برزت سلطنة عُمان خلال العقود الأخيرة كلاعب دبلوماسي هادئ في منطقة تعجّ بالصراعات والتوترات، إذ تبنّت نهج الحياد الإيجابي والحوار كوسيلة لحل الخلافات، ومن أبرز أدوارها الإقليمية والدولية، ذلك الجهد المتواصل في التوسط بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث لعبت السلطنة دورًا محوريًا في تسهيل قنوات الاتصال بين الجانبين، لا سيما في ظل انقطاع العلاقات الرسمية بينهما.
وتستضيف العاصمة العمانية مسقط اليوم الأحد، الجولة الرابعة من المفاوضات الأمريكية - الإيرانية لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج طهران النووي، في وقت تأمل فيه دول المنطقة لإحداث اختراق في هذا الملف لتجنيب المنطقة ويلات صراع محتمل.
وتعليقا على جولة المفاوضات الرابعة بين الولايات المتحدة وإيران.. أجمع خبراء سياسيون عرب - في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط - على أن الدور العُماني لا يقتصر على نقل الرسائل فحسب، بل يتجلى في قدرة السلطنة على خلق مناخ من الثقة والاحترام المتبادل، مستفيدة من علاقاتها الإيجابية مع كلا الطرفين، ملتزمة بمبدأ الحياد البنّاء، ومسخرة أدواتها الدبلوماسية في سبيل إحلال السلام وتفادي المواجهة.
وفي هذا الإطار.. يقول الدكتور عمرو حسين الباحث في العلاقات الدولية، إنه مع انطلاق الجولة الرابعة من المفاوضات الإيرانية الأمريكية برعاية كريمة من سلطنة عمان، يتجدد الأمل في إحراز تقدم ملموس نحو تهدئة التوترات الإقليمية والدولية المتصاعدة حول الملف النووي الإيراني.
وأضاف أن الدور الذي تضطلع به سلطنة عمان وتقوم به في تسهيل هذه المحادثات ليس جديدًا، بل يمتد لسنوات عديدة تجسدت خلالها حكمة القيادة العمانية وسياستها المتوازنة القائمة على الحوار والدبلوماسية كسبيل وحيد لحل الخلافات المعقدة.
وتابع قائلا: "لقد أثبتت سلطنة عمان على مر العقود قدرة فريدة على بناء جسور من الثقة بين الأطراف المتنازعة، مستندة في ذلك إلى تاريخها الحيادي وعلاقاتها المتوازنة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية".. موضحا أن استضافة سلطنة عمان للجولة الرابعة من المفاوضات بين واشنطن وطهران تعد امتدادًا لجهودها الدؤوبة التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي وتجنب سيناريوهات التصعيد الخطيرة.
وأشار الدكتور عمرو حسين إلى أن أهمية الدور العماني تكمن في توفير بيئة محايدة وموثوقة، حيث تتمتع سلطنة عمان بسمعة طيبة ومصداقية عالية لدى جميع الأطراف، مما يجعلها أرضية مشتركة مثالية لإجراء مثل هذه المفاوضات الحساسة، كما أن حياديتها والتزامها بالحلول السلمية يكسبها ثقة كل من الولايات المتحدة وإيران، ويقلل من احتمالات الشكوك المتبادلة التي قد تعرقل سير المحادثات.
ونوه بأن هذه المرة ليست الأولى التي تلعب فيها سلطنة عمان دور الوسيط في قضايا إقليمية ودولية شائكة، فقد سبق لها أن استضافت محادثات سرية ومباشرة بين الولايات المتحدة وإيران أدت إلى انفراجات في ملفات أخرى، مما يمنحها خبرة قيمة في التعامل مع تعقيدات هذا الملف الحساس.
وأوضح أن سلطنة عمان تمتلك فهمًا دقيقًا لتوازنات القوى في منطقة الشرق الأوسط ومصالح الأطراف المختلفة، كما أن هذا الفهم العميق يمكن أن يساعد في تذليل العقبات التي قد تنشأ خلال المفاوضات، وتقديم حلول واقعية وقابلة للتطبيق تأخذ في الاعتبار المخاوف المشروعة لجميع الأطراف.
واستطرد حسين أن سلطنة عمان لم تتوانَ عن تقديم مساعيها الحميدة على الرغم من تعثر جولات سابقة من المفاوضات، وهذا الإصرار والمثابرة يعكسان التزامًا راسخًا بأهمية الحوار والدبلوماسية في حل النزاعات، ويبعث برسالة إيجابية مفادها أن الأبواب لا تزال مفتوحة للتوصل إلى حل سلمي.
ولفت إلى أن انطلاق هذه الجولة الرابعة في ظل التحديات الإقليمية والدولية الراهنة يضاعف من أهميتها، فالتوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني لن يساهم فقط في الحد من انتشار الأسلحة النووية، بل سيكون له تداعيات إيجابية على استقرار المنطقة بأسرها، ويفتح الباب أمام معالجة ملفات أخرى عالقة.
وأوضح حسين أن الجميع يثمن عاليًا الجهود المخلصة التي تبذلها سلطنة عمان في سبيل تحقيق السلام والاستقرار الإقليمي، ويبقى الأمل معقودًا على أن تُكلل هذه الجولة من المفاوضات بالنجاح، وأن يتحلى الطرفان الأمريكي والإيراني بالمرونة والإرادة السياسية اللازمتين للوصول إلى حل توافقي يخدم مصالح الجميع ويجنب المنطقة المزيد من التوترات والصراعات.
من جهتها.. تقول الدكتورة تمارا حداد أستاذة العلاقات الدولية الفلسطينية، إن الجهود العمانية في مسألة الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران عميقة وإيجابية، حيث تحاول مسقط قدر الإمكان حل الأزمة بين الطرفين وتفكيك التحديات التي تواجهها المفاوضات.
وأضافت حداد أن الجهود العمانية في ملف الوساطة بين إيران والولايات المتحدة أحدثت تطورًا لافتًا في مسار التفاوض، خاصة أن سلطنة عمان لعبت دورًا محوريًا وهادئًا لسنوات في تسهيل الحوار بين الطرفين، بما في ذلك المساهمة في التوصل إلى الاتفاق النووي لعام 2015.
وأبرزت أهمية الدور العماني في الوساطة، حيث إن سلطنة عمان معروفة بنهجها الحيادي وقدرتها على الوصول إلى أطراف متصارعة دون إثارة حساسيات إقليمية، مشددة على أن سلطنة عمان تمثل قناة موثوقة للطرفين لتبادل الرسائل، خاصة في ظل غياب علاقات دبلوماسية مباشرة بين طهران وواشنطن.
وخلصت الدكتورة تمارا حداد إلى أن سلطنة عُمان تعد نموذجًا فريدًا في السياسة الخارجية، حيث تبنّت منذ عقود نهجًا يقوم على الحوار والتوازن والحياد الإيجابي، ما جعلها وسيطًا مقبولًا وموثوقًا في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، فقد سعت مسقط إلى تهدئة التوترات بين الأطراف المتنازعة، مركّزة على الوساطة والحوار المباشر.
بدورها.. تقول الدكتورة أريج جبر أستاذة العلوم السياسية الأردنية، إن الجولة الرابعة من المفاوضات بين الجانبين الإيراني والأمريكي حول البرنامج النووي الخاص بإيران تنعقد في وقت أعلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية من سقف مطالبها وطلبت من إيران تفكيك برنامجها النووي بالكامل، بينما تؤكد طهران أن هذا البرنامج ليس معدا لأغراض عسكرية وغير مخصص لتطوير قنابل نووية أو لتهديد حالة السلم والأمن الدوليين وإنما لأغراض سلمية.
وأضافت الدكتورة أريج، أنه في ظل تلك التحديات تبرز أهمية الدور العماني في الوساطة بين الجانبين، حيث تعتبر السلطنة من الدول الوازنة التي تتمتع بقدر وهالة كبيرة من التقدير السياسي والدبلوماسي في محيطها الخليجي، فضلا عن أنها ترتبط بعلاقات دبلوماسية دافئة مع الطرفين وتستخدم العقلانية والواقعية السياسية، وتنحي نفسها عن كل مجالات الخلاف السياسي.
ولفتت إلى أن سلطنة عمان تعد وسيطا سياسيا موثوقا، كما أن مسقط تتمتع بحياد جيوسياسي حيث لا يمكن أن تميل كفتها إلى صالح أحد الطرفين، وإنما تقوم بدراسة المشهد السياسي ككل وتقدم حلولا وسطية تسعى من خلالها إلى تقريب وجهات النظر بما يضمن أمن الخليج العربي وأمن المنطقة ككل.
وذكرت أن سلطنة عمان تتمتع بخبرات مميزة في مجال الوساطة والمفاوضات، حيث تسعى السلطنة دوما إلى محاولة حل الأزمات لمنع تعميق حالة الصراع ووأد محاولات إشعال فتيل الصراع أو رفع حالة التوتر في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن المنطقة في حالة "غليان" سياسي وعسكري فيما بعد السابع من أكتوبر 2023.
ونوهت أستاذة العلوم السياسية الأردنية بأن الجولة الرابعة من المفاوضات بين إيران الولايات المتحدة تأتي قبيل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة في وقت تتطلع فيه دول الشرق الأوسط إلى التوصل إلى تفاهمات بشأن قضايا المنطقة بالتزامن مع الزيارة المرتقبة للرئيس ترامب.
وخلصت الدكتورة أريج جبر إلى أن الدبلوماسية العمانية الهادئة القائمة على أسس التوازن والحياد، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف حتى المتصارعة منها، تجعلها دائما قادرة على لعب دور الوسيط في عدد من الملفات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني.