وقع لبنان وإسرائيل اتفاق إطلاق النار فى نوفمبر الماضى لينهى أشهر من نزيف الدماء متى الحرب الإسرائيلية على الأراضى اللبنانية ؛ ولكن اتفاق وقف إطلاق النار لم ينه الصراع فى الجنوب، حيث أن إسرائيل ظلت متشبثة بخمس نقاط قالت إنها لحفظ أمن المستوطنات فى الشمال الإسرائيلى؛ فهى تقول إن حزب الله لا يزال يحتفظ بمخازن السلاح فى الجنوب مما يشكل تهديدا على أمنها القومى.
أمام هذا الوضع نادت الدولة اللبنانية بتسليم السلاح غير الشرعى للجيش اللبنانى فى المخيمات الفلسطينية فى لبنان وحزب الله.
وأقرت الحكومة فى اجتماع 5 أغسطس بقرار نزع السلاح خارج الدولة وفى سبتمبر الماضى وافقت على خطة الجيش التنفيذية لحصر السلاح.
وبدأ الجيش بتسلم السلاح بمخيمات برج البراجنة والبداوى وعين الحلوة؛ تطبيقًا لمقررات القمة اللبنانية–الفلسطينية التى عقدت فى 21 مايو الماضى بين الرئيسين اللبنانى جوزيف عون والفلسطينى محمود عباس، والتى أكدت سيادة لبنان على كامل أراضيه، وبسط سلطة الدولة، وتطبيق مبدأ حصرية السلاح.
وقف إطلاق النار
وبقى موقف حزب الله ومعه دعم إيرانى متمسكا بسلاحه بذريعة مساندة غزة والدفاع عن أمن لبنان.
ومع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، تبادر إلى الأذهان تساؤل آخر حول انعكاس هذا الاتفاق على الأوضاع فى جنوب لبنان؛ وإطلاق النار الذى لا يزال مستمرا من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى؟.
يجيب عن هذا التساؤل الخبير العسكرى اللبنانى العميد جورج نادر؛ حيث أكد أن اتفاق غزة سيكون له تداعيات إيجابية على الوضع فى لبنان؛ حيث أن "حزب الله" سيشعر بأنه أصبح وحيدا وليست هناك معارك يكون هو طرفا فيها؛ ويمكن أن يخضع لمفاوضات تسليم السلاح إلى الجيش اللبنانى وهو القرار الذى تم الإعلان عنه فى أغسطس الماضى ولم يتجاوب معه الحزب.
اليوم الوضع أصبح مختلفا فمع تجارب حماس للتفاوض مع الطرف الإسرائيلى لحقن الدماء؛ سيصبح الحزب مجبرا على المسلك نفسه، وتسلمين السلام هو الشرط الذى وضعته إسرائيل لوقف القصف فى الجنوب اللبنانى؛ فإذا سلم حزب الله سلاحه ستبطل الذرائع الإسرائيلية للتواجد فى الخمس مناطق بالجنوب اللبناني.
وأكد العميد جورج، أن الدولة اللبنانية ستكون هى القائدة للمرحلة القادمة وسيكون السلاح خصروف فى يد الجيش اللبنانى وهو ما يجب أن يكون.
وقد بدأت بعض المخيمات الفلسطينية فى تسليم السلاح وهذا مؤشر إيجابى على المضى قدمًا بنجاح فى خطة الدولة.
كما أن تجاوب "حماس" مع خطة وقف اطلاق النار فى غزة سيكون له ارتدادات ايجابية على المنطقة ولبنان، لأن إذا كان القرار المركزى لحركة حماس قد تخلى عن السلاح فى المنطقة الأساسية للصراع، أى غزة، ولوجود وأهداف "حماس" أساسًا، فبطبيعة الحال لم يعد هناك من ضرورة لبقاء السلاح فى المناطق الاخرى خاصة فى لبنان"، فدخول حماس فى هذا الاتفاق سينعكس مرونة وتجاوبًا مع الجيش اللبنانى والحكومة فى لبنان فى موضوع السلاح الفلسطينى داخل المخيمات، بما يتعلق بـ"حماس".
وشدد على أن لبنان لم يعد يتحمل مزيدا من إراقة الدماء ولابد من البدء بإعادة بناء ما قد هدمته الحرب الشعواء ومن يحب لبنان يسعى لإرساء السلام على أرضه.
ومن جانبه؛ شدد الرئيس اللبنانى جوزيف عون، على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضى اللبنانية التى لا تزال تتواجد فيها، معتبرًا أن عدم تحقيق ذلك يعرقل خطة حصر السلاح بيد الدولة.
وطالب عون الاتحاد الأوروبى بالضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضى اللبنانية وإعادة الأسرى اللبنانيين، لضمان استقرار البلاد وتنفيذ خطة حصر السلاح.
وقال عون، إن "لبنان يطالب الدول الصديقة، وفى مقدمتها دول الاتحاد الأوروبى، بالضغط على إسرائيل، كى تنسحب من الأراضى التى تحتلها، وتوقف اعتداءاتها اليومية وتعيد الأسرى اللبنانيين".
سلاح المخيمات
على صعيد متصل؛ يباشر الجيش اللبنانى، عملية تسليم السلاح فى مخيمى "عين الحلة " والبداوى، جنوب لبنان، وذلك وفق القرار الذى أصدره مجلس الوزراء اللبنانى مطلع أغسطس الماضى بحصر السلاح بيد الجيش، وكانت منظمة التحرير الفلسطينية أول من قام بالخطوة فى "عين الحلوة"، أن تتبعها باقى الفصائل.
وقد بدأت عملية تسليم السلاح الفلسطينى فى أغسطس الماضى بمخيمات الرشيدية والبص والبرج الشمالى فى مدينة صور جنوبى لبنان إلى الجيش اللبنانى، حيث خرجت سبع شاحنات محمّلة بالأسلحة الخفيفة وقذائف الـB7، ودخلت إلى ثكنة فوج التدخل الثانى فى الشواكير وفق الوكالة الرسمية للإعلام فى لبنان.
وهناك شاحنات تقوم بجمع القذائف الصاروخية والرشاشات الثقيلة، وتعد هذه "خطوة أولى" فى إطار عملية التسليم، ويشمل السلاح الذى تم تسليمه قطعًا قديمة إلى جانب قذائف صاروخية أبرزها من نوع "فراغي" و"شامل" و"غراد"، كذلك تم تسليم عدد من الدوشكات مع رشاشين من نوع 500 وقذائف آربى بى جى وذخائر، هذه الأسلحة التى تقدر أعدادها بالعشرات كانت موجودة بحوزة "فتح" فقط، لكن المناطق التى تسيطر عليها الجماعات المسلحة أو فصائل فلسطينية أخرى، لم تبدأ عملية التسليم حتى الآن بينما الجهود والاتصالات لاحتوائه مستمرة ولم تتوقف.
ومن جانبه، قال مسؤول العلاقات العامة والإعلام فى قوات "الأمن الوطنى الفلسطيني" المُقدم عبد الهادى الأسدى، إنه تمت اليوم عملية استكمال تسليم السلاح الفلسطينى من مُخيمى عين الحلوة والبداوى إلى الجيش، مؤكدًا أن العملية جرت بسلاسة وهدوء تام خلافًا لما كان تُراهن عليه بعض الجهات التى سعت للتشويش على عملية التسليم".
وذكر الأسدى، أن عملية التسليم هذه تأتى استكمالًا لعملية تسليم السلاح الموجود بحوزة منظمة التحرير الفلسطينية فى المُخيمات، تنفيذًا للقرارات الرئاسية الصادرة عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وأكد الأسدى، أنه جرى تسليم 3 شاحنات من مخيم البداوى بالإضافة إلى 5 شاحنات من مخيم عين الحلوة، وأضاف: "بذلك، سيكون الرئيس عباس قد وفى بما وعد به الدولة اللبنانية بمعالجة ملف سلاح المخيمات، على أن يتم العمل على إعطاء الفلسطينيين فى لبنان حقوق العمل والتملك والحقوق الإنسانية والإجتماعية إلى حين العودة".
موقف حزب الله
فى سبتمبر الماضى جدد حزب الله رفضه تسليم السلاح، وقال قاسم فى ذكرى مقتل حسن نصر الله بغارة إسرائيلية استهدفت مقرات لحزب الله فى ضاحية بيروت الجنوبية: "نرفض تسليم السلاح وسنخوض مواجهة كربلائية".
واعتبر أن قرار الحكومة نزع سلاح حزب الله يعد "خطيئة"، وتابع: "سنواجه أى مشروع يخدم إسرائيل ولو ألبسه البعض الطابع الوطني".
وحذر أمين عام حزب الله الحكومة، قائلا إن "السفينة ستغرق بالجميع"، مؤكدا أن "إسرائيل هى الخطر المركزى للمنطقة".
ويواجه الحزب ضغوطا لتسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية.
وتدرج الحكومة قرارها فى إطار الوفاء بالتزاماتها الواردة فى اتفاق وقف اطلاق النار الذى أبرم بوساطة أمريكية، وأنهى الحرب بين حزب الله وإسرائيل فى 27 نوفمبر من العام الماضى بعد قرابة السنة من مواجهة دامية.
ونص الاتفاق على حصر حمل السلاح بالأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية الرسمية.
ورغم سريان وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، يواصل الجيش الإسرائيلى شن ضربات على ما يصفها بـ"أهداف عسكرية" تابعة للحزب، خصوصا فى الجنوب، ويقول إنه لن يوقف ضرباته ما لم تنزع السلطات سلاح الحزب.