السبت، 11 مايو 2024 12:22 ص

التائهون فى الأرض بحثاً عن "وهم الخلافة".. ماذا تفعل 110 دول مع أكثر من 19 ألف مقاتل عائدين من رحلة الإرهاب؟.. هل تنتهى محاولات قوى التطرف لنشر الفوضى فى الأرض بسقوط التنظيم الدموى؟

نهاية داعش

نهاية داعش نهاية داعش
الإثنين، 13 نوفمبر 2017 12:41 م
كتب - محمد سالمان - محمود حسن

35 ألف ميل مربع وقعت تحت سيطرة داعش فى يونيو 2014


2 مليار دولار قيمة الأصول التى امتلكها داعش فى ذروتها



5 دول قاتل فيها داعش هى العراق وإيران ولبنان وسوريا وتركيا



3 ملايين دولار العائد اليومى لبيع داعش للنفط السورى والعراقى

 

حسن البنا..  رحلة اللاعودة من بوابة «القهاوى» إلى ما وراء الوهم

 

إن كان ثمة حرب قد غيرت شكل عالمنا إلى الأبد، فستكون بالتأكيد هى الحرب العالمية الأولى، تلك الحرب التى هدمت إمبراطوريات وممالك ظلت قائمة لقرون طويلة، وخلقت عالما جديدا استغربه الكثيرون، وكانت واحدة من الدول التى خاضت تلك الحرب وخسرتها الإمبراطورية العثمانية، أو الخلافة العثمانية، كما اصطلح عليها، والتى وجدت المنطقة نفسها بانهيارها ربما للمرة الأولى فى تاريخها بلا «خليفة» أو «خلافة»، واستبدلت ذلك كله بـ«الدولة القومية الحديثة»، ورغم أن الخلافة ليست من أصول الدين فى شىء، ورغم أنها تشظت أصلا طوال السنوات الطويلة إلى «خلافات» متنافسة ومتناحرة فى بعض الأحيان، إلا أن البعض لم يتقبل أبدا انهيار ذلك النمط من الحكم الذى استمر طيلة ثلاثة عشر قرنا من الزمان، معتقدين أنه أصل من أصول الإسلام.

 
واحد من بين هؤلاء كان شابا من محافظة البحيرة جاء إلى القاهرة للدراسة فى كلية دار العلوم، اسمه حسن البنا الساعاتى، صدمته المدينة كما تصدم الكثيرين، وخاض معارك عدة لأنه رفض ارتداء «البذلة» وظل حتى السنة الثالثة من عمره يذهب إلى الكلية بـ«الجلباب» اعتقادا منه أن «البذلة» فعل غربى لإخراج المجتمع عن هويته، كان البنا مغتربا نموذجيا، أما ما ضاعف من وجع هذا الاغتراب فكان سقوط «الخلافة العثمانية».
 
فى مذكراته المنشورة تحت عنوان «مذكرات الدعوة والداعية»، يقول البنا عن تلك المرحلة من حياته: «كنت متألما لهذا أشد الألم فها أنا ذا أرى أن الأمة المصرية العزيزة تتأرجح حياتها الاجتماعية بين إسلامها الغالى العزيز، الذى ورثته وحمته، وألفته وعاشت به واعتز بها أربعة عشر قرنا كاملة، وبين هذا الغزو الغربى العنيف المسلح المجهز بكل الأسلحة الماضية الفتاكة من المال والجاه والمظهر والمتعة والقوة ووسائل الدعاية».
 
 فى نهاية عام 1927 تخرج البنا فى كليته، وأتى تعيينه فى مدينة الإسماعيلية، والتى لم تكن فى ذلك الوقت سوى مدينة صغيرة للغاية وبسيطة، لكنها كانت مقسومة بين «الإفرنج» من قادة هيئة قناة السويس ومديريها، و«المصريين» أو كما سماهم حسن البنا «المسلمين»، وهؤلاء من صغار العاملين البسطاء فى القناة والذين عانوا كبقية المصريين فى حينها من وجع الاستعمار واستبداد الملكية ورسخوا فى الفقر المدقع، لكن البنا لم ينظر إلى الأمر من بوابة الاستغلال الطبقى، بل نظر إليه من باب أنهم يفعلون هذا فى إطار «المؤامرة على الإسلام».
 
أطلق حسن البنا دعوته الأولى لتأسيس جمعية لنشر ما أسماه وقتها بالدعوة الإسلامية عبر الطواف على مقاهى المدينة ومخاطبة المواطنين الجالسين عليها، فلم يستجب للبنا سوى 6 أشخاص جلسوا معه وقرروا أن يؤسسوا جماعة دعوية خيرية، هؤلاء الستة كانوا، حافظ عبد الحميد «نجار»، أحمد الحصرى «حلاق»، فؤاد إبراهيم «مكوجى»، عبد الرحمن حسب الله «سائق»، إسماعيل عز «جناينى»، زكى المغربى «عجلاتى»، وببساطة فإذا نظرنا لهؤلاء المؤسسين لتلك الجماعة فلم يكن هؤلاء سوى مجموعة من الأشخاص البسطاء ككثيرين من أبناء الشعب المصرى فى تلك الفترة الذين لم يتح لهم حظ جيد من التعليم.
 
 
البنا كان رجلا دؤوبا وفصيحا حلو اللسان، وهو ما جعل جماعته تكبر يوما بعد يوم، واستطاع بمواءمات هنا وهناك أن يضخم حجمها.
 
 
أما أول ما فعله البنا للإعلان عن جماعته، فكان رسائله إلى الملوك ورؤساء الدول والتى أسماها بـ«رسائل النور»، وهى رسائل صاغها بنفسه يطلب فيها من القائمين على أمور الدول الإسلامية عدة طلبات، منها: «إعادة النظر فى مناهج تعليم البنات والتفريق بينها وبين مناهج الصبيان، ومراقبة أفلام السينما، وتحديد مواعيد افتتاح وإغلاق المقاهى ومراقبة ما يشتغل به روادها، ومقاومة العادات الضارة اقتصاديا كالأفراح والمآتم والموالد والزار والمواسم والأعياد!، واعتبار خلوة أى رجل بامرأة لا تحل له جريمة».
 
حسن-البنا
 
تدل طلبات البنا الأولى على شخصه المتطرف بشكل كبير، إنه نفس المنطلق الفكرى المتطرف الذى ما زلنا نسمعه حتى يومنا هذا من أطراف سلفية وإخوانية تحت دعوى «التدين».
 
جرى فى الأمور الكثير والكثير خلال الأربعينيات، والرجل الذى كانت رؤيته لعودة «الخلافة» تبدأ من مراقبة الجالسين فى المقاهى، امتلك جماعة كبيرة حقا، وأصبح له أتباع، وأصبح له أيضا جهاز خاص، يحمل السلاح، ويقوم عليه رجل صعب المراس يدعى عبد الرحمن السندى، وقرر هذا الجهاز أن يخوض نضاله المسلح المزعوم.
 
وسريعا تورط التنظيم فى عمليات إرهابية، فنسف شركة الإعلانات الشرقية، ووضع قنابل فى 6 أقسام شرطة، وبدأ الإخوان يستخدمون السلاح ضد خصومهم، فقتلوا أعداد من المواطنين المختلفين معهم.
 
تم حل الجماعة فى نهاية الأربعينيات، ثم شهدت ركودا لحظيا بعد اغتيال مرشدها العام حسن البنا، ومع قيام ثورة يوليو حاولت الجماعة لملمة عقدها المنفرط من جديد، عبر المرشد الجديد حسن الهضيبى، الذى رأى وجوب التدخل لإضعاف سلطة النظام الخاص، وعزل عبدالرحمن السندى وعين بدلا منه السيد فايز، وهو ما سيظهر مدى الشراسة المخيفة التى وصل لها التنظيم الخاص، ففى صباح الخميس 21 نوفمبر 1953 حيث تلقى السيد فايز هدية من مجهول، علبة حلوى المولد، وحين فتحها انفجرت فى وجهه فقتلته وقتلت معه شقيقته وابنته وكل أسرته.
 
فى العام التالى حاولت مجموعة من الإخوان فى منطقة إمبابة بقيادة «هنداوى دوير» اغتيال «عبد الناصر» فى خطابه بعد المصادقة على اتفاقية الجلاء فى المنشية بالإسكندرية فى أكتوبر عام 1954، حيث أرسل الإخوان رجلهم محمود عبد اللطيف والذى أطلق 6 رصاصات طاشت جميعها بعيدا عن عبد الناصر، وأصابت آخرين، فقرر عبد الناصر توجيه ضربة قاضية للجماعة، ووضعهم جميعا فى السجون وأمن شرهم طوال فترة حكمه.
 
هكذا بدأت المرحلة الأولى من تاريخ الجماعة والتائهين، شاب قادم من الريف يعانى صدمة المدينة وانهيار الخلافة العثمانية التى كانت منهارة أصلا قبل عشرات السنوات، كان كل همه فى البدء أن يوقف الأفراح والأعياد والمآتم، ويراقب رواد المقاهى!، فانتهى به الأمر ليملك جماعة قوامها عشرات الآلاف من البسطاء فى التعليم، وأغرته الكثرة العددية فجعل نخبة من أفراد تنظيمه يحملون السلاح، لكن هذا السلاح لم يوجه يوما إلى مستعمر أو محتل، بل وجه إلى أفراد مدنيين لا ذنب لهم سوى أنهم يختلفون معه فى الرأى، ووصل الأمر إلى حد توجيه السلاح إلى داخل الجماعة نفسها كمثل حادثة مقتل سيد فايز، لا أحد سيختلف معنا هنا، نحن نملك وجهة النظر والرؤية والفكرة، وأما كل من حاد عن طريقة تفكيرنا قيد أنملة، فالموت له ولمن حوله عقوبة رادعة.
 
 
«5600 فرد على الأقل من تنظيم داعش عادوا إلى بلادهم»، بهذا الرقم خرج علينا مركز سوفان البحثى بالولايات المتحدة الأمريكية، هؤلاء الذين تم اعتقال عدد كبير منهم، سيستمرون فى تشكيل تهديد أمنى للبلاد التى عادوا إليها، أما عدد الأجانب الذين يتوقع وجودهم فى التنظيم الذى يوشك على الانهيار فعلا فهو 19 ألف أجنبى من 110 بلدان حول العالم، عثر على أسمائهم بعد مداهمة المراكز الإدارية فى عاصمة الخلافة المزعومة لداعش فى مدينة الرقة السورية، بحسب المركز البحثى.
 
 
 انتهت إذن رحلة داعش على الأرجح، الرقعة السوداء الكبيرة التى ظهرت على الخريطة واحتلت ثلث العراق، ونصف مساحة سوريا تقلص نفوذها إلى حد كبير، عاصمتها الرقة انهارت أخيرًا فى يد قوات سوريا الديمقراطية، أما الموصل التى شهدت الظهور الوحيد للبغدادى علنا، حين خطب من مسجد النورى الخطبة الشهيرة، فأضحت فى يد الجيش العراقى منذ أشهر، يفصلنا ربما أسابيع أو أشهر قليلة لتختفى الرقعة السوداء تمامًا من على الخريطة، ولكن السؤال الآن، هو إلى أين يتجه هؤلاء؟ هل تكون هذه نهاية رحلة «التطرف والإرهاب»، أم أنها بداية رحلة جديدة من نسخة جديدة أكثر عنفا، وأكثر دموية كما أخبرنا التاريخ دوما عن هؤلاء التائهين، الذين بحثوا طويلا عن حلمهم بـ«الخلافة» لكنهم لم يجدوا سوى سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا؟!.
 
فى هذا الملف نتتبع فكرة الإرهاب منذ نشأتها فى العصر الحديث، وحتى يومنا هذا، كيف بدأت الفكرة مع حسن البنا عبر الطواف على المقاهى لنشر ما أسماه وقتها بـ«الدعوة الإسلامية»، وانتهاء بداعش وما وراء داعش، وهل تنتهى المحاولات المجنونة الدموية بسقوط تنظيم داعش، أم أننا ننتظر ما هو أكثر سوءا كما عودنا الإرهابيون من قبل؟
 
 
تنظيم القاعدة.. عبد الله عزام وأسامة بن لادن شكلا شبكة واسعة لتجنيد العرب للحرب فى أفغانستان

 

ما بين منتصف الأربعينيات وأوائل التسعينيات خاض العالم حربًا بالوكالة والمعروفة بـ«الحرب الباردة»، حيث تقاتل قطبا العالم الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة عبر وكلاء آخرين فى مختلف أرجاء العالم، فى كوريا، كمبوديا، فيتنام، وفى أغلب دول أفريقيا وبالقطع فى أمريكا اللاتينية، تدعم كل منهما جبهة ويستمر القتال، واليوم بعد 25 عامًا من انتهاء هذا القتال، بقى واحد من أكثر تداعياتها تدميرًا فى العالم كله، إنه تنظيم القاعدة.
 
فى أواخر عام 1979 تدخل الجيش السوفيتى فى أفغانستان لدعم الحكومة الشيوعية، فى الوقت نفسه اعتبرت أمريكا هذا التدخل أنه أكثر التهديدات جدية للسلام العالمى، أما العالم العربى والإسلامى فكان يعيش حالة من الغليان من شرقه لغربه، وبدأ عدد من الدول العربية والإسلامية التساهل فى عملية ذهاب المقاتلين العرب إلى أفغانستان للقتال، بجانب القوات الإسلامية هناك، وسط تجاهل عربى وإسلامى من حكومات الدول، ودعم مباشر فى كثير من الأحيان من الجانب الأمريكى على كل المستويات بالمال والسلاح، بل وبالبروباجندا أيضًا، ويكفيك أن تعرف أن الممثل الأمريكى سلفيستر ستالون، وفى أحد أجزاء أفلامه الشهيرة «رامبو» ظهر واقفًا بجوار «المجاهدين» يحارب السوفيت الأشرار، هؤلاء العرب الذين انتقلوا إلى أفغانستان سيعرفون فيما بعد بـ«العرب الأفغان»، والذين سيشكلون نواة تنظيم القاعدة.
 
اسامه-بن-لادن-684160
 
وفى عام 1984 كان الأردنى عبد الله عزام، والمنتمى لجماعة الإخوان المسلمين، والسعودى أسامة بن لادن، نجل رجل الأعمال الشهير، قد أسسا شبكة واسعة لتجنيد العرب، ربما رأت بعض الدول العربية أن المحرقة المستمرة فى أفغانستان ستكون أداة جيدة للتخلص من هؤلاء المجانين فى بلادها، وهو بالفعل ما حدث فى النصف الثانى من الثمانينيات التى شهدت هدوءًا نسبيًا من هجمات هؤلاء، مثل الجماعة الإسلامية والجهاد فى مصر. وانهمر «المجاهدون» كما أطلق عليهم وقتها من كل أنحاء العالم الإسلامى، ومع نهايات عام 1989 كان الاقتصاد السوفيتى يعانى وينهار وبدا أن الاتحاد نفسه فى طريقه للانهيار فانسحب من أفغانستان، لكن معركة أخرى كانت فى الطريق إلى المنطقة أقرب منها للقلب العربى هذه المرة، اندلعت حرب الكويت بعد غزو صدام لها فى أغسطس 1990، انتشرت القوات الأمريكية فى الخليج، وهو ما أثار أسامة بن لادن الذى انتقد علنًا هذا الانتشار، فرحل إلى السودان، وهناك بقى ما بين عامى 1992 و1996، وبدأ فى إنشاء عدد من المؤسسات العسكرية لتدريب المقاتلين، وفى نفس الوقت كان السلام واقعًا قد حل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكانت أولى عملياتها على الإطلاق تفجير قنبلتين فى فندق موفنبيك فى مدينة عدن اليمنية، أما فى عام 1993 ففجر رمزى يوسف شاحنة مفخخة فى مركز التجارة العالمى فى نيويورك.
 
عبد-الله-عزام
 
وتوالت عمليات القاعدة، ففجرت مبنى سفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا فى عام 1998، ثم قصفت المدمرة كول فى اليمن عام 2000، ثم وقعت الحادثة الأكبر والأعنف بهجمات الحادى عشر من سبتمبر فى نيويورك عام 2001.
 
وخلال الألفينيات توسع نشاط تنظيم القاعدة، وشن هجمات فى مختلف أنحاء أوروبا، والشرق الأوسط، وأصبح التنظيم لأول مرة تنظيما غير مركزى، بل جماعات محلية تتشكل فى كل الأنحاء وتعطى بيعتها لأمير الجهاد أسامة بن لادن.
 
وأكثر من هذا أن تنظيم القاعدة خرج منه ولأول مرة ما عرف فيما بعد بمصطلح «الذئاب المنفردة» وهم هؤلاء المتأثرون بفكر التنظيم، ولكنهم لم يبايعوا التنظيم ولم يلتقوا قياداته، واكتفوا بالتواصل عبر الإنترنت، بل وتعلموا استخدام الأسلحة وصناعة المتفجرات عبر الإنترنت دون علاقة مباشرة بالتنظيم، ليكون تنظيم القاعدة واحدا من أكبر التنظيمات التى استفادت بالشبكة العنكبوتية عبر التاريخ.
 
وكان الخوف يتصاعد فى كل أنحاء العالم، كان المفهوم الذى يتبعونه بسيطا للغاية، تغيرت الفكرة، العدو القريب أو الحكام العرب ليسوا المشكلة، بل الغرب هو المشكلة، لأنه فى ظنهم من يحرك هؤلاء الذين يلاحقونهم فى بلادهم!، اليوم أصبح كل غير ناطق بالعربية ولا يدين بالإسلام عدوا، حتى لو كان طفلا رضيعا تحمله أمه فى قطار فى إسبانيا، أو رجلا مسنا لا يعرف كثيرا عن «الخلافة الضائعة» ويستقل المترو فى لندن.
ولقد ظل تنظيم القاعدة يؤرق العالم طوال العقد الأول من الألفينيات، لكنه ومع مقتل زعيمه أسامة بن لادن فى مايو 2011، توارى التنظيم ولم يعد يحمل نفس الهالة من الرعب التى اعتلت القلوب فور النطق باسمه، ولكن مع كامل الأسف لم ينعم العالم بسلام أكبر، بل ظهر شر أكثر ضراوة ورعبا وعنفا وهم تنظيم داعش.


سيد قطب.. الرجل الذى غير شكل الحركات الإسلامية إلى الأبد

فى سجنه فكر سيد قطب لماذا أحبطت جماعة الإخوان المسلمين بهذا الشكل؟ كان قطب حديث العهد بالجماعة، حين قبض عليه عام 1954 إذ لم ينضم لها سوى عام 1952، وقضى فى السجن 10 سنوات، يفكر فيها لماذا هُزمت الجماعة؟ ويفتح من موقعه فى مستشفى سجن القناطر حلقات فكرية ونقاشية حول القضية.
 فى كتابه معالم فى الطريق، يشرح سيد قطب فكرته: «الحركة الإسلامية اليوم تواجه حالة شبيهة بالحالة التى كانت عليها المجتمعات البشرية يوم جاء الإسلام أول مرة، من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة الإسلامية، والبعد عن القيم والأخلاق الإسلامية، وليس فقط البعد عن النظام الإسلامى والشريعة الإسلامية».
 
أما مذكراته التى نشرها الإخوان بعد إعدامه تحت عنوان «لماذا أعدمونى؟»، فيقول سيد قطب فيها: «لا بد أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة بإحياء مدلول العقيدة الإسلامية فى القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة، تربية إسلامية صحيحة، ولا بد من حماية الحركة من الاعتداء عليها من الخارج، وتدميرها ووقف نشاطها كالذى حدث للإخوان سنة 1948، ثم سنة 1954 ، وهذه الحماية تتم عن طريق وجود مجموعات مدربة تدريبًا فدائيًا بعد تمام تربيتها الإسلامية من قاعدة العقيدة ثم الخلق، تتدخل عند الاعتداء على الحركة والدعوة والجماعة لرد الاعتداء».
 
 ولكن كيف يمكن أن يرد هذا الاعتداء؟ يقول سيد قطب: «لدينا من الأعمال التى تكفى لشل الجهاز الحكومى عن متابعة الإخوان فى حالة ما إذا وقع الاعتداء كما فى المرات السابقة لأى سبب، وهذه الأعمال هى الرد فور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم بإزالة رؤوس فى مقدمتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة ومدير مكتب المشير ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربى، ثم نسف لبعض المنشآت التى تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها، وفى خارجها كمحطة الكهرباء والكبارى».
 
 وهكذا كانت دعوة سيد قطب بوضوح وهى «ننشر دعوتنا لكننا نحمل السلاح للدفاع عنها، ونرد بقتل كل من يقف ضدنا ونفجر المصالح الحكومية ونشل حركة المواصلات».
 
حاول سيد قطب أن يبدأ حركته فورًا، خرج من السجن عام 1964، وعلى الفور وجد المتحمسين من حوله لأفكاره، عمل على إعادة تشكيل جماعة تعيد حلم الخلافة من جديد، لكنها هذه المرة أكثر قوة، وأكثر احتقارًا للمجتمع، تعتبره كفارًا، وتساوى بسطاء الناس بأبى جهل وأبو لهب، وترفع مرتبته هو ومن حوله إلى مرتب الرسول والصحابة، لكن 8 أشهر فقط كانت كفيلة بكشف التنظيم الجديد وسلاحه الذى لم ينكر سيد قطب فى التحقيقات أنه سعى لهذا السلاح، حكم على سيد قطب ومن حوله بالإعدام، لكن أفكاره المسمومة كانت شرا مستطيرا ينتظر العالم، فكر أكثر قسوة من فكر حسن البنا، أكثر تنظيما، مكتوبا وواضحا لا يمارس الألاعيب التى أجادها البنا، وفى خارج غرفة الإعدام، كان هناك تائهون آخرون متلهفون لهذا الفكر المخيف.
الخارجون من عباءة قطب
ما الذى يفرق بين سيد قطب وغيره؟ ببساطة الرجل أديب وصحفى وكاتب حلو اللسان ويمتلك عقلا فكريا، لا هو من هؤلاء البسطاء الذين بدأ بهم جماعته، ولا هو أيضا مثل حسن البنا الرجل الذى امتلأت مذكراته بالأخطاء الإملائية والنحوية، رغم أنه خريج دار العلوم، هو رجل يستطيع أن يفكر ويكتب ما يفكر فيه ويصيغه بشكل براق، ربما لأول مرة فى تاريخهم الطويل امتلك الإخوان والجماعات الإسلامية «دستورا فكريا» عن طريقتهم فى إدارة الأمور، لا مواراة فيه ولا تلاعب ولا ادعاء.
 
فى كتابه «دليل الحركات الإسلامية»، يرصد عبدالمنعم منيب، الخبير فى الجماعات الإسلامية تاريخ حركات ما بعد «سيد قطب»، ويرصد الخروج الكبير من عباءة الإخوان المسلمين، وهو الكتاب الذى سنستعين به فى هذا الموضوع، فعشرات التائهين كانوا هنا وهناك، تدفعهم ذات الأوهام التى حملها البنا يومًا ما فى رأسه، وتفكير جاهز، ينتظرهم ليتشظى التائهون لعشرات الجماعات، أول هؤلاء خرجوا للوجود بعد عام واحد من إعدام سيد قطب، عام 1966 عندما تأسست الخلايا الأولى لتنظيم الجهاد المصرى.
 
 وبينما كان الإخوان فى السجون، وكان سيد قطب فى القبر بعد إعدامه، وجدت كتبه سبيلا إلى مجموعة من الشباب التائه.
أصبحت هذه المجموعة تنظيمًا يضم عددًا من المجموعات فى القاهرة والجيزة والإسكندرية وربما قليلا من المحافظات الأخرى، وكانوا جميعًا من طلبة ثانوى أو الجامعة، لكن التنظيم استمر سنوات كبر فيها كل صغير. 
 
سيد-قطب
 
أما الطريقة الأساسية لإحداث التغيير فكانت واضحة، كما يقول منيب فى كتابه: الانقلاب العسكرى وتبنى اختراق الجيش على أشخاص تم تربيتهم مسبقًا فى التنظيم ثم دفعه إلى الالتحاق بالكليات العسكرية.. كما ألزمت أعضاءها بتبنى التدريبات البدنية الشاقة، والتدرب على الألعاب القتالية كالمصارعة والكاراتيه، وبدأوا فى توجيه الأعضاء من طلبة الثانوى لدخول الكليات العسكرية، وكذا توجيه الأعضاء من طلبة الجامعات للتحويل إلى الكليات العسكرية.
 
 ثم بدأت أولى محاولاتهم الانقلابية حين حاول أحد أفراد التنظيم وهو الأردنى صالح سرية، والذى كان موظفا فى جامعة الدول العربية، تدبير محاولة انقلاب عرفت باسم «انقلاب الفنية العسكرية» عام 1974 عبر عدد من الطلاب الذين كانوا ملتحقين بكلية الفنية العسكرية، لكن المحاولة فشلت لفرط سذاجتها.
وبدأ التنظيم يعانى من الضربات الأمنية، فتعرض لضربة أمنية عام 1977 وتمت محاكمة عدد كبير من قادته وأعضائه، فاتخذ التنظيم قراره بتفريقه إلى مجموعات صغيرة، وواحد من قادة هذه المجموعات كان محمد عبد السلام فرج، الذى نجح فى ضم مقدم بالمخابرات الحربية هو عبود الزمر إلى التنظيم، وبدأت تلك المجموعات الصغيرة تطور من أدائها العسكرى بفضل عبود الزمر، وضم آخرين إلى صفوفه من ضباط الجيش مثل خالد الإسلامبولى، وعطا طايل، والمقدم ممدوح أبو جبل، والعقيد أحمد القريفانى، والنقيب أحمد موسى.
 
 كما نجح التنظيم فى هذه الفترة فى إقناع مجموعة تسمى «الجماعة الإسلامية» تعمل فى محافظة أسيوط بتبنى الفكر الجهادى، ثم نجح التنظيم فى قتل الرئيس المصرى أنور السادات عام 1981، فى حادث لو تكرر ألف مرة لن ينجح، فالحقيقة أن التنظيم لم يجمع سوى مجموعة من التائهين المتحمسين بسذاجة، لكن وكما يقولون حين يأتى القدر يعمى البصر، نجح التنظيم فى تنفيذ أكبر ضرباته على الإطلاق.
 
  فى السبعينيات لم يكن لدينا هؤلاء التائهون المعروفون فحسب، فقد كانت هناك مجموعات أخرى تتكون على نطاق أضيق وتستمد مرجعيتها من أفكار سيد قطب، فلدينا مثلا «التكفير والهجرة» والتى تلخصت فكرتها الرئيسية فى أن «الذنب»، و«الفسق» و«الخطيئة» كلها مفردات للكفر المخرج عن الملة، فكفرت المجتمع ككل ما لم يكن معهم، وهؤلاء نجحوا فى اغتيال وزير الأوقاف وقتها الشيخ محمد حسين الذهبى، وهناك مجموعة تسمى «السماويين» وهى الجماعة التى قامت بحرق شرائط الفيديو خلال الثمانينيات، وعشرات الجماعات الأخرى التى انتشرت بفضل فكر سيد قطب.
 
 وقد نشطت تلك الجماعات فى خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، ورغم وجود قياداتها فى السجون، حاول أعضاؤها اغتيال وزير الداخلية الأسبق حسن الألفى فى عملية انتحارية، وكذلك محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقى.
 
 فى عام 1983 انعزلت مجموعة الجماعة الإسلامية عن تنظيم الجهاد، وهم مجموعة الصعيد، الذين اشتهروا باستعمال القوة فيما اعتبروه من المنكرات، وبداية من عام 1986 قام هؤلاء بعمليات مواجهة مع الشرطة فى صعيد مصر والقاهرة أحيانًا، كما حاولوا اغتيال زكى بدر وزير الداخلية، واغتالوا عددا من الضباط وشنوا هجمات فى عام 1994 ضد عدد من البنوك بالقاهرة والجيزة لمنع المواطنين من التعامل مع البنوك لأنها ربوية.
 
 لكن أكثر أعمالهم عنفًا كانت عام 1995 حين حاولوا اغتيال الرئيس المصرى حسنى مبارك فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أما أكثر أعمالهم عنفا فكانت ضد السائحين، وكان آخرها عملية معبد حتشبسوت فى الأقصر عام، والتى قتل فيها 58 سائحًا.
 
كانت عملية الأقصر العملية الأخيرة لتنظيم «الجماعة الإسلامية»، وبدأت بعدها ما عرف بـ«المراجعات الفكرية» والتخلى عن أفكار العنف، لكن تنظيمًا أكبر كان يتشكل بعيدًا عن مصر، يحول «التائهين» من جماعات محلية تقوم بأعمال عصابات، إلى جماعات دولية تنفذ ضربات موجعة فى أنحاء العالم.
من القاعدة لـ«داعش»..كيف تبدد حلم الخلافة؟

 تنظيم أبو مصعب الزرقاوى مارس انتقالا بشعا فى أسلوب القاعدة عبر بث عمليات قطع الرؤوس

 
كان 29 يونيو 2014 تاريخا فاصلا بالنسبة للتيارات الإرهابية على مر العصور، حين أعلن المتحدث باسم تنظيم الدولة أبو محمد العدنانى فى تسجيل صوتى عن قيام ما أسماه بـ«الدولة الإسلامية فى العراق والشام» المعروف بـ«داعش»، ومبايعة أبو بكر البغدادى كخليفة مزعوم، ودعوة المسلمين للهجرة إلى دولة الخلافة.
 
وفى صراع مثل الصراع السورى يتحارب فيه أكثر من 100 تنظيم على الأقل، كان ظهور «تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام» أمرا غير لافت للنظر، مجرد مجموعة جديدة فى أتون الحرب المخيفة!، لكن الجميع كان مخطئا، فهذا رعب جديد سيخرج للكون.
 
نواة التنظيم الأشرس
لم تبدأ القصة فى سوريا بل فى العراق، وقبل ذلك بعشرة أعوام، عام 2003 بعدما قام أبو مصعب الزرقاوى بتأسيس التنظيم المعروف وقتها بـ«الجهاد والتوحيد» الذى بايع زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، واشتهر التنظيم فى هذا الوقت ببث مقاطع فيديو عبر شبكة الإنترنت تظهر إعدامات وقطع رؤوس المخطوفين من الأجانب والمخالفين للتنظيم.
 
من الغضب الموجه ضد الاحتلال الأمريكى تغذى تنظيم «القاعدة فى العراق»، والذى استمد من الحرب قسوة غير معهودة، خلال ثلاث سنوات من عمر تنظيم أبو مصعب الزرقاوى، حدث تحول مخيف لاستراتيجية تنظيم القاعدة، وتحول إلى استراتيجية الرعب ونشر اللقطات الوحشية.
 
لكن فى يونيو 2006 كان التنظيم على موعد مع ضربة قوية، قتل الزرقاوى بواسطة القوات الأمريكية، وبعدها ومن فلول تنظيم «الزرقاوى» تشكل ما عُرف وقتها بـ«دولة العراق الإسلامية» وتزعمها «أبو عمر البغدادى» الذى تم قتله أيضًا بواسطة القوات الأمريكية، ليُصبح بعدها «أبو بكر البغدادى» هو الزعيم، لكنه سيدخل السجن سريعا، الغريب أن أحدا ما فى السجن لم يكن يعرف أنه الزعيم، لم يعره أحد الكثير من الانتباه، هو مجرد واحد من هؤلاء التائهين، لكنه لم يكن كذلك أبدا، كان الأكثر قسوة ورعبًا، كان السجن حماية له لأن حربا ستندلع فى المنطقة، بعيدا عن العراق لا تبقى ولا تذر ستفتح له الباب ليشكل تنظيما مرعبا، ولأول مرة سيمتلك التائهون «رقعة أرض» كبيرة، تبلغ مساحتها ربما 5 أضعاف بريطانيا العظمى، أو 3 أضعاف مساحة فرنسا!.
 
وفى أواخر عام 2011، بدأت القوات الأمريكية فى الانسحاب من العراق وهنا نشط دور «دولة العراق الإسلامية» الذى وقف وراء العديد من الأعمال الإرهابية فى عدة مدن عراقية، على رأسها العاصمة بغداد، وبخلاف التفجيرات قام التنظيم بإطلاق حملة أطلق عليها «كسر الجدران» وهى عبارة عن هجمات على السجون العراقية أبرزها سجنا التاجى وأبو غريب، وذلك من أجل فك أسر العشرات من أفراد تنظيمه، واحد من هؤلاء هو أبو بكر البغدادى.
 
وفى إبريل 2013 أعلن البغدادى فى تسجيل صوتى الاندماج مع جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة فى سوريا والذى تشكل فى سوريا أواخر عام 2011 وصار طرفا هاما فى المعادلة السورية بحلول منتصف يونيو 2012 بزعامة أبو محمد الجولانى، وذلك تحت راية واحدة وهى «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» إلا أن النصرة رفضت الاندماج بسبب عدد من الاختلافات الأيديولوجية مع داعش، أهم تلك الاختلافات أن «مجموعة النصرة» من الذين قاتلوا فى العراق أدركوا أنهم ارتكبوا أخطاء هناك باستخدام «أسلوب الرعب»، وأنه من الأفضل تقليل تلك «الجرعة».
 
كما أن أبو محمد الجولانى كان ملكا متوجا على عرش شرق سوريا، فلديه تحت يديه بالفعل مدن مثل الرقة ودير الزور، كما كان يتأهب للهجوم على محافظة إدلب، لكن رجال أبو بكر البغدادى كانوا بالفعل فى داخل سوريا، كما أن عديدين داخل النصرة كانوا موالين له وعلى العهد القديم، وهكذا بدأ التنظيم الجديد فى فرض نفسه، ثم إعلان كفره بالثورة السورية أصلا وبأنه ليس «جماعة» لكنه «دولة» تعلن الخلافة، وأن كل من لا يبايع هذه «الدولة» وزعيمها فهو فاسق يجب قتاله.
 
هذه خلافة إذن، طالما بحث عنها التائهون!، خلافة وتمتلك أرضا!، هذا ما اشتاق له هؤلاء منذ 90 عاما تقريبا، يقتربون منه كما لم يقتربوا من قبل، وكأشخاص مثل هؤلاء تسيطر عليهم أحلامهم الساذجة، بدأ التنظيم يجتذب مجانينه من كل أنحاء العالم.
 
وفى البداية حاول أيمن الظواهرى، زعيم تنظيم القاعدة المختبئ فى جبال الحدود الأفغانية الباكستانية، أن يلملم الخلافات، لكن أبو بكر البغدادى أبدى استهزاء به، وأصدر الظواهرى أمره للبغدادى بالامتثال، لكن الأخير رفض وأعلن من جانب واحد وضع جبهة النصرة تحت قيادته العراقية، وهو ما رفضته تلك الجبهة، فاندلع بينهم القتال، ثم تمكنوا من انتزاع أجزاء كبرى من تحت أقدام جبهة النصرة والفصائل الأخرى، أصبح شرق سوريا تقريبا عدا جيوب صغيرة تحت يد الدواعش، لكن هذا لم يكن كل شىء فلدينا الأسوأ فى الانتظار.
 
وفى يونيو عام 2014 اقتحمت قوات داعش غرب العراق، أسقطت الموصل والحويجة، وأجزاء واسعة من الأنبار، أغلب المنطقة السنية أصبحت تحت سيطرتها، وفى 6 يوليو 2014 ظهر البغدادى واقفًا أعلى منبر الجامع النورى فى الموصل بالعراق بعد اجتياح التنظيم لها، وهو يلقى خطبة الجمعة استمرت لمدة 20 دقيقة، وتم تقديمه باسم «الخليفة إبراهيم أمير المؤمنين»، وتركزت خطبة البغدادى على عدة محاور، أبرزها تنصيبه إماما كان بمثابة «واجب على المسلمين قد ضيع لقرون».
 
ابو-مصعب-الزرقاوى
 
هذا الخليفة عاد إذن!، ودولة الخلافة أصبحت على أرض الواقع!، يالفرحة «التائهين» الباحثين عن وهمهم!، داعب المقطع المصور ذو الـ20 دقيقة خيالات خصبة للتائهين فى أنحاء العالم، بدأوا فى هجرتهم نحو «أرض الخلافة» المزعومة، أما من لم يستطع الهجرة فلا مشكلة، يمكنه أن يبايع من مكانه ليتحول إلى قنبلة موقوتة تنتظر التفجير فى كل من حولها وقتلهم.
 
وكى نعرف أكثر عما حدث، يكفينا أن نعرف أن المخابرات الأمريكية قدرت أعداد الدواعش قبل الاستيلاء على الموصل بـ10 آلاف مقاتل، لكنهم فى أسابيع قليلة بعد هذه العملية أصبحوا 44 ألف مقاتل، أى أن أعدادهم تضاعفت أربع مرات ونصف.
 
وفى ظل هذا التمدد الجغرافى الكبير الذى يتاح لأول مرة لتنظيم إرهابى السيطرة عليه، حاول داعش إقامة دولة تتولى الإشراف على كل مناحى الحياة، سواء مقاتليه أو رعاياه من مواطنى المدن المحتلة من قبله، وذلك على أصعدة التعليم والصحة والقضاء والمرافق من كهرباء ومياه.
 
واستخدمت داعش منابرها الإعلامية لرسم هالة حولها عبر بث فيديوهات تظهر شكل الحياة تحت ولايتها، سواء فى تنظيم المرور أو غيرها من الأمور الحياتية، كما وصل الوضع بالتنظيم إلى حد الإعلان عن وظائف شاغرة برواتب خيالية بها!.
 
خيال الدواعش فى إقامة دولتهم لم يلبس أن تحول لسراب فى ظل تلقى التنظيم العديد من الضربات على عدة أصعدة متعددة، وبدا أن تهاوى التنظيم المرعب مسألة وقت.
 
 
وبحلول يونيو 2017، خسر التنظيم نحو 80% من العوائد التى كان يحصل عليها وغالبيتها من مبيعات النفط والغاز والضرائب وغيرها من طرق جنى الأموال.
 
 
التائهون فى الأرض بحثاً عن وهم الخلافة (1)

التائهون فى الأرض بحثاً عن وهم الخلافة (2)

 


print