أكد كتاب رئيس الجمهورية المتعلق بالاعتراض على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والذي عُرض على الجلسة العامة لمجلس النواب، أن الاعتراضات انصبت على ثمانية مواد أساسية رأت مؤسسة الرئاسة ضرورة إعادة النظر فيها، تحقيقاً للتوازن الدقيق بين مقتضيات العدالة الجنائية وضمانات الحقوق الدستورية المكفولة للأفراد.
وقد جاءت هذه الاعتراضات لتؤكد بجلاء التزام الدولة المصرية بإحترام أحكام الدستور وحماية الحقوق والحريات العامة، وبصفة خاصة حرمة المساكن والحرية الشخصية التي تُعد من أقدس الحقوق التي لا يجوز المساس بها إلا في أضيق الحدود ووفقاً لضوابط صارمة.
الاعتراض على المادة "48" بشأن حرمة دخول المساكن
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على شرح الاعتراض على المادة "48"، فمن أبرز هذه الاعتراضات ما ورد بشأن المادة "48" من مشروع القانون، إذ خلت من وضع تعريف محدد ودقيق لـ"الخطر" الذي يجيز دخول المساكن، وهو ما قد يفتح الباب أمام تفسيرات فضفاضة تُهدد حرمة المنازل وتسمح بالتوسع في منح السلطات صلاحيات استثنائية على حساب الحريات الدستورية للأفراد – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض هانى صبرى.
في البداية - إن حماية حرمة السكن لا تُعتبر مجرد نص قانوني، بل هي ضمانة جوهرية لصون الحرية الشخصية ومنع التعسف في استعمال السلطة، وهو ما أكدت عليه المادة "57" من الدستور المصري التي نصت على أن: "حرمة الحياة الخاصة مصونة، وحرمة المنازل مكفولة، ولا يجوز دخولها أو تفتيشها أو مراقبتها إلا بأمر قضائي مسبب، وفقاً لأحكام القانون" – وفقا لـ"صبرى".
وإيماناً بأهمية هذا الحق، فإن إعادة صياغة المادة (48) يجب أن تكون على النحو التالي:
النص المقترح للمادة "48": "لا يجوز دخول أي مسكن أو تفتيشه إلا في الأحوال التي يحددها القانون، وبأمر قضائي مسبب يبين الضرورة والغاية منه، وذلك في حالات الخطر الداهم المحدد الذي يهدد حياة الأشخاص أو أمن المجتمع أو المصالح الجوهرية المحمية بالقانون، وبالقدر اللازم لدفع هذا الخطر فقط" – الكلام لـ"صبرى".
تهدف الصياغة المقترحة إلى:
1. سد الفراغ التشريعي الذي قد يفتح الباب لتفسيرات موسعة تمس بالحريات.
2. تحديد الخطر الداهم بشكل حصري يقتصر على ما يهدد حياة الأفراد أو أمن المجتمع، مع منع أي تعسف في التقدير.
3.ربط دخول المساكن حصراً بأمر قضائي مسبب يوضح الضرورة والغاية من الإجراء.
4. تحقيق التوازن بين مقتضيات مكافحة الجريمة وضمانات الحريات العامة.
الأسانيد الدستورية والقانونية:
• المادة "57" من الدستور: حرمة المساكن مصونة ولا يجوز انتهاكها إلا بأمر قضائي مسبب.
• المادة "54": الحرية الشخصية حق طبيعي مصون لا يُمس، ولا يجوز تقييدها إلا بأمر قضائي مسبب.
• المادة "58": شددت على أن دخول المساكن لا يتم إلا وفقاً للقانون وبأمر قضائي محدد.
رأى محكمة النقض في الأزمة
• قضت محكمة النقض في الكثير من أحكامه على هذا الحكم بأن: "إذن التفتيش إجراء خطير يمس حرية الأفراد وحرمة مساكنهم، فلا يجوز أن يصدر إلا بضوابط صارمة تضمن مشروعيته وتحدد نطاقه"، طبقا للطعن رقم 1265 لسنة 42 قضائية، كما أكدت في أحكامها أن: "حرمة المسكن لا يجوز المساس بها إلا في الحدود التي رسمها الدستور والقانون، وأي مساس بها دون سند قانوني أو قضائي باطل بطلاناً مطلقاً".
أحكام المحكمة الدستورية العليا:
• قضت بأن: "حرمة المسكن لصيقة بالحق في الحياة الخاصة، وهو من الحقوق الدستورية الأصيلة التي لا يجوز المساس بها إلا للضرورة وبالقدر الذي يحدده القانون"، طبقا لحكم 2 يونيو 2002، وأكدت أن أي مساس بحرمة المساكن دون إذن قضائي مسبب يمثل عدواناً صارخاً على الحرية الشخصية المكفولة دستورياً.
أهمية الاعتراضات الرئاسية:
* منع الغموض التشريعي الذي قد يهدد الحقوق الدستورية.
* تعزيز الضمانات القانونية التي تضع حداً للتفسيرات الواسعة.
* التأكيد على أن مكافحة الجريمة لا يجب أن تكون على حساب الحريات.
وفى الأخير يقول "صبرى": وختاماً نري إن الاعتراضات الرئاسية على المادة "48" تُعد خطوة محورية في بناء منظومة عدالة جنائية أكثر عدلاً وتوازناً، حيث تؤكد حرص الدولة على أن تظل حرمة المساكن والحرية الشخصية مصونة، وأن تكون أي استثناءات محكومة بضوابط دقيقة لا تحتمل التأويل أو التوسع، وبالتالي فإن النص المقترح منا، يُمثل الضمانة الحقيقية لتحقيق التوازن بين حماية الحقوق الدستورية وتمكين السلطات من أداء مهامها في مكافحة الجريمة دون إفراط أو تفريط.