الأحد، 14 ديسمبر 2025 11:45 م

هل يمكن إدارة المحاكمة دون قفص الاتهام والأغلال؟ قانون الإجراءات الجنائية ينظم التحقيق والمحاكمة عن بُعد ويضع الضمانات الكاملة للمتهم والشهود… تسجيل وحفظ جميع الإجراءات وإيداعها ملف القضية

هل يمكن إدارة المحاكمة دون قفص الاتهام والأغلال؟ قانون الإجراءات الجنائية ينظم التحقيق والمحاكمة عن بُعد ويضع الضمانات الكاملة للمتهم والشهود… تسجيل وحفظ جميع الإجراءات وإيداعها ملف القضية أرشيفية
الأحد، 14 ديسمبر 2025 09:00 م
كتبت نورا فخري

 وزارة العدل تبدأ تنفيذ تقاضي إلكتروني متكامل

 

 
يُجسد الباب الثالث من قانون الإجراءات الجنائية الصادر من الرئيس عبد الفتاح السيسي برقم 172 لسنة 2025، والمنظم لإجراءات التحقيق والمحاكمة عن بُعد، توجها تشريعيا حديثا يستهدف تحديث منظومة العدالة الجنائية، ونقلها من الإطار الإجرائي التقليدي إلى نموذج أكثر مرونة وكفاءة، يواكب التطور التكنولوجي ويستجيب لمتطلبات العدالة الناجزة، بما يحقق سرعة الفصل في القضايا وكفاءة الإجراءات، مع الحفاظ الكامل على ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع
 
ويُجسد هذا الباب توجه المشرع نحو تحديث منظومة التقاضي من خلال دمج وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة المسموعة والمرئية في مراحل التحقيق والمحاكمة، بما يسهم في تقليل زمن الفصل في القضايا، وتخفيف الأعباء الأمنية والإدارية، وضمان سلامة المتقاضين، مع الحفاظ الكامل على المبادئ الدستورية المستقرة، وفي مقدمتها: علانية الجلسات، وشفوية المرافعة، وحق الدفاع، والمواجهة بين الخصوم.
 
كما يكتسب هذا الباب أهمية خاصة في ضوء التحديات العملية التي واجهتها العدالة الجنائية في الفترات الأخيرة، سواء المرتبطة بالكثافات العددية داخل المحاكم ومقار الاحتجاز، أو الظروف الاستثنائية التي تستدعي تقليل التنقل والحضور المادي، دون تعطيل سير العدالة.
 
فتأتي المادة (530) لتضع القاعدة العامة الحاكمة لتطبيق نظام التحقيق والمحاكمة عن بُعد، حيث تقرر خضوع هذه الإجراءات لكافة القواعد والمواعيد والمدد المقررة في قانون الإجراءات الجنائية، بما ينفي عنها صفة الاستثناء أو الانتقاص من الضمانات القانونية.
 
وتؤكد أن التقاضي عن بُعد ليس نظاما موازياً أو استثنائيا، بل امتداد طبيعي لإجراءات التقاضي التقليدية، وتكمن أهميتها في ترسيخ التزام الدولة بضمان سرية التحقيقات وعلانية المحاكمات وشفوية المرافعة ومبدأ المواجهة رغم استخدام الوسائل التكنولوجية، وتمثل الأساس الدستوري والقانوني الذي يُبنى عليه باقي مواد الباب، باعتبارها الضابط العام لتطبيق التكنولوجيا في العدالة الجنائية.
 
 
وانطلاقا من هذا الإطار العام الذي قررته المادة (530)، والذي أكد خضوع إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بُعد لكافة الضمانات والقواعد المقررة في قانون الإجراءات الجنائية، انتقل المشرع إلى تحديد نطاق تطبيق هذا النظام والجهات والأشخاص الذين يجوز اتخاذ الإجراءات بشأنهم.
 
وفي هذا السياق، جاءت المادة (531) لتُفصل السلطة التقديرية الممنوحة لجهات التحقيق والمحاكمة، موضحة أن اللجوء إلى الإجراءات عن بُعد لا يقتصر على المتهم وحده، وإنما يمتد ليشمل باقي أطراف الدعوى الجنائية، فضلا عن أهم الإجراءات المرتبطة بالحرية الشخصية، بما يحقق التوازن بين اعتبارات السرعة والكفاءة وحماية الحقوق.
 
وإعمالا للبعد الإنساني الذي يتعين مراعاته عند تطبيق هذا النظام، خص المشرع فئة الأطفال بتنظيم خاص في المادة (532)، حيث قرر جواز اتخاذ الإجراءات عن بُعد معهم مع منح جهة التحقيق أو المحاكمة سلطة إعفائهم من الحضور، وذلك اتساقا مع مبدأ المصلحة الفضلى للطفل وعدم تعريضه لآثار نفسية قد تنجم عن المواجهة المباشرة.
 
وبعد أن بين المشرع نطاق الأشخاص والإجراءات، انتقل إلى تنظيم الضمانات الإجرائية السابقة على انعقاد الجلسات، فأوجبت المادة (533) إعلان الخصوم بموعد ومكان انعقاد جلسات التحقيق أو المحاكمة عن بُعد، مع اشتراط تهيئة المكان وتجهيزه فنيًا، بما يكفل علم الخصوم بالإجراءات واستعدادهم الكامل لمباشرة حقوقهم.
 
ولما كانت سلامة الإجراءات لا تكتمل إلا بتوثيقها وضمان حجيتها القانونية، جاءت المادة (534) لتُنظم آليات تسجيل وحفظ وتفريغ جميع ما يتم من إجراءات عن بُعد، وإيداعها بملف الدعوى، بما يوفر مرجعًا قانونيًا معتمدًا يُعتد به أمام جهات الطعن والمراجعة.
 
وحرصت على عدم تحويل التقاضي عن بُعد إلى قيد على حرية الدفاع، قررت المادة (535) حق المتهم في الاعتراض على عدم مثوله شخصيا أمام المحكمة، مع التزام المحكمة بالفصل في هذا الاعتراض، بما يعكس احترام إرادة المتهم ويؤكد أن اللجوء لهذا النظام يظل خاضعًا للرقابة القضائية.
 
واستكمالا لضمانات المحاكمة العادلة، أكدت المادة (536) على مجموعة من الضمانات الجوهرية أثناء مباشرة إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بُعد، وفي مقدمتها حضور المتهم دون قيود، وحقه في التواصل المباشر مع محاميه، وعدم جواز الفصل بينهما، حفاظًا على جوهر حق الدفاع.
 
وأخيرا ولضمان الانتقال من النص التشريعي إلى التطبيق العملي الفعال، جاءت المادة (537) لتضع الإطار التنفيذي لهذا النظام، مُحملة وزارة العدل بالتنسيق مع الجهات المعنية مسئولية تجهيز القاعات وتوفير البنية التكنولوجية اللازمة، بما يضمن حسن تنفيذ أحكام هذا الباب وتحقيق أهدافه.
 
 
إلي النص الكامل للباب الثالث بقانون الإجراءات الجنائية : (إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد)  
 
 
مادة ( 540 ) مع عدم الإخلال بالقواعد والمواعيد والمدد وغيرها من إجراءات التقاضي المنصوص عليها في هذا القانون، تسري أحكام هذا الباب على إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد باستخدام وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة المسموعة والمرئية وذلك كله بما يضمن أحكام سرية التحقيقات والحضور والعلانية وشفوية المرافعة والمواجهة بين الخصوم الواردة في هذا القانون.
 
مادة (531 ) يجوز لجهة التحقيق أو المحاكمة المختصة بحسب الأحوال اتخاذ كل أو بعض إجراءات التحقيق أو المحاكمة عن بعد مع المتهمين، والشهود، والمجني عليهم، والخبراء، والمدعين بالحقوق المدنية، والمسئولين عنها المنصوص عليها في هذا القانون.
 
ويجوز لها اتخاذ تلك الإجراءات فيما يتعلق بالنظر في أمر الحبس الاحتياطي والتدابير ومدهما والإفراج المؤقت واستئناف أوامرها.
ولها بحسب الأحوال أن تقرر منع الكشف عن الشخصية الحقيقية للشهود بجميع وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة المناسبة أثناء الإدلاء بأقوالهم، وذلك كله مع مراعاة حكم المادة 525 من هذا القانون.
 
مادة (532 ) مع عدم الإخلال بأحكام قانون الطفل يجوز اتخاذ الإجراءات عن بعد مع الأطفال، ولجهة التحقيق والمحاكمة المختصة إعفاء الطفل من الحضور أمامها، والاكتفاء بالاطلاع على تسجيلات تلك الإجراءات إذا رأت أن مصلحته تقتضي ذلك.
 
مادة (533 ) يتعين على جهة التحقيق أو المحاكمة المختصة بحسب الأحوال إعلان الخصوم بموعد ومكان انعقاد جلسة التحقيق أو المحاكمة التي ستتم عن بعد، على أن يكون المكان تم تجهيزه وتهيئته لإجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد وفقا لحكم المادة 537 من هذا القانون.
 
مادة ( 534 )
 
يكون لجهات التحقيق والمحاكمة المختصة أن تتخذ ما تراه مناسبًا لتسجيل وحفظ جميع الإجراءات التي تتم من خلال وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة عن بعد، وتفريغها في محاضر ، ولها أن تستعين بأحد الخبراء في ذلك، وتودع ملف القضية. ويضع كل من عضو النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو رئيس الدائرة والكاتب توقيعه على كل ورقة دون الحاجة إلى توقيع أي من المتهمين أو الشهود أو الخبراء أو المترجمين أو أي توقيع آخر.
 
مادة (535 )يجوز للمتهم في أول جلسة بأي درجة من درجات التقاضي الاعتراض على عدم مثوله شخصيا أمام المحكمة المختصة، وعليها الفصل في الاعتراض بقبوله أو رفضه.
 
 
مادة (536 ) يحضر المتهم الجلسة بغير قيود ولا أغلال، وتجري عليه الملاحظة اللازمة. والمحامي المتهم مقابلته، والحضور معه في مكان تواجده ، وأثناء وأن إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد.وفي جميع الأحوال، لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه أثناء اتخاذ تلك الإجراءات.
 
مادة (537 ) تقوم وزارة العدل بالتعاون والتنسيق مع وزارة الداخلية والجهات والوزارات المعنية، بإعداد القاعات وأجهزة الاتصال المطلوبة لتنفيذ إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد باستخدام وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة في الجهات المختصة، وفي المؤسسات العقابية ومراكز الإصلاح والتأهيل، وغير ذلك من الإدارات ذات الصلة وتقديم المساعدة الفنية اللازمة لذلك.
 
 

الأكثر قراءة



print