضي به استنزال ما حصل عليه المطعون ضده الأول من تعويضات من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك أن البين من الأوراق أن المطعون ضده الأول انحصرت طلباته الواردة بصحيفة افتتاح الدعوى بإلزام الطاعنة أن تؤدي إليه تعويضا مقداره 250000 جنيه، وهو ما قضت به المحكمة، هذا إلى أن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه راعى في تقدير التعويض المقضي به ما حصل عليه المطعون ضده من هيئة التأمينات الاجتماعية، ومن ثم يضحى النعي في هذا الصدد على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك تقول : إن حق المطعون ضده الأول (العامل) في عرض النزاع على المحكمة قد سقط لمخالفته المواعيد المقررة بنص المادة (70) من قانون العمل، واذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود عليه، بما هو مقرر - في قضاء هذه المحكمة - من أن للعامل المتضرر من صاحب العمل الحق في أن يسلك أحد طريقين للحصول على حقوقه، وذلك إما برفع دعواه مباشرة أمام المحكمة المختصة طبقا لما أوجبه نص المادة 63 من قانون المرافعات أو سلوك الطريق الذي حددته المادة (70) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 بما تضمنته من إجراءات ميسرة ومواعيد قصيرة لسرعة تصفية المنازعات العمالية، وكان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده الأول قد أقام دعواه ملتزما إجراءات نص المادة 63 من قانون المرافعات، وهو الطريق الطبيعي لإقامة الدعوى، مما مؤداه أن المطعون ضده الأول (العامل) لم يخالف أيا من المواعيد أو الإجراءات المقررة طبقا لقانون المرافعات أو أي قانون آخر، ومن ثم تكون الدعوى بمنأى عن السقوط، وإذ التزم الحكم هذا النظر؛ فإنه يكون قد طبق صحيح القانون.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه، القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، إذ إنها دفعت بسقوط حق المطعون ضده في طلباته بالتقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 172 من القانون المدني استنادا إلى أنه علم بالضرر وبالشخص المسئول عنه في تاريخ اكتشافه المرض في 1 فبراير 2018، ولم يرفع دعواه بالتعويض عن تلك الإصابة إلا بعد مضي أكثر من 3 سنوات على توفر هذا العلم، غير أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع المشار إليه على ما ذهب إليه من أن علمه الحقيقي بوقوع الضرر وبشخص المسئول عنه يبدأ من تاريخ صدور قرار القومسيون الطبي الصادر من هيئة التأمين الصحي في 26 أغسطس 2021 بما يعيبه ويستوجب نقضه.
والمحكمة ردت على هذا النعى بقولها: وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه المراد بالعلم لبدء سريان التقادم الثلاثي لدعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع المقرر بنص المادة 172 من القانون المدني هو العلم الحقيقي، الذي يحيط بوقوع الضرر وبشخص المسئول عنه باعتبار أن انقضاء 3 سنوات من يوم هذا العلم ينطوي على تنازل المضرور عن حق التعويض الذي فرضه القانون على الملتزم دون إرادته، مما يستتبع سقوط دعوى التعويض بمضي مدة التقادم، ولا وجه لافتراض هذا التنازل في جانب المضرور وترتيب حكم السقوط في حالة العلم الظني الذي لا يحيط بوقوع الضرر أو بشخص المسئول عنه، وأن استخلاص علم المضرور بحدوث الضرر وبشخص المسئول عنه من أمور الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع متى كان تحصيلها سائغا، وأنه لا وجه للتلازم الحتمي بين تاريخ وقوع الضرر من شخص بعينه وبين علم المضرور الذي يحيط بحدوث هذا الضرر وبالشخص المسئول عنه.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - وفي حدود ما لمحكمة الموضوع من سلطة تقديرية - خلص من وقائع الدعوى وملابساتها إلى أن المطعون ضده علم علما حقيقيًا بعناصر الضرر الذي أصابه في 26 أغسطس 2021 تاریخ قرار اللجنة الطبية المختصة في الهيئة العامة للتأمين الصحي بتحديد نسبة العجز لديه من جراء إصابته، إذ منه تحقق من تخلف عاهة مستديمة لديه بسبب تلك الإصابة واحتسب بداية التقادم الثلاثي المسقط للدعوى من هذا التاريخ، ورتب على ذلك رفض الدفع المبدى من الطاعنة، وأقام ذلك على أسباب سائغة تكفي لحمله، فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلًا فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الثالث من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول: إن الحكم قضى بإلزامها بالتعويض عما أصاب المطعون ضده الأول من أضرار من جراء إصابة العمل لعدم توفيرها وسائل السلامة والصحة المهنية، وذلك بالمخالفة لأقوال شاهديها الثابت بها أنها قامت بتوفير وسائل الأمن الصناعي والسلامة للعاملين أثناء العمل، كما أن مرض المطعون ضده الأول لم يكن بسبب العمل، إذ إنه لا يعد من الأمراض المهنية عند التعرض لغبار القطن، الأمر الذي ينتفي معه الخطأ عن الشركة الطاعنة مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن مفاد نص الفقرة الثانية من المادة 68 من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، أن مناط رجوع العامل المضرور بالتعويض على صاحب العمل أن يثبت أن إصابة العمل قد نشأت عن خطأ شخصي من جانب صاحب العمل يرتب مسئوليته الذاتية عن هذا التعويض، وهو لا محل معه لتطبيق أحكام المسئولية المفترضة الواردة بنص المادة 178 من القانون المدني، وأن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، ما دام استخلاصها سائغا يؤدي إلى ما رتبه عليه في قضائها، وأن المحكمة الموضوع وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض سلطة تقدير أدلة الدعوى وأقوال الشهود فيها، وبحث مستنداتها، واستخلاص الصحيح الثابت بها وما تراه متفقا مع الواقع فيها.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بإلزام الطاعنة بالتعويض تأسيسا على ما استخلصه من الأوراق وأقوال شاهدي المطعون ضده الأول من أن الشفاطات والمراوح الخاصة بأمن وسلامة العمال كانت معطلة ولا تعمل، وأنه لم يصرف للعاملين وسائل الأمن الصناعي سوى مرة واحدة، وأن أعمال ماكينات النسيج يتولد عنها أتربة وغبار كثيف، ولا توجد مصادر تهوية، وهو ما أدى إلى إصابة المطعون ضده الأول وقد أثبت ذلك تقريري إدارة الصحة المهنية بمديرية الصحة بالشرقية اللذين انتهيا إلى أنه بالمرور على مكان العمل في عامي 2017، 2019 تبين عدم توفير وسائل الوقاية الشخصية المناسبة للعاملين بأقسام الشركة كافة، وعدم وجود تهوية كافية، وتعطل الشفاطات بأقسام الشركة، وقد أثبت تقرير مصلحة الطب الشرعي أن إصابة المطعون ضده الأول المرضية تمثل عاهة مستديمة تقدر بنسبة 40 %، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى للمطعون ضده الأول بالتعويض عن إصابته أثناء العمل وبسببه، فإنه لا يكون قد خالف القانون، ويضحى ما تثيره الطاعنة بسبب النعي لا يعدو أن يكون جدلًا فيما تستقل به محكمة الموضوع لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم، يتعين رفض الطعن.
لذلك:
حكمت المحكمة برفض الطعن، وألزمت الطاعنة المصروفات مع مصادرة الكفالة.