يعد النمو الاقتصادى حجر الأساس فى تحقيق التنمية المستدامة لأى دولة، غير أن هذا النمو لا يُقاس فقط بمعدلاته الكلية، بل يتحدد جوهره بمدى تنوع مصادره وتوازن مساهمة القطاعات المختلفة فيه، فالاقتصاد الذى يعتمد على قطاع واحد، كالنفط على سبيل المثال، يظل عرضة للتقلبات الخارجية والمخاطر المرتبطة بأسعار الأسواق العالمية، بينما الاقتصاد المتنوع القائم على مزيج من الأنشطة الإنتاجية والخدمية يكون أكثر قدرة على الصمود ومواجهة الأزمات، فضلا عن تحقيق الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى على المدى البعيد.
وفى هذا الإطار، تكشف لنا البيانات الدقيقة الواردة بخطة الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المقدمة من وزيرة التخطيط رانيا المشاط، إلى البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب، الشيوخ)، عن المساهمة القطاعية فى النمو الاقتصادى فهم أعمق للمحركات الرئيسية للاقتصاد الوطنى، خلال الفترة القادمة (2025/2026) وحتى (2028/2029)، والتى تعكس بشكل واضح لا لبس فيه أن الاقتصاد المصرى يسير نحو تنويع هيكلة الإنتاجى، الأمر الذى يُسهم فى تقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات أسعار النفط، ويعزز مناعة الاقتصاد أمام الأزمات.
إذ إن المقارنة بين الفترتين تكشف عن مسار واضح يتمثل فى التحول من اقتصاد يعتمد بشكل أكبر على النفط إلى اقتصاد أكثر تنوعا، وأن القطاعات غير النفطية، لاسيما التحويلية والتجارية والخدمية، بدأت تفرض حضورا متزايدا فى النمو، وهو ما ينسجم مع خطط الإصلاح الاقتصادى الرامية إلى تنويع مصادر الدخل الوطنى.
ومن خلال استعراض بيانات عامى 2025/2026 و 2028/2029، يتضح أن الاقتصاد يشهد اقتصاد أكثر تنوعا، حيث تزايدت مساهمة القطاعات التحويلية والتجارية والخدمية فى النمو، فى مقابل تراجع نسبى لمساهمة قطاع النفط ، الأمر الذى يعكس نجاح السياسات الاقتصادية الرامية إلى إعادة هيكلة الاقتصاد، وتحقيق التوازن بين القطاعات المختلفة بما يضمن استدامة النمو ويعزز مناعة الاقتصاد الوطنى فى مواجهة التحديات العالمية والإقليمية.
ووفقا لوثيقة خطة التنمية الاقتصادية، تأتى قطاعات الاستخراجات والصناعة التحويلية والتشييد والبناء وتجارة الجملة والتجزئة فى مقدمة النشاطات ذات الإسهام الإيجابى المرتفع فى النمو حيث تقدر مساهمتها مجتمعة بنحو 67% من النمو الاقتصادى المستهدف لعام 28/29.
ووفقا لخطة التنمية، فإنه من المتوقع أن تبقى هذه الأنشطة على مكانتها فى مركز الصدارة (عدا قطاع الاستخراجات) مع تحسن نسبى ملحوظ فى مُساهمة الصناعة التحويلية التى ترتفع حصتها من 20% إلى نحو 23% ، والتشييد والبناء من 19.6% إلى 21.7%، وتجارة الجملة والتجزئة من 10.4% إلى 13.2%.
كما يُنتظر، وفقا لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المقدمة من الحكومة، تحسن مشاركة قطاع السياحة بحيث ترتفع مساهمته فى النمو من 5.5% فى العام الأول من الخطة إلى 6.9% فى نهايتها.