شهد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء صباح اليوم؛ فعاليات افتتاح المؤتمر الدولي الخامس والعشرين للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، بمدينة السلام شرم الشيخ بمشاركة وفود من 190 دولة، المقام تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، وذلك بحضور رؤساء الأجهزة العليا للرقابة من مختلف دول العالم والمنظمات الإقليمية والهيئات الدولية ذات الصلة.
وخلال فعاليات المؤتمر تسلمت مصر، ممثلة في الجهاز المركزي للمحاسبات، رئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (الإنتوساي) لثلاث سنوات مقبلة، حيث قام فيتال دي ريجو، رئيس المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية (الانتوساي) المنتهية ولايته، رئيس محكمة الحسابات الفيدرالية البرازيلية، بتسليم رئاسة المنظمة إلى المستشار محمد الفيصل يوسف، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.
ويعد هذا الاختيار تتويجا لمسيرة طويلة من العمل المؤسسي الجاد، والدور الريادي الذي اضطلعت به مصر في دعم قيم النزاهة وتعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد، بما يجعل من رئاستها القادمة اختيارًا صادف أهله، حيث تمتلك الدولة، ممثلة في جهازها الرقابي -الأقدم في المنطقة- من الخبرة والقدرة والجاهزية ما يؤهلها لقيادة المجتمع الرقابي الدولي نحو مرحلة جديدة من الفاعلية والاستجابة للتحديات المعاصرة.
وعن دور مصر في المجتمع الرقابي الدولي، تمت الإشارة إلى أنه منذ انضمام مصر إلى المنظمة عام 1963، انخرط الجهاز المركزي للمحاسبات في عدد من مجموعات العمل داخل الإنتوساي، فضلًا عن ترؤسه مجموعة العمل المعنية بمكافحة الفساد وغسل الأموال، وأسهم من خلال مشاركاته الفاعلة في تطوير الأدبيات الرقابية العالمية، عبر بحوث ودراسات ومقالات علمية نوعية، عززت من مكانته داخل المجتمع الرقابي الدولي.
وعلى المستوى الإقليمي، اضطلع الجهاز بدور محوري داخل منظمة الأفروساي، حيث واصل دعمه للأجهزة الرقابية الإفريقية من خلال التدريب ونشر المعرفة المهنية، ورئاسة تحرير المجلة الإفريقية الشاملة التي لا تزال تصدر تحت إشرافها حتى اليوم.
وفي هذا الإطار، عزز الجهاز المركزي للمحاسبات مكانته الدولية كمؤسسة رقابية موثوقة، حيث يقوم بدور المراجع الخارجي لعدد من المنظمات التابعة للأمم المتحدة، من بينها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) ومنظمة الأمم المتحدة للسياحة، كما فاز مؤخرًا بمنصب المراجع الخارجي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لمدة ست سنوات تبدأ في عام 2026.
كذلك اضطلع الجهاز بمهمة المراجع الخارجي للاتحاد الإفريقي، بما يعكس الثقة الدولية والإقليمية في قدراته المهنية، واستقلاليته، وكفاءته في صون المال العام وتدقيق موارد المنظمات الدولية الكبرى.
وتمثل رئاسة مصر للإنتوساي انطلاقة جديدة للمجتمع الرقابي الدولي في مواجهة أزمات عالمية متشابكة؛ تشمل التغير المناخي، وتمويل التنمية المستدامة، وارتفاع معدلات التضخم والفقر، والتحديات المرتبطة بالفساد في المؤسسات الحكومية.
وتتبنى مصر رؤية شاملة تعزز التكامل بين الرقابة والتنمية، عبر استخدام الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في أعمال المراجعة العامة، بما يُحدث نقلة نوعية في أدوات العمل الرقابي، ويجعلها أكثر قدرة على رصد الإنفاق العام وتحليل البيانات وتعزيز الشفافية.
وتأتي رئاسة مصر للإنتوساي في وقت دقيق يشهد تحولات اقتصادية عالمية متسارعة، ما يجعل الدور الرقابي أكثر أهمية من أي وقت مضى في خدمة الحكومات والشعوب على السواء، وصون الثروات العامة وتحقيق العدالة في توزيع موارد التنمية.
وترتكز الرسالة التي تحملها مصر على مبدأ: «نعمل بالعدل.. من أجل غدٍ أفضل للشعوب»، تأكيدًا على أن تعزيز الدور الرقابي ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لخدمة الإنسان وصيانة مقدرات الدول، وبناء مستقبل تتوازن فيه العدالة مع التنمية، وتتكافأ فيه فرص الشمال والجنوب في مواجهة الأزمات العالمية.
وفي كلمته عقب تسلم رئاسة الإنتوساي، أكد المستشار محمد الفيصل يوسف، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، على التزام الجهاز المركزي للمحاسبات برسالة الإنتوساي، المتمثلة في الاستقلالية والحيدة والنزاهة، ومواصلة مسيرتها في خدمة أهداف المراجعة العامة والحوكمة المالية والإدارية على المستوى العالمي، دعمًا لاستدامة التنمية، وتعزيزًا للنمو الاقتصادي، ورفعًا لكفاءة الأداء العام.
وأضاف:“يؤكد الجهاز التزامه هذا مع إدراكه العميق لأوضاع الاقتصاد العالمي الراهنة، ولمقتضيات اللحظة الحاضرة في المسار التاريخي للعمل الرقابي، فمع تسارع التطور التكنولوجي تتعاظم الفرص وتتعاظم أيضًا التحديات، وتتجاوز أجهزة الرقابة مفهوم التدقيق بعد الفعل إلى الاستشراف قبل القرار، فتغدو أداة للوقاية بقدر ما هي وسيلة للكشف، وتصبح بذلك شريكًا أساسيًا في صناعة القرار العام ومرتكزًا رئيسًا للإصلاح والتوازن المؤسسي.”
وعلى هامش الفعاليات ، عقد الجهاز المركزي للمحاسبات جلسة نقاشية بعنوان “آفاق الذكاء الاصطناعي في المراجعة العامة ... الطريق نحو حوكمة مستدامة”
ناقشت دور التقنيات الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي في تطوير منظومات الحوكمة وتعزيز الشفافية والاستدامة داخل مؤسسات الدولة.
شارك في الجلسة الدكتورة نجوى بدر، رئيس جامعة شرق لندن – فرع القاهرة بالجامعات الأوروبية، والدكتور أحمد درويش، وزير التنمية الإدارية الأسبق، والدكتور علي فهمي، عميد كلية الذكاء الاصطناعي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا،والأستاذ عثمان عزب، مدير فرع ISACA بالقاهرة، هشام فاروق مستشار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتطوير التكنولوجي، والسيدة هايدي مرزم، مسؤولة التواصل والمعلومات بمنظمة اليونسكو.
استهل الدكتور أحمد درويش النقاش بالتأكيد على أهمية بناء نماذج وطنية للذكاء الاصطناعي تُصمَّم وتُدرَّب على بيانات محلية تعكس خصوصية البيئة المصرية، بدلاً من الاعتماد الكامل على النماذج الأجنبية مثل ChatGPT وGemini وDeepSeek.
وأوضح أن معظم النماذج العالمية تحمل قدراً من التحيز المعرفي والثقافي لأنها تعتمد على بيانات تم جمعها في بيئات مختلفة، مشيراً إلى أن الدول النامية بحاجة إلى تطوير نماذج أصغر موجهة لمشكلات محددة يمكن تدريبها محلياً بموارد محدودة، لتكون أكثر فاعلية في دعم متخذي القرار داخل المؤسسات الحكومية. كما أكد أن تبنّي مثل هذه النماذج سيسهم في رفع كفاءة العمل الحكومي وتمكين الكوادر الوطنية من التعامل بفعالية مع التقنيات الحديثة.
فيما استعرض الدكتور على فهمي عدداً من النماذج الدولية الناجحة التي وظّفت الذكاء الاصطناعي في دعم نظم الرقابة والحوكمة، مثل تجربة المملكة المتحدة في تحليل بيانات الضرائب، وتجربة الاتحاد الأوروبي في تسريع عمليات المراجعة، ومبادرات كلٍّ من البرازيل وكوريا الجنوبية في بناء نظم وطنية ذكية لمتابعة المال العام. وأكد أن نجاح هذه التجارب لا يعتمد فقط على قوة الخوارزميات، بل يرتكز على بنية بيانات موحدة، ونماذج قابلة للتفسير، ومشاركة بشرية فعالة في اتخاذ القرار، وضمانات أخلاقية واضحة تنظم عملية الاستخدام وتحافظ على الخصوصية والأمن المعلوماتي، مع ضرورة عدم الاكتفاء بالمراجعة العادية ولكن المراجعة الاستباقية لتفادي الأخطاء قبل حدوثها.
من جانبه، أشار هشام فاروق إلى جهود الدولة المصرية في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2025–2030، والتي تستهدف بناء منظومة متكاملة تشمل الحوكمة والبنية التحتية والكوادر البشرية. وتم استعراض التوجه نحو منهجية البيانات المفتوحة (Open Data) التي أطلقتها وزارة الاتصالات، بما يتيح مشاركة البيانات بين الجهات الحكومية بشكل آمن ومسؤول لتغذية النماذج الذكية وتحسين عملية صنع القرار.
واختتمت هايدي مرزم الجلسة بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة واعدة لتعزيز الحوكمة المستدامة في مؤسسات الدولة، شريطة أن يُستخدم في إطار من الشفافية والمساءلة، وأن يظل العنصر البشري محور القرار النهائي وضامن التوازن بين التطور التقني والقيم الأخلاقية في إدارة المال العام.