الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025 05:52 م

في مؤتمر القاهرة السابع للإعلام بالجامعة الأمريكية

البلشى: بطولات الصحفيين الفلسطينيين منحتنا أملا فى صنع مستقبل يليق بالمهنة ويحميها

البلشى: بطولات الصحفيين الفلسطينيين منحتنا أملا فى صنع مستقبل يليق بالمهنة ويحميها خالد البلشي نقيب الصحفيين
الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025 02:00 م
‎كتب محمد عبد الرازق
أكد  خالد البلشي نقيب الصحفيين ، أن التحدي الذي نواجهه اليوم ليس تقنياً بحتاً، بل هو تحدي قيمي وأخلاقي لمهنة كانت ولا تزال حارساً للحرية وضمير الإنسانية.
 
جاء ذلك خلال مؤتمر القاهرة السابع للإعلام بالجامعة الأمريكية.
 
وقال نقيب الصحفيين "أقف بينكم اليوم للعام الثالث على التوالي، على منصة هذا المؤتمر المهم، لكنها المرة الأولى التي نتحدث فيها وقد تجاوزنا أصوات المدافع، التي حكمت المشهد لعامين، وبينما لا تزال تثقلنا جراح عامين من ألم مذبحة هي الأبشع فيما عايشناه من عمرنا بحق مواطنين عزل.. مذبحة تابعناها بفعل التطور التكنولوجي لحظة بلحظة، لكنها لم ترحم زملاءنا من ناقلي الحقيقة ومستخدمي هذا التطور لإخبارنا بما يحدث، لنشهد بحقهم جريمة هي الأكبر في التاريخ الإنساني بحق الصحافة والصحفيين.. إلا أن صمود الشعب الفلسطيني وبطولة الصحفيين الفلسطينيين الذين ضربوا أروع المثل في التضحية والمهنية، واتفاق وقف المذبحة الذي عُقد في شرم الشيخ بينما تتواصل جهود تثبيته الآن، وما أعقبه من صور طوفان العودة، منح أرواحنا أملًا وإرادة لنقف هنا من جديد نناقش معًا صنع مستقبل يليق بنا وبهم، ويتجاوز عقبات وآلام الواقع الصعب الذي عشناه بعد عامين، سلبتهما منا ومن تقويمنا الإنساني آلة الحرب الصهيونية.. عامان من الدماء والشهداء، عامان من المعاناة التي تحولت بقوة الشعب الفلسطيني والصحافة الفلسطينية إلى وقود لإرادة وإدارة الحياة والبناء من جديد.
 
وأمد البلشي أنه قد تجاوز عدد شهداء الحقيقة من زملائنا 250 صحفياً وصحفية، ودُمِّرت أكثر من 150 مؤسسة إعلامية، في عملية منهجية تهدف إلى إسكات الصوت وطمس الحقيقة. هذه ليست أرقاماً نرددها، بل هي تجربة لن نتجاوزها إلا بمحاسبة القتلة وتفعيل الآليات لعدم تكرار ما جرى، فالأرقام تمثل أعمارًا سُلبت وأرواحًا وحياة فقدناها وأحلام توقفت لزملاء كانوا شهوداً على الحقيقة، ومدافعين من أجل الحرية، حملوا كاميراتهم وقلمهم ليخبروا العالم بقصة صمود شعب، فتعقبتهم أسلحة القتل والتدمير.
 
و أكمل "أقف بينكم اليوم للعام الثالث على التوالي، ونحن نحلم للمرة الأولى ليس بتجاوز المقتلة ولكن بالعودة للحياة نستعيد معها رتابة أيامنا العادية التي اشتقنا لها وقت القتل، ونواجه تحدياتنا الحقيقية لا تحديات أن نتجاوز صور وعبء المقتلة، نحلم باستعادة أرواح قادرة على البناء والاستمرار. فبينما ما زلنا ننعي زملاءنا في غزة الذين سقطوا شهداء للحقيقة، لا خيار أمامنا إلا أن نعد أنفسنا لمعاركنا الحياتية، نستعيد أيامنا العادية، ونناقش تحدياتنا المؤجلة بفعل الحرب، ونطرح من جديد قضايا مستقبلنا، وفي مقدمتها: معركة وجود مهنتنا في عصر الذكاء الاصطناعي.
 
لقد رأينا كيف يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة للتطور إلى سلاح في حرب التضليل، كيف تستخدم الصور المزيفة والروايات المفبركة لتبرير جرائم الحرب. وهذا يضعنا أمام مسؤولية أخلاقية ومهنية جسيمة، لا بد أن نواجهها بشجاعة.
 
لكن.. السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل تكفي الشجاعة وحدها لمواجهة المستقبل؟
 
لقد شهدنا خلال العامين الماضيين كيف تحولت كاميرات الصحفيين إلى شهود على جريمة العصر -
لقد رأينا كيف استُخدم الذكاء الاصطناعي لصنع أكاذيب تبرر القتل وكيف استُخدمت الصور المزيفة بالذكاء الاصطناعي لتبرير جرائم الحرب في غزة، وكيف أصبح التزييف العميق (Deepfake) سلاحاً في أيدي مجرمي الحرب.
 
• صوراً مزيفة لأطفال محروقين تم تداولها على أعلى المستويات
• مدن خيام وهمية أنشئت digitally لخدمة الرواية الصهيونية
• أخباراً مفبركة أصبحت جزءاً من التغطية الإعلامية الدولية
 
لكننا اليوم أمام مفترق طرق تاريخي: إما أن نكون ضحايا لهذا التحول، أو أن نكون قادته ، مدركين إن تحدياتنا لم تعد تقتصر على القناصة والصواريخ، بل امتدت إلى خوارزميات باردة تنتحل الحقيقة، وإلى أدوات ذكاء اصطناعي تُستخدم كأسلحة جديدة في حرب التضليل.
 
دعوني أستعير ما منحنا به زملاؤنا من قوة لأؤكد أننا لن نسمح بأن نكون ضحايا لهذا التحول، وأن واجبنا أن نكون فرسانه.
 
فالذكاء الاصطناعي، رغم مخاطره، يحمل في طياته فرصاً هائلة لتطوير مهنتنا، إذا أحسنا ترويضه ووضعنا له الضوابط الأخلاقية. وهو ليس ترفاً فكرياً، بل أصبح ضرورة حتمية لمواكبة العصر.
 
من هذا المنطلق، أطرح بين أيديكم اليوم رؤية تقوم على مجموعة محاور أساسية:
 
أولاً: من ضحايا التزييف إلى حراس الحقيقة.. (الذكاء المهني والأخلاقي فوق الذكاء الاصطناعي)
 
لقد آن الأوان لنتحول من مجرد متلقين سلبيين لتقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى شركاء فاعلين في تطويرها وضبطها. فلا يمكن أن نسمح لأداة تقنية أن تتحول إلى سلاح ضد إنسانيتنا.. وهو ما شددت عليه مخرجات المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين المصريين، مشددة على مجموعة من الأهداف والضرورات وهي:
 
· ضرورة وضع دليل معايير وإرشادات للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في غرف التحرير. وأن نعمل معًا على وضع ميثاق شرف لهذا الاستخدام في العمل الصحفي، تجعل القيم المهنية هي الحكم الأول والأخير.
 
· تدريب الصحفيين على مهارات كشف المحتوى المزيف والتمييز بين الأدلة الحقيقية والمفبركة.
 
· الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الصحافة الاستقصائية وتحليل البيانات الضخمة، لا لتقويضها.
***
ثانياً: نحو صحافة متجددة.. لا مستبدلة.. (من مستخدم إلى فاعل)
 
و أضاف خلد البلشي إن الخوف من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الصحفيين هو خوف مشروع، لكن المواجهة الحقيقية تكون بتحويل هذا التحدي إلى فرصة. لن نكون مجرد مستخدمين سلبيين لهذه التقنيات، بل سنشارك في تطويرها. وسنبدأ ببرامج تدريبية متخصصة لتمكين الصحفيين من أدوات كشف التزييف، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تعزيز الصحافة الاستقصائية. وهذا يتطلب:
 
· إعادة هيكلة المناهج التدريبية في كليات الإعلام لدمج التقنيات الرقمية مع الأصول المهنية الراسخة، تحت عنوان صحافة المستقبل.
· وضع دليل معايير للتحقق من المحتوى، والاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة الحقيقة لا لتزييفها.
· تطوير "الدليل الإرشادي" لضبط معايير المحتوى في زمن الذكاء الاصطناعي.
· تعزيز التكامل بين الخبرة الإنسانية والآلية، حيث يظل التحقق والتقصي والتحليل النقدي من اختصاص الصحفي المحترف.
:و فيما يتعلق بحرية الصحافة في العصر الرقمي قال نقيب الصحفيين أنها معركة على جبهتين ، حيث ما زلنا نناضل على جبهة حرية التعبير، وما يتضمنه ذلك من مطالب وآليات للخروج من مأزق الواقع، وبدايتها هي نزع الخوف ومواجهة الرقيب الفعلي والذاتي الذي فُرِض علينا، والإفراج عن الصحفيين المحبوسين، ووضع التشريعات والقواعد التي تضمن للمهنة تحررها وتطورها. والآن نواجه جبهة جديدة: الخطر الخفي الذي تمثله خوارزميات التحكم في المحتوى والرقابة الآلية التي تمارسها المنصات الكبرى. ولا سبيل أمامنا إلا مواجهتها من خلال تعاون محلي ودولي من أجل الحقيقة،
مطالبا  أن يضم نقابات الصحفيين والجامعات وشركات التكنولوجيا، لوضع معايير عالمية تحمي الحقيقة في الفضاء الرقمي، وتضمن ألا تتحول المنصات الرقمية من ساحات للحوار إلى أدوات للقمع والاستغلال وفرض ديكتاتورية جديدة يتحكم فيها الشركات وملاك التقنيات.
 
 
و أكمل أنه لا حديث عن مستقبل للمهنة طالما أن قتلة الصحفيين يفلتون من العقاب. وسنظل نطالب بمحاسبة الجناة ومنع تكرار الجريمة، كما أن الإفراج عن الصحفيين المحتجزين يظل مطلباً نقابياً أساسياً لا تنازل عنه.
 
و اختتم نقيب الصحفيين كلمته بإن دماء زملائنا التي سالت خلال العامين الماضيين تذكّرنا بأن الحقيقة ثمينة وتستحق الثمن. لكن هذه التضحيات تفرض علينا مسؤولية مضاعفة: مسؤولية الحفاظ على مهنيتنا في مواجهة تحديات الواقع، ومسؤولية تحديث أدواتنا في زمن التكنولوجيا.
 
لن نسمح لأنفسنا أن نُحاصر بين مطرقة الاستبداد وسندان التخلف التقني. فلنعمل معاً على بناء صحافة المستقبل - صحافة تحترم الماضي ولكن لا تقع أسيرة له، صحافة تواجه تحديات الواقع وترسم خطوط الخروج منها، صحافة تستعد للمستقبل ولكن لا تخضع لآليات تطويرها بل تمتلكها وتطورها.
وإن الدماء التي سالت في فلسطين لن تذهب هدراً إذا استطعنا تحويلها إلى دافع للتغيير. لقد كان الأمس مريراً، ولكن الغد سيكون مختلفاً إذا تعلمنا من دروس الألم لصنع الأمل.
 
إن التحدي الذي نواجهه اليوم ليس تقنياً بحتاً، بل هو تحدي قيمي وأخلاقي لمهنة كانت ولا تزال حارساً للحرية وضمير الإنسانية.

 


الأكثر قراءة



print