ويستمر الحديث والتساؤلات حول كل من قانون الإيجار الجديد وقانون الإيجار القديم وآخر الأخبار المتعلقة به، وهو القانون الموصوف بـ"الألغام" الذي مر بالعديد من التعديلات التي تشمل كلا من الوحدات السكنية والوحدات التجارية والإدارية، حيث يعمل البرلمان في الوقت الحالي على دراسة العديد من المشاريع لتعديل قانون الإيجار القديم بما يحقق الإنصاف بين المالك والمستأجر.
فبعد أن كان الإيجار القديم ينص على أحقية المستأجر في البقاء مدى الحياة بالوحدة التي قام باستئجارها وعدم قدرة المالك على رفع سعر الإيجار، كما جاء قانون الإيجار الجديد ليعطي بعض الحرية للمالك والمستأجر فيما يتعلق بمدة الإيجار وسعره – كما ورد في التعديلات المطروحة – فقد أعلنت الحكومة بالتنسيق مع البرلمان عن العمل على تعديلات جديدة في قانون الإيجار القديم تهدف إلى خلق توازن بين حقوق الملاك والمستأجرين، وتأتي هذه التعديلات بعد حكم المحكمة الدستورية العليا.
شهور معدودة على حكم الدستورية.. نحو إعادة التوازن لعلاقة المؤجر والمستأجر
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على كيفية إعادة التوازن لعلاقة المؤجر والمستأجر، وذلك بعد أن صدر الحكم التاريخي رقم 11 لسنة 23 قضائية دستورية، الذي قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، هذا القانون كان يرسّخ مبدأ ثبات الأجرة السنوية للأماكن السكنية – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض الدكتور حازم عبدالحاكم العيسوى.
في البداية - هذا الحكم ليس مجرد قضاء بعدم دستورية نص قانوني، بل إعادة هيكلة لمفهوم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ودعوة صريحة للمشرّع المصري للتدخل، والهدف هو وضع إطار تشريعي جديد يحقق العدالة بين الطرفين، ويعكس المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها السوق العقاري خلال العقود الماضية، بعد أن تسببت التشريعات الاستثنائية في تشوهات اقتصادية واجتماعية عميقة – وفقا لـ"العيسوى".
أولًا: تداعيات الحكم وأثره على الواقع الإيجاري
لطالما أدت قوانين الإيجار القديم إلى خلل واضح في سوق العقارات، حيث أبقت الإيجارات عند مستويات متدنية للغاية، لا تتناسب مع معدلات التضخم المتزايدة، وهذا الأمر تسبب في إضرار كبير بالملاك، ودفع العديد منهم إلى العزوف عن تأجير وحداتهم العقارية أو اللجوء إلى وسائل غير رسمية لزيادة قيمة الإيجار، مما أدى إلى جمود في السوق، وحكم المحكمة الدستورية العليا جاء ليعيد الاعتبار لمبدأ العدالة التعاقدية وحق الملكية، ومع أن الحكم وضع حدًا لهذا الخلل، إلا أنه ترك فراغًا تشريعيًا يستوجب تدخلًا عاجلًا لتفادي ارتباك السوق العقاري وضمان انتقال سلس ومنصف لكل من المؤجرين والمستأجرين – الكلام لـ"العيسوى".
ثانيًا: أحكام دستورية سابقة في تصحيح قوانين الإيجار
لم يكن هذا الحكم الأخير هو التدخل الوحيد من المحكمة الدستورية العليا لتصحيح التشريعات الخاصة بالإيجار، فقد سبق أن أصدرت عدة أحكام تاريخية ساهمت في تعديل العلاقة بين الطرفين، وأبرزها – طبقا لـ"العيسوى":
-الحكم رقم 48 لسنة 17 قضائية دستورية: قضى بعدم دستورية الامتداد القانوني لعقود الإيجار للأشخاص الاعتبارية، مما أعاد للملاك حق استرداد عقاراتهم التي كانت مشغولة من قبل الشركات والمؤسسات الاعتبارية بشكل غير عادل.
-الحكم رقم 33 لسنة 26 قضائية دستورية: ألغى ثبات الأجرة السنوية للمحال غير السكنية، مما سمح بإعادة تقييم الإيجارات وفقًا للمتغيرات الاقتصادية، ومنح أصحاب العقارات التجارية حق الاستفادة العادلة من ممتلكاتهم. وقد أدت هذه الأحكام إلى صدور القانون رقم 6 لسنة 1997.
-الحكم رقم 177 لسنة 22 قضائية دستورية: ألغى بعض القيود المفروضة على التصرف في العقارات المؤجرة، مما أعاد حرية الملاك في إدارة ممتلكاتهم، بما في ذلك البيع والتأجير وفقًا لاحتياجات السوق العقاري.
ثالثًا: بيانات إحصائية حول تأثير قوانين الإيجار القديم
تشير أحدث الإحصاءات الرسمية إلى حجم المشكلة وتأثيرها الاجتماعي والاقتصادي:
1-يوجد في مصر أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية تخضع لنظام الإيجار القديم، منها 1.6 مليون وحدة مأهولة من قبل المستأجرين بعقود ثابتة منذ عقود.
2- 46% من هذه الوحدات يتم تأجيرها لأغراض غير سكنية، مثل العيادات والمكاتب الإدارية، مما يزيد من تعقيد الوضع القانوني لهذه العقارات.
3- 67% من الأسر المستأجرة بعقود الإيجار القديم تعيش في القاهرة الكبرى، بينما تتوزع النسبة المتبقية بين الإسكندرية والدلتا والصعيد بنسب متفاوتة.
4- أكثر من ثلث الأسر المستأجرة تدفع أقل من 50 جنيهًا شهريًا، بينما يدفع 20% من الأسر بين 50 و100 جنيه.
ملحوظة: هذه المعدلات لا تعكس الواقع الاقتصادي الحالي بأي شكل من الأشكال.
رابعًا: خيارات المشرع لتحقيق التوازن الشامل
لمواجهة هذا الفراغ التشريعي وتحقيق التوازن المنشود بين المؤجر والمستأجر، على المشرّع المصري تبني مجموعة من البدائل الشاملة التي تراعي الظروف الاقتصادية والاجتماعية:
تعديل الأجرة بمعيار اقتصادي متزن وحد أدنى:
يجب ربط الأجرة بمعايير واضحة ومستقرة، مثل معدلات التضخم السنوية أو متوسط سعر جرام الذهب، هذا يضمن أن الأجرة تحافظ على قيمتها الحقيقية بمرور الزمن، ويحمي الملاك من تآكل قيمة دخلهم الإيجاري، ويُقترح تحديد حد أدنى للأجرة لا يقل عن ألفي جنيه مصري في المدن، وألف جنيه في تخوم المدن، مع مراعاة تباين مستويات المعيشة وتكاليف العقارات في المناطق المختلفة.
زيادات تدريجية خلال فترة انتقالية محددة:
- بدلاً من الرفع المفاجئ للأجرة، يجب وضع جدول زمني لزيادة تدريجية ومحددة النسبة على مدى فترة انتقالية بحد أقصى ثلاث سنوات، هذا النهج يضمن انتقالًا عادلًا دون إحداث صدمة للمستأجرين، ويمنحهم وقتًا كافيًا للتكيف مع الأوضاع الجديدة.
-برامج دعم حكومي للفئات المتضررة: لمعالجة الأثر المحتمل للتعديلات على الفئات محدودة الدخل، يمكن للحكومة تقديم برامج دعم إيجاري.
-هذه البرامج قد تتخذ شكل مساعدات مالية مباشرة أو إعانات إيجارية مؤقتة، لتخفيف العبء عن كاهل المستأجرين الأكثر تضررًا.
خامسا: حلول مبتكرة لتوفير بدائل سكنية:
يجب على الدولة تبني استراتيجيات خارج الصندوق مثل:
-طرح أراضٍ بأسعار رمزية: توفير مساحات بناء بأسعار ميسرة للملاك الراغبين في إنشاء وحدات سكنية جديدة؛ مما يعزز المعروض العقاري ويخفف الضغط على سوق الإيجار.
-تيسير شراء شقق بأسعار التكلفة: إطلاق برامج تمويل تمكن المستأجرين الحاليين، خاصة من يخلي شقته طوعًا، من امتلاك وحدات جديدة بسعر التكلفة وبالتقسيط الميسر. هذا يمنح المستأجر الأمان السكني ويسهم في حل مشكلة الإسكان بشكل جذري.
-تحفيز صناديق الاستثمار العقاري: دعم إنشاء مشاريع سكنية للإيجار بأسعار تنافسية وشروط مرنة، مما يوفر بدائل متنوعة ويجعل السوق العقاري أكثر استدامة.
الخلاصة والمقترحات:
إن تحقيق التوازن المنشود في العلاقة بين المؤجر والمستأجر، يجب أن يكون التدخل التشريعي متسما بالآتي – هكذا يقول "العيسوى":
شاملًا وعميقًا: يعالج جذور الأزمة، لا مجرد حلول جزئية قصيرة المدى.
مرنًا وعادلًا: يستند إلى معايير اقتصادية واضحة تحافظ على الحقوق وتحقق الإنصاف للطرفين، مع ضرورة تحديد حد أدنى للأجرة.
مدروسًا وذا فترة انتقالية: يطبق التعديلات تدريجيًا خلال فترة لا تتجاوز ثلاث سنوات لتجنب الصدمات الاقتصادية والاجتماعية.
داعمًا اجتماعيًا: يتضمن آليات دعم للفئات الأكثر تضررًا، لضمان حماية الأسر محدودة الدخل.
استشرافيًا: يضع حلولًا طويلة الأمد تمنع نشوء أزمات مشابهة مستقبلًا، من خلال تشريعات حديثة ومتطورة تحقق التوازن بين حقوق المؤجر والمستأجر، مع تبني حلول مبتكرة لتوفير بدائل سكنية مستدامة.