"محكمة النقض" تحسم الجدل: النفقة حق للحاجة لا وسيلة للانتقام.. والحكم يضع حداً لإساءة استخدام القانون"
دعوي غريبة لزوج: زوجتي خربت بيتي وتركتني مهدد بالسجن بعد شرائها فرش بـ 150 ألف جنيه
بين حماية الحقوق والانتقام الأسري.. "نفقة الفرش والغطاء" تثير الجدل في خلافات الأزواج والزوجات حولها، لنقرأ داخل دفاتر القضايا في محاكم الأسرة، عن شكاوى غريبة من نوعها، لزوجات يطالبن بها باعتبارها حقًا شرعيًا وواجبة لضمان حياة كريمة لها، وأزواج يتهمونهن باستخدامها كوسيلة للانتقام أو الضغط للحصول على الطلاق، ويرؤا تجارب أليمة ترصد وقائع دفعوا فيها الثمن غاليا من تعرضهم للحبس والتشهير والسطو على ممتلكاتهم تحت ذريعة المطالبة بنفقة مفروشات بمبالغ باهظة.
وتلقت محاكم الأسرة العديد من قضايا نفقة "الفرش والغطاء" خلال هذا العام، حيث تستند بعض الزوجات إلى هذا البند للمطالبة بحقوق مالية، بينما يتهم الأزواج الطرف الآخر باستغلال النص القانوني للضغط والحصول على الطلاق أو إصدار أحكام بالحبس..وبين القانون والواقع، تتباين المواقف حول مدى مشروعية هذه الدعاوى وحدود استخدامها، وتتزايد التساؤلات حول الحق المشروع وسوء الاستعمال؟
ومن خلال سجلات محاكم الأسرة نري بعض الزوجات لجأن إلى استخدام هذا البند كذريعة للحصول على الطلاق أو إصدار أحكام بالحبس ضد أزواجهن، عبر إثبات امتناع الزوج عن السداد أو تأخير دفع المبلغ المستحق..ليشكو الزوج من ملاحقته بـ16 دعوى حبس من زوجته والسبب خلاف على مفروشات للمنزل.
وأكد الزوج بدعوى النشوز، أمام محكمة الأسرة بأكتوبر:" زوجتي اتهمتني بالتخلف على دفع نفقات فرش وغطاء ونفقة ملبس ومصروفات مرافق لمسكن الزوجية، وأصبحت تلاحقني كل يوم بدعوي قضائية لتنتقم مني، ودفعي لشراء مستلزمات لها، لدرجة دفعتها لهجري 8 شهور، ورفضها دخولي منزل الزوجية، واتهامي بالتزوير والتبديد".
وأشار الزوج بعد زواج دام 13 عاما، بهدلتني فى المحاكم، وأعلنت أمام أهلى وجيراني أنها لا تحبني، لأعاني بسبب لسانها السليط، وبعدها قررت تطليقي والاستيلاء على أموالى.
ويرؤي زوج أخر معاناته قائلا "زوجتي خربت بيتي وتركتني مهدد بالسجن بعد شرائها فرش بـ 150 ألف جنيه".. وذلك أثناء ملاحقته زوجته بدعوي حبس بسبب سبها وقذفها له وتسببها فى جعله مديون بسبب اقتراضها من كل معارفهم أموال ومطالبته بالسداد، بعد أن ضيع شقي عمره عليها – وفقا لوصفه بشكواه أمام المحكمة- .
واتهم الزوج زوجته بالخروج عن طاعته وتعنتها لإلحاق الضرر به، وتقاضيها نفقات غير مستحقة وملاحقتها له بالنفقات، رغم تقاضيها نفقات شهرية تجاوزت 16 ألف جنيه، مشيرا :"زوجتي وعائلتها انهالوا على بالضرب المبرح داخل شقتي، وتركوني غارق في دمائي ولو الجيران ومساعدتهم لي وإبلاغهم الإسعاف لاصطحابي لكنت فقدت حياتي بسبب عنفهم ضدي، بعد أن أصبت بجروح وإصابات خطيرة".
وفي المقابل، هناك زوجات يعانين فعلًا من تعنت الأزواج في الإنفاق أو التهرب من المسؤولية، ما يدفعهن للجوء إلى القضاء كملاذ أخير.
وبالتعليق على تلك الإشكالية قال المحامي محمد جمال أن القانون يقف في صف الزوجة طالما ثبت امتناع الزوج عن الإنفاق، لكن في المقابل يمكن للزوج أن يثبت إساءة استخدام الحق في التقاضي إذا كان الهدف من الدعوى الإضرار به، مشيرا إلي أنه هناك حالات زوجات رفعن دعاوى نفقة رغم استمرار الحياة الزوجية، وأخريات خسرن حقهن بعد ثبوت البلاغ الكيدي.
وأضاف المختص بالشأن الأسري أنه وفقًا لقانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1920 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985، يلزم الزوج بالإنفاق على زوجته ما دامت في عصمته، وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن والعلاج وكافة ما يقضي به العرف، بما في ذلك الفرش والغطاء.
ونصت المادة الأولى من القانون على أنه تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه، وتشمل الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضي به الشرع، وفي حال امتناع الزوج عن أداء النفقة دون عذر، يجوز للزوجة رفع دعوى قضائية تطالبه بالنفقة بأثر رجعي لمدة سنة، كما يمكنها إقامة دعوى "حبس متجمد نفقة" إذا امتنع عن التنفيذ، وتصل العقوبة إلى الحبس مدة لا تجاوز سنة طبقًا للمادة (76 مكرر) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن الأحوال الشخصية.
خبراء قانونيين حذروا من سوء استغلال النصوص القانونية
يقول المستشار القانوني تامر هلال، أن القانون لا يجرم لجوء الزوجة إلى القضاء، لكنه يرفض إساءة استخدام الحق في التقاضي.. فإذا تبين للمحكمة أن الزوجة تتعمد رفع دعاوى متكررة رغم استمرار الحياة الزوجية أو تسوية الخلاف، فيجوز للزوج تقديم بلاغ للنيابة لإثبات البلاغ الكيدي أو طلب تعويض عن الضرر الأدبي والمادي.
-"سابقة قضائية مهمة": النقض تؤكد بطلان دعاوى النفقة المستخدمة للإضرار بالزوج"
وأشار إلي أنه في سابقة قضائية مهمة، أكدت محكمة النقض في الطعن رقم 56 لسنة 64 قضائية، جلسة 15/3/2005 أن النفقة لا تُفرض إلا عند قيام الزوجية الصحيحة أو بانقضائها مع وجود سبب موجب، مشددة على أن الزوجة لا يجوز لها المطالبة بما يتجاوز حاجتها الفعلية أو استخدام الدعوى كوسيلة للإضرار بالزوج أو الضغط عليه وإجباره على الطلاق، وهذا الحكم يمثل رسالة واضحة للحد من إساءة استخدام دعاوى النفقة، التي تحوّلها بعض الزوجات في بعض الحالات إلى وسيلة انتقام أو وسيلة ضغط على الأزواج في نزاعات الطلاق والانفصال.
وأكدت المحكمة في حيثياتها أن النفقة تستند إلى مبدأ احتياج الزوجة الفعلي ومقدرة الزوج المالية، وليس إلى الرغبة في العقاب أو تحقيق مكاسب غير مستحقة، مشيرة إلى أن الحق في النفقة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بوجود رابطة زوجية صحيحة أو بقاء آثارها الشرعية بعد الانفصال كالعدة أو الحضانة.
ويرى المختص القانوني أن الحكم يعيد التوازن بين حقوق الزوجات وواجبات الأزواج، ويمنع إساءة استخدام النصوص القانونية، خصوصًا في ظل تزايد دعاوى النفقة التي ترفع لأغراض أخرى غير الإنفاق، مثل الضغط للحصول على الطلاق أو تعويضات مادية مبالغ فيها.
وينصح المحامي المختص الأزواج والزوجات قبل اللجوء إلى محكمة الأسرة بالتفاهم الودي أولاً ومحاولة تسوية الخلاف داخل الأسرة أو عبر وسيط عائلي قبل اتخاذ أي إجراء قانوني، الاستعانة بمختص في قضايا الأحوال الشخصية لتقدير الحقوق بدقة وتجنب الخطوات الخاطئة، مع ضرورة الاحتفاظ بالمستندات والفواتير التي تثبت الإنفاق أو الامتناع عنه، لتقديمها أمام المحكمة عند الحاجة، وتجنب الدعاوى الكيدية، لأن إثبات سوء النية يعرض الطرف المدعي للمساءلة القانونية والتعويض.