الزواج فى مصر
لا يخطئ المجتمع المصرى موعده السنوى مع الصيف، فمع ارتفاع الحرارة وبدء الإجازات، يعود مشهد الازدحام الموسمى لحفلات الزفاف ليهيمن على الحياة الاجتماعية، صالات الأفراح تتحول إلى قوائم انتظار، والقرى السياحية تتزيّن بالأنوار، والعائلات تُسارع فى تحديد المواعيد قبل نهاية الموسم.
هذا المشهد الذي يبدو اجتماعيًا بحتًا، تكشفه البيانات الرسمية بوضوح، وهو أن الصيف هو موسم الزواج الأول فى مصر بلا منازع، بينما يتراجع الإقبال فى الشتاء إلى أدنى مستوى طوال العام.
الأرقام التى كشف عنها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء في نشرته السنوية عن إحصاءات الزواج، الصادرة حديثًا، أظهرت أن شهر أغسطس يأتى فى المرتبة الأولى كأكثر شهور العام عقدًا للقران، يليه يونيو ويوليو، بينما يتراجع المعدل فى الشتاء بصورة لافتة، حيث سجلت أشهر الذروة الصيفية "يونيو، يوليو، أغسطس"، حالات زواج، كالتالى: "96,359، 94,531، 98,220" ألف زيجة، بالترتيب، بإجمالى 275 ألف و 116 حالة زواج.
وتمثل هذه الشهور الثلاثة وحدها نسبة ضخمة من إجمالي الزيجات السنوية، والتي سجل العدد الإجمالى لها 936 ألف و739 زيجة خلال عام 2024، وهو ما يعكس قوة الارتباط بين الصيف وموسم الأفراح.

قد تعود أسباب تفضيل المصريون للزواج في الصيف إلى أسباب اجتماعية واقتصادية ونفسية وثقافية، حيث لا تقتصر هذه الظاهرة على الطقس أو الإجازة فقط، بل تمتد إلى بنية المجتمع نفسه، وعاداته، وسلوكياته الاقتصادية، فهناك من يختار الصيف كموعد لزواجه بسبب ما به من إجازات وتوافر وقت، خاصة إنه يتزامن مع انتهاء العام الدراسي، مما يوفر الفرصة لحضور الأقارب من المحافظات، كما يُسهّل على الأسَر تنظيم الحفل دون ضغوط الامتحانات أو العمل.
من ناحية أخرى، قد يفضل البعض هذا الموعد للزفاف، رغبة منهم في إقامة الحفل في أماكن مفتوحة كالحدائق أو الشواطئ أو المنتجعات، وهى اختيارات غير مناسبة في الشتاء، وهناك من يرى أن الطقس الحار يخفف من الحاجة لملابس شتوية مرتفعة الثمن، كما يقلل من تكاليف الضيافة التي تتزايد عادة في الشتاء، مثل المشروبات الساخنة.
أيضًا، يرتبط الصيف فى الوعى الجمعى بـ"شهر العسل"، حيث تستغل الأسر فترة المصيف لاستكمال الاحتفال، وقضاء شهر العسل، هذا بجانب العادات الاجتماعية المتوارَثة لدى البعض، خاصة في القرى والمناطق الريفية، والتي يعتبر الصيف بها هو "وقت الفرح" لارتباطه تاريخيًا بمواسم الحصاد، وتحسن القدرة الاقتصادية للأسر، علاوة على، الجاهزية المالية للشباب، حيث يعمل الكثير من الشباب خلال الصيف في وظائف موسمية، مما يسهم في توفير جزء من تكاليف الزواج.

وقد تتعلق الأسباب أيضًا، وفقًا للجوانب النفسية المعروفة عن المصريين، بأن الصيف مرتبط بالحيوية والانطلاق، وهو ما يؤثر نفسيًا على اختيارات الشباب والفتيات في تحديد موعد زواجهم، بعكس الشتاء الذي يرتبط بالانكماش والطقس غير المستقر، وهو ما أثبتته الأرقام والإحصائيات على أرض الواقع، فبحسب النشرة السنوية للزواج الصادرة عن جهاز الإحصاء خلال الساعات الماضية، شهدت أشهر الشتاء "ديسمبر، يناير، فبراير" لعام 2024 أقل معدلات للزواج، مقارنة بباقى أشهر السنة، حيث سجل شهر ديسمبر 64.822 ألف زيجة، بينما سجل يناير 67.677 ألف زيجة، وسجل فبراير 72.737 ألف زيجة، بإجمالى عدد زيجات للأشهر الشتوية الثلاث بلغ 205.236 ألف زيجة.
وبالنظر إلى الأرقام السابقة المذكورة حول عدد الزيجات بين أشهر الصيف والشتاء، يتبين أن الفرق يصل إلى نحو 70 ألف زيجة بين موسمى الشتاء والصيف، وهو ما يؤكد على ميل المصريين إلى اختيار الصيف كموعد لزفافهم، وقد يرجع عدم وقوع اختيار المصريين على فصل الشتاء للزواج فيه إلى عدة أسباب، أبرزها، الامتحانات الدراسية، والطقس البارد الذي يقلل من رغبة الأسر فى إقامة حفلات مفتوحة، علاوة على ارتفاع المصروفات الشتوية تجاه الدراسة وشراء الملابس الشتوية وغيرها من بنود نفقات الأسر المصرية، خاصة بند الأدوية الذى تزيد مساحته في فصل الشتاء باعتباره موسم الأمراض ونزلات البرد، ما يجعل التجمعات أكثر صعوبة، أيضًا.

وتأتى فصول مثل فصلى الربيع والخريف لتحقق متوسطات جيدة، بنحو 205.205 ألف زيجة في الربيع، و251.182 ألف زيجة بالخريف، بإجمالى 456.387 ألف زيجة للفصلين، ووفقًا للنشرة الإحصائية، حققت أشهر الربيع: "مارس، أبريل، مايو" عدد زيجات، كالتالى: "48.396، 85.645، 71.164" ألف زيجة، بالترتيب، فيما سجلت أشهر الخريف: "سبتمبر، أكتوبر، نوفمبر"، حالات الزواج التالية: "88.202، 85.529، 77.451" ألف زيجة، بالترتيب، ولكن بالرغم من هذه الأعداد الجيدة شهريًا خلال فصلى الربيع والخريف، إلا إنها تبقى أقل من ذروة أشهر الصيف.
وبالرجوع إلى أبرز المؤشرات العامة لحالات الزواج في مصر خلال عام 2024، وفقًا لما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نشرته السنوية الصادرة حديثًا، انخفض عدد عقود الزواج إلى 936.739 عقدًا عام 2024 مقارنة بـ 961.220 عام 2023، بنسبة تراجع بلغت 2.5%.

استحوذ الريف على النصيب الأكبر من العقود بنسبة 57.8%، وتمثلت أكبر فئة عمرية للأزواج، في عمر 25-30 سنة، بينما تمثلت أكبر فئة عمرية للزوجات، في عمر 20-25 سنة، فيما مثل الحاصلون على شهادة متوسطة الفئة الأكثر إقبالًا على الزواج، وبلغ معدل الزواج الخام 8.8 في الألف، وسجلت أسوان أعلى معدل زواج، وفى المقابل جاءت محافظة الجيزة كأقل معدل خلال 2024.
في النهاية، وبعد عرض أبرز وأهم الأرقام التى كشفتها نشرة جهاز الإحصاء هذا العام حول الزيجات في مصر، يتضح أن الزواج كأرقام وكظاهرة اجتماعية معًا، يظل الصيف لديه هو الموسم المفضل، بغض النظر عن تراجع عدد الزيجات الكلى على مستوى عام 2024، فالبرغم من تلك التحولات في أعداد الزيجات، إلا أنه لم تغير النمط الموسمي للزواج لدى المصريين، فبينما تتغير التفاصيل عامًا بعد عام، يبقى المشهد فى مصر ثابتًا وهو: حين يأتي الصيف.. تبدأ الأفراح، وأن المصريون يتفقون "في الغالبية العظمى" حول الوقت المناسب للزفاف.
