إرسال أموال عن طريق الخطأ وعدم ردها - أرشيفية
مع تطور الحياة ودخولنا في عصر الذكاء الاصطناعي، والاعتماد شيئا فشئيا في قضاء حاجتنا اليومية على التطبيقات الإلكترونية وما تتطلبه السرعة التي أصبحت تتسم به الحياة اليومية من ضرورة انجاز تلك المعاملات اليومية في أقل وقت ممكن وبأقل جهد، ولا سيما في المعاملات المالية، فقد أدى ذلك الى ظهور العديد من التطبيقات الإلكترونية التي تسهل إتمام تلك المعاملات، وذلك عن طريق ما يسمى بالمحافظ الالكترونية والتي يتم من خلالها تحويل وارسال الأموال واجراء المعاملات المالية بدون الذهاب الى مكان تلقي الخدمة مثل دفع الفواتير وسداد الأقساط أو حتى الشراء أون لاين.
والمحفظة الرقمية أو كما تسمى في بعض الأحيان المحفظة الألكترونية هي عبارة عن تطبيق للمعاملات المالية يعمل على الأجهزة المتصلة بالأنترنت سواء كومبيوتر أو هاتف محمول، وتقوم تلك المحافظ بتخزين معلومات الدفع وكلمات المرور الخاصة بك بشكل آمن في السحابة الخاصة بها، والمحافظ الرقمية تسمح لك بإجراء عمليات الدفع أثناء التسوق مستخدماً الجهاز الخاص بك بحيث لا يلزمك حمل بطاقاتك المصرفية معك، وتدخل وتخزن معلومات بطاقة الخصم الخاصة بك أو بطاقتك الائتمانية أو حسابك المصرفي ويمكنك استخدام الجهاز الخاص بك للدفع عند القيام بالمشتريات.
إشكالية التكييف القانوني للإمتناع عن رد الأموال المحوّلة إلكترونيًا خطأً
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية التكييف القانوني للإمتناع عن رد الأموال المحوّلة إلكترونيًا خطأً، خاصة وأن هذا التطور قد صاحبه العديد من المشكلات سواء التقنية أو القانونية وهو ما حدى بالمشرع الى التدخل إما لإصدار قوانين جديدة لم تكن موجودة من قبل مثل القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون تنظيم الاتصالات، ومن أهم تلك المشكلات التي أصحبت تواجه الأفراد بصورة شبه يومية هي تحويل الأموال عن طريق الخطأ من خلال أداوات الدفع الالكترونية والتي في معظم الأحيان يتعذر استردادها ممن تم تحويل لهم هذه الأموال عن طريق الخطأ – بحسب الخبير القانوني والمحامى هشام الكودى.
في البداية - بإستقراء نص المادة "23": من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات نجد أنها تنص على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر والغرامة التي لا تقل عن 30 ألف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، في الوصول بدون وجه حق إلى أرقام أو بيانات أو بطاقات البنوك والخدمات أو غيرها من أدوات الدفع الالكترونية، فإن قصد من ذلك استخدامها في الحصول على أموال الغير أو ما تتيحه من خدمات، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف، أو إحدى هاتين العقوبتين، إذا توصل من ذلك إلى الاستيلاء لنفسه أو لغيره على تلك الخدمات أو مال الغير" – وفقاً لـ"الكودى".
الجريمة ليست إلكترونية
وبمطالعة نص تلك المادة - فإننا نرى أنه لا يمكن اعتبار عدم رد أموال ارسلت عن طريق الخطأ جريمة الكترونية، وحتى ولو تمت عن طريق أحد تطبيقات الدفع الالكتروني، فالجاني هنا لم يخترق التطبيق أو يسرق حساب المجني عليه أو اعترض عن طريق مشاهدة البيانات أو المعلومات أو الحصول عليها، بغرض التنصت أو التعطيل، أو التخزين أو النسخ، أو التسجيل، أو تغيير المحتوى، أو إساءة الاستخدام أو تعديل المسار أو إعادة التوجية، وذلك لأسباب غير مشروعة ودون وجه حق، وإنما تمت تحويل أموال له عن طريق الخطأ والتي تعتبر في حكم الأموال الضائعة أو المفقودة – الكلام لـ"الكودى".
تطبق عليها نص المادة 311 أو المادة 321 من قانون العقوبات
وبالتالي تطبق عليها نص المادة 311 أو المادة 321 من قانون العقوبات، وليست المادة 23 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، فالجريمة المنصوص عليها في المادة 23 من قانون جرائم تقنية المعلومات يتمثل الركن المادي فيها في استخدام الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات في الوصول بدون وجه حق أي أرقام أو بيانات أو بطاقات البنوك والخدمات أو غيرها من أدوات الدفع الإلكترونية، وذلك بقصد استخدامها في الحصول على أموال الغير أو ما تتيحه من خدمات مثل تلك الخدمات التي تتيحها تلك التطبيقات كدفع الفواتير أو الأقساط وما الى ذلك – هكذا يقول الخبير القانونى.
لماذا لا تنطبق عليها جريمة إلكترونية؟
فقوام الركن المادي لهذه الجريمة أو السلوك المادى لها والمنصوص عليها في تلك المادة يتم عن طريق استخدام الشبكة المعلوماتية أو حدى وسائل تقنية المعلومات في الوصول بدون وجه حق الى أرقام أو بيانات أو بطاقات البنوك أو الخدمات أو غيرها من أدوات الدفع الالكتروني، وذلك بإحدى طرق القرصنة أو التصيد الاحتيالي أو السطو الالكتروني أو الاختراق، فالجاني في الجريمة محل الشرح لم يفعل أي شيء من هذه الأشياء المكونة للجريمة المنصوص عليها في المادة 23 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، فهو لم يخترق تطبيق الدفع الإلكتروني أو لم يسرق اسم الحساب ورقم السر لهذا التطبيق لكي يقوم بالإستيلاء على ما فيه من أموال، وإنما هو في واقع الأمر قد تحولت اليه أموال عن طريق الخطأ ورفض ردها الى مالكها على الرغم من علمه بأنها مملوكة له – وهو ما يراه "الكودى".
لماذا تعتبر جريمة "سرقة"؟
وتنص المادة رقم 311 من قانون العقوبات على أن: "كل من اختلس منقولا مملوكا لغيره فهو سارق"، كما تنص المادة رقم 321 مكرر من قانون العقوبات على أن: "كل من عثر على شيء أو حيوان فاقد ولم يرده إلى صاحبه متى تيسر ذلك أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تجاوز سنتين إذا احتبسه بنية تملكه، أما إذا احتبسه بعد انقضاء تلك الفترة بغير نية التملك فتكون العقوبة الغرامة التي تجاوز مائة جنيه".
فقد عرف الشارع المصري السارق بقوله: "كل من اختلس منقولا مملوكا لغيره فهو سارق"، فالسرقة إذن هي اختلاس شيء منقول مملوك للغير، وبهذا التعريف تتميز السرقة عن الجرائم المماثلة لها، وهي النصب وخيانة الأمانة، فالسرقة لا تقع إلا بأخذ الشئ اختلاسا على غير إرادة المجني عليه.
أركان جريمة السرقة
وقوع الاختلاس: فالاختلاس هو سلب حيازة الشئ بدون رضاء مالكه أو حائزه السابق، ويقصد بالاستيلاء على الحيازة كل فعل مادي يأتيه الجاني، ويترتب عليه اخراج الشئ من حيازة المالك أو الحائز وادخاله في حيازة أخرى سواء كانت حيازة الجاني أو غيره، ويعني ذلك الاعتداء على الحيازة الكاملة للمال المملوك للغير، ويترتب على ذلك أن يقوم الجاني بالسيطرة الفعلية على الشئ ومباشرة سلطات المالك عليه، ولا يكفي لقيام عنصر الاختلاس في السرقة أن يخرج الشئ من حيازة صاحبه، وإنما يجب أن يتم ذلك بغير رضاء من مالك الشئ أو حائزه على شيء منقول.
والسرقة لا تتم إلا بأخذ الشئ ونقله من حيازة المجني عليه الي حيازة الجاني، وهذا لا يتم إلا على منقول مملوك للغير، وهذا الشرط معناه أنه لا يكفي لإعتبار الشخص سارقا أن يختلس شيئا غير مملوك له، وإنما يلزم كذلك أن يكون هذا الشئ مملوكا لشخص أخر وقت الاختلاس.
اعتبار الأموال المحولة بطريق الخطأ على أنها أموال مفقودة أو أشياء مفقودة
الأشياء المفقودة هي أشياء منقولة مملوكة لشخص معين ضاعت منه فأنقطعت حيازته لها، ولكنه لم يزل متمسكا بملكيتها ساعيا للبحث عنها واستردادها دون أن تدخل في حيازة شخص أخر كأن تسقط من شخص حافظة نقوده أو يتركها في مكان سهوا، والواقع أنه لا نزاع في أن التقاط الشئ الضائع لا يشكل اختلاسا تقوم به السرقة إذا وقع من المتلقط بغير نية التملك على أساس أن الركن المعوي للسرقة يكون منتفيا لكن المشكلة تثور فعلا إذا كان الإلتقاط مقترناً بنية التملك والذي لا شك فيه أن الشئ بضياعه لم يخرج عن سيطرة صاحبه بأي تصرف من التصرفات، وإنما خرج من هذه السيطرة بحدث فجائي لا يمت الى إرادة صاحب الشأن بصلة – بحسب "الكودى".
ويضيف: وهذا الواقع هو الذي يجعل المال الضائع في حكم المال المجاز ويجعل التقاطه في حكم اختلاسه، وهذا ما عناه المشرع المصري بالمادة 321 مكررا من قانون العقوبات التي نظمت حكم الأشياء الضائعة بنصها على أن: "كل من عثر على شيء أو حيوان فاقد ولم يرده الى صاحبه متى تيسر له ذلك أو لم يسلمه الى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال 3 أيام يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تجاوز سنتين إذا احتبسه بنية تملكه، أما إذا احتبسه بعد انقضاء تلك الفترة بغير نية التملك فتكون العقوبة الغرامة التي لا تتجاوز مائة جنيه".
وبهذا ألزم القانون كل من يعثر على شيء أو حيوان فاقد وتعذر عليه رده الى صاحبه في الحال أن يسلمه الى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال 3 أيام وإلا عد مرتكبا لمخالفة عقوبتها الغرامة، أما إذا كان حبس الشئ الضائع وعدم تسليمه مقترنا بنية التملك، وهو يعلم أن الشئ أو الحيوان الفاقد مملوكا للغير كان ما وقع منه مشكلا لجنحة عقوبتها الحبس مدة لا تجاوز سنتين.

القصد الجنائي
اختلاس مال الغير لا يكون جريمة السرقة إلا إذا حصل بقصد جنائي والقصد الجنائي على وجه العموم يتوافر متى ارتكب الجاني عن علم الفعل الذي يحرمه القانون بالصورة التي يعاقب عليها بها، وفي جريمة السرقة بالذات يجب أن يكون السارق عالما بأنه يختلس شيئا منقولاً، وأنه يختلسه على غير إرادة مالكه وأن الشئ المختلس مملوكا للغير.
تطبيقات محكمة النقض حول الأزمة
والى الآن لم يصدر حكم – فيما نعلم - من محكمة مصرية تواجه فيها عدم رد الأموال التي أرسلت عن طريق الخطأ، الأمر الذي يجعلنا نلجأ الى القواعد العامة في تكييف هذا الفعل وهو كما بينا سرقة وفقا للوصف القانون الصحيح، وبعيد كل البعد عن تطبيق نص المادة 23 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات السابق الإشارة اليه، وهو ما يتماشى مع ما قررته محكمة النقض في تحديد مفهوم السرقة بقولها: "التسليم عن طريق التغافل لا ينتفى به ركن الاختلاس فى السرقة، أساس ذلك، مثال التسبيب سائغ فى جريمة سرقة من المقرر أن التسليم الذي ينتفي به ركن الاختلاس في السرقة، يجب أن يكون برضاء حقيقي من واضع اليد مقصوداً به التخلي عن الحيازة حقيقة، فإن كان عن طريق التغافل، فإنه لا يعد صادراً عن رضاء صحيح، وكل ما هنالك أن الاختلاس في هذه الحالة يكون حاصلاً بعلم المجني عليهم لا بناء على رضاء منهم وعدم الرضا - لا عدم العلم - هو الذي يهم في جريمة السرقة"، وذلك في الطعن المقيد برقم 608 لسنة 60 قضائية، الصادر بجلسة 5 يناير 1997.
وفى الأخير يؤكد "الكودى": وعلى ذلك فإننا نهيب بالمشرع الي سرعة التدخل التشريعي وإصدار تشريع واضح يواجه مثل تلك هذه المسائل على أن يكون مقترح النص: "كل من تسلم أموالا عن طريق احد أدوات الدفع الالكتروني عن طريق الخطأ ورفض ردها الى راسلها يعاقب بالحبس الذي لا تزيد مدته على سنة وبغرامة تساوي ضعف المبلغ المرسل".

الخبير القانوني والمحامى هشام الكودى