فى واحدة من أبرز الجلسات البرلمانية، وافق مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفى جبالى، فى المجموع على مشروع قانون مقدم من الحكومة لتعديل بعض أحكام قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981، والذى يتضمن استحداث نظام "البكالوريا المصرية" كمسار تعليمى اختيارى موازى لنظام الثانوية العامة التقليدى، بهدف إتاحة بدائل أكاديمية متعددة أمام الطلاب وتخفيف الضغط المرتبط بامتحان الفرصة الواحدة.
كما شهدت الجلسة نفسها الموافقة على مشروع قانون آخر لتعديل بعض أحكام قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطَبين بقوانين أو لوائح خاصة، نهائيا، وذلك بعد إعلان الحكومة موافقتها على إضافة فئة الصيادلة إلى المستفيدين من مقابل نوبتجيات والسهر، على أن يُحدد سقف الاستفادة بنسبة لا تتجاوز 10% من الصيادلة المتواجدين فعليا على رأس العمل، فضلا عن قبول استقالة 8 أعضاء من عضوية مجلس النواب، لعزمهم الترشح على عضوية مجلس الشيوخ، مع إعلان خلو المقاعد البرلمانية.
نقاط إيضاحية كانت حاضرة بقوه خلال مناقشة مشروع قانون التعليم، سواء من جانب الحكومة، أو لجنة التعليم بمجلس النواب، تتمثل فى أن نظام البكالوريا اختيارى، مجانى، ومدته ثلاث سنوات، التأكيد على عدم المساس بنظام الثانوية العامة القائم، وضمان بقاء كافة الأنظمة التعليمية اختيارية ومتاحة أمام الطلاب دون تمييز، وأن مجانية التعليم مصونة دستوريا ومحفوظة فى نصوص القانون المعدل.
وفى هذا الصدد جاء تأكيد المستشار الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، واضحًا بأن نظام البكالوريا المقترح فى مشروع القانون هو نظام اختيارى، ويُطبق جنيا إلى جنب مع نظام الثانوية العامة التقليدى، دون إلغائه.
فى السياق ذاته، أكد النائب سامى هاشم، رئيس لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب، خلال استعراضه لتقرير اللجنة المشتركة أن مشروع القانون لا يمس بنظام الثانوية العامة الحالى، وأنه باقٍ كما هو دون تغيير.
وشدد هاشم فى كلمته، أن الهدف من المشروع هو إضافة نظام "البكالوريا المصرية" كنظام اختيارى إلى جانب الثانوية العامة، وليس استبدالها، قائلا "المرحلة الثانوية بقيت كما هى فى القانون، ولم يتم المساس بها، حتى لا يكون هناك تخوف من أولياء الأمور أو الطلاب".
وأوضح أن المشروع يُتيح للطالب الاختيار بين نظامين متكافئين فى القيمة والمخرجات، قائلا: "نظاما الثانوية العامة والبكالوريا كلاهما يُؤهل للحصول على شهادة معادلة لدخول الجامعات، ولا يوجد أى تمييز بينهما، والاختيار متروك للطالب وولى أمره".
ودعا هاشم إلى ضرورة العمل على توفير كافة المتطلبات الفنية والبشرية لتطبيق النظام الجديد، بما يضمن نجاح التجربة وتوسيع خيارات الطلاب دون الإضرار بالنظام القائم، لافتًا إلى أن التعديلات المقترحة تأتى فى إطار تنفيذ استراتيجية الدولة للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030"، والتى تُعلى من شأن التعليم بوصفه قاطرة التنمية وبناء الإنسان المصرى.
وكانت للحكومة كلمة مداخلات إيضاحية موسعة تعقيبا على تساؤلات النواب حول الفارق بين نظام الثانوية العامة والبكالوريا، ومدى جاهزية المدارس، حيث قال محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم إن نظام الثانوية العامة الحالى، القائم على امتحان الفرصة الواحدة، يُعد نظامًا قاسيًا على الطلاب والأسر المصرية، إذ يُحدد مستقبل الطالب المهنى بناءً على نتيجة اختبار واحد فقط، لافتًا إلى أن استحداث نظام البكالوريا يُعد خطوة فارقة فى تاريخ التعليم المصرى قد تتجاوز بنا حاجزا من التحديات التى يفرضها نظام الثانوية العامة بشكله الحالى، وما يمثله من عبء مادى ومعنوى على كل أسرة مصرية، مشيرًا إلى أن إقرار هذا النظام كنظام بديل اختيارى لنظام الثانوية العامة سوف يُشكل فرصة حقيقية لجميع أبنائنا الطلاب فى تحقيق طموحاتهم من خلال ما يُتيحه من فرص متعددة، وما يتضمنه من مرونة تسمح بالتوسع فى مجالات الاختيار والالتحاق بالكليات.
وأوضح وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى أن الوزارة درست مختلف النماذج التعليمية الدولية، حيث أجرى المركز القومى للبحوث التربوية، بالتعاون مع 120 خبيرًا من كليات التربية، دراسة شاملة لأفضل 20 نظامًا تعليميًا فى الدول المتقدمة، ولم تجد أى نظام يعتمد على الفرصة الواحدة فقط، فجميع هذه الدول تمنح الطلاب فرصًا متعددة لتحسين نتائجهم وتحديد مسارهم المستقبلى بحرية.
وأضاف الوزير أن التوجه الجديد يسعى إلى تمكين الطالب من تحقيق طموحه المهنى عبر نظام أكثر مرونة، يسمح له بإعادة الامتحان فى بعض المواد إذا لم يُحقق الدرجة المطلوبة من المحاولة الأولى، مع تقليل عدد المواد الدراسية إلى 6 مواد أساسية بالإضافة إلى مادة التربية الدينية، تدرس على مدار عامين، مما يمنح الطالب فرصًا متعددة للتحسين ويُخفف من الضغط المرتبط بامتحانات الثانوية العامة.
وشدد الوزير على أن الهدف هو أن يصبح امتحان الثانوية العامة مماثلًا لما هو معمول به فى الأنظمة التعليمية المتقدمة، بحيث يكون اختبارًا عاديًا يساعد الطالب فى الوصول إلى حلمه المهنى، خاصة فى ظل المتغيرات العالمية السريعة وتغير متطلبات سوق العمل، فعلى سبيل المثال، إذا كان حلم الطالب أن يصبح مهندسا ولم يحصل على المجموع الكافى من أول محاولة، فبإمكانه الاستمرار لتحقيق هدفه، هذا هو جوهر النظام الجديد".
ونوه الوزير إلى أن النظام الجديد، القائم على نموذج البكالوريا، يركز على تنمية المهارات بدلًا من الاعتماد على الحفظ والتلقين، ويأتى متوافقًا مع معايير الجودة العالمية فى التعليم.
وعن جاهزية الوزارة، أكد الدكتور محمد عبد اللطيف، أن الوزارة جاهزة بالكامل لتطبيق نظام البكالوريا الجديد، لافتًا إلى أن المدارس الثانوية الحكومية جرى تأهيلها بشكل غير مسبوق خلال السنوات الثلاث الماضية، من حيث البنية التحتية، والإنترنت، والمعامل، وكاميرات المراقبة، لتتفوق تجهيزًا على 90% من المدارس الخاصة.
واضاف عبد اللطيف، إن المشكلة فى بعض هذه المدارس ليست فى الإمكانات، بل فى ضعف الإقبال الطلابى، وهو ما بدأ يستقيم بالنسبة لطلاب أولى وثانية ثانوى، وسيتغير للافضل مع تطبيق نظام البكالوريا الاختيارى، قائلا "إن شاء الله النظام يعيد الطلاب إلى مدارسهم، والمناهج عالمية تقوم على المهارات التى نريد تعليمها لأولادنا، ونحن مستعدون لرفع كفاءة بعض المدارس أيضا، لكن الجاهزية موجودة".
وتطرق الوزير إلى قضية أهمية مادة التربية الدينية، مؤكدًا أن جعلها مادة نجاح ورسوب رسالة واضحة بأن الدين ليس مادة هامشية، بل من أهم المواد التى يجب أن يتعلمها الطالب، قائلا: نريد أن نعلم أبناءنا أن دينهم أهم من أى مادة أخرى.. لا يصح أن ينظروا إلى التربية الدينية باعتبارها أقل من باقى المواد، ولهذا نرفع نسب النجاح بها لتكون رسالة بأن الدين أساس وليس تكميلميا".
وفى شرح مبسط لنظام البكالوريا، أوضح الوزير أنه يبدأ فى الصف الأول الثانوى بشكل مطابق للثانوية العامة، ثم يبدأ التخصص فى الصف الثانى عبر 4 مسارات رئيسية، هى "طب وعلوم الحياة، "الهندسة والحاسبات، "الأعمال والتجارة"، الآداب والفنون"، ويحق للطالب التحويل بين المسارات إذا شعر بعدم التوافق مع مساره الأول، لافتًا إلى أن النظام يشتمل على 4 مواد أساسية لجميع الطلاب: اللغة العربية، اللغة الأجنبية الأولى، التاريخ المصرى، والتربية الدينية، إلى جانب 3 مواد تخصصية حسب المسار.
واستطرد وزير التربية والتعليم قائلا: "ماينفعش طالب يتخرج مش عارف مين هو جمال عبد الناصر والسادات".
وقال الوزير إن الهدف من النظام الجديد أن يحدد الطالب مستقبله باختياره، وليس نتيجة امتحان واحد، ونريد نموذج مرن مثل الشهادات الدولية، يُراعى ظروف الطلاب ويُعيد ضبط العلاقة بين التعليم والقدرة الحقيقية، مضيفا : "فلسفتنا أن الطالب يتحكم فى مستقبله، مش مكتب التنسيق ولا امتحان الفرصة الواحدة".
وأكد الوزير أن التعليم الفنى يمثل مستقبل مصر الاقتصادى، لافتًا إلى أن الوزارة تعمل مع شركاء دوليين مثل إيطاليا واليابان لتطوير مدارس التكنولوجيا التطبيقية، والتى زاد عددها من 80 إلى أكثر من 100 مدرسة خلال عام واحد، قائلا " نتحرك نحو ربط التعليم الفنى بمعايير دولية وتدريب حقيقى لفتح فرص استثمار وتشغيل أمام الطلاب، ولهذا طلبنا تعديلات تشريعية تتيح مرونة فى التعاون مع الشركات العالمية.
فى السياق ذاته، أكد المستشار محمود فوزى، وزير الشؤون القانونية، خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، أن مشروع قانون التعليم المقدم من الحكومة لا يمس مجانية التعليم بأى حال من الأحوال، مشددًا على أن المجانية مصونة دستوريا ومحفوظة فى نصوص القانون المعدل، وأن مشروع القانون يُعد نافذة جديدة للإصلاح وتطوير منظومة التعليم دون المساس بالحقوق الأساسية للمواطنين.
وأضاف فوزى أن نظام البكالوريا الجديد لا يلغى النظام القديم للثانوية العامة، بل يمثل مسارا مستحدثا اختيارا، يوفر مزايا جديدة للطلاب دون فرضه عليهم، قائلا: "النظام الحالى قائم، وكل من يرغب فى الاستمرار به له الحق، بينما النظام الجديد يتيح فرصة اختيار إضافية تحاكى النظم التعليمية الدولية، وهو ما يتماشى مع توجه الدولة نحو تطوير التعليم وربطه بسوق العمل".
وشدد محمود فوزى، على أن الامتحان الأول للطلاب فى النظام الجديد سيكون مجانيا بالكامل، وذلك التزاما بمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة التعليمية.
ونوه فوزى إلى أن المشروع يدعم الهوية الوطنية من خلال التأكيد على أن مواد التربية الدينية، اللغة العربية، والتاريخ الوطنى هى مكونات أساسية وراسخة فى المنظومة التعليمية، قائلا "هذه المواد ليست فقط تعليمية، بل ركيزة لحفظ الأمن القومى والهوية الثقافية، وهو توجه يحسب للمجلس وللجنة المختصة".