الأربعاء، 24 ديسمبر 2025 09:04 م

تحول فى أولويات المصريين

الزواج يتراجع لأول مرة منذ سنوات.. الأرقام تثبت انخفاض العقود 2.5% فى 2024.. ومنحنى الريف مفاجأة.. خبراء: خديعة زواج القاصرات والظروف الاقتصادية وجيل Z أبرز التفسيرات.. تعددت الأسباب والنتيجة واحدة

الزواج يتراجع لأول مرة منذ سنوات.. الأرقام تثبت انخفاض العقود 2.5% فى 2024.. ومنحنى الريف مفاجأة.. خبراء: خديعة زواج القاصرات والظروف الاقتصادية وجيل Z أبرز التفسيرات.. تعددت الأسباب والنتيجة واحدة زواج - صورة تعبيرية
الأربعاء، 24 ديسمبر 2025 06:00 م
كتبت- هبة حسام

- "الارتباط فى مصر لم يعد أولوية.. القواعد تتغير والمنحنى ينكسر".. خبراء يفسرون التحول: لماذا تغيّرت خريطة الزواج فى مصر؟
- الريف بؤرة التراجع.. انخفاض عقود الزواج من 572.5 فى 2023 إلى 541.5 فى 2024 بتراجع 5.4%
- سامية خضر: التعليم والاستقلال للمرأة الريفية يعيدان رسم المشهد
- طه أبو حسين: المانع الاقتصادي "وهم" وزواج القاصرات غير الموثق يخفي جزءًا من الحقيقة
- العريس لم يعد الحلم الأول.. الإحصاءات تؤكد: كل 100 زيجة فقدت 3 عقود فى عام واحد
- استاذ علم اجتماع: المدن أكثر مرونة للزواج بفضل الوظائف والقروض وأنظمة التقسيط.. والانفلات وغياب الانضباط يهددان مستقبل الزواج
- على الإدريسى: ارتفاع تكاليف المعيشة يضغط على الأسر ويؤجل الزواج
- استاذ اقتصاد: الفجوة بين الدخل والأسعار تجعل الزواج شبه مستحيل في الريف والصعيد
- تحولات اجتماعية واقتصادية تهز أسس الزواج التقليدى فى مصر
- السوشيال ميديا والمقارنات الاجتماعية تضاعف الضغط النفسى والمادى على الشباب
- بعد انخفاض الزواج به لأول مرة.. 2024 يمثل منعطفًا اجتماعيًا واقتصاديًا يفرض إعادة النظر فى سياسات الارتباط

 

 
 
شهدت مصر عام 2024 حدثًا استثنائيًا فى خريطة الزواج، إذ أظهرت البيانات الرسمية تراجعًا فى عدد عقود الزواج على مستوى الجمهورية لأول مرة منذ سنوات طويلة، مع بروز الريف كبؤرة رئيسية لهذا الانخفاض، هذا التراجع فتح الباب أمام تساؤلات مهمة: لماذا تراجع الزواج الآن؟، ولماذا فى الريف تحديدًا؟.

ما تقوله الأرقام

 

وفقًا لأحدث بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ إجمالى عدد عقود الزواج في مصر خلال عام 2024 نحو 936.7 ألف عقد، مقابل نحو 961.2 ألف عقد في 2023، أي بتراجع قدره نحو 24.5 ألف عقد تقريبًا، وبنسبة انخفاض 2.5% على مستوى الجمهورية، بالرغم من ارتفاع عدد السكان.
 
 كما كشفت التفاصيل الجغرافية للأرقام تسجيل الريف للتراجع الأكبر، حيث انخفض عدد عقود الزواج بالريف من نحو 572.5 ألف عقد في 2023 إلى حوالي 541.5 ألف عقد في 2024، بانخفاض بلغت نسبته 5.4%، وهو أكبر انخفاض يسجله الريف منذ سنوات.
 
وتؤكد إحصاءات الزواج في السنوات الخمس الأخيرة الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن عام 2024 يمثل أول انخفاض ملموس منذ سنوات طويلة، بعد فترة من الاستقرار أو الارتفاع في عدد عقود الزواج.
640ead69-a5a8-4dd3-9cea-8ae6bbe032d2

التحول الاجتماعى.. التعليم أعاد تشكيل الريف

 

تفسر الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، هذا التراجع باعتباره نتاجًا لتحول جذري في المفاهيم الاجتماعية داخل الريف المصري، موضحة أن الزواج المبكر -في سن 15 أو 16 عامًا - كان عرفًا اجتماعيًا سائدًا، أما اليوم، فقد تغيّرت المعادلة، إذ أصبحت الأسر الريفية أكثر حرصًا على تعليم بناتها حتى المرحلة الجامعية، ولم يعد الاكتفاء بالثانوية مقبولًا، وهو ما أدى تلقائيًا إلى ارتفاع سن الزواج وتراجع الإقبال عليه كأولوية أولى.
af9192e1-fba4-4c92-8a14-a79b48c3d34a
af9192e1-fba4-4c92-8a14-a79b48c3d34a

المرأة الريفية.. من الامتثال إلى الاختيار

 

كما يرى عدد من المختصين أن المرأة الريفية هى أحد مفاتيح فهم التراجع الحالي، حيث تؤكد الدكتورة منى عبد الرحمن، أستاذة علم الاجتماع الريفي، أن التعليم والعمل أعادا تعريف طموحات الفتاة الريفية، التى لم تعد ترى الزواج "قدرًا لا مفر منه"، بل خيارًا قابلًا للتأجيل أو الرفض إذا لم يحقق لها الأمان والاحترام.
 
ويضيف الدكتور أحمد فوزي، الباحث في قضايا النوع الاجتماعي والتنمية، أن خروج المرأة الريفية لسوق العمل كسر العزلة التقليدية وغيّر معايير القبول.
 
أما الدكتورة نهى عزت، المتخصصة في دراسات الأسرة، فتشير إلى أن الفتاة الريفية أصبحت أكثر وعيًا بالخيارات البديلة، وهو ما جعل تأجيل الزواج قرارًا عقلانيًا وواقعيًا.

fd94554a-2132-46f0-a3f3-7675b5aab50e
 

الإعلام الغائب.. والهجرة الصامتة

 

ومن جانبها، أكدت الدكتورة سامية خضر أن غياب الدور التوعوي للإعلام وتركز البرامج على أخبار الحوادث والجرائم ساهم في فقدان القدوة الإيجابية، مقابل أجيال سابقة نشأت على برامج أسرة وطفل داعمة للقيم الأسرية، لافتة إلى الرابط بين تراجع الزواج وهجرة الشباب، حيث أوضحت خضر، أن عددًا كبيرًا من الشباب -حتى فى المهن البسيطة - يفضّل الآن السفر للخارج لبناء نفسه ماديًا، وهو ما يقلل من عدد "الجاهزين للزواج" داخل الريف.

هل الأرقام خادعة؟

 

الدكتور طه أبو حسين، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية وجامعة الأزهر، قدم طرحًا مختلف يشكك في القراءة المطلقة لتلك الأرقام، معتبرًا أن جزءًا من الزواج الريفي يتم خارج التوثيق الرسمي، خاصة بين القاصرات دون سن 18 عامًا، ولا يظهر في السجلات إلا بعد سنوات، ما يخلق فجوة زمنية توحي بتراجع أكبر مما هو قائم فعليًا، كما انتقد فرض سن الزواج بالقانون، معتبرًا أن القيود القانونية دفعت البعض للتحايل بدلًا من الالتزام، دون أن ينفي وجود تحولات اجتماعية حقيقية.
76a55962-793a-4330-b85a-957002cf2f04

الاقتصاد.. عائق حقيقي أم ترف اجتماعي؟

 

ونفى أبو حسين أن يكون الوضع الاقتصادي هو المانع الأساسي للزواج بالريف، واصفًا ما يُسمى بالمانع الاقتصادي بإنه نتاج تضخم المتطلبات والكماليات، لا العجز عن المعيشة في حدها الأدنى.
 
اختلف معه فى هذه النقطة، الدكتور على الإدريسي، أستاذ الاقتصاد الدولي وعضو الجمعية المصرية للإحصاء والتشريع، والذى يرى أن العامل الاقتصادي هو السبب الجوهري والمباشر لتراجع الزواج في مصر،، مؤكدًا أن ارتفاع معدلات التضخم وتكاليف المعيشة تجاوز قدرة المواطنين على التحمل، وهو ما انعكس بشكل مباشر على قرارات الزواج والاستمرار الأسري، قائلًا: "الزيادات المتتالية في أسعار السلع الأساسية، والطاقة، والخدمات جاءت أسرع وأكبر بكثير من أي زيادات في الدخول أو المرتبات، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص".
 
كما أشار الإدريسى إلى أن الفجوة بين الدخل والأسعار لم تعد فجوة نظرية، بل هوة معيشية حقيقية، جعلت حتى الدخول التي كانت تُعد جيدة في السابق غير قادرة على توفير حياة مستقرة لأسرة صغيرة، ناهيك عن الشباب في بداية حياتهم.
 
 
ويحذر أستاذ الاقتصاد على الإدريسي من أن الريف هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، حيث يجتمع انخفاض متوسط الدخل مع عادات زواج مكلفة وصارمة، ما يجعل الزواج هناك أكثر صعوبة ويقترب من أن يكون عبئًا اقتصاديًا حقيقيًا.
 
 

الأسرة تحت ضغط دائم.. والسوشيال ميديا تضاعف الأزمة

 

وأشار الإدريسي أيضًا في رأيه إلى أن السوشيال ميديا والمقارنات الاجتماعية زادت من تعقيد المشهد، حيث يقوم الأزواج والزوجات والشباب بمقارنة حياتهم بما يرونه على وسائل التواصل أو بين الأقارب والجيران، ما يخلق ضغطًا نفسيًا وماديًا مضاعفًا، ويزيد من النزاعات الأسرية، ويشكل سببًا إضافيًا لتأجيل الزواج وارتفاع حالات الطلاق.
 

Gen Z.. جيل يعيد تعريف الارتباط ولا يعرف الزواج تحت الإكراه 

 

ويبرز جيل Z  كعامل حاسم أيضًا في المشهد الاجتماعي الحالي، إذ إنه الجيل الذى وُلِد في بيئة مختلفة تمامًا عن الأجيال السابقة، فهم يتميزون بوعي رقمي واجتماعي عالي، ولديهم القدرة على الوصول المستمر للمعلومات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما جعلهم أكثر إدراكًا للخيارات والمخاطر المرتبطة بالزواج، علاوة على، رفضه الإكراه الاجتماعي، حيث لم يعد الزواج ضرورة حتمية لديه كما كان في الماضي مع الأجيال السابقة، بل خيار مرتبط بالاستقرار المادي والنفسي.
 
كما يفضل هذا الجيل تأجيل الزواج حتى تحقيق استقلاله المادى، وضمان بيئة آمنة ومستقرة لتكوين الأسرة، خاصة لتأثره بالتجارب الاجتماعية عبر الإنترنت، ومشاهدتهم لتجارب أقاربهم أو أصدقائهم عبر وسائل التواصل وهو ما يؤثر في توقعاتهم ومعاييرهم، ويرفع سقف شروط الزواج لديهم.
 
ويؤكد خبراء الاجتماع أن سلوك جيل Z هو أحد الأسباب الجوهرية للتراجع المسجل في الزواج العام الماضى، وليس مجرد انعكاس للظروف الاقتصادية أو التقاليد الاجتماعية، فهم الجيل الذى يعد في سن الزواج حاليًا بنسبة كبيرة، كما يرى المختصون فى علم الاجتماع الأسري أن هذا الجيل لا يعتبر الزواج ضرورة عاجلة، بل خيارًا مؤجلًا لحين تحقيق الاستقرار النفسي والمهني، وهو ما يفسر جزءًا من الانخفاض المثبت فى 2024.

تراجع الزواج بين الواقع والتحول

 

في النهاية، توضح جميع آراء الخبراء السابقة، أن تراجع الزواج في عام 2024 ليس ظاهرة عابرة أو خطأ إحصائيًا، بل نتيجة تفاعل معقد بين عدة عوامل مترابطة، أهمها، التحولات الاجتماعية والتعليمية حيث ارتفع مستوى التعليم لدى الفتيات الريفيات وهو ما أعاد تشكيل وعيهن وموقفهن من الزواج، وجعل التأجيل خيارًا استراتيجيًا، بجانب تغير طبيعة المرأة الريفية، إذ أتاح الاستقلال الاقتصادي والوعي الاجتماعي للمرأة مقاييس جديدة لقبول الزواج، بعيدًا عن الضغوط التقليدية.

34f03f99-02ef-463c-b249-1f66b8b76e4a
هذا بخلاف، العوامل الاقتصادية من ارتفاع في تكاليف المعيشة وفجوة في الدخول مقابل الأسعار، ما جعل الزواج عبئًا ماليًا ونفسيًا، خاصة في الريف، أيضًا، السوشيال ميديا والمقارنات الاجتماعية والتى أضافت ضغوطًا جديدة على الأسرة، وأثرت في قرارات الشباب والبنات حول الزواج والطلاق، بجانب طبيعة الجيل الحالي "جيل Z"، وهو الجيل الذى وصل سن الزواج حاليًا، ولكن بعقلية مختلفة، أقل خضوعًا للمعايير التقليدية وأكثر وعيًا بتكلفة القرار، وفهو الجيل الجديد الذى يعيد رسم قواعد الارتباط الاجتماعي الآن.
 
كما أظهرت إحصاءات الزواج أيضًا، أن عام 2024 شكّل نقطة فاصلة فى مسار الزواج بمصر، خاصة في الريف، كاشفًة عن نمط جديد للعلاقات الأسرية والمجتمع، يستدعي إعادة النظر فى السياسات الاجتماعية والاقتصادية، وفهم أعمق لدور الإعلام والتعليم وتوجيه طاقات الشباب، لتجنب استمرار الانخفاض وتحقيق استقرار أسرى مستدام.
 
 ولكن بالرغم من هذه التراجعات فى عقود الزواج، إلا أنه لا يمكن وصف ذلك بالعزوف عن الزواج بقدر ما هو انهيار تدريجي للنموذج التقليدى للارتباط الآن، والذى لم يعد متوافقًا مع الواقع الاقتصادى الضاغط، ولا مع الوعى النسائى المتصاعد فى الريف، ولا مع جيل بات يرفض الإكراه الاجتماعى، لذا تراجع الزواج في الريف خلال 2024 لم يكن مفارقة، بل نتيجة منطقية لاختلال طويل الأمد بين الطموح والواقع، وإذا لم يُعاد التفكير في شكل الزواج نفسه اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، فإن أرقام 2024 قد لا تكون ذروة التراجع، بل بدايته، حسبما أجمع الخبراء، الذين أكدوا أيضًا أن عام 2024 شكّل نقطة فاصلة في مسار الزواج بمصر، نقطة ستحدد ملامح الأسرة المصرية فى السنوات المقبلة، وإذا كان هذا التحول الاجتماعى تحولًا صحيًا، أم أزمة ديموجرافية مؤجلة.
 

الأكثر قراءة



print