واصل سعر الدولار تراجعها أمام الجنيه المصري، والذي بدأ رحلة الانخفاض منذ بداية الشهر الماضي أغسطس 2025، وكسر حاجز الـ48 جنيها لأسفل في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء ليسجل 47.95 جنيه للدولار، ويتوقع أن يواصل تراجعه خلال الفترة المقبلة، نتيجة عدة عوامل مهمة أثرت على قيمة الجنيه المصري.
أول هذه العوامل، هو تراجع الدين الخارجي لمصر وهو مرشح للتراجع بقوة، خصوصا مع الإعلان عن تحويل الودائع العربية من قطر والسعودية إلى استثمارات مباشرة، والتي وتقدر بـ 18 مليار دولار لكل من السعودية وقطر والكويت وهو ما يساهم بشكل كبير في خفض إلتزامات السداد الخارجية وكذلك إعلان الحكومة على العمل على استهداف الدين العام في الفترة المقبلة للوصول إلى مستويات مقبلة اقتصادية ومحفزة للاستثمار .
ثاني هذه العوامل، هو الارتفاع القياسي في تحويلات المصريين العاملين في الخارج، حيث قال البنك المركزى المصرى، منذ أيام إن السنة المالية 2024/2025 شهدت تدفقات قياسية في تحويلات المصـريين العاملين بالخارج، حيث سجلت نحو 36.5 مليار دولار، بمعدل زيادة 66.2% (مقابل نحو 21.9 مليار دولار خلال السنة المالية 2023/2024).
كما ارتفعت التحويلات خلال الربع الأخير من العام المالي 2024/2025 (الفترة أبريل/يونيو 2025) بمعدل 34.2% على أساس سنوي لتصل إلى نحو 10.0 مليار دولار (مقابل نحو 7.5 مليار دولار خلال الفترة أبريل/يونيو 2024).
وعلى المستوى الشهري، حققت التحويلات خلال شهر يونيو أعلى مستوى شهري مسجل تاريخيًا بمعدل زيادة بلغ 40.7% على أساس سنوي لتصل إلى نحو 3.6 مليار دولار (مقابل نحو 2.6 مليار دولار خلال شهر يونيو 2024).
ثالت العوامل التي ستساهم في تراجع قيمة الدولار هي تراجع سعر الفائدة، حيث قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركــزى المصـرى فى اجتماعهـا يــوم الخميس الموافـــق 28 أغسطس 2025 خفض سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 200 نقطة أساس إلى 22.00% و23.00% و22.50%، على الترتيب.
كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 22.50%، ويأتى هذا القرار انعكاسا لتقييم اللجنة لآخر تطورات التضخم وتوقعاته منذ اجتماعها السابق، وهو ما سيساهم بشكل في دعم النمو الاقتصادي من خلال زيادة الاستثمارات المحلية.
رابع العوامل، هو ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي حيث تشير التقديرات الأولية للبنك المركزى المصرى إلى تحقيق معدل نمو اقتصادى أعلى خلال الربع الثانى من عام 2025 مقارنة بالتوقعات السابقة، مدفوعا بالمساهمات الموجبة من قطاعات الصناعات التحويلية غير البترولية والسياحة.
وتشير توقعات البنك المركزى المصرى إلى توسع النشاط الاقتصادى بمعدل 5.4% خلال الربع الثانى من عام 2025، ليسجل العام المالى 2024/2025 معدل نمو حقيقى قدره 4.5% فى المتوسط مقارنة بمعدل 2.4% فى العام المالى 2023/2024.
ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن الضغوط التضخمية من جانب الطلب سوف تظل محدودة، مدعومة بالسياسة النقدية الحالية ومتسقة مع المسار النزولى المتوقع للتضخم على المدى القصير، وفيما يخص سوق العمل، فقد تراجع معدل البطالة إلى 6.1% فى الربع الثانى من عام 2025 مقابل 6.3% فى الربع الأول من عام 2025.
خامسا، التحسن الكبير في قطاع السياحة وقناة السويس، حيث حقق قطاع 18 مليون سائح رغم الازمات السياسية المحيطة بالشرق الأوسط، ومن المتوقع ارتفاع العدد كثيرا مع الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير المقرر افتتاحه في نوفمبر المقبل .
سادسا، ابرام عشرات المشروعات الاستثمارية الأجنبية المباشرة، والتي سيتم تنفيذه في الفترة المقبلة، سواء في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أو في الساحل الشمالي أو غيرها وكان آخرها مشروع مراسي البحر الأحمر الذي تم الإعلان عنه مؤخرا باستثمارات سعودية إماراتية تتجاوز 900 مليار جنيه.
سابعا، تأكيد عدد من المؤسسات المالية الدولية مثل بنك "غولدمان ساكس" في تقرير حديث أن الجنيه المصري لا يزال مقوّمًا بأقل من قيمته العادلة بنحو 30%، ما يعزز فرصه في تحقيق ارتفاع خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل استمرار تدفقات المحافظ الاستثمارية وتحسن المؤشرات النقدية.
وأشار التقرير إلى أن استقرار الجنيه منذ خفض قيمته في مارس 2024، واختفاء الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية، يعكسان تزايد ثقة الأسواق في سياسة سعر الصرف، رغم التحديات الجيوسياسية في المنطقة.
هذه العوامل وغيرها ستكون المحرك لتراجع قيمة صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري، بالإضافة إلى العوامل الخارجية الخاصة بالدولار، حيث يشهد تراجعا في الأسواق العالمية نتيجة خلاف الرئيس الأمريكي مع مسئولي البنك الفدرالي حول تخفيض سعر الفائدة .