محكمة النقض - أرشيفية
أصدرت الدائرة الجنائية "أ" – بمحكمة النقض – حكماً فريداً من نوعه، يرسى مبدأ قضائياً هاماً بشأن تعرف المجنى عليه على الجانى من خلال "وسائل الاستعراف" أبرزها "نبرة الصوت"، قالت فيه:
"1- تعرف المجني عليها على المتهم استنادًا إلى تمييز نبرة صوته أثناء العرض القانوني الذي أجرته النيابة العامة، يُعد إجراءً صحيحًا مُنتجًا لآثاره، ما دام قد ثبت للمحكمة خلوه من أي شائبة تشكك في سلامته، وأن ما أثير بشأن ذلك من نعَىٍ بالفساد في الاستدلال لا سند له ولا يقوم على أساس.
2-القانون لم يرسم للتعرف صورة خاصة يبطل بها إذا لم يتم عليها، إذ إنه ليس من إجراءات التحقيق التي يوجب القانون لها شكلاً خاصاً، إذ إن مفاجأة الجناة للمجني عليهم حال حصول الحادث قد لا تسمح لهم أن يتبينوا ملامحهم، فيصح التعرف على المتهم بأي وسيلة.
3- فكما يجوز التعرف على المتهم من بين جمع من أشباهه، فإن التعرف يتصور أيضاً من خلال الصور الشخصية أو مقاطع الفيديو المصورة أو من خلال تمييز الشاهد نبرات صوت الجاني والتي انطبعت في الذهن حال ارتكابه للجريمة.
4- إذ هي جميعاً من وسائل الاستعراف الذي لم يحدد القانون مدلوله ولم يحصره في شكل معين، ويترتب على ذلك ثبوت حق سلطة التحقيق، ومن بعدها محكمة الموضوع في أن تأخذ بتعرف الشاهد على المتهم بأي وسيلة تم بها ما دامت قد اطمأنت إليه.
5-وإذ كان الثابت بأوراق الدعوى أن المجني عليها قد تعرفت على الطاعن بالعرض القانوني الذي أجرته النيابة العامة من خلال تمييزها لنبرات صوته، وكانت المحكمة - في نطاق سلطتها في تقدير قوة الدليل - قد اعتمدت في قضائها على الدليل المستمد من ذلك التعرف بالصورة التي تم بها بعد أن اطمأنت إلى صدقه وخلوه مما يشكك في سلامته، ومن ثم تكون المجادلة في هذا الخصوص بدعوى الفساد في الاستدلال غير مقبولة .
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 10190 لسنة 94 القضائية، برئاسة المستشار محمد هلالي، وعضوية المستشارين أشرف محمد مسعد، وخالد الشر قبالي، ومحمد يوسف، وشريف أبو العلا، وبحضور كل من رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض محمد هشام، وأمانة سر موندي عبد السلام .
الوقائع.. اتهام شخصين بهتك عرض فتاة بعد خطفها
اتهمت النيابة العامة الطاعنين "ك. ش" و"د. ح" في جناية بأنهما في يوم 7 من أكتوبر سنة 2023 بدائرة القسم:
1-خطفا المجني عليها "س. م" بالتحايل بأن استدرجاها عقب تظاهرهما أنهما مستقلي سيارة أجرة يقودها المتهم الأول، وما أن استقلتها المجني عليها رفقتهما حتى تحرك الأخير بالسيارة مبتعداً عن أعين المارة متوجهاً بها إلى إحدى المناطق النائية، وما أن أدركت المجني عليها أمر اختطافها حتى حاولت المقاومة، فتعدى المتهم الثاني عليها بالضرب مستخدماً السلاح الأبيض والأداة محل الاتهامين الخامس والسادس، مما نتج عنه حدوث إصابتها الموصوفة بالتقرير الطبي المرفق بالأوراق، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
2-شرعا في هتك عرض المجني عليها سالفة الذكر، وذلك بطريق الإكراه الواقع عليها بأن جثم المتهم الأول فوقها، ثم قام بطرحها أرضاً محاولاً تكبيلها وعصب عينيها وتكميمها، وما أن قاومته حتى أخرج سلاحاً أبيض (مطواة) وأشهره في وجهها مهدداً إياها بالإيذاء، ثم قام بإحداث إصابتها الموصوفة بالتقرير الطبي المرفق بالأوراق قاصدين إخضاعها لرغبتهما في التعدي عليها جنسياً، إلا أنه قد خاب أثر جريمتهما لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو تصادف مشاهدتهما بمعرفة أحد المارة وإبلاغه الشرطة التي تمكنت من ضبط المتهم الأول والجريمة متلبساً بها بينما فر الثاني هارباً، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
3-احتجزا المجني عليها سالفة الذكر بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
4-حازا وأحرزا بقصد التعاطي جوهر الحشيش المخدر في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
5-حازا وأحرزا بغير ترخيص سلاحاً أبيض (مطواة) على النحو المبين بالتحقيقات .
6- حازا وأحرزا أداة مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص (لاصق طبي) دون مسوغ قانوني على النحو المبين بالتحقيقات .
محكمة أول درجة تقضى بالسجن المشدد 10 سنوات لكل منهما
وفى تلك الأثناء – أحالتهما النيابة العامة إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضوريا بجلسة 22 من أبريل سنة 2024 عملاً بالمواد 45/1، 46، 268/1، 280، 290/3,1 من قانون العقوبات، والمواد 1/1، 25 مكرر/1، 30/1 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل والبندين رقمى "5، 7" من الجدول رقم "1" المرفق، والمواد 1، 2، 37/1 من القانون 182 لسنة 1960 بشأن مكافحة المخدرات والبند رقم "54" من القسم الثانى من الجدول رقم "1" الملحق بالقانون الأول والمستبدل بقرار رئيس هيئة الدواء المصرية رقم 600 لسنة 2023، وإعمال نص المادة 32 من قانون العقوبات، بمعاقبة "سعيد. ع"، و"محمد. أ" بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات لكل منهما عما أسند إليهما وألزمتهما بالمصاريف الجنائية ومصادرة الشريط اللاصق المضبوط .
المتهمان يستأنفتان الحكم لإلغاءه.. ومحكمة ثانى درجة تؤيد الحكم
فاستأنف المحكوم عليهما هذا الحكم، ومحكمة الجنايات - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بجلسة 21 من يوليو سنة 2024، بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمتهما المصاريف الجنائية، ثم فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض في 23 من يوليو سنة 2024، وأودعت مذكرتان بأسباب الطعن بالنقض الأولى عن المحكوم عليه الثاني موقع عليها من المحامى، والثانية عن المحكوم عليه الأول موقع عليها من المحامي.
المتهمان يطعنان على الحكم أمام النقض
مذكرتا الطعن استندتا على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرتا: حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه، أنه إذ دائهما بجرائم خطف أنثى بالتحيل والإكراه، والشروع في هتك عرضها بالقوة والتهديد، واحتجازها بدون أمر أحد الحكام المختصين، وحيازة وإحراز جوهر (الحشيش المخدر بقصد التعاطي وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وحيازة وإحراز سلاح أبيض وأداة مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ، قد شابه البطلان والقصور والتناقض في التسبيب والإخلال بحق الدفاع ومخالفة الثابت بالأوراق، ذلك أن الحكم الاستئنافي حُرر على نموذج مطبوع مكتفياً بتأييد الحكم المستأنف لأسبابه، ولم تضع المحكمة الاستئنافية تقرير تلخيص الوقائع الدعوى وأدلتها، إلى هذا فإن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الهيئة التي أصدرت الحكم الاستئنافي كانت مشكلة من أربعة قضاة، ورغم ذلك أثبت الحكم صدوره من ثلاثة قضاة.
مذكرة الطعن تستند على بطلان الحكم للاستناد على "نبرة الصوت" في التعرف على الجناة
وتابعتا "مذكرتا الطعن": والتفت إيراداً ورداً عن دفاع الطاعن الأول بانتفاء أركان الجرائم الواردة بأمر الإحالة وصلته بالواقعة، وعدم وجود دور له فيها، وأنه كان يقود السيارة تحت تهديد السلاح، وأعرض حكم محكمة أول درجة - وسايره في ذلك الحكم المطعون فيه عن دفاعه بالخطأ في القيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، واعتنق الحكم الاستئنافي أسباب حكم محكمة أول درجة رغم أنه أورد صورتين متعارضتين الواقعة الدعوى إحداها لدى بيانه الواقعة خلافاً لما ما جاء بوصف التهمة الواردة بأمر الإحالة والأخرى بالوصف النهائي للاتهام، والتفت الحكم عن طلب الطاعن الثاني سماع شهادة المدعو "..." الذي حضر عملية العرض القانوني بالنيابة العامة، وأخيراً فقد فسد الحكم في استدلاله حين عوّل على تعرف المجني عليها على الطاعن بالعرض القانوني الذي أجرته النيابة العامة، وهو ما لا أصل له بالأوراق، كل أولئك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

النقض تؤكد: تحرير الحكم على نموذج مطبوع لا يقتضي بطلانه ولكن بشروط
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها - لما كان ذلك - وكان تحرير الحكم على نموذج مطبوع لا يقتضي بطلانه ما دام الحكم قد استوفى أوضاعه الشكلية والبيانات الجوهرية التي نص عليها القانون، وكان من المقرر أن المحكمة الاستئنافية إذ ما رأت تأييد الحكم المستأنف للأسباب التي بني عليها، فليس في القانون ما يلزمها بأن تذكر تلك الأسباب في حكمها، إذ الإحالة عليها تقوم مقام إيرادها وتدل على أن المحكمة قد اعتبرتها كأنها صادرة منها، فإن النعي على الحكم الاستئنافي باعتناقه أسباب الحكم المستأنف يكون في غير محله .
وبحسب "المحكمة": لما كان ذلك - وكانت الحكمة التي تغياها الشارع مما أوجبه بنص المادة 411 من قانون الإجراءات الجنائية قبل تعديلها بالقانون رقم 1 لسنة 2024- من كتابة تقارير تلخيص بالقضايا المنظورة أمام دوائر الجنح المستأنفة، هو أن تلم الهيئة قبل سماع المرافعة في القضية وقبل المداولة فيها بمجمل وقائع الدعوى ومجرياتها من واقع التقرير الذي يكون قد أعده أحد القضاة قبل الجلسة، وأن الغرض الذي يرمى اليه الشارع من إيجاب تلاوة تقرير عن القضية من أحد قضاة المحكمة الاستئنافية هو أن يحيط القاضي الملخص باقي الهيئة بما تضمنته أوراق القضية حتى يكون القضاة الذين يصدرون الحكم على بيئة من وقائع الدعوى وظروفها.
النقض: عدم كتابة تقرير القضية مشروط بثبوت اطلاع هيئة المحكمة بالكامل على ملف القضية
وتضيف "المحكمة": وإذ كانت تلك المحكمة متحققة بما أوجبته المادة 378 من القانون المار بيانه على رئيس محكمة الاستئناف عند وصول ملفات قضايا الجنايات إليه، من أن يرسل صوراً لكافة تلك القضايا إلى القضاة المعينين للدور الذي أحيلت إليه والمعهود إليهم بالفصل فيها - وهو إجراء لا نظير له أمام محاكم الجنح المستأنفة بعد أن استعيض عنه بإيجاب كتابة تقرير تلخيص عن كل قضية ثم تلاوته - فإنه يستساغ بذلك القول بأن ما ورد بتعديل المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية الذي تم بالقانون رقم 1 لسنة 2024، من أنه تتبع أمام محاكم الجنايات بدرجتيها جميع الأحكام المقررة في الجنح، لا يعدو - في خصوصية الالتزام بوضع تقرير تلخيص - أن يكون نصاً تنظيمياً غير ملزم لا يترتب أية بطلان على مخالفته، ما دامت الحكمة من تقريره قد تحققت بثبوت اطلاع هيئة المحكمة بالكامل على ملف القضية سواء في أصله أو في صوره إعمالاً لحكم القانون الملزم، وهو ما لا ينازع فيه الطاعن الثاني، فتنتقي بذلك قانوناً ومنطقاً - وقد ثبت أن الهيئة محيطة بكل ما جرى في أوراق الجناية المنظورة - ضرورة للتمسك بعمل تخليص وتلاوته بالجلسة وتقرير البطلان جزاء على مخالفة ذلك.
النقض ترد على إشكالية صدور الحكم من 4 قضاة وليس ثلاثة
وتؤكد "المحكمة": ومن ناحية أخرى فإن مفهوم ما نصت عليه المادة (419 مكرراً 7) من القانون المار ولازمه أن ما سكتت عنه هذه المادة عن ذكره من وضع تقرير التلخيص وتلاوته، في معرض تخصيصها لإجراءات المحاكمة الواجب على محكمة جنايات ثاني درجة اتباعها أثناء نظرها الاستئناف يكون خارجاً عن حدود هذه الإجراءات، وبما يقطع بعدم إلزام المشرع لها بوضع تقرير التلخيص وتلاوته، ويضحى النعي المثار في هذا المقام غير قويم جديراً بالإطراح، لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة محضر جلسة المرافعة والحكم المطعون فيه أن هيئة المحكمة التي سمعت المرافعة في الدعوى هي بذاتها التي أصدرت الحكم، وإن ورد اسم العضو الرابع تزيدا في محضر الجلسة، فلا يمكن عده وجها من أوجه البطلان ما دام الحكم في ذاته صحيحًا صدر من ثلاثة قضاة سمعوا المرافعة وتداولوا فيه، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون قويما .
دفع بامتناع المسئولية الجنائية لقيام حالة الضرورة
لما كان ذلك - وكان من المقرر أن الدفع بانتفاء أركان الجريمة، وانتفاء الصلة بالواقعة، وعدم وجود دور للطاعن في الواقعة، كل ذلك من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، وكان حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الأول يكون غير مقبول .
النقض ترد على إشكالية الإكراه في إرتكاب الجرم
لما كان ذلك - وكان ما أثاره الطاعن الأول من أنه كان يقود السيارة تحت تهديد السلاح، هو في حقيقته دفع بامتناع المسئولية الجنائية لقيام حالة الضرورة المنصوص عليها في المادة 61 من قانون العقوبات، وكان من المقرر أن الأصل في القانون أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بالشخص وتدفعه إلى ارتكاب الجريمة وقاية لنفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله، وكان تقدير ما إذا كان المتهم مكرها أم مختاراً فيما أقدم عليه من مقارفته للجرائم المسندة إليه أمراً موكولاً إلى قاضي الموضوع يستخلصه من عناصر الدعوى في حدود سلطته التقديرية بلا معقب عليه ما دام استخلاصه سائغاً لا شطط فيه، فإن عدم اعتداد المحكمة بما تعلل به الطاعن الأول في هذا الصدد لم يكن منه إلا دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان لا يستأهل رداً من المحكمة خاصة كونه قولاً مرسلاً غير مؤيد بدليل وهو ما لم يخطئ الحكم في فهمه وتقديره، فإن منعى الطاعن الأول في هذا الشأن غير سديد .
لما كان ذلك - وكان ما يثيره الطاعن الأول من وجود خطأ في أمر الإحالة على النحو الوارد بأسباب الطعن لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن، كما أنه من المقرر أن أمر الإحالة هو عمل من أعمال التحقيق فلا محل لإخضاعه لما يجري على الأحكام من قواعد البطلان، ومن ثم فإن الخطأ في أمر الإحالة بفرض وجوده لا يبطل المحاكمة ولا يؤثر على صحة إجراءاتها، كما أن إبطال أمر إحالة الدعوى إلى محكمة الموضوع بعد اتصالها بها يقتضي إعادتها إلى مرحلة الإحالة، وهو أمر غير جائز باعتبار أن تلك المرحلة لا تخرج عن كونها جهة تحقيق، فلا يجوز إعادة الدعوى إليها بعد دخولها في حوزة المحكمة، مما يضحى ما يثيره الطاعن الأول غير مقبول .
لما كان ذلك - وكان التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادما متساقطاً لا شيء فيه باقيا يمكن أن يعتبر نتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها، ولما كان حكم محكمة أول درجة قد اعتنق صورة واحدة لواقعة الدعوى ساق الأدلة عليها دون تناقض، ولا ينال من ذلك إيراده لظروف واقعة الدعوى - في وصف الاتهام النهائي - بما يغاير ما أورده بالصورة التي اعتنقها للواقعة والأدلة عليها بمدوناته، إذ إن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد خطأ مادي لا أثر له في النتيجة التي انتهى إليها الحكم ولا يقدح في سلامته، لاسيما وأن ما أورده في مدوناته تتوافر به جرائم خطف أنثى بالتحيل والإكراه، والشروع في هتك عرضها بالقوة والتهديد، واحتجازها بدون أمر أحد الحكام المختصين، وحيازة وإحراز جوهر "الحشيش المخدر بقصد التعاطي وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وحيازة وإحراز سلاح أبيض وأداة مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ التي دان الطاعنين بها - بكافة أركانها كما هي معرفة به في القانون"، كما أن العقوبة التي أوقعها عليهما تدخل في نطاق الاتهام، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني من دعوى التناقض لا محل له .

النقض: لا يجوز للمحكمة أن تغير في التهمة
لما كان ذلك - وكان من المقرر أنه ولئن كان لا يجوز للمحكمة أن تغير في التهمة بأن تسند إلى المتهم أفعالا غير التي رفعت بها الدعوى عليه، إلا أن التغيير المحظور هو الذي يقع في الأفعال المؤسسة عليها التهمة، أما التفصيلات التي يكون الغرض من ذكرها في بيان التهمة هو أن يلم المتهم بموضوع الاتهام ككيفية ارتكاب الجريمة، فإن للمحكمة أن تردها إلى صورتها الصحيحة ما دامت فيما تجربه لا تخرج عن نطاق الواقعة ذاتها التي تضمنها أمر الإحالة والتي كانت مطروحة على بساط البحث، ومن ثم فإن المحكمة لا تلزم بلفت نظر الدفاع إلى مثل التعديل الذي تم في الدعوى الراهنة، ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص لا محل له .
لما كان ذلك - وكان الطاعن الثاني لا يدعي في أسباب طعنه أنه اتبع الطريق الذي رسمته المادة 214 مكررا "أ" من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالقانون رقم 170 لسنة 1981، الإعلان الشاهد الذي طلب سماعه أمام محكمة الجنايات المستأنفة ولم يدرج اسمه في قائمة الشهود المقدمة من النيابة العامة ، فلا تثريب على المحكمة إن هي أعرضت عن طلب الطاعن بسماع شاهد النفي المدعو "..." - لما كان ذلك - وكان الثابت من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم بشأن تعرف المجني عليها على الطاعن حال عرضه عليها، له أصله الثابت في تحقيقات النيابة العامة، فإنه ينحسر عنه دعوى مخالفة الثابت في الأوراق .
النقض تُرسخ لمبدأ من مبادئ "وسائل الاستعراف" للجناة
لما كان ذلك - وكان القانون لم يرسم للتعرف صورة خاصة يبطل بها إذا لم يتم عليها، إذ إنه ليس من إجراءات التحقيق التي يوجب القانون لها شكلاً خاصاً، إذ إن مفاجأة الجناة للمجني عليهم حال حصول الحادث قد لا تسمح لهم أن يتبينوا ملامحهم، فيصح التعرف على المتهم بأي وسيلة، فكما يجوز التعرف على المتهم من بين جمع من أشباهه، فإن التعرف يتصور أيضاً من خلال الصور الشخصية أو مقاطع الفيديو المصورة أو من خلال تمييز الشاهد نبرات صوت الجاني والتي انطبعت في الذهن حال ارتكابه للجريمة، إذ هي جميعاً من وسائل الاستعراف الذي لم يحدد القانون مدلوله ولم يحصره في شكل معين، ويترتب على ذلك ثبوت حق سلطة التحقيق ومن بعدها محكمة الموضوع في أن تأخذ بتعرف الشاهد على المتهم بأي وسيلة تم بها ما دامت قد اطمأنت إليه.
وإذ كان الثابت بأوراق الدعوى أن المجني عليها قد تعرفت على الطاعن بالعرض القانوني الذي أجرته النيابة العامة من خلال تمييزها لنبرات صوته، وكانت المحكمة - في نطاق سلطتها في تقدير قوة الدليل - قد اعتمدت في قضائها على الدليل المستمد من ذلك التعرف بالصورة التي تم بها بعد أن اطمأنت إلى صدقه وخلوه مما يشكك في سلامته، ومن ثم تكون المجادلة في هذا الخصوص بدعوى الفساد في الاستدلال غير مقبولة .
لما كان ما تقدم - فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً، بيد إنه مما تجدر الإشارة إليه أن إعمال الحكم في حق الطاعن المادة 17 من قانون العقوبات دون الإشارة إليها لا يعيبه .
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه .
حجية التسجيل الصوتي في الإثبات الجنائي
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني والمحامى عمرو العمروسى، تُعد البصمة الصوتية أداة لا غنى عنها في القضايا التي تتضمن اتصالات هاتفية مجهولة المصدر، مثل مكالمات الابتزاز، التهديد، أو الإبلاغ عن جرائم، وكذا نوعية الجرائم المتعلقة بالمقنعين أو الذين يخفون وجههم عند إرتكابها، فهى من علوم مسرح الجريمة التي لا غنى عنها مثل البصمة أو خُصلة الشعر في مسرح الجريمة، أو وجود ماء في المكان وغيرها، مما يقود فريق التحقيق لكشف الجناة، فلكل شخص نبرة صوت تميزه عن الآخرين، إذ لا يوجد شخصان متطابقان في الأمواج الصوتية التي تبعث منهما، وكما أن هنالك بصمة لأصابع اليدين وأخرى للعينين، فإن هناك ما يعرف ببصمة الصوت التي من خلالها يمكن تمييز شخص ما عن أشخاص آخرين.
وبحسب "العمروسى" في تصريح لـ"برلماني": الاثبات الجنائي يشهد جدلاً واسعاً ومتسمراً حول مدى حُجية التسجيل الصوتي في إثبات الجرائم ونسبتها للمتهمين في ارتكابها من عدمه، خاصة وأن هناك من يُجيدون تقليد الأصوات وتغير أصواتهم وقت إرتكاب الجرم، وتعد تقنية التسجيل الصوتي من الوسائل التقنية الحديثة التي انتشرت في أوساط الناس من خلال أجهزة متنوعة ومختلفة في حجمها ودقتها وطبيعة عملها، وتقوم "البصمة الصوتية" على حقيقة علمية مفادها أن لكل إنسان نبرة صوت تميّزه عن الآخرين، إذ لا يوجد شخصين متطابقين تماماً في الأمواج الصوتية التي تنبعث منهما، والحقيقة الأخرى أن لكل إنسان نظامًا عصبيًّا فريداً يتحكم في الجهاز الصوتي.

ويضيف "العمروسى": لا يفوتنا أن هناك حزمة من العقبات والإشكاليات التي تواجه مشروعية الإثبات بالنسبة للتسجيل الصوتي، هو ما يذهب اليه الفقهاء الذين يعارضون الإثبات من خلال التسجيل الصوتي، إذ يرون أن تسجيل صوت الأشخاص دون علمهم، يُعتبر خرقاً واضحاً لحقهم في الخصوصية وشكل فاضح من أشكال التلصص على سرية أحاديثهم سيما حين تجري التسجيلات دون علمهم، في حين يرى اتجاه آخر من الفقهاء أن حماية أمن المجتمع والتوصل الى مرتكبي الجرائم أولى من حماية خصوصية الأفراد، وأن حرية الفرد يجب أن تنحني أمام المصلحة العامة، وطالما أن المجرمين طوروا من أساليب ارتكاب جرائهم، فيجب أن يواكب ذلك تطورا في استخدام وسائل الاثبات ولا ضير في اللجوء الى التسجيلات الصوتية كوسيلة من وسائل الإثبات.