الخميس، 25 أبريل 2024 04:33 ص

"الدعاوى الكيدية".. سبب تكدس القضايا بالمحاكم.. المشرع اعتبر إساءة استعمال حق التقاضى جريمة.. و3 حالات لاستعمال الحق غير المشروع

"الدعاوى الكيدية".. سبب تكدس القضايا بالمحاكم.. المشرع اعتبر إساءة استعمال حق التقاضى جريمة.. و3 حالات لاستعمال الحق غير المشروع قضايا الطلاق - أرشيفية
السبت، 28 مايو 2022 09:00 ص
كتب علاء رضوان

"إساءة استعمال حق التقاضى" مسألة يهـتم بها الملايين من الأشخاص خاصة الزوجات المتضررات من أزواجهن من كثرة إقامة الدعاوى الكيدية وتريد الخلاص ولا تجد سوى القضاء هو الملاذ والخلاص ونهاية للكابوس الذى يخيم على حياتها، وكذلك الأزواج الذين صدر بشأنهم أحكام قضائية وهمية للكيد والنيل منهم وابتزازهم، والحصول فى نهاية المطاف على البراءة.

 

9

 

السبب الأخطر لتكدس المحاكم والنيابات بالقضايا

فى التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تتعلق بإساءة استعمال حق التقاضى وكيفية التصدى لهذه الأزمة التى تضر الملايين، ومما لا شك فيه أن لجوء الخصوم إلى الاساليب غير المشروعة واستخدام الاجراءات القضائية لغرض المماطلة، واطالة النزاع من شأنه أن يضر بالطرف الأخر، وبالتالى لا يمكن تحقيق العدالة بين الطرفين المتخاصمين، وهذا مما يعرقل مرفق القضاء بالقيام بوظيفته على الوجه المطلوب بسبب عدم استعمال الأشخاص لحقهم بالصورة المشروعة – بحسب الخبير القانونى والمحامى أشرف فؤاد.

 

فى البداية – إساءة استعمال الحق هى ليست نظرية جديدة او مبتدعة، بل هى نظرية قديمة عرفها الرومان ثم انتقلت إلى القانون الفرنسى القديم، وتشبع بها الفقه الإسلامى، ولكنها اختفت فترة من الزمن ويرجع الفضل فى ظهورها مرة أخرى إلى الوجود القانون الفرنسى، واستقرت فى الفقه وسار عليها القضاء وأخذت بها التقنينات، وبالتالى أصبحت نظرية ثابتة ومستقرة ولا يستطيع أحد الاستغناء عنها، وفى كثير من الأحيان يحدث خلطا لدى الكثيرون ولبسا بين أحكام التعويض عن إساءة استعمال حق التقاضى والذى لا يتحقق إلا بإثبات اللدد فى الخصومة والعنت ابتغاء الإضرار بالخصم، كأن يصدر الحكم بالبراءة لتلفيق الاتهام، أو لعدم ثبوت التهمة، وبين حق التقاضى والإبلاغ والشكوى – وفقا لـ"فؤاد".

 

download

 

التعسف فى استعمال الحق من الحقوق المباحة

والتعسف فى استعمال الحق من الحقوق المباحة، وهو حق أصيل لاستعمال حق التقاضى بحيث صدور مثلاً حكم قضائى بالبراءة لعدم كفاية الأدلة، أو للتراخى فى الإبلاغ، لا يعد اساءة فى حق التقاضى، وفى كثير من الأحيان تظهر هذه الإشكالية بشكل واضح وجلى فى مسألة "الأحوال الشخصية، وجنح الضرب، والاتهام بالسفه"، فقد أصبحت إساءة استعمال حق التقاضى ظاهرة مجتمعية، ولذلك كان لزاما علينا أن نرصد التفرقة بين الحق المشروع باستعمال حق التقاضى، وبين إساءة استعمال حق التقاضى المرتبط باللدد فى الخصومة والعنت ابتغاء الإضرار بالخصم، سواء فى المسائل الجنائية، و المدنية، والشرعية الأخرى – الكلام لـ"فؤاد".

 

والعديد من المحامين يُقدمون على إقامة مثل هذه الدعاوى بطرق مختلفة سواء بشكل مدنى والمتمثل فى التعويض أو بشكل جنائى والمتمثل فى دعوى البلاغ الكاذب، فكان من الضرورة أن نخوض فى خضم تلك الإشكالية التى تسبب الكثير من التعقيدات والأزمات من الناحية القانونية، حيث إن المستقر عليه فقهاً وقضاءً لا يجوز لصاحب الحق أن يتعسف فى استعمال حقه على نحو يلحق ضرراً بالغير، حيث أن درء المفاسد أولى من جلب المنافع، فمالك العقار على سبيل المثال له الحق أن يتصرف فى ملكه كيف يشاء شريطة ألا يضر بجيرانه – هكذا يقول "فؤاد".

 

download (1)

 

الحق فى التقاضى مثل غيره من الحقوق ينبغى استعماله بطريقة مشروعة خالية من التعسف، فاستعمال الشخص لحقه فى اللجوء إلى القضاء ليس مطلقاً، بل هو مقيد بألا يكون استعماله لهذا الحق بطريقة غير مشروعة تلحق أضراراً بالغير – كما يقول فقهاء القانون – لأنه ممنوع من التعسف فى استعمال أى حق من الحقوق التى تثبت له، فلا يجوز استخدام حق التقاضى بقصد الإساءة أو الكيد أو مضايقة الخصم، وقد أجمع فقهاء القانون أن إساءة استعمال حق التقاضى لا تتوافر بمجرد خسارة الدعوى، وإنما تتوافر عند رفع الدعوى بسوء نية، لا بغرض الوصول إلى حق متنازع فيه، بل يقصد الكيد والنكاية والمكيدة والإضرار بالخصم.

 

الضمانات الواقعية والضمانات القانونية للحقوق والحريات

هناك ضمانات حقيقية للحقوق والحريات، بعضها ضمانات واقعية: تنصرف إلى تغير الواقع الفعلى إلى الأفضل بما يؤدى إلى أن يستطيع الأفراد التمتع بحقوقهم وحرياتهم، ومنها تحسين وزيادة الإنتاج، وتوفير حد أدنى من اليسر، وحد أدنى من أوقات الفراغ، وقدر وافر من الثقافة، وغيرها من الأمور، بينما البعض الأخر، ضمانات قانونية: الفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفوق هذا وذاك يأتى استقلال السلطة القضائية.

 

جج

 

لا جدال فى أن حق الأفراد فى التقاضى حق أصيل ويعد عماد الحريات جميعا، إذ بدونه يستحيل عليهم أن يأمنوا على تلك الحريات أو يردوا الاعتداء عليها، ونظام الحكم لا يمكن أن يعتبر ديمقراطيا إلا إذا كفل للأفراد حق الالتجاء إلى القضاء، وحاجة الأفراد إلى هذا الحق هى حاجة مستمرة ومتزايدة خاصة بعد ازدياد دور الدولة وازدياد تدخلها، وتدخل الدولة فى شئون الأفراد - وأن استهدف صالحهم - قد يكون مصحوبا بإجراءات استثنائية أو مساس بحقوق أساسية أو مغالاة فى التكاليف أو انحراف بالسلطة أو شطط فى التقدير أو إضعاف للضمانات المقررة، ومن ثم يجب أن يبقى باب القضاء مفتوحا أمام الأفراد ليعرضوا عليه أمرهم ويطلبوا إليه إنصافهم من ظلم يعتقدون وقوعه عليهم.

 

استعمال الحق غير المشروع فى الأحوال الآتية:

ولا جدال فى أن كفالة حق الأفراد فى التقاضى يبعث فى نفوسهم الرضا والإحساس بالاطمئنان والإيمان بالعدل، وإن حرمانهم من هذا الحق يبعث فى نفوسهم الاستياء والإحساس بالقلق والشعور بالظلم، فكفالة حق التقاضى أمر لا غنى عنه وضرورة يلزم توفيرها جنبا إلى جنب مع تزايد نشاط الدولة المتدخل فى شئون الأفراد وكفالة هذا الحق فى دولة ما دليل على استجابة نظام الحكم فيها لرغبات المحكومين ولمقومات حياة دستورية وشرعية، والمادة 4 من القانون المدنى المصرى قررت: من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشا عن ذلك من ضرر، كما أكدت المادة 5 من القانون المدنى المصرى أن يكون استعمال الحق غير المشروع فى الأحوال الآتية:

 

أ– إذا لم يقصد به إلا الإضرار بالغير.

 

ب – إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر يسببها.

 

ج – إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة، مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر- باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ وأنه لا خطا فى استعمال صاحب الحق لحقه فى جلب المنفعة المشروعة التى يتيحها له هذا الحق وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل.

 

images

 

المادة 5 من القانون المدنى المصرى حددت حالته على سبيل الحصر وكان يبين من استقراء تلك الصور أنه يجمع بينها ضابط مشترك هو "نية الإضرار" سواء على نحو إيجابى بتعمد السير إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبى بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير من ضرر من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالا هو إلى الترف أقرب مما سواه، مما يكاد يبلغ قصد الإضرار المدى وكان من المقرر أن كعيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة فى تلك الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادى قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسراً أو عسراً إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعى الشفقة، وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب.

 

ممارسة حق اللجوء إلى القضاء ينظمها القانون ويرعاها الدستور

ولما كان اللجوء إلى القضاء حقاً مشروطاً بأن يكون اللجوء للقضاء بغية حق مشروع وإلا يكون فيه انحراف بغية الأضرار بالخصم، فيلتزم حينها بتعويض من أصابه الضرر نتيجة ذلك استناداً إلى أحكام المادة 163 من القانون المدنى، حيث إن حق اللجوء إلى القضاء هو حق مكفول بموجب الدستور، فالمحاكم مفتوحة للجميع، ومن خلالها يسعى المواطنون للحصول على حقوقهم وحمايتها، وممارسة هذه الحق ينظمها القانون، إن كون المحاكم مفتوحة للجميع لا يعنى اللجوء إليها دون قيد أو شرط أو فى أى وقت، وإنما يحدد القانون متطلبات وشروط وإجراءات شرعية لممارسة هذا الحق، فالقانون عندما ينظم حق اللجوء إلى المحاكم يلحظ عدة اعتبارات منها عدم إشغال مرفق القضاء بقضايا ليست ذات أهمية، والحرص على أن يكون من يلجأ إلى القضاء جاداً وليس عابثاً، وأن لا يكون اللجوء بقصد الكيد أو المناكفة أو الإضرار بالغير.

 

ط

 

ونستعرض لكم عدة نماذج للتعسف فى استعمال حق التقاضي:

 

1- رفع دوى المطالبة بالدين قبل الآوان: حيث يعد متعسفاً فى استعمال حق التقاضى من يرفع دعوى قبل أوانها مثل الدعوى التى يرفعها الدائن ضد المدين قبل موعد استحقاق الدين.

 

2- رفع دعوى قضائية أمام محكمة غير مختصة محلياً: إذ يعد متعسفاً فى استعمال حق التقاضى الشخص الذى يرفع دعواه أمام محكمة غير مختصة مكانياً، وهو يعرف ذلك، بقصد أن يتجشم المدعى عليه متاعب ومصاريف الانتقال والسفر.

 

3- رفع دعوى قضائية أمام محكمة غير مختصة نوعياً: حيث يعد متعسفاً فى استعمال حق التقاضى من يرفع دعوى أمام محكمة غير مختصة اختصاصا نوعياً، وهو يعرف ذلك، بقصد الكيد والمكيدة لخصمه وإرهاقه نفسياً.

 

4- التماس بإعادة النظر فى حكم نهائي: حيث يعد متعسفاً فى استعمال حق التقاضى من يتقدم بإلتماساً بإعادة النظر فى حكم نهائى فى غير الحالات المحددة على سبيل الحصر فى نظام المرافعات الشرعية.

 

5- دعوى للمطالبة بحق متصالح فيه: إذ يعد متعسفاً فى استعمال حق التقاضى كل شخص أقام دعوى للمطالبة بحق سبق وأن تصالح بشأنه مع المدعى عليه صلحاً صحيحاً ولم يبغى من دعواه سوى الادعاء بالباطل والمكيدة والنكاية بالمدعى عليه.

 

6- اللجوء الى القضاء رغم الاتفاق على التحكيم فى حل النزاع: حيث يعد المدعى متعسفاً فى استعمال حق التقاضى إذا رفع دعوى أمام القضاء للمطالبة بالفصل فى خلاف ناشئ عن تنفيذ أو تفسير عقد يتضمن اتفاق المتعاقدين على إحالة خلافاتهما الناشئة عن هذا العقد إلى التحكيم.

 

7- كما يعد المدعى متعسفاً فى استعمال حق التقاضى من قام بتبليغ المدعى عليه بالدعوى فى وقت غير مسموح به نظاماً ودون إذن كتابى من القاضى، لأن المادة (13) من نظام المرافعات الشرعية تقرر بأنه: "لا يجوز إجراء أى تبليغ أو تنفيذ فى محل الإقامة قبل شروق الشمس ولا بعد غروبها ولا فى أيام العطل الرسمية إلا فى حالات الضرورة وبإذن كتابى من القاضي".

 

20201227002604582

 

رأى محكمة النقض فى الأزمة

هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدى لمثل هذه الإشكالية حيث أكدت وضعت فى حيثيات حكمها بعض أحكامها ضوابط استعمال حق التقاضى فجاءت فى أحد أحكامها: "إن حق الالتجاء إلى القضاء وإن كان من الحقوق العامة التى تثبت للكافة إلا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به عما شرع له واستعماله كيدياً ابتغاء مضارة الغير وإلا حقت مساءلته عن تعويض الأضرار التى تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق".

 

وبحسب "المحكمة": حق الالتجاء إلى القضاء هو من الحقوق التى تثبت للكافة، فلا يكون من استعمله مسئولا عما ينشأ عن استعماله من ضرر للغير إلا إذا انحرف بهذا الحق عما وضع له واستعمله استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة الغير، ولما كان حق الالتجاء إلى القضاء مقيدا بوجود مصلحة جدية مشروعة فإذا تبين أن المدعى مبطل فى دعواه ولم يقصد بها إلا مضارة خصمه والنكاية به فإنه لا يكون قد باشر حقاً مقرراً بمقتضى القانون بل يكون عمله خطأ يجوز الحكم عليه بالتعويض.

 

الخلاصة:

حق التقاضى ليس حقاً مطلقاً بل هو مقيد بتحقيق مصلحة جدية ومشروعة، فلا يجوز استعماله بهدف مضايقة الخصم والمكيدة والنكاية به أو الإساءة إلى سمعته، ولا يكفى فى تقديرى للحد من ظاهرة الدعاوى الكيدية والباطلة تحميل من ثبت تعسفه بجميع أتعاب المحاماة، ونفقات الدعوى التى تحملها خصمه فحسب، بل يتعين إلزامه أيضاً بأن يعوض خصمه تعويضاً عادلاً عن الأضرار المادية والمعنوية الأخرى التى تكون قد لحقت بالخصم مثل التشهير وإساءة السمعة.


print