أصدرت الدائرة المدنية "هـ" – بمحكمة النقض – حكماً فريداً من نوعه، يهم ملايين المتعاملين بـ"التوكيل"، رسخت خلاله لعدة مبادئ قضائية بشأن ضوابط ومعايير إلغاء "التوكيل"، قالت فيه: "جواز الغاء التوكيل دون موافقة الطرف الاخر ولو ورد به نص البيع للنفس أو للغير أو لا يجوز الغاؤه إلا بحضور الطرفين، ما لم يتضمن نصوص قاطعة وصريحة بوجود مصلحة للوكيل أو الغير باستمرار الوكالة".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 7910 لسنة 91 قضائية، لصالح المحامى بالنقض يحيى سعد، برئاسة المستشارمحمد بدر عزت، وعضوية المستشارين عزالدين عبدالخالق، وهانى محمد صميده، وجمال أبو كريشة، وهشام عزالدين، وبحضور كل من رئيس النيابة محمد محمد مسعود، وأمانة سر مجدي حسن على.
الوقائـع.. شخص يوكل أخر بـ"عقد وكالة" لبيع شقته
الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وأوراق الطعن – تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 4056 لسنة 2018 مدني كلي شمال القاهرة على المطعون ضدهما بطلب الحكم بإلغاء عقد الوكالة رقم 10151 حرف "د" لسنة 2016 توثيق مدينة نصر، وقال بياناً لذلك أنه وبصفته وكيلاً عن "أ. ح" وكل بموجب التوكيل المشار إليه المطعون ضده الأول في بيع الشقة المبينة بالصحيفة، وإذ مضي على تلك الوكالة عامان ولم يقم ببيعها، فقد أقام الدعوى.
الموكل يرغب في إلغاء عقد الوكالة
وفى تلك الأثناء - حكمت المحكمة برفض الدعوى، ثم استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1946 لسنة 23 ق، وبتاريخ 10/3/2021 قضت المحكمة برفض الاستئناف، وتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة، فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
محكمتى أول وثانى درجة ترفضان إلغاء عقد الوكالة
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن الطعن أقيم على سببين ينعي بهما الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن عقد الوكالة المطلوب إلغائه في حقيقته "عقد سمسرة"، كلف بموجبه المطعون ضده الأول ببيع العين محل هذا العقد بأعلى سعر، ولم يصدره لمصلحته، وإذ واجه الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه هذا الدفاع بأن عبارات التوكيل تضمنت صراحة النص على حق الوكيل – المطعون ضده الأول – في البيع للنفس والغير وهو ما لا يصلح رداً على دفاعه هذا، إذ أن تلك العبارة وحدها لا تقطع بتوافر مصلحة المطعون ضده الأول، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
الموكل يطعن أمام النقض لهذه الأسباب
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في المادة 715 من القانون المدني على أنه: "يجوز للموكل في أي وقت أن ينهي الوكالة أو يقيدها ولو وجد اتفاق يخالف ذلك….2-على أنه إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لصالح أجنبي فلا يجوز للموكل أن ينهى الوكالة أو يقيدها دون رضاء من صدرت الوكالة لصالحه"، يدل وعلى ما ورد بالأعمال التحضيرية للقانون المدني – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الوكالة – كأصل عام – عقد غير لازم، فيجوز للموكل بإرادته المنفردة عزل الوكيل أو إنهاء وكالته أو تقييدها، ولو وجد اتفاق يحظر عليه ذلك، لأن جواز عزل الموكل للوكيل قاعدة متعلقة بالنظام العام.
النقض تضع ضوابط إلغاء عقد الوكالة
وبحسب "المحكمة": ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها إلا أنه – استثناء من هذا الأصل – إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو الأجنبي، فلا يجوز للموكل عزل الوكيل أو تقييد وكالته بإرادته المنفردة، بل لابد أن يوافقه على ذلك من صدرت الوكالة لصالحه، فإذا استقل الموكل بعزل الوكيل أو تقييد وكالته دون رضا من صدرت لصالحه، فإن تصرفه يكون باطلاً، وتبقى الوكالة سارية وتنصرف أثارها إلى الموكل، ويقصد بالمصلحة الواردة بهذا النص هي كل منفعة تعود على الوكيل أو الغير من استمرار الوكالة أو كل ضرر يقع بسبب إلغائها، ويجب أن تكشف عنها نصوص عقد الوكالة بشكل قاطع وصريح أو تكشف عنها أمور واقعية – تقف عليها المصلحة وفقاً لكل حالة على حده – تدل على أن إلغاء الوكالة أو تقييدها يفوت على من صدرت الوكالة لصالحه المنفعة من إبرامها، ولا يكفي استخلاصها من النص في عقد الوكالة على حق الوكيل في البيع للنفس أو للغير.
وتضيف "المحكمة": إذ أن هذه العبارة بذاتها لا تقطع بتوافر المصلحة ما لم تساندها أدلة أو قرائن تستنبطها المحكمة من الواقع في الدعوى، ويقع على عاتق الوكيل أو الغير عبء إثبات توافر هذه المصلحة، وتقديم الدليل عليها، وتستخلصها المحكمة من الأدلة المطروحة عليها باعتبارها من مسائل الواقع بشرط أن يكون استخلاصها سائغاً، كما أنه من المقرر أن إغفال الحكم بحث دفاع جوهري أبداه الخصم أو مجابهة هذا الدفاع بما لا يصلح رداً سائغاً مترتب عليه بطلان الحكم للقصور في الأسباب الواقعية.
النقض: جواز الغاء التوكيل دون موافقة الطرف الأخر
لما كان ذلك، وكان الثابت بصحيفتي الدعوى والاستئناف – المرفقين بصحيفة الطعن – أن الطاعن تمسك بدفاعه سالف البيان بسببي الطعن، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد واجه هذا الدفاع بأن التوكيل المطلوب إلغائه تضمن النص على حق المطعون ضده الأول في البيع لنفسه وللغير وخلص من ذلك إلى أن التوكيل قد صدر لصالحه ورتب على ذلك قضاءه برفض الدعوى، رغم أن عبارات الوكيل لا تنهض بذاتها دليلاً على أن تلك الوكالة صادرة لصالح المطعون ضده الأول وبما لا يواجه دفاع الطاعن سالف البيان ولا يصلح رداً عليه، وقد حجبه ذلك عن بحث الإرادة المشتركة لطرفي الوكالة وبحث دفاع الطاعن بانتفاء تلك المصلحة، بما يعيبه بالقصور ويوجب نقضه.
لذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة، وألزمت المطعون ضده الأول المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.