منذ عدة أيام تعرضت والدة الزميلة الصحفية إيمان على لواقعة نصب إلكترونى باسم البنك الأهلي، وذلك من خلال تلقيها اتصال من شاب ادعى عمله في البنك الأهلي، وبدأ المكالمة معاها عن فيزا المشتريات وعلمه أنها وقفتها، وبعد ذلك بدأ يتحدث عن حسابها وتفاصيل كثيرة خاصة بها وبحسابها، تحت مبرر إنه يقوم بعمل تحديث للبيانات، وحينما رفضت الوالدة بعد أن أخبرته أنها تقوم بعمل التحديث اللازم بالبنك، أخبرها المُحتال أن هذه خدمة جديدة لكبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة، توفيراً لهم للجد والمشقة والوقت.
ثم واصل "المُحتال" بالضغط عليها حيث أكد لها أنه توجد مشكلة كبيرة في الحساب، ولابد من عمل تحديث، وإلا سيتم غلق الحساب، ما يضطرها بالذهاب للفرع لرد الأموال، وتستكمل الزميلة إيمان على بقولها: "مصدقتوش، راح بلغها بإسم الفرع ومدير البنك واسمه والكود الخاص بيه والحقيقة أنه ذكر جزء من المعلومات الخاصة بحسابها، فصدقت وبدأت تديله البيانات، والاحتيال من النصاب للأسف كان واضح ويقدر يكشفه أي شاب زينا، لكن النصاب استغل كبر السن عند والدتي، وعدم وعيها بالنظم الإلكترونية، واقنع أمي أنه بيعمل ما يسمى بإعادة تنشيط للحساب، ومن هنا كانت الكارثة، وبعد ما خوفها بشكل بشع عن غلق حسابها وأنه الفلوس هتروح عليه، أمي أعطته بعض البيانات".
جرائم تُرتكب ضد كبار السن وذوى الإحتياجات الخاصة
وتابعت: "ومع الأسف.. بدأت تقتنع وتمشي مع طلباته علشان التنشيط المزعوم للحساب، وللأسف تم تحويل المبالغ على أكتر من مرة في لحظة تغفيل واستغلال منه لـ(قلة) وعي أمي، وترهيبها بشكل غريب من خلال معرفته بعض البيانات عنها، وقدر يعمل جريمته، ليتم سحب 135 الف من حسابها، وتم تحرير محضر قُيد برقم 5276 لسنة 2025 إداري الوراق، وبعد كدة روحنا مباحث الأموال العامة وعملوا ملف برقم المحضر المسجل في قسم الوراق وكان في تفهم وتلقي واستيعاب للي حصل وتبين أنه الرقم اللي كلمها من حد فى المنيا، إحنا هنا أمام تشكيل عصابي بيستخدم لغة - وكأنها تنويم مغناطيسي - وعارف هو بيخاطب مين وهم فئة كبار السن وأصحاب المعاشات، واللي الحقيقة رغم حملات التوعية إلا أنه لازال ليهم لغتهم اللي قادرة تخوف وتستقطب كبار السن للتجاوب معهم".
واستطردت: "أغرب ما في الأمر أن الفلوس أتحولت على عدد من المحافظ الإليكترونية النشطة التابعه لعدد من شركات الاتصالات، فياريت توعوا أهاليكم بخطورة النوع دا من المكالمات، وأن بياناتهم دي محدش ينفع يطلع عليها، ولو حتى فيه مشكلة بحسابهم البنكي، البنك نفسه هيحلها، مهما كان حجم اللي يتقالهم اقفل واتصل انت بالبنك بنفسك وشوف حقيقة اللي اتقالك صح ولا".
صعود التكنولوجيا المالية... وتحديات الاحتيال
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني والمحامى صالح جمال عمار، في ظل التطور المذهل للخدمات المالية الرقمية، تبرز تحديات جمة، لعل أهمها الاحتيال الإلكتروني، فكيف يحميك القانون المصري؟ وما هي أبرز أساليب الاحتيال التي يجب أن تحذر منها؟ فلم تعد المعاملات المالية تقتصر على الفروع البنكية والمكاتب التقليدية، واليوم يمكنك إدارة أموالك، الاستثمار، وحتى الحصول على قروض بضغطة زر، أو نقرة على شاشة عبر هاتفك الذكي، هذه الثورة الرقمية، المعروفة باسم التكنولوجيا المالية "FinTech"، جلبت معها سرعة وكفاءة غير مسبوقة، لكن مع كل ابتكار، تظهر ثغرات يستغلها ضعاف النفوس.
ما هو الاحتيال الإلكتروني؟
وبحسب "عمار" في تصريح لـ"برلماني": الاحتيال الإلكتروني ليس مجرد "نصب" تقليدي؛ إنه جريمة معقدة تستخدم أحدث التقنيات لخداع الأفراد والمؤسسات، لك أن تخيل يتم سرقة هويتك الرقمية، أو استنزاف حسابك المصرفي دون علمك، فهذا هو الواقع المرير الذي يسعى القانون لمواجهته، ويمكن تعريف الاحتيال الإلكتروني بأنه أي فعل غير مشروع يتم ارتكابه باستخدام الوسائل الإلكترونية "كالإنترنت، الهواتف الذكية، البرامج الحاسوبية" بهدف الحصول على منفعة مادية أو معنوية بطرق تدليسية، أو الإضرار بالغير، ويشمل ذلك انتحال الشخصية، اختراق الحسابات، التلاعب في البيانات، أو إرسال روابط خادعة "Phishing" تؤدي إلى سرقة معلومات سرية مثل بيانات البطاقات البنكية.
القانون المصري في مواجهة الاحتيال الإلكتروني
وبحسب "عمار": أدرك القانون المصري أهمية حماية الفضاء الرقمي، فصدرت قوانين قوية لتجريم هذه الأفعال وحماية الضحايا، وإليك أبرزها:
1-قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018: والذي يجرم العديد من الأفعال الإجرامية المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات، ومن بينها بعض صور الاحتيال الإلكتروني بشكل صريح: حيث نظم الفصل الثاني المعنون "الفصل الثانى": الجرائم المرتكبة بواسطة أنظمة وتقنيات المعلومات؛ جرائم الأحتيال والاعتداء على بطاقات البنوك والخدمات و أدوات الدفع الإلكترونى.
-المادة 23: والتي تشدد العقوبة على جرائم تزوير بطاقات الائتمان أو وسائل الدفع الإلكتروني أو استخدامها بدون وجه حق؛ وتعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتى ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا توصل من ذلك إلى الاستيلاء لنفسه أو لغيره على تلك الخدمات أو مال الغير.
-المادة 24: والتي تعاقب كل من اصطنع بريداً إلكترونياً أو موقعاً أو حساباً خاصاً ونسبه زوراً إلى شخص طبيعى أو اعتبارى، وتشدد العقوبة إذا استخدم ذلك فى أمر يسئ إلى ما نسب إليه، وتشدد أكثر إذا وقعت الجريمة على أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، لتصل إلى السجن، والغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه .
-المادة 25: تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته.
-المادة 27: تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد عن ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا خاصًا على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا.
2-قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020: والذي يعزز هذا القانون حماية المعاملات المصرفية الإلكترونية وينظم عمل مؤسسات التكنولوجيا المالية، ويفرض عقوبات على الاحتيال المصرفي. تلتزم مؤسسات التكنولوجيا المالية باتخاذ تدابير تأمينية صارمة لحماية بيانات العملاء وفقًا للمادة (14) من القانون.
3-قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937: على الرغم من وجود القانون المتخصص بشأن جرائم تقنية المعلومات، يمكن أن تطبق بعض مواد قانون العقوبات على جرائم الاحتيال الإلكتروني بالقياس على جرائم النصب التقليدية (المواد 336 وما بعدها)، في حال توافر أركانها، إذا لم يوجد نص خاص وأكثر تفصيلًا باعتباره الأصل العام في العقاب.
4-قانون مكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002 وتعديلاته: غالبًا ما ترتبط جرائم الاحتيال الإلكتروني بغسل الأموال، حيث يحاول الجناة إخفاء مصادر أموالهم غير المشروعة.
5-قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020: والذي يهدف إلى حماية بيانات الأفراد من أي انتهاك أو سوء استخدام، وهو أمر حيوي في سياق جرائم الاحتيال الإلكتروني التي تعتمد على سرقة البيانات.
كيف تتعرف على الاحتيال الإلكتروني؟ أبرز الأساليب الشائعة
الوقاية خير من العلاج لتجنب الوقوع ضحية، تعرف على أبرز أساليب الاحتيال الشائعة:
-التصيد الاحتيالي (Phishing): رسائل بريد إلكتروني أو نصوص تبدو وكأنها من جهة موثوقة (بنك، شركة اتصالات، جهة حكومية) تطلب منك النقر على رابط وإدخال بياناتك الشخصية أو المصرفية.
نصيحة: دائمًا تحقق من عنوان البريد الإلكتروني أو رقم الهاتف، ولا تنقر على روابط مشبوهة.
انتحال الشخصية الرقمية: يقوم المحتال بإنشاء حسابات وهمية أو صفحات مزيفة لشركات أو شخصيات معروفة بهدف خداعك وسرقة معلوماتك أو أموالك.
نصيحة: تحقق من علامة التوثيق للحسابات الرسمية، وتأكد من رابط الموقع الإلكتروني.
البرامج الضارة (Malware) وبرامج الفدية (Ransomware): برامج خبيثة تتسلل إلى جهازك لسرقة بياناتك، أو تشفيرها وطلب فدية لإعادتها.
نصيحة: استخدم برامج حماية قوية، ولا تفتح مرفقات من مصادر غير معروفة.
الاحتيال عبر الرسائل النصية القصيرة (Smishing): رسائل نصية قصيرة تحتوي على روابط ضارة أو تطلب معلومات حساسة، غالبًا ما تدعي أنها عروض وهمية أو تحديثات أمنية.
نصيحة: كن حذرًا من أي رسالة تثير الشك، ولا تستجب للطلبات الفورية.
-المكالمات الاحتيالية (Vishing): مكالمات هاتفية يدعي المتصل فيها أنه من البنك أو جهة رسمية ويطلب منك بياناتك بحجة تحديث البيانات أو حل مشكلة ما.
نصيحة: لا تفصح عن أي معلومات حساسة عبر الهاتف، وإذا ساورك الشك، اتصل بالجهة المعنية مباشرة عبر رقمها الرسمي.
-الاحتيال عبر منصات التجارة الإلكترونية: عروض وهمية أو منتجات مغشوشة، أو عمليات تحويل أموال غير مكتملة.
-التلاعب في أنظمة الدفع الإلكتروني والتحويلات البنكية: استغلال ثغرات أمنية في التطبيقات أو الأنظمة لسرقة الأموال.
ما هي العقوبات؟ وماذا تفعل إذا وقعت ضحية؟
ويضيف "عمار": تتراوح العقوبات المقررة لجرائم الاحتيال الإلكتروني في القانون المصري بين الحبس "لا تقل عن ستة أشهر" والغرامة المالية "تبدأ من 50 ألف جنيه وتصل إلى 300 ألف جنيه في بعض الحالات"، وقد تصل إلى السجن المشدد إذا ترتب على الجريمة ضرر جسيم، أو كانت الجريمة جزءًا من تنظيم إجرامي، أو استهدفت أنظمة حساسة.
إذا وقعت ضحية للاحتيال الإلكتروني، لا تتردد
-أبلغ الجهات المختصة فورًا: قدم بلاغًا إلى النيابة العامة المصرية أو الإدارة العامة لمكافحة جرائم الإنترنت (قطاع الأمن المعلوماتي بوزارة الداخلية). كل دقيقة مهمة.
-اجمع الأدلة: احتفظ بأي رسائل، صور شاشة، روابط، عناوين بريد إلكتروني، أو تفاصيل قد تساعد في التحقيق.
-أبلغ البنك/الجهة المالية: إذا كان الاحتيال يتعلق بحساباتك المالية، أبلغ البنك فورًا لتجميد أي عمليات مشبوهة.
-اطلب تعويضًا: يجوز لك رفع دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بك.
التحديات والمستقبل: حماية رقمية مستمرة
على الرغم من الجهود التشريعية الكبيرة، لا تزال هناك تحديات تواجه مكافحة الاحتيال الإلكتروني:
* الطبيعة العابرة للحدود للجرائم: غالبًا ما يكون الجناة خارج النطاق الجغرافي للدولة، مما يصعب عملية القبض عليهم وملاحقتهم.
* التطور المستمر لأساليب الاحتيال: يتطلب ذلك تحديثًا مستمرًا للتشريعات وتطويرًا لمهارات المحققين والخبراء.
* صعوبة جمع الأدلة الرقمية: قد يتم مسح الأدلة أو إخفائها، مما يتطلب تقنيات متطورة لاسترجاعها.
* الوعي المجتمعي: يفتقر الكثير من الأفراد والمؤسسات إلى الوعي الكافي بمخاطر الاحتيال الإلكتروني وكيفية الوقاية منها.
لتعزيز المواجهة القانونية وتحقيق أقصى درجات الحماية، نقترح:
* تعزيز التعاون الدولي: تفعيل الاتفاقيات الدولية وتبادل المعلومات مع الدول الأخرى لمكافحة الجرائم العابرة للحدود.
* الاستثمار في بناء القدرات: تدريب وتأهيل القضاة وأعضاء النيابة العامة وضباط الشرطة والخبراء في مجال التحقيق الجنائي الرقمي.
* التوعية المجتمعية المكثفة: تنظيم حملات توعية مستمرة للمواطنين والمؤسسات حول مخاطر الاحتيال الإلكتروني وكيفية حماية أنفسهم وبياناتهم.
* التحديث المستمر للتشريعات: مراجعة وتحديث القوانين لتواكب التطورات التكنولوجية وأساليب الجريمة المستجدة.
* تطوير البنية التحتية التكنولوجية: تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية في مجال التحقيق الجنائي الرقمي وتوفير الأدوات والتقنيات اللازمة.
نصائح ذهبية لحماية أمانك الرقمي
* كن يقظًا دائمًا: الشك هو مفتاح الأمان في الفضاء الرقمي. لا تصدق كل ما تراه أو تقرأه على الإنترنت بسهولة.
* استخدم كلمات مرور قوية ومختلفة: ولا تشاركها مع أحد. استخدم مدير كلمات مرور لمساعدتك.
* فعل التحقق بخطوتين (2FA): يضيف طبقة حماية إضافية لحساباتك. لا تستخدمها فقط على الإيميل ولكن على كل حساباتك المهمة.
* حدث برامجك وأنظمتك باستمرار: التحديثات غالبًا ما تتضمن إصلاحات أمنية.
* لا تضغط على روابط مشبوهة: حتى لو بدت من مصدر موثوق. قم دائمًا بالتحقق من مصدر الرسالة أولًا.
* تحقق من هوية المرسل: قبل الاستجابة لأي طلبات، خاصة تلك التي تطلب بيانات حساسة.
* كن حذرًا من العروض المغرية جدًا لدرجة لا تُصدق: غالبًا ما تكون فخًا لسرقة أموالك أو بياناتك!
* ثقف نفسك باستمرار: تابع آخر أخبار الاحتيال وأساليبه. المعرفة هي أقوى سلاح لك.
* راجع بيانات معاملاتك بانتظام: وبلّغ فورًا عن أي حركة مشبوهة في حساباتك البنكية أو تطبيقات الدفع.
خلاصة القول
خلاصة القول – يقول "عمار": يمثل الاحتيال الإلكتروني تهديدًا حقيقيًا للأفراد والمؤسسات والاقتصاد الرقمي. وقد قطع القانون المصري شوطًا كبيرًا في مواجهة هذه الجرائم من خلال إصدار تشريعات متخصصة وتحديد عقوبات رادعة، ومع ذلك، فإن الطبيعة المتطورة لهذه الجرائم تتطلب استمرار الجهود على الصعيد التشريعي والتنفيذي والتوعوي، لضمان بيئة رقمية آمنة وموثوقة تدعم نمو التكنولوجيا المالية وتحمي مستخدميها من المخاطر المحتملة.