أصدرت محكمة الطفل - الدائرة الإستئنافية - بمحكمة شرق طنطا الإبتدائية، حكماً قضائياً يُجسد قيمة العدالة داخل أروقة المحاكم المصرية، ببراءة طفل يبلغ من العمر 13 سنة، من تهمة سرقة قطع ذهبية وأموال رغم اعترافه بواقعة السرقة، مع إيداعه إحدي دور الرعاية الاجتماعية بوصفه طفلاً معرضاً للخطر وليس محكوماً عليه، وإحالة الأوراق للنيابة العامة لإتخاذ شئونها حيال واقعة الإتجار بالبشر المثارة بالأوراق من قِبل المحرضين لواقعة السرقة للطفل.
صدر الحكم في إستئناف المتهم، المقيد بجداول المحكمة برقم 1630 لسنة 2024 جنح طفل شرق طنطاء طعناً علي الحكم الصادر في القضية الرقيمة 24 لسنة 2024 جنح طفل قسم ثالث المحلة، برئاسة المستشار أحمد محمد صبح، وعضوية المستشارين محمد عبد المنعم لاشين، وجلال بهاء، وبحضور كل من محمد الشيخ، وكيل النائب العام، وأمانة سر وائل نبيل، والخبيرين الاجتماعيين تامر عبدالقادر، وصباح محمد.
الوقائع.. اتهام طفل يبلغ من العمر 13 سنة بالسرقة
بعد سماع تقرير التلخيص الذي تلاه السيد الدائرة وتلاوة أمر الإحالة والإطلاع على الأوراق وسماع المرافعة، ومطالعة تقرير المراقب الاجتماعي ورأى الخبيرين الاجتماعيين والمداولة قانوناً: حيث أن النيابة العامة اتهمت المتهم الماثل، لأنه في يوم 24 أبريل 2024 - بدائرة قسم ثالث المحلة - محافظة الغربية، سرق المنقولات المبينة وصفا وقدرا بالأوراق "خاتم ذهب وهاتف محمول ومبلغا مالياً" والمملوكة للمجني عليها "مني. ج"، وكان ذلك من مسكنها على النحو المبين بالتحقيقات وطلبت عقابه وفقا لمقتضي نصوص المادة 317 أولا من قانون العقوبات، والمواد أرقام 95، 111، 122/ مكرر من القانون رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 2008.
وأرفق بالأوراق أصل شهادة ميلاد المتهم والذي ثبت بمطالعتها أن تاريخ ميلاده 13 سبتمبر 2011 بما مفاده أن عمره إثني عشر عاماً تقريبا، كما أودع المراقب الاجتماعي تقريره المرفق والذي انتهى إلى نتيجة مؤداها ايداع المتهم احدي دور الرعاية الاجتماعية، وذلك عقب أن ضمن تقريره فحصاً كاملاً لحالة المتهم التعليمية والنفسية والعقلية والاجتماعية إعمالاً لنص المادة 127 من القانون رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، هذا وقد أبديا الخبيرين "الأخصائيين الاجتماعيين" رأييهما، وذلك إعمالاً لنص المادة 121/1 من ذات القانون عالية والمحكمة ناقشتهما تفصيليا فيما أورداه بالتقرير، وبسؤال المجني عليها "مني. ج" بمحضر جمع الاستدلالات قررت بقيام المتهم بسرقة منقولاتها سالفة الذكر من مسكنها وتسليمها لمن تدعي "منى. ف"، وأرفق بالأوراق تحريات مباحث محررة بتاريخ 4 مايو 2024 بمعرفة الرائد فوزي الموافي - رئيس وحدة مباحث قسم ثالث المحلة - أثبت فيها أن تحرياته السرية أسفرت عن صحة الواقعة.
محكمة أول درجة تقضى بإيداع الطفل إحدي دور الرعاية الاجتماعية كونه "متهم"
وحيث قدمت الأوراق للمحاكمة الجنائية أمام محكمة أول درجة، وتداولت الدعوي بالجلسات، وبجلسة 30 مايو 2024 حكمت المحكمة حضوريا بإيداع المتهم إحدي دور الرعاية الاجتماعية، ولم يرتض المتهم ذلك الحكم، فطعن عليه بالاستئناف بموجب تقرير أودع قلم كتاب المحكمة بتاريخ 1 يونيو 2024 .
وتداولت الدعوي بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها وفيها مثل المتهم بشخصه ولم يحضر معه محام، فانتدبت له المحكمة محام كمدافع عنه، وهو المحامى أحمد اسماعيل حجازى، وطلب البراءة تأسيسا على انتفاء صلة المتهم بالواقعة وعدم المعقولية، والمحكمة ناقشت المتهم بعد موافقة دفاعه، فأقر أمامها بارتكابه الواقعة السرقة موضوع المحاكمة، وقرر أنه سرق المنقولات المملوكة للمجني عليها بإيعاذ وتحريض من احدي السيدات تدعي "مني. أ"، تقطن في منطقة .... الدائرة قسم أول المحلة في مقابل أنها توفر له طعاماً وماوي للمبيت فيه، وأنه تعرف عليها من خلال أطفالاً آخرين تستغلهم الأخيرة بذات الكيفية وأنها تعاقبه وتلحق به الأذي، وتنزل به الجراح إذا ما امتنع عن امدادها بالمسروقات لتقوم هي ببيعها لاحقا، والمحكمة ناظرت المتهم، فتبين لها وجود آثار الإصابات قطعية ملتئمة بالساعد الأيمن والأيسر لم يتم حياكتها طبياً وآثاراً أخري لحروق بالذراعيين، فسألته عن سبب تلك الإصابات، فأجاب بأن أتباع تلك السيدة هم من أحدثوها به.
"الطفل" يطعن على الحكم لإلغاءه
وفى تلك الأثناء - فقررت المحكمة الاستعلام من مباحث قسم شرطة أول المحلة عما إذا كان هناك إحدي السيدات بذات الاسم والأوصاف من ضمن المقيدين بأرشيف وحدة التسجيل الجنائي من عدمه، وفي أثناء التحقيق مع المتهم ورد الرد مدعماً بصوراً فوتوغرافية بوجود سيدتين تحملان ذات اسم الشهرة – "منى. أ" الأولي تدعي "مني. ف"، والثانية تدعي "مني. ع"، فعرضت المحكمة الملفين علي المتهم فتعرف علي السيدة الأولي التي تدعي: "مني. ف"، وقرر أنها هي ذاتها السيدة التي حرضته على ارتكاب الواقعة على النحو السالف بيانه، فقررت المحكمة طلب تحريات قطاع وسط الدلتا لمكافحة جرائم الهجرة الغير شرعية والاتجار بالبشر التابع للإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة.
وبتاريخ 10 يونيو 2024 وردت تحريات الجهة سالفة الذكر محررة بمعرفة الرائد أحمد السويدي والتي أسفرت عن صحة وحقيقة الواقعة من قيام من تدعي: "مني. ف"، وشهرتها "مني. أ" بتكوين تشكيلا عصابيا بالاشتراك مع آخرين تخصص في استقطاب الأطفال وإيوائهم بقصد استغلالهم واستخدامهم في ارتكاب وقائع السرقة والنشل والتسول مستغلين حالة الضعف وقلة الوعي لديهم نظير اعطائهم عطايا مالية وبتاريخ سابق على محاكمة المتهم الطفل الماثل استغلته سالفة الذكر وحرضته على سرقة المنقولات موضوع السرقة، فسرقها وسلمها إياها خوفاً من تهديداتها وطمعاً في الحصول على الرعاية والماوي الذي تقدمه له، وعليه قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: وحيث إن الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها وجدانها، مستخلصة من سائر أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة، تتحصل في أن المتهم "طارق. م"، طفلاً يبلغ من العمر إثني عشر عاماً تقريباً لم يحالفه الحظ لينال قدراً من التعليم ثم أوقعته الأقدار في براثن من تدعى: "منى. ف"، وذلك بعد أن انفصمت عرى أسرته وتخلي عنه والديه وكان المفترض فيهما أن يكونا خير سند ومعين لطفولته الا أنهما نكصا عن التزاماتهما الشرعية والاجتماعية والقانونية قبله فقد يكون أقرب الناس رحماً أشدهم عداوة فتركا فلذة كبدهما مطية لمن شاء فشملته ابنة عمته المجنى عليها "منى. ج" برعاية مؤقتة ثم لم تلبث إلا وأن تركته ولم توليه إلا قسوة وصدودا.
المحكمة تعطى درساً في الحياة وكشف معادن الناس
وأوضحت: وواكب ذلك وزامنه وقوعه في براثن المذكورة سلفا والتي لم تجد الرحمة سبيلا لقلبها، واستغلت ذلك الصغير وأطفالا آخرين أوقعتهم ظروف الحياة القاسية في طريقها، فاستغلت صغر سنهم وحاجتهم ونقص إدراكهم وقلة وعيهم ولم ترأف بحالهم بل حرضتهم بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى على ارتكاب وقائع السرقة والتي لم يجد الصغير الماثل مفراً من ارتكابها، فأمرته بسرقة المجني عليها، فأطاعها خشية علي نفسه من بطشها وعجزاً عن دراً تهديداتها وحفاظاً منه على الملاذ الأمن الذي كانت توفره له للمبيت وخوفاً من انقطاع طعاما كانت تقدمه له ورعاية لطالما حرم منها، ولولا أن جعل الله الخوف في قلوب الناس لأهلكوا أنفسهم، وتحت وطأة خوفه ورهبته وحاجته عاد اليها بالمسروقات المبينة وصفا وقدراً بالتحقيقات صاغراً وقدمها لها قرباناً لنجاته وضماناً لاستمرار رعايتها له.
وتضيف "المحكمة": وهكذا هي الحياة تكشف اللثام وتفرز مواقفها المعادن وتجلي أحداثها الأصدقاء من سواهم أناس انتزعت مروءاتهم وذبلت مبادئهم وسائت أخلاقهم ولم تجد الرحمة سبيلاً لقلوبهم من أي عجينة أنتم ومن أي صلب أتيتم، ان هذة المدعوة "مني. ف" قد امتلأ قلبها غدراً وعقلها فكراً جانحاً وجرها شيطانها بزمام اللعنة الي الغدر والخيانة فراحت تنازعها شهوات حبها لأكل أموال الناس بالباطل إلا أن تجني على نفسها الجناية الكبرى وتسعي الي الهلاك السعاية القصوى، فما كان عاقبة أمرها إلا الندامة والخسران، ولا يظنن عاقل أن عند مثولها موقف الحساب والمحاكمة قادر على إعادة الإنسانية في نفسها، لأن الجريمة قد روتها بلبانها وسقتها قسوة وصلفا فاستحالت جمادا لا شعور فيه ولا حياء، أطاعت البغي وجناحته واستسلمت للجور وسطوته وغرها بالله الغرور.
المحكمة تصل لثغرة "إرادة المتهم"
أما عن موضوع الدعوى، قالت "المحكمة": وبالرغم من أنه قد ثبت للمحكمة أن المتهم سرق المنقولات موضوع التداعي أخذا من اقراره أمام هيئة المحكمة ومن أقوال "المجني عليها"، وتحريات المباحث وهو الأمر الذي يتحقق به الركن المادى الجريمة السرقة إلا أن النموذج الاجرامي لتلك الجريمة لم يكتمل لإنهيار الركن المعنوي كون إرادة المتهم كانت منعقدة على إرادة من تدعي: "مني. ف" وأنه قد ارتكب تلك الجريمة دون إرادة حرة واعية، وإنما ارتكبها تحت وطأة تهديدات سالفة الذكر على النحو الذي بينته المحكمة في مستهل حكمها سيما، وأن نيته لم تتجه لتملك تلك المنقولات، وإنما سلمها مباشرة لسالفة الذكر الأمر الذي ينهار معه الركن المعنوي للجريمة، مما يتعين معه والحال كذلك القضاء ببراءة المتهم على نحو ما سيرد بالمنطوق.
وبحسب "المحكمة": وحيث أن المحكمة وبعد أن فرغت من موضوع الدعوي وبصفتها هي الأمينة والمحافظة على المجتمع ومصالحة وتقف دائما وأبدا كمنصف بين أطرافه حفاظا علي الحقوق، طالما وجدت جورا وظلما وما كانت أبدا لتغض الطرف عما تجده أمامها من أفعال مشيئة تهدر الحقوق والحريات فانها تحيل الأوراق للنيابة العامة، لاتخاذ شؤنها قبل واقعة الاتجار بالبشر الثابتة بالأوراق ضد من تدعى "منى. ف" وآخرين لإرتكابهم جريمة الاتجار بالبشر المؤلمة في ضوء المواد 2، 3، 5 من القانون رقم 64 لسنة 2020 على نحو ما سيرد بالمنطوق.
المادة 96 من القانون 12 لسنة 1996 بشأن الطفل
وتضيف "المحكمة": وحيث أنه وبشأن التصرف في الطفل الماثل: فإنه ولما كانت المادة 96 من القانون 12 لسنة 1996 بشأن الطفل تنص على أنه: بعد الطفل معرضاً للخطر، إذا وجد في حالة تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها له، وذلك في أي من الأحوال الآتية:
1-إذا تعرض أمنه أو أخلاقه أو صحته أو حياته للخطر.
2-إذا كانت ظروف تربيته في الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها من شأنها أن تعرضه للخطر أو كان معرضاً للإهمال أو للإساءة أو العنف أو الاستغلال أو التشرد.
3-إذا حرم الطفل، بغير مسوغ، من حقه ولو بصفة جزئية في حضانة أو رؤية أحد والديه أو من له الحق في ذلك.
4-إذا تخلى عنه الملتزم بالإنفاق عليه أو تعرض لفقد والديه أو أحدهما أو تخليهما أو متولي أمره عن المسئولية قبله.
5-إذا حرم الطفل من التعليم الأساسي أو تعرض مستقبله التعليمي للخطر.
6-إذا تعرض داخل الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها للتحريض على العنف أو الأعمال المنافية للآداب أو الأعمال الإباحية أو الاستغلال التجاري أو التحرش أو الاستغلال الجنسي أو الاستعمال غير المشروع للكحوليات أو المواد المخدرة المؤثرة على الحالة العقلية.
7-إذا وجد متسولاً، وبعد من أعمال التسول عرض سلع أو خدمات تافهة أو القيام بألعاب بهلوانية وغير ذلك مما لا يصلحمورداً جدياً للعيش.
8-إذا مارس جمع أعقاب السجاير أو غيرها من الفضلات والمهملات.
9-إذا لم يكن له محل إقامة مستقر أو كان يبيت عادة في الطرقات أو في أماكن أخرى غير معدة للإقامة أو المبيت.
10-إذا خالط المنحرفين أو المشتبه فيهم أو الذين اشتهر عنهم سوء السيرة.
11-إذا كان سيء السلوك ومارقاً من سلطة أبيه أو وليه أو وصيه أو متولي أمره، أو من سلطة أمه في حالة وفاة وليه أو غيابه أو عدم أهليته، ولا يجوز في هذه الحالة اتخاذ أي إجراء قبل الطفل، ولو كان من إجراءات الاستدلال، إلا بناء على شكوى من أبيه أو من وليه أو وصيه أو أمه أو متولي أمره بحسب الأحوال.
12-إذا لم يكن للطفل وسيلة مشروعة للتعيش ولا عائل مؤتمن.
13-إذا كان مصاباً بمرض بدني أو عقلي أو نفسي أو ضعف عقلي وذلك على نحو يؤثر في قدرته على الإدراك أو الاختيار بحيث يخشى: من هذا المرض أو الضعف على سلامته أو سلامة الغير.
14-إذا كان الطفل دون سن السابعة وصدرت منه واقعة تشكل جناية أو جنحة.
وتؤكد "المحكمة": وفيما عدا الحالات المنصوص عليها في البندين "3" و"4"، يعاقب كل من عرض طفلاً لإحدى حالات الخطر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولما كان ذلك وكان قد تبين للمحكمة بعد أن بسطت سلطانها على كافة ظروف وملابسات الواقعة على النحو الذي بينته تفصيلا في مستهل حكمها أن الطفل معرضا للخطر ولا مأوي له الأمر الذي تقضي معه المحكمة باستمرار ايداعه بإحدي دور الرعاية الاجتماعية بوصف كونه طفلا معرضا للخطر وليس محكوما عليه على نحو ما سيرد بالمنطوق .
فلهذة الأسباب حکمت المحكمة حضورياً:
أولاً: بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً ببراءة الطفل "طارق. م" من الاتهام المسند اليه .
ثانياً: استمرار ايداع الطفل إحدي دور الرعاية الاجتماعية بوصفه طفلاً معرضاً للخطر وليس محكوماً عليه.
ثالثاً: إحالة الأوراق للنيابة العامة لإتخاذ شئونها حيال واقعة الإتجار بالبشر المثارة بالأوراق.